العدد : ١٧٤٠٦ - الثلاثاء ١٨ نوفمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٧ جمادى الاول ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٤٠٦ - الثلاثاء ١٨ نوفمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٧ جمادى الاول ١٤٤٧هـ

وقت مستقطع

علي ميرزا

حين ترتعد الفرائص

شهدت‭ ‬الكرة‭ ‬الطائرة‭ ‬تحولات‭ ‬فنية‭ ‬وتكتيكية‭ ‬كبيرة‭ ‬منذ‭ ‬سبعينيات‭ ‬وثمانينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬حين‭ ‬كانت‭ ‬المدرسة‭ ‬الآسيوية‭ ‬هي‭ ‬السائدة‭ ‬والمثال‭ ‬الأعلى‭ ‬في‭ ‬الأداء‭ ‬الجماعي‭ ‬المتقن،‭ ‬إذ‭ ‬كان‭ ‬اللاعب‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت‭ ‬نتاج‭ ‬منظومة‭ ‬تدريبية‭ ‬تؤمن‭ ‬بأن‭ ‬المهارة‭ ‬هي‭ ‬الأساس،‭ ‬وأن‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يتقنها‭ ‬لا‭ ‬يجد‭ ‬له‭ ‬مكانا‭ ‬في‭ ‬التشكيلة‭ ‬الأساسية‭.‬

فكان‭ ‬اللاعب‭ ‬يجيد‭ ‬بل‭ ‬يتقن‭ ‬الاستقبال‭ ‬والدفاع‭ ‬والإعداد‭ ‬والهجوم،‭ ‬ويؤدي‭ ‬أدواره‭ ‬كافة‭ ‬بكفاءة‭ ‬تجعل‭ ‬من‭ ‬الفريق‭ ‬وحدة‭ ‬متكاملة‭ ‬لا‭ ‬تهتز‭ ‬بتبدل‭ ‬المراكز‭.‬

غير‭ ‬أنه‭ ‬مع‭ ‬دخول‭ ‬اللعبة‭ ‬مرحلة‭ ‬‮«‬التخصص‮»‬‭ ‬بدأت‭ ‬الصورة‭ ‬تتبدل‭ ‬فصار‭ ‬لكل‭ ‬مركز‭ ‬مهارات‭ ‬محددة،‭ ‬وبدأنا‭ ‬نرى‭ ‬لاعبين‭ ‬ومنهم‭ ‬دوليون‭ ‬ترتعد‭ ‬فرائصهم‭ ‬وتحمر‭ ‬وجوههم‭ ‬عندما‭ ‬تأتيهم‭ ‬كرة‭ ‬ليعدوها‭ ‬أو‭ ‬يدافعوها‭ ‬أو‭ ‬يستقبلوها،‭ ‬بل‭ ‬وصل‭ ‬الأمر‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬بعضهم‭ ‬يفتقر‭ ‬إلى‭ ‬أبسط‭ ‬أساسيات‭ ‬اللعبة،‭ ‬وكأن‭ ‬مرحلة‭ ‬التكوين‭ (‬الفئات‭ ‬العمرية‭) ‬لم‭ ‬تغرس‭ ‬فيهم‭ ‬الجذور‭ ‬الصحيحة‭.‬

لا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬التخصص‭ ‬يحمل‭ ‬مزايا‭ ‬فنية‭ ‬مهمة،‭ ‬فهو‭ ‬يسمح‭ ‬بتركيز‭ ‬الجهد‭ ‬وتجويد‭ ‬الأداء‭ ‬في‭ ‬مهارة‭ ‬معينة،‭ ‬غير‭ ‬أن‭ ‬المشكلة‭ ‬تكمن‭ ‬في‭ ‬سوء‭ ‬تطبيق‭ ‬هذا‭ ‬المبدأ‭ ‬داخل‭ ‬مراحل‭ ‬التكوين‭ ‬الأولى،‭ ‬فبدل‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬التخصص‭ ‬مرحلة‭ ‬متقدمة‭ ‬تأتي‭ ‬بعد‭ ‬الإلمام‭ ‬الشامل‭ ‬بأساسيات‭ ‬اللعبة،‭ ‬أصبح‭ ‬يفرض‭ ‬مبكرا‭ ‬على‭ ‬الناشئين،‭ ‬فتختزل‭ ‬تجربتهم‭ ‬التدريبية‭ ‬في‭ ‬جانب‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬جوانب‭ ‬اللعب،‭ ‬مما‭ ‬يفرخ‭ ‬لاعبين‭ ‬محدودي‭ ‬وناقصي‭ ‬القدرات،‭ ‬يسهل‭ ‬‮«‬كسرهم‮»‬‭ ‬تكتيكيا‭ ‬عند‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬تنويع‭ ‬الأدوار‭.‬

السؤال‭ ‬الجوهري‭ ‬هنا‭: ‬ماذا‭ ‬إذن‭ ‬يتعلم‭ ‬اللاعبون‭ ‬ويتدربون‭ ‬عليه‭ ‬طيلة‭ ‬وجودهم‭ ‬في‭ ‬فرق‭ ‬الفئات‭ ‬العمرية؟

إذا‭ ‬كانت‭ ‬تلك‭ ‬المرحلة‭ ‬هي‭ ‬المختبر‭ ‬الحقيقي‭ ‬لبناء‭ ‬المهارة‭ ‬وصقلها،‭ ‬فمن‭ ‬غير‭ ‬المقبول‭ ‬أن‭ ‬يخرج‭ ‬منها‭ ‬لاعب‭ ‬لا‭ ‬يحسن‭ ‬أداء‭ ‬مهارات‭ ‬اللعبة،‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬الخلل‭ ‬يكمن‭ ‬في‭ ‬فلسفة‭ ‬التدريب‭ ‬نفسها،‭ ‬التي‭ ‬باتت‭ ‬تركز‭ ‬على‭ ‬النتائج‭ ‬السريعة‭ ‬والمواصفات‭ ‬البدنية‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬تركيزها‭ ‬على‭ ‬الجودة‭ ‬المهارية‭. ‬وكأننا‭ ‬نريد‭ ‬لاعبين‭ ‬بمعلومات‭ ‬جسمانية‭ ‬ولو‭ ‬بمهارات‭ ‬ضعيفة،‭ ‬فنفقد‭ ‬روح‭ ‬اللعبة‭ ‬في‭ ‬سبيل‭ ‬أرقام‭ ‬ومظاهر‭.‬

الأمر‭ ‬يشبه‭ ‬تماما‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬التعليم‭: ‬ماذا‭ ‬نرتجي‭ ‬من‭ ‬معلم‭ ‬رياضيات‭ ‬لا‭ ‬يجيد‭ ‬العمليات‭ ‬الأساسية‭ ‬من‭ ‬جمع‭ ‬وطرح‭ ‬وضرب؟‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬معلم‭ ‬لغة‭ ‬عربية‭ ‬يفتقر‭ ‬إلى‭ ‬علم‭ ‬النحو‭ ‬والصرف‭ ‬والبلاغة‭ ‬والتذوق‭ ‬الأدبي؟‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬للعقل‭ ‬أن‭ ‬يبدع‭ ‬في‭ ‬تخصص‭ ‬دقيق‭ ‬وهو‭ ‬لم‭ ‬يؤسس‭ ‬جيدا‭ ‬في‭ ‬القواعد‭ ‬العامة‭. ‬وكذلك‭ ‬في‭ ‬الرياضة،‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬للاعب‭ ‬أن‭ ‬يبدع‭ ‬في‭ ‬مركزه‭ ‬وهو‭ ‬لا‭ ‬يملك‭ ‬قاعدة‭ ‬مهارية‭ ‬عريضة‭ ‬تعينه‭ ‬على‭ ‬التكيف‭ ‬مع‭ ‬ظروف‭ ‬اللعب‭ ‬المختلفة‭.‬

إن‭ ‬إعادة‭ ‬الاعتبار‭ ‬لفلسفة‭ ‬اللاعب‭ ‬الشامل‭ ‬ليست‭ ‬عودة‭ ‬إلى‭ ‬الوراء‭ ‬كما‭ ‬يبدو‭ ‬للآخرين،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬استعادة‭ ‬للجوهر‭ ‬المفقود‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬التخصص‭ ‬المفرط،‭ ‬المطلوب‭ ‬أن‭ ‬تبنى‭ ‬برامج‭ ‬الفئات‭ ‬العمرية‭ ‬على‭ ‬مبدأ‭ ‬الشمول‭ ‬في‭ ‬التعلم‭ ‬والتكامل‭ ‬في‭ ‬المهارة،‭ ‬بحيث‭ ‬يكون‭ ‬التخصص‭ ‬مرحلة‭ ‬نضج‭ ‬لا‭ ‬نقطة‭ ‬انطلاق‭. ‬فالمهارة‭ ‬هي‭ ‬اللغة‭ ‬التي‭ ‬يفهم‭ ‬بها‭ ‬اللاعب‭ ‬اللعبة،‭ ‬ومن‭ ‬لا‭ ‬يجيد‭ ‬لغتها‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يبدع‭ ‬فيها،‭ ‬مهما‭ ‬بلغت‭ ‬قدراته‭ ‬البدنية‭.‬

إقرأ أيضا لـ"علي ميرزا"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا