وقت مستقطع

علي ميرزا
الحكم.. صفاء الذهن
عندما يقف الحكم الأول للكرة الطائرة على سلم التحكيم المرتفع، هذا السلم ليس مجرد مكان لمتابعة الأحداث بوضوح، بل هو مسرح ذهني يتحتم عليه «أي الحكم» أن يحافظ على صفاء ذهنه وسط عاصفة من الصخب الجماهيري، الإثارة، السرعة، والحركات الفنية التي قد تسيل لعاب أي متابع.
فالحكم الأول هو القائد الميداني للتحكيم، وتقع على عاتقه مهام دقيقة، تحتاج منه إلى قرارات فورية، هذه المسؤوليات تتطلب صفاء ذهنيا عالي الجودة، وانتباها مستمرا، لأن أي غياب ولو لثانية قد يحول مسار المباراة أو يخلق اعتراضا من هنا أو هناك أو حتى جماعيا.
لماذا نشدد على ذلك؟ لأن الكرة الطائرة، بطبيعتها، لعبة إيقاعية وسريعة، تمزج بين القوة والدقة، وبين الارتقاء واللمسات الناعمة، ومن هنا فإن مشهد اللاعب القافز لضرب الكرة قد يخطف الأنفاس، وتمريرات المعد بسرعة الضوء قد تثير دهشة حتى أكثر المتابعين خبرة، وتقلبات النتيجة المفاجئة من شأنها هي الأخر تزيد من الحماس، وترفع مستوى «الأدرينالين» في صالة اللعب.
وفي وسط هذا المشهد المتداخل، يبقى الحكم الأول ليس رجلا آليا، بل إنسان يملك مشاعر وتفاعلات داخلية، وهنا يكمن التحدي: كيف يحافظ على حياده الذهني أمام كل هذه المشاهد التي تحدث أمام عينيه؟
نظريا، يمكن أن ينجذب الحكم الأول للحظات لافتة في اللعب، خاصة إذا كانت المواجهة حامية الوطيس وبين فريقين قويين، أو إذا شهدت لقطات فنية نادرة الحدوث، فالحكم هنا ربما يندمج على طريقتين، اندماج إيجابي، إذ ربما يأخذه الحماس دون أن يؤثر ذلك على دقة قراراته، بل قد يزيد من تركيزه لأن اندماجه استمتاعي مع المحافظة على الانضباط، وقد يندمج اندماجا سلبيا إذ يسرح للحظة مع اللعبة أو يعجب بلقطة، مما قد يؤدي لتأخر أو خطأ في القرار، ولذا لا بد من فصل المشاعر عن القرارات، فالحكم لا يشجع ولا يتأثر بمستوى الأداء الفني.
وخلاصة ما نريد أن نؤكد عليه هنا، بأن الحكم الأول مهما بلغت خبرته، يبقى إنسانا أمام متعة وسحر الكرة الطائرة، ولكن عليه إزاء ذلك أن لا يسمح لهذا السحر أن يسرق تركيزه أو حياده، فالصافرة يجب أن تبقى عقلانية حتى لو كان قلبه يهتز مع إيقاع الكرة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك