العدد : ١٧٣١٣ - الأحد ١٧ أغسطس ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٣ صفر ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣١٣ - الأحد ١٧ أغسطس ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٣ صفر ١٤٤٧هـ

وقت مستقطع

علي ميرزا

الحكم.. صفاء الذهن

عندما‭ ‬يقف‭ ‬الحكم‭ ‬الأول‭ ‬للكرة‭ ‬الطائرة‭ ‬على‭ ‬سلم‭ ‬التحكيم‭ ‬المرتفع،‭ ‬هذا‭ ‬السلم‭ ‬ليس‭ ‬مجرد‭ ‬مكان‭ ‬لمتابعة‭ ‬الأحداث‭ ‬بوضوح،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬مسرح‭ ‬ذهني‭ ‬يتحتم‭ ‬عليه‭ ‬‮«‬أي‭ ‬الحكم‮»‬‭ ‬أن‭ ‬يحافظ‭ ‬على‭ ‬صفاء‭ ‬ذهنه‭ ‬وسط‭ ‬عاصفة‭ ‬من‭ ‬الصخب‭ ‬الجماهيري،‭ ‬الإثارة،‭ ‬السرعة،‭ ‬والحركات‭ ‬الفنية‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تسيل‭ ‬لعاب‭ ‬أي‭ ‬متابع‭.‬

فالحكم‭ ‬الأول‭ ‬هو‭ ‬القائد‭ ‬الميداني‭ ‬للتحكيم،‭ ‬وتقع‭ ‬على‭ ‬عاتقه‭ ‬مهام‭ ‬دقيقة،‭ ‬تحتاج‭ ‬منه‭ ‬إلى‭ ‬قرارات‭ ‬فورية،‭ ‬هذه‭ ‬المسؤوليات‭ ‬تتطلب‭ ‬صفاء‭ ‬ذهنيا‭ ‬عالي‭ ‬الجودة،‭ ‬وانتباها‭ ‬مستمرا،‭ ‬لأن‭ ‬أي‭ ‬غياب‭ ‬ولو‭ ‬لثانية‭ ‬قد‭ ‬يحول‭ ‬مسار‭ ‬المباراة‭ ‬أو‭ ‬يخلق‭ ‬اعتراضا‭ ‬من‭ ‬هنا‭ ‬أو‭ ‬هناك‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬جماعيا‭.‬

لماذا‭ ‬نشدد‭ ‬على‭ ‬ذلك؟‭ ‬لأن‭ ‬الكرة‭ ‬الطائرة،‭ ‬بطبيعتها،‭ ‬لعبة‭ ‬إيقاعية‭ ‬وسريعة،‭ ‬تمزج‭ ‬بين‭ ‬القوة‭ ‬والدقة،‭ ‬وبين‭ ‬الارتقاء‭ ‬واللمسات‭ ‬الناعمة،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬فإن‭ ‬مشهد‭ ‬اللاعب‭ ‬القافز‭ ‬لضرب‭ ‬الكرة‭ ‬قد‭ ‬يخطف‭ ‬الأنفاس،‭ ‬وتمريرات‭ ‬المعد‭ ‬بسرعة‭ ‬الضوء‭ ‬قد‭ ‬تثير‭ ‬دهشة‭ ‬حتى‭ ‬أكثر‭ ‬المتابعين‭ ‬خبرة،‭ ‬وتقلبات‭ ‬النتيجة‭ ‬المفاجئة‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬هي‭ ‬الأخر‭ ‬تزيد‭ ‬من‭ ‬الحماس،‭ ‬وترفع‭ ‬مستوى‭ ‬‮«‬الأدرينالين‮»‬‭ ‬في‭ ‬صالة‭ ‬اللعب‭.‬

وفي‭ ‬وسط‭ ‬هذا‭ ‬المشهد‭ ‬المتداخل،‭ ‬يبقى‭ ‬الحكم‭ ‬الأول‭ ‬ليس‭ ‬رجلا‭ ‬آليا،‭ ‬بل‭ ‬إنسان‭ ‬يملك‭ ‬مشاعر‭ ‬وتفاعلات‭ ‬داخلية،‭ ‬وهنا‭ ‬يكمن‭ ‬التحدي‭: ‬كيف‭ ‬يحافظ‭ ‬على‭ ‬حياده‭ ‬الذهني‭ ‬أمام‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬المشاهد‭ ‬التي‭ ‬تحدث‭ ‬أمام‭ ‬عينيه؟

نظريا،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬ينجذب‭ ‬الحكم‭ ‬الأول‭ ‬للحظات‭ ‬لافتة‭ ‬في‭ ‬اللعب،‭ ‬خاصة‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬المواجهة‭ ‬حامية‭ ‬الوطيس‭ ‬وبين‭ ‬فريقين‭ ‬قويين،‭ ‬أو‭ ‬إذا‭ ‬شهدت‭ ‬لقطات‭ ‬فنية‭ ‬نادرة‭ ‬الحدوث،‭ ‬فالحكم‭ ‬هنا‭ ‬ربما‭ ‬يندمج‭ ‬على‭ ‬طريقتين،‭ ‬اندماج‭ ‬إيجابي،‭ ‬إذ‭ ‬ربما‭ ‬يأخذه‭ ‬الحماس‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يؤثر‭ ‬ذلك‭ ‬على‭ ‬دقة‭ ‬قراراته،‭ ‬بل‭ ‬قد‭ ‬يزيد‭ ‬من‭ ‬تركيزه‭ ‬لأن‭ ‬اندماجه‭ ‬استمتاعي‮ ‬‭ ‬مع‭ ‬المحافظة‭ ‬على‭ ‬الانضباط،‭ ‬وقد‭ ‬يندمج‭ ‬اندماجا‭ ‬سلبيا‭ ‬إذ‭ ‬يسرح‭ ‬للحظة‭ ‬مع‭ ‬اللعبة‭ ‬أو‭ ‬يعجب‭ ‬بلقطة،‭ ‬مما‭ ‬قد‭ ‬يؤدي‭ ‬لتأخر‭ ‬أو‭ ‬خطأ‭ ‬في‭ ‬القرار،‭ ‬ولذا‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬فصل‭ ‬المشاعر‭ ‬عن‭ ‬القرارات،‭ ‬فالحكم‭ ‬لا‭ ‬يشجع‭ ‬ولا‭ ‬يتأثر‭ ‬بمستوى‭ ‬الأداء‭ ‬الفني‭.‬

وخلاصة‭ ‬ما‭ ‬نريد‭ ‬أن‭ ‬نؤكد‭ ‬عليه‭ ‬هنا،‭ ‬بأن‭ ‬الحكم‭ ‬الأول‭ ‬مهما‭ ‬بلغت‭ ‬خبرته،‭ ‬يبقى‭ ‬إنسانا‭ ‬أمام‭ ‬متعة‭ ‬وسحر‭ ‬الكرة‭ ‬الطائرة،‭ ‬ولكن‭ ‬عليه إزاء‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬يسمح‭ ‬لهذا‭ ‬السحر‭ ‬أن‭ ‬يسرق‭ ‬تركيزه‭ ‬أو‭ ‬حياده،‭ ‬فالصافرة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تبقى‭ ‬عقلانية‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬قلبه‭ ‬يهتز‭ ‬مع‭ ‬إيقاع‭ ‬الكرة‭.‬

إقرأ أيضا لـ"علي ميرزا"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا