العدد : ١٧٣٩٢ - الثلاثاء ٠٤ نوفمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٣ جمادى الاول ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٩٢ - الثلاثاء ٠٤ نوفمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٣ جمادى الاول ١٤٤٧هـ

وقت مستقطع

علي ميرزا

منطق رياضي مقلوب

بين‭ ‬الفينة‭ ‬والأخرى‭ ‬نجد‭ ‬نسبة‭ ‬تزيد‭ ‬أو‭ ‬تنقص‭ ‬من‭ ‬المتابعين‭ ‬للشأن‭ ‬الرياضي‭ ‬تتحدث‭ ‬بكلام‭ ‬ظاهره‭ ‬المنطق،‭ ‬لكنه‭ ‬منطق‭ ‬في‭ ‬الغالب‭ ‬يكون‭ ‬مقلوبا‭ ‬رأسا‭ ‬على‭ ‬عقب،‭ ‬صحيح‭ ‬أنك‭ ‬تجد‭ ‬النقاش‭ ‬مشتعلا،‭ ‬والحجج‭ ‬متتابعة،‭ ‬والعبارات‭ ‬تشم‭ ‬منها‭ ‬رائحة‭ ‬‮«‬التحليل‭ ‬الرياضي‮»‬،‭ ‬غير‭ ‬أنك‭ ‬عندما‭ ‬تقترب‭ ‬من‭ ‬مضمونها‭ ‬تكتشف‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تقوم‭ ‬على‭ ‬منطق‭ ‬رياضي‭ ‬ولا‭ ‬هم‭ ‬يحزنون‭.‬

المنطق‭ ‬المقلوب‭ ‬في‭ ‬الرياضة‭ ‬يبدأ‭ ‬حين‭ ‬يحاول‭ ‬البعض‭ ‬قلب‭ ‬الحقائق‭ ‬الثابتة‭ ‬لتبرير‭ ‬عاطفة‭ ‬مسبقة،‭ ‬وبدلا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬تقودهم‭ ‬النتائج‭ ‬إلى‭ ‬استنتاج‭ ‬منطقي،‭ ‬تراهم‭ ‬يبدأون‭ ‬بالنتيجة‭ ‬التي‭ ‬يريدونها،‭ ‬ثم‭ ‬يبحثون‭ ‬عما‭ ‬يبررها،‭ ‬إذا‭ ‬فاز‭ ‬الفريق‭ ‬المفضل،‭ ‬فالانتصار‭ ‬دليل‭ ‬عبقرية‭ ‬المدرب‭ ‬وتكامل‭ ‬المنظومة،‭ ‬أما‭ ‬إذا‭ ‬خسر،‭ ‬فحينها‭ ‬يكون‭ ‬التحكيم‭ ‬ظالما،‭ ‬أو‭ ‬الظروف‭ ‬صعبة،‭ ‬أو‭ ‬المنافس‭ ‬محظوظا،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬الفريق‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬حالته‭ ‬ويومه‭ ‬الطبيعيين‭.‬

ولو‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬المنطق‭ ‬المقلوب‭ ‬اقتصر‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬الجماهير‭ ‬لكان‭ ‬العذر‭ ‬أسبق،‭ ‬بل‭ ‬يقع‭ ‬في‭ ‬فخه‭ ‬أحيانا‭ ‬بعض‭ ‬المحللين‭ ‬والإعلاميين‭ ‬الذين‭ ‬يسقطون‭ ‬في‭ ‬فخ‭ ‬‮«‬التحليل‭ ‬التبريري‮»‬،‭ ‬فيخلطون‭ ‬بين‭ ‬الرأي‭ ‬والواقع،‭ ‬وبين‭ ‬الانطباع‭ ‬والعامل‭ ‬الفني،‭ ‬حينها‭ ‬يتحول‭ ‬المنطق‭ ‬إلى‭ ‬وسيلة‭ ‬لتجميل‭ ‬الموقف،‭ ‬لا‭ ‬لتفسيره،‭ ‬والنتيجة‭ ‬مشهد‭ ‬رياضي‭ ‬مشحون‭ ‬بالانفعالات‭ ‬والضجيج‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬القراءة‭ ‬الموضوعية‭.‬

الرياضة‭ ‬في‭ ‬صميمها‭ ‬ليست‭ ‬رأيا‭ ‬بل‭ ‬أداء،‭ ‬فالأرقام‭ ‬لا‭ ‬تكذب،‭ ‬والملعب‭ ‬لا‭ ‬يجامل،‭ ‬ومع‭ ‬كل‭ ‬ذلك،‭ ‬يصر‭ ‬أعداء‭ ‬المنطق‭ ‬الرياضي‭ ‬على‭ ‬تأويل‭ ‬الأرقام‭ ‬بما‭ ‬يتماشى‭ ‬مع‭ ‬أهوائهم،‭ ‬فإذا‭ ‬تراجع‭ ‬الأداء،‭ ‬ظهر‭ ‬لنا‭ ‬من‭ ‬يقول‭: ‬‮«‬المستوى‭ ‬لا‭ ‬يعكس‭ ‬الواقع‮»‬،‭ ‬وإذا‭ ‬تميز‭ ‬الخصم،‭ ‬قيل‭ ‬بأننا‭ ‬أعطينا‭ ‬المنافس‭ ‬فرصة‭ ‬كي‭ ‬يتفوق،‭ ‬وهكذا‭ ‬يصبح‭ ‬المنطق‭ ‬المقلوب‭ ‬أداة‭ ‬لتثبيت‭ ‬الوهم،‭ ‬لا‭ ‬لاكتشاف‭ ‬الحقيقة‭.‬

المشكلة‭ ‬الأخطر‭ ‬أن‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬النمط‭ ‬من‭ ‬التفكير‭ ‬يضعف‭ ‬النقاش‭ ‬الرياضي‭ ‬العام،‭ ‬وبدلا‭ ‬أن‭ ‬يجعله‭ ‬مساحة‭ ‬للوعي‭ ‬والتحليل‭ ‬يحوله‭ ‬إلى‭ ‬ساحة‭ ‬للتبرير‭ ‬والمزايدات‭ ‬والمحصلة‭: ‬جمهور‭ ‬مكانك‭ ‬سر‭ ‬لا‭ ‬يتطور،‭ ‬ونقد‭ ‬لا‭ ‬يبني،‭ ‬ومنظومة‭ ‬تفقد‭ ‬بوصلتها‭ ‬الموضوعية‭.‬

والسؤال‭ ‬الملح‭ ‬والذي‭ ‬كثيرا‭ ‬ما‭ ‬كررناه‭: ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬يمنع‭ ‬أن‭ ‬نسمي‭ ‬الأشياء‭ ‬بمسمياتها‭ ‬التي‭ ‬وضعت‭ ‬لها،‭ ‬الأحمر‭ ‬أحمر‭ ‬والأسود‭ ‬أسود،‭ ‬ألم‭ ‬يحن‭ ‬الأوان‭ ‬بعد‭ ‬كي‭ ‬نعيد‭ ‬ترتيب‭ ‬المفاهيم،‭ ‬والعودة‭ ‬إلى‭ ‬المنطق‭ ‬الرياضي‭ ‬السليم‭ ‬الذي‭ ‬يقوم‭ ‬على‭ ‬الملاحظة،‭ ‬والتحليل،‭ ‬والاعتراف‭ ‬بالحقائق‭ ‬كما‭ ‬هي‭ ‬لا‭ ‬كما‭ ‬نهواها،‭ ‬فالفريق‭ ‬الذي‭ ‬يخطئ‭ ‬ينتقد،‭ ‬والمنافس‭ ‬الذي‭ ‬يتفوق‭ ‬يحترم،‭ ‬والنتيجة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬ترضينا‭ ‬لا‭ ‬تغير‭ ‬من‭ ‬الواقع‭ ‬شيئا‭.‬

إقرأ أيضا لـ"علي ميرزا"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا