وقت مستقطع

علي ميرزا
سؤال للنقاش
يتردد أحيانا في الأوساط الرياضية سؤال جوهري: هل قوة الدوري المحلي في أي لعبة تفرز بالضرورة منتخبا وطنيا قويا ومنافسا؟
سؤال يبدو بسيطا، لكنه يخفي خلفه سلسلة من التعقيد ترتبط بالبنية التحتية الرياضية، ومستوى الاستثمار في الأندية، ومدى ارتباط العمل المحلي بمنظومة المنتخبات، لكن المفارقة الكبرى أن الإجابة لا تكون دائماً بـ نعم؟ وتجربة منتخبنا للكرة الطائرة، المتوج مؤخرا بلقب بطولة أمم آسيا 2025، تشكل مثالا حيا يعيد طرح السؤال من زاوية مختلفة.
على مستوى المعايير الفنية والتسويقية، لا يصنف دورينا ضمن دوريات النخبة آسيويا فعدد الفرق محدود، والاحتراف لا يزال في عتباته الأولى، والحضور الجماهيري كما نعرف غالبا ما يقتصر على بعض المباريات، ومع ذلك نجح هذا الدوري في خلق بيئة تكوينية ساعدت على تفريخ عناصر دولية عالية المستوى، شكلت لاحقا نواة المنتخب المتوج.
لكن هذا النجاح لم يكن نتيجة مباشرة لقوة الدوري، وإنما جاء نتيجة استراتيجية وطنية واضحة المعالم، اعتمدت على تطوير اللاعبين منذ فئات الناشئين، وخلق فرص احتكاك خارجي على مستويي الأندية والمنتخب.
وما ميز منتخبنا لم يكن وفرة النجوم المحترفين في الخارج، ولا كثافة المشاركة المحلية، بل التجانس وروح المجموعة التي تأسست عبر سنوات من العمل الصبور سوى كان في الأندية أو المنتخب، وهذا غرس في لاعبيه فلسفة اللعب الجماعي والانضباط التكتيكي والروح الوطنية.
وقد أظهر المنتخب في البطولة الآسيوية قدرات عالية على مستوى التنظيم، الصبر الذهني، والرد التكتيكي، متفوقا على منتخبات تملك دوريات محترفة.
في المقابل، هناك دول عديدة تملك دوريات قوية لا تترجم بالضرورة إلى منتخبات قوية، يعود السبب إلى غياب التناغم بين الأندية والاتحاد، أو ضعف البرامج الوطنية لاكتشاف المواهب، أو الاعتماد المفرط على المحترفين دون الاستثمار في اللاعبين المحلية.
فالدوري القوي لا يثمر منتخبا قوياً إلا إذا توافر ربط مؤسسي واضح بين الأندية والمنتخب، وتم تسخير البيئة المحلية لصالح الهدف الوطني.
المنتخب القوي لا يصنع فقط من خلال دورٍ محلي قوي، بل من خلال مشروع وطني طويل الأمد، يعطي الأولوية للهوية الوطنية، والاستقرار الفني، وتطوير القاعدة، وتنظيم الاحتكاك الدولي.
والدوري القوي قد يساعد، لكنه ليس شرطا، بينما التخطيط الاستراتيجي والالتزام الوطني هما جوهر الإنجاز.
في الرياضة كما في الحياة، ليست الأدوات بحد ذاتها هي التي تصنع الفرق، بل الطريقة التي تستخدم بها، وطائرتنا استخدمت أدواتها المحدودة بحكمة، فصنعت منها ذهبا آسيويا.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك