وقت مستقطع

علي ميرزا
معركة فكرية
يخطئ من يتصور أن الانتصارات الرياضية تنتزع فقط بالقوة البدنية أو المهارات الفنية، فالمواجهة الرياضية، في حقيقتها، تبدأ من العقول قبل أن تنطلق على أرض الملعب، إنها معركة فكرية وعقلية، أبطالها المدربون بخططهم وتحليلاتهم، قبل أن يتسلم اللاعبون زمامها في اللحظة التي تطلق فيها صافرة البداية.
المدرب هو القائد الفعلي للمواجهة، فدوره لا يقتصر على وضع التشكيلة أو إدارة التبديلات، بل هو من يقرأ منافسيه، ويفكك أساليبهم، ويزرع الأفكار في عقول لاعبيه قبل كل مباراة، فمعارك المباريات تبدأ من غرف الاجتماعات ومن جلسات التحليل المصور، إذ يرسم المدرب سيناريوهات المواجهة، ويضع لكل لحظة خطتها البديلة.
إن المواجهة بين فريقين ليست فقط بين اللاعبين، وإنما مواجهة بين عقلين: عقل كل مدرب، وقدرته على استباق خطوات الآخر، عبر زرع القناعة لدى لاعبيه بأنهم قادرون على الانتصار.
الفارق في كثير من المباريات لا يكون في المهارات أو اللياقة، بل في الجاهزية الذهنية، فالفريق الأكثر استيعابا للخطة، والأهدأ في اتخاذ القرارات داخل الملعب، هو الأقرب للنجاح. التركيز، الثقة، الصبر، والمرونة الذهنية هي عناصر تتكون في العقل، لكنها تظهر بوضوح في لحظة الحقيقة.
وهنا يظهر بعد آخر للمدرب، فدوره لا يقتصر فقط على وضع الخطط، بل هو المحفز الذهني، والموجه النفسي، وهو الذي يمسك بالتوازن حينما تضطرب الأعصاب في اللحظات الحاسمة.
في الألعاب الرياضية الجماعية، يقال إن ما يتردد في غرف الملابس أو في الأوقات المستقطعة قد يغير مجرى المباراة، على اعتبار أنها لحظات يعيد فيها المدربون ترتيب الأوراق، وتقييم ما حصل، وطرح تعديلات سريعة تواكب ما هو حاصل. وقد تكون الكلمة التي تقال حينها أبلغ من تمرين شاق أو خطة مفصلة، لأنها تخاطب العقول المتعبة، وتعيد برمجتها على القتال الذهني.
لا أحد يختلف على أن الخطط التكتيكية هي أساس الأداء الحديث، لكن هذه الخطط ليست ناجحة بذاتها، بل بمدى ذكاء تطبيقها ومرونة التأقلم معها، ولهذا فإن المواجهة ليست فقط فيمن يملك خطة أفضل، بل فيمن يملك الذكاء الكافي لتحويرها، أو كسرها، أو مجاراتها بحسب سير المباراة.
وخلاصة الحكاية، أن المباراة لا تبدأ في الملعب، بل قبله بكثير، في عقول المدربين الهادئة، فالمعركة الرياضية الحقيقية لا تخاض بالأجساد وحدها، بل بالعقول أولا.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك