وقت مستقطع
علي ميرزا
منطق رياضي مقلوب
بين الفينة والأخرى نجد نسبة تزيد أو تنقص من المتابعين للشأن الرياضي تتحدث بكلام ظاهره المنطق، لكنه منطق في الغالب يكون مقلوبا رأسا على عقب، صحيح أنك تجد النقاش مشتعلا، والحجج متتابعة، والعبارات تشم منها رائحة «التحليل الرياضي»، غير أنك عندما تقترب من مضمونها تكتشف أنها لا تقوم على منطق رياضي ولا هم يحزنون.
المنطق المقلوب في الرياضة يبدأ حين يحاول البعض قلب الحقائق الثابتة لتبرير عاطفة مسبقة، وبدلا من أن تقودهم النتائج إلى استنتاج منطقي، تراهم يبدأون بالنتيجة التي يريدونها، ثم يبحثون عما يبررها، إذا فاز الفريق المفضل، فالانتصار دليل عبقرية المدرب وتكامل المنظومة، أما إذا خسر، فحينها يكون التحكيم ظالما، أو الظروف صعبة، أو المنافس محظوظا، أو أن الفريق ليس في حالته ويومه الطبيعيين.
ولو كان هذا المنطق المقلوب اقتصر على بعض الجماهير لكان العذر أسبق، بل يقع في فخه أحيانا بعض المحللين والإعلاميين الذين يسقطون في فخ «التحليل التبريري»، فيخلطون بين الرأي والواقع، وبين الانطباع والعامل الفني، حينها يتحول المنطق إلى وسيلة لتجميل الموقف، لا لتفسيره، والنتيجة مشهد رياضي مشحون بالانفعالات والضجيج على حساب القراءة الموضوعية.
الرياضة في صميمها ليست رأيا بل أداء، فالأرقام لا تكذب، والملعب لا يجامل، ومع كل ذلك، يصر أعداء المنطق الرياضي على تأويل الأرقام بما يتماشى مع أهوائهم، فإذا تراجع الأداء، ظهر لنا من يقول: «المستوى لا يعكس الواقع»، وإذا تميز الخصم، قيل بأننا أعطينا المنافس فرصة كي يتفوق، وهكذا يصبح المنطق المقلوب أداة لتثبيت الوهم، لا لاكتشاف الحقيقة.
المشكلة الأخطر أن مثل هذا النمط من التفكير يضعف النقاش الرياضي العام، وبدلا أن يجعله مساحة للوعي والتحليل يحوله إلى ساحة للتبرير والمزايدات والمحصلة: جمهور مكانك سر لا يتطور، ونقد لا يبني، ومنظومة تفقد بوصلتها الموضوعية.
والسؤال الملح والذي كثيرا ما كررناه: ما الذي يمنع أن نسمي الأشياء بمسمياتها التي وضعت لها، الأحمر أحمر والأسود أسود، ألم يحن الأوان بعد كي نعيد ترتيب المفاهيم، والعودة إلى المنطق الرياضي السليم الذي يقوم على الملاحظة، والتحليل، والاعتراف بالحقائق كما هي لا كما نهواها، فالفريق الذي يخطئ ينتقد، والمنافس الذي يتفوق يحترم، والنتيجة التي لا ترضينا لا تغير من الواقع شيئا.
 
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك