العدد : ١٧٣١٣ - الأحد ١٧ أغسطس ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٣ صفر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣١٣ - الأحد ١٧ أغسطس ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٣ صفر ١٤٤٧هـ

وقت مستقطع

علي ميرزا

سؤال للنقاش

 

يتردد‭ ‬أحيانا‭ ‬في‭ ‬الأوساط‭ ‬الرياضية‭ ‬سؤال‭ ‬جوهري‭: ‬هل‭ ‬قوة‭ ‬الدوري‭ ‬المحلي‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬لعبة‭ ‬تفرز‭ ‬بالضرورة‭ ‬منتخبا‭ ‬وطنيا‭ ‬قويا‭ ‬ومنافسا؟

سؤال‭ ‬يبدو‭ ‬بسيطا،‭ ‬لكنه‭ ‬يخفي‭ ‬خلفه‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬التعقيد‭ ‬ترتبط‭ ‬بالبنية‭ ‬التحتية‭ ‬الرياضية،‭ ‬ومستوى‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬الأندية،‭ ‬ومدى‭ ‬ارتباط‭ ‬العمل‭ ‬المحلي‭ ‬بمنظومة‭ ‬المنتخبات،‭ ‬لكن‭ ‬المفارقة‭ ‬الكبرى‭ ‬أن‭ ‬الإجابة‭ ‬لا‭ ‬تكون‭ ‬دائماً‭ ‬بـ‭ ‬نعم؟‭ ‬وتجربة‭ ‬منتخبنا‭ ‬للكرة‭ ‬الطائرة،‭ ‬المتوج‭ ‬مؤخرا‭ ‬بلقب‭ ‬بطولة‭ ‬أمم‭ ‬آسيا‭ ‬2025،‭ ‬تشكل‭ ‬مثالا‭ ‬حيا‭ ‬يعيد‭ ‬طرح‭ ‬السؤال‭ ‬من‭ ‬زاوية‭ ‬مختلفة‭.‬

على‭ ‬مستوى‭ ‬المعايير‭ ‬الفنية‭ ‬والتسويقية،‭ ‬لا‭ ‬يصنف‭ ‬دورينا‭ ‬ضمن‭ ‬دوريات‭ ‬النخبة‭ ‬آسيويا‭ ‬فعدد‭ ‬الفرق‭ ‬محدود،‭ ‬والاحتراف‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬في‭ ‬عتباته‭ ‬الأولى،‭ ‬والحضور‭ ‬الجماهيري‭ ‬كما‭ ‬نعرف‭ ‬غالبا‭ ‬ما‭ ‬يقتصر‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬المباريات،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬نجح‭ ‬هذا‭ ‬الدوري‭ ‬في‭ ‬خلق‭ ‬بيئة‭ ‬تكوينية‭ ‬ساعدت‭ ‬على‭ ‬تفريخ‭ ‬عناصر‭ ‬دولية‭ ‬عالية‭ ‬المستوى،‭ ‬شكلت‭ ‬لاحقا‭ ‬نواة‭ ‬المنتخب‭ ‬المتوج‭.‬

لكن‭ ‬هذا‭ ‬النجاح‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬نتيجة‭ ‬مباشرة‭ ‬لقوة‭ ‬الدوري،‭ ‬وإنما‭ ‬جاء‭ ‬نتيجة‭ ‬استراتيجية‭ ‬وطنية‭ ‬واضحة‭ ‬المعالم،‭ ‬اعتمدت‭ ‬على‭ ‬تطوير‭ ‬اللاعبين‭ ‬منذ‭ ‬فئات‭ ‬الناشئين،‭ ‬وخلق‭ ‬فرص‭ ‬احتكاك‭ ‬خارجي‭ ‬على‭ ‬مستويي‭ ‬الأندية‭ ‬والمنتخب‭.‬

وما‭ ‬ميز‭ ‬منتخبنا‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬وفرة‭ ‬النجوم‭ ‬المحترفين‭ ‬في‭ ‬الخارج،‭ ‬ولا‭ ‬كثافة‭ ‬المشاركة‭ ‬المحلية،‭ ‬بل‭ ‬التجانس‭ ‬وروح‭ ‬المجموعة‭ ‬التي‭ ‬تأسست‭ ‬عبر‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬العمل‭ ‬الصبور‭ ‬سوى‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬الأندية‭ ‬أو‭ ‬المنتخب،‭ ‬وهذا‭ ‬غرس‭ ‬في‭ ‬لاعبيه‭ ‬فلسفة‭ ‬اللعب‭ ‬الجماعي‭ ‬والانضباط‭ ‬التكتيكي‭ ‬والروح‭ ‬الوطنية‭.‬

وقد‭ ‬أظهر‭ ‬المنتخب‭ ‬في‭ ‬البطولة‭ ‬الآسيوية‭ ‬قدرات‭ ‬عالية‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬التنظيم،‭ ‬الصبر‭ ‬الذهني،‭ ‬والرد‭ ‬التكتيكي،‭ ‬متفوقا‭ ‬على‭ ‬منتخبات‭ ‬تملك‭ ‬دوريات‭ ‬محترفة‭.‬

في‭ ‬المقابل،‭ ‬هناك‭ ‬دول‭ ‬عديدة‭ ‬تملك‭ ‬دوريات‭ ‬قوية‭ ‬لا‭ ‬تترجم‭ ‬بالضرورة‭ ‬إلى‭ ‬منتخبات‭ ‬قوية،‭ ‬يعود‭ ‬السبب‭ ‬إلى‭ ‬غياب‭ ‬التناغم‭ ‬بين‭ ‬الأندية‭ ‬والاتحاد،‭ ‬أو‭ ‬ضعف‭ ‬البرامج‭ ‬الوطنية‭ ‬لاكتشاف‭ ‬المواهب،‭ ‬أو‭ ‬الاعتماد‭ ‬المفرط‭ ‬على‭ ‬المحترفين‭ ‬دون‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬اللاعبين‭ ‬المحلية‭.‬

فالدوري‭ ‬القوي‭ ‬لا‭ ‬يثمر‭ ‬منتخبا‭ ‬قوياً‭ ‬إلا‭ ‬إذا‭ ‬توافر‭ ‬ربط‭ ‬مؤسسي‭ ‬واضح‭ ‬بين‭ ‬الأندية‭ ‬والمنتخب،‭ ‬وتم‭ ‬تسخير‭ ‬البيئة‭ ‬المحلية‭ ‬لصالح‭ ‬الهدف‭ ‬الوطني‭.‬

المنتخب‭ ‬القوي‭ ‬لا‭ ‬يصنع‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬دورٍ‭ ‬محلي‭ ‬قوي،‭ ‬بل‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مشروع‭ ‬وطني‭ ‬طويل‭ ‬الأمد،‭ ‬يعطي‭ ‬الأولوية‭ ‬للهوية‭ ‬الوطنية،‭ ‬والاستقرار‭ ‬الفني،‭ ‬وتطوير‭ ‬القاعدة،‭ ‬وتنظيم‭ ‬الاحتكاك‭ ‬الدولي‭.‬

والدوري‭ ‬القوي‭ ‬قد‭ ‬يساعد،‭ ‬لكنه‭ ‬ليس‭ ‬شرطا،‭ ‬بينما‭ ‬التخطيط‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬والالتزام‭ ‬الوطني‭ ‬هما‭ ‬جوهر‭ ‬الإنجاز‭.‬

في‭ ‬الرياضة‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬الحياة،‭ ‬ليست‭ ‬الأدوات‭ ‬بحد‭ ‬ذاتها‭ ‬هي‭ ‬التي‭ ‬تصنع‭ ‬الفرق،‭ ‬بل‭ ‬الطريقة‭ ‬التي‭ ‬تستخدم‭ ‬بها،‭ ‬وطائرتنا‭ ‬استخدمت‭ ‬أدواتها‭ ‬المحدودة‭ ‬بحكمة،‭ ‬فصنعت‭ ‬منها‭ ‬ذهبا‭ ‬آسيويا‭.‬

 

إقرأ أيضا لـ"علي ميرزا"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا