عالم يتغير

فوزية رشيد
إيران.. لكي تنقذ نفسها والأمن الإقليمي!
{ حاليًا والمنطقة تعيش حلقة جديدة من سلسلة الأزمات التي مرّت عليها خلال العقود الماضية، فإن هذه المرحلة تتسم بدورها بالخطورة البالغة، خاصة إذا لم تنجح المفاوضات الأمريكية – الإيرانية! حيث البديل المطروح هو نشوب حرب جديدة قد تجرُّ بدورها إلى حرب أوسع تحت سقف التهديدات الأمريكية وتهديدات الكيان الصهيوني، وبالمقابل التهديدات الإيرانية وذراعها الأكثر نشاطًا هذه الفترة وهو «الحوثي» رغم الضربات الأمريكية الموجهة له، والتي تسببت في النهاية بمقتل العشرات من المدنيين!
{ لم تكن صدفة زيارة وزير الدفاع السعودي سمو الأمير «خالد بن سلمان» لإيران وتسليم «خامنئي» رسالة قيل إنها خطية من «الملك سلمان»، وحيث التقى إلى جانبه الرئيس الإيراني ورئيس المجلس الأعلى للأمن الإيراني، من باب الحرص على تهدئة التهديدات المحيطة بالأمن الإقليمي!، وقد تعاملت طهران مع هذه الزيارة باهتمام كبير وحفاوة استثنائية، لما تدركه من الثقل العربي والإسلامي والإقليمي والدولي للسعودية، التي عقدت معها اتفاقية سابقة في «بكين» قبل عامين، وتحدث بدوره «خامنئي» أثناء الزيارة عن التكامل بين البلدين، وتوسيع العلاقات وتطويرها والتعاون في مجالات كثيرة ومختلفة، فما أهمية توقيت هذه الزيارة قبل بدء المفاوضات الثنائية في روما بإيطاليا في ظل ما كشفته «نيويورك تايمز» عن قرار «ترامب» بوقف عدوان عسكري «إسرائيلي» على المنشآت النووية الإيرانية وترك المساحة للمفاوضات.
{ السعودية وهي تقود اليوم الدبلوماسية الخليجية والعربية، برؤية إحلال الأمن والسلام في المنطقة، لتنفيذ رؤية أخرى تتعلق بالتنمية الشمولية في السعودية والخليج بل وفي كل المنطقة والإقليم، فيما المنطقة محاصرة بتحديات وتهديدات جيواستراتيجية وسياسية بالغة التعقيد، وهذا ما يشي بفحوى الرسالة السعودية إلى إيران، فإذا كانت هناك رؤية نحو التكامل والتعاون التي أطلقها «خامنئي» نفسه وقبله عدد من المسؤولين الإيرانيين بعد «اتفاق بكين»، فلا بدّ من أن تُجنب إيران نفسها أية ضربات عسكرية نوعية سواء من واشنطن أو الكيان الصهيوني، بالتفكير مليًا في مصلحة إيران الشعب والدولة ومصلحة الأمن الإقليمي، ليدخل المسار السلمي الذي تريده إيران نفسها حسب تصريحات مسؤوليها، مادامت لا تعمل على عسكرة ملفها النووي وإنتاج قنبلة نووية، وإنما تريد برنامجا نوويا سلميا! وهذا يدعو إلى فتح منشآتها النووية كاملة للتفتيش والرقابة! إلى جانب أن تفتح إيرانها أذنيها لسماع المطالب الخليجية والعربية وهي معروفة حول دعمها وزرعها للمليشيات الإرهابية الطائفية تحت وازع حلمها الإمبراطوري بالتوسع على حساب الدول والشعوب العربية وأمنها واستقرارها!
{ إذا أرادت إيران المسار السلمي لنفسها ولمحيطها العربي والإقليمي، كما تدعّي، فلا بدّ اليوم من هيكلة نظامها الثيوقراطي ليكون في حدود (الدولة الطبيعية المسالمة) سواء بما يتعلق ببرنامجها النووي، أو بدورها المُخلخل لأمن محيطها العربي تحديدًا! والقصة هنا أكبر من مجرد المهارة الإيرانية في التفاوض والمماطلة والتمويه! وإنما في أن يقبل «نظام الملالي» تراجع فعالية الدور الذي أوكلته لأذرعها ووكلائها في المنطقة، وأن يمتثل لمتطلبات شعبه الذي انتفض مرات عديدة، وفي ذات الوقت أن يمتثل لمتطلبات أمن واستقرار دول المحيط والإقليم العربي! فلا يمكن للنظام الإيراني بعد 46 عامًا من حكمه، بما تسبب به من كوارث أكبر لشعوب عربية ودول عربية تحت هاجس التمدّد والتوسّع والهيمنة غير المشروعة، وبما جعل معدّل الإرهاب المليشياوي على أيدي التابعين لولاية الفقيه، بل ومن «الإخوان» أن يزداد بضراوة في العقود الأخيرة! لا يمكن أن يستمرّ كل ذلك من دون مراجعة إيرانية حقيقية لدورها هذا، ثم تتحدث عن السلام والتعاون والتكامل في المنطقة!
{ إيران اليوم أمام استحقاق وجودها الداخلي وعلاقاتها الإقليمية ومصالحها الدولية كلها معًا، وكل ذلك يتطلب منها أن تستمع إلى صوت العقل والسلام بنيات صادقة، لكي تتأهل للقيام بدور الدولة تجاه شعبها، ولكي تشارك في التنمية والنهوض سواء في داخلها، أو مع محيطها الخليجي والعربي والإسلامي، وتسهم بعد ما تسببت به من أزمات وقلاقل في صيانة وحفظ أمنها الداخلي والأمن الخليجي والإقليمي بشكل عام! فهل بإمكان هذا النظام الثيوقراطي القائم على تصدير الثورة والإرهاب من أجل الهيمنة والتوسع، أن يُراجع نفسه بشكل حقيقي؟! وأن يضع في اعتباره المخاطر والتهديدات التي تحيط سواء بإيران نفسها أو بالإقليم ككل، وأن يتخلىّ عن أخطبوط «المليشيات العقائدية الطائفية» في عدد من الدول الخليجية والعربية؟! وأن تُزكي نفسها من خطاب الطائفية والكراهية باستغلال مكوّن شعبي موالٍ لها بين مكونات أخرى في الشعوب العربية؟! ذلك هو السؤال المهم والمتشعب في نظرنا.
{ المرحلة الراهنة وبعد أن تمّ تقليص حجم وقوة أذرعها، من المفترض أن تتوجّه إيران إلى بناء نفسها على أساس أنها دولة طبيعية وليس نظام ثورة قائم منذ 46 عامًا!
وحين تكون دولة طبيعية بين الدول الخليجية والعربية والإقليمية المحيطة بها، من خلال التخليّ عن مشروعها التوسعي والإخلال بالأمن القومي العربي والأمن الإقليمي، فإن التكامل والتعاون والتنمية مع دول المنطقة يكون بابه مفتوحًا لها، بعيدًا عن افتعال الأزمات والكوارث وجرّ المنطقة إلى حروب جديدة، ستمتد آثارها هذه المرة بعيدًا عن مصالحها ومصالح كل دول الجوار! خاصة في ظل رؤية أمريكية صهيونية أن يكون الشرق الأوسط أو المنطقة العربية والاقليم، هي بؤرة حرب عالمية كبرى، حسب أحد السيناريوهات المرجحة!
إن كانت إيران تعي حقيقة ما يدور حولها، فلا بدّ أن تستمع إلى صوت العقل والضمير قبل فوات الأوان!
إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك