العدد : ١٧٣١٣ - الأحد ١٧ أغسطس ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٣ صفر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣١٣ - الأحد ١٧ أغسطس ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٣ صفر ١٤٤٧هـ

وقت مستقطع

علي ميرزا

معركة فكرية

يخطئ‭ ‬من‭ ‬يتصور‭ ‬أن‭ ‬الانتصارات‭ ‬الرياضية‭ ‬تنتزع‭ ‬فقط‭ ‬بالقوة‭ ‬البدنية‭ ‬أو‭ ‬المهارات‭ ‬الفنية،‮ ‬فالمواجهة‭ ‬الرياضية،‭ ‬في‭ ‬حقيقتها،‭ ‬تبدأ‭ ‬من‭ ‬العقول‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تنطلق‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬الملعب،‭ ‬إنها‭ ‬معركة‭ ‬فكرية‭ ‬وعقلية،‭ ‬أبطالها‭ ‬المدربون‭ ‬بخططهم‭ ‬وتحليلاتهم،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يتسلم‭ ‬اللاعبون‭ ‬زمامها‭ ‬في‭ ‬اللحظة‭ ‬التي‭ ‬تطلق‭ ‬فيها‭ ‬صافرة‭ ‬البداية‭.‬

المدرب‭ ‬هو‭ ‬القائد‭ ‬الفعلي‭ ‬للمواجهة،‭ ‬فدوره‭ ‬لا‭ ‬يقتصر‭ ‬على‭ ‬وضع‭ ‬التشكيلة‭ ‬أو‭ ‬إدارة‭ ‬التبديلات،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬من‭ ‬يقرأ‭ ‬منافسيه،‭ ‬ويفكك‭ ‬أساليبهم،‭ ‬ويزرع‭ ‬الأفكار‭ ‬في‭ ‬عقول‭ ‬لاعبيه‭ ‬قبل‭ ‬كل‭ ‬مباراة،‭ ‬فمعارك‭ ‬المباريات‭ ‬تبدأ‭ ‬من‭ ‬غرف‭ ‬الاجتماعات‭ ‬ومن‭ ‬جلسات‭ ‬التحليل‭ ‬المصور،‭ ‬إذ‭ ‬يرسم‭ ‬المدرب‭ ‬سيناريوهات‭ ‬المواجهة،‭ ‬ويضع‭ ‬لكل‭ ‬لحظة‭ ‬خطتها‭ ‬البديلة‭.‬

إن‭ ‬المواجهة‭ ‬بين‭ ‬فريقين‭ ‬ليست‭ ‬فقط‭ ‬بين‭ ‬اللاعبين،‭ ‬وإنما‭ ‬مواجهة‭ ‬بين‭ ‬عقلين‭: ‬عقل‭ ‬كل‭ ‬مدرب،‭ ‬وقدرته‭ ‬على‭ ‬استباق‭ ‬خطوات‭ ‬الآخر،‭ ‬عبر‭ ‬زرع‭ ‬القناعة‭ ‬لدى‭ ‬لاعبيه‭ ‬بأنهم‭ ‬قادرون‭ ‬على‭ ‬الانتصار‭.‬

الفارق‭ ‬في‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المباريات‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬في‭ ‬المهارات‭ ‬أو‭ ‬اللياقة،‭ ‬بل‭ ‬في‭ ‬الجاهزية‭ ‬الذهنية،‭ ‬فالفريق‭ ‬الأكثر‭ ‬استيعابا‭ ‬للخطة،‭ ‬والأهدأ‭ ‬في‭ ‬اتخاذ‭ ‬القرارات‭ ‬داخل‭ ‬الملعب،‭ ‬هو‭ ‬الأقرب‭ ‬للنجاح‭. ‬التركيز،‭ ‬الثقة،‭ ‬الصبر،‭ ‬والمرونة‭ ‬الذهنية‭ ‬هي‭ ‬عناصر‭ ‬تتكون‭ ‬في‭ ‬العقل،‭ ‬لكنها‭ ‬تظهر‭ ‬بوضوح‭ ‬في‭ ‬لحظة‭ ‬الحقيقة‭.‬

وهنا‭ ‬يظهر‭ ‬بعد‭ ‬آخر‭ ‬للمدرب،‭ ‬فدوره‭ ‬لا‭ ‬يقتصر‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬وضع‭ ‬الخطط،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬المحفز‭ ‬الذهني،‭ ‬والموجه‭ ‬النفسي،‭ ‬وهو‭ ‬الذي‭ ‬يمسك‭ ‬بالتوازن‭ ‬حينما‭ ‬تضطرب‭ ‬الأعصاب‭ ‬في‭ ‬اللحظات‭ ‬الحاسمة‭.‬

في‭ ‬الألعاب‭ ‬الرياضية‭ ‬الجماعية،‭ ‬يقال‭ ‬إن‭ ‬ما‭ ‬يتردد‭ ‬في‭ ‬غرف‭ ‬الملابس‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬الأوقات‭ ‬المستقطعة‭ ‬قد‭ ‬يغير‭ ‬مجرى‭ ‬المباراة،‭ ‬على‭ ‬اعتبار‭ ‬أنها‭ ‬لحظات‭ ‬يعيد‭ ‬فيها‭ ‬المدربون‭ ‬ترتيب‭ ‬الأوراق،‭ ‬وتقييم‭ ‬ما‭ ‬حصل،‭ ‬وطرح‭ ‬تعديلات‭ ‬سريعة‭ ‬تواكب‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬حاصل‭. ‬وقد‭ ‬تكون‭ ‬الكلمة‭ ‬التي‭ ‬تقال‭ ‬حينها‭ ‬أبلغ‭ ‬من‭ ‬تمرين‭ ‬شاق‭ ‬أو‭ ‬خطة‭ ‬مفصلة،‭ ‬لأنها‭ ‬تخاطب‭ ‬العقول‭ ‬المتعبة،‭ ‬وتعيد‭ ‬برمجتها‭ ‬على‭ ‬القتال‭ ‬الذهني‭.‬

لا‭ ‬أحد‭ ‬يختلف‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الخطط‭ ‬التكتيكية‭ ‬هي‭ ‬أساس‭ ‬الأداء‭ ‬الحديث،‭ ‬لكن‭ ‬هذه‭ ‬الخطط‭ ‬ليست‭ ‬ناجحة‭ ‬بذاتها،‭ ‬بل‭ ‬بمدى‭ ‬ذكاء‭ ‬تطبيقها‭ ‬ومرونة‭ ‬التأقلم‭ ‬معها،‭ ‬ولهذا‭ ‬فإن‭ ‬المواجهة‭ ‬ليست‭ ‬فقط‭ ‬فيمن‭ ‬يملك‭ ‬خطة‭ ‬أفضل،‭ ‬بل‭ ‬فيمن‭ ‬يملك‭ ‬الذكاء‭ ‬الكافي‭ ‬لتحويرها،‭ ‬أو‭ ‬كسرها،‭ ‬أو‭ ‬مجاراتها‭ ‬بحسب‭ ‬سير‭ ‬المباراة‭.‬

وخلاصة‭ ‬الحكاية،‭ ‬أن‭ ‬المباراة‭ ‬لا‭ ‬تبدأ‭ ‬في‭ ‬الملعب،‭ ‬بل‭ ‬قبله‭ ‬بكثير،‭ ‬في‭ ‬عقول‭ ‬المدربين‭ ‬الهادئة،‭ ‬فالمعركة‭ ‬الرياضية‭ ‬الحقيقية‭ ‬لا‭ ‬تخاض‭ ‬بالأجساد‭ ‬وحدها،‭ ‬بل‭ ‬بالعقول‭ ‬أولا‭.‬

إقرأ أيضا لـ"علي ميرزا"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا