العدد : ١٧١٨٩ - الثلاثاء ١٥ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ١٧ شوّال ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٨٩ - الثلاثاء ١٥ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ١٧ شوّال ١٤٤٦هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

الضمير العالمي إن تحرّك!

{ كثيرا‭ ‬ما‭ ‬يتم‭ ‬تلقين‭ ‬الناس‭ ‬أن‭ ‬السياسة‭ ‬لا‭ ‬صلة‭ ‬لها‭ ‬بالمشاعر،‭ ‬فهي‭ ‬لغة‭ ‬مصالح‭ ‬وحسابات‭ ‬وأرقام‭ ‬وربح‭ ‬وخسارة،‭ ‬ولغة‭ ‬دبلوماسية‭ ‬مراوغة،‭ ‬تبرر‭ ‬لقوى‭ ‬السطوة‭ ‬أن‭ ‬يزدادوا‭ ‬سطوة،‭ ‬ولقوى‭ ‬التمويه‭ ‬والخداع‭ ‬السياسي‭ ‬العالمي‭ ‬أن‭ ‬يتفنّنوا‭ ‬في‭ ‬الأساليب‭ ‬التي‭ ‬ترجح‭ ‬كفة‭ ‬الأقوى‭ ‬على‭ ‬الأضعف،‭ ‬ولا‭ ‬دخل‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬للمشاعر‭ ‬ولا‭ ‬للقيم‭ ‬ولا‭ ‬للمبادئ،‭ ‬إلا‭ ‬كمفاهيم‭ ‬يتم‭ ‬استخدامها‭ ‬بدورها‭ ‬في‭ ‬ذات‭ ‬اللعبة‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬الكذب‭ ‬والتبرير،‭ ‬بل‭ ‬حتى‭ ‬على‭ ‬النفاق‭ ‬الدولي‭! ‬بالطبع‭ ‬هنا‭ ‬نتحدث‭ ‬عن‭ ‬سياسة‭ ‬الدول‭ ‬الطاغية‭ ‬والمتجبرة‭ ‬الذين‭ ‬بيدهم‭ ‬القرار‭ ‬والقدرة‭ ‬على‭ ‬التنفيذ،‭ ‬لا‭ ‬عن‭ ‬من‭ ‬يهتم‭ ‬بشؤون‭ ‬السياسة‭ ‬معرفيا‭ ‬وتحليلاً‭ ‬وتشريحاً‭!‬

{ في‭ ‬الخامس‭ ‬من‭ ‬إبريل‭ ‬الجاري‭ ‬احتفى‭ ‬العالم‭ ‬‮«‬باليوم‭ ‬الدولي‭ ‬للضمير‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬اعتمدته‭ ‬الجمعية‭ ‬العامة‭ ‬للأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2019،‭ ‬استجابة‭ ‬لمبادرة‭ ‬رئيس‭ ‬الوزراء‭ ‬البحريني‭ ‬الراحل‭ ‬رحمة‭ ‬الله،‭ ‬سمو‭ ‬الأمير‭ ‬‮«‬خليفة‭ ‬بن‭ ‬سلمان‮»‬،‭ ‬وهي‭ ‬المبادرة‭ ‬البحرينية‭ ‬التي‭ ‬دعت‭ ‬الى‭ ‬ترسيخ‭ ‬قيم‭ ‬ومبادئ‭ ‬العدالة‭ ‬واحترام‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الدولي،‭ ‬ونشر‭ ‬ثقافة‭ ‬السلام‭ ‬واحترام‭ ‬الثقافات‭ ‬والأديان‭ ‬واختلاف‭ ‬الحضارات،‭ ‬مثلما‭ ‬احترام‭ ‬القانون‭ ‬الدولي،‭ ‬وإنهاء‭ ‬الصراعات‭ ‬والحروب،‭ ‬وتجنيب‭ ‬العالم‭ ‬والشعوب‭ ‬تداعيات‭ ‬وآثار‭ ‬الأزمات‭ ‬والحروب‭.‬

{ ومن‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ ‬الضمير‭ ‬العالمي‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬المنظومة‭ ‬الدولية‭ ‬الحاكمة‭ ‬بمعيار‭ ‬التقسيم‭ ‬الدولي‭ ‬بين‭ ‬قوى‭ ‬كبرى‭ ‬وقوى‭ ‬أصغر،‭ ‬وبلدان‭ ‬غنية‭ ‬وأخرى‭ ‬ضعيفة،‭ ‬هي‭ (‬لا‭ ‬تعمل‭ ‬حتى‭ ‬اليوم‭ ‬بمعيار‭ ‬الضمير‭ ‬الإنساني‭ ‬والقيم‭ ‬الإنسانية‭)‬،‭ ‬حتى‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬المعايير‭ ‬التي‭ ‬تحكم‭ ‬المبادئ‭ ‬الدولية‭ ‬وعلاقاتها‭ ‬المتشابكة،‭ ‬التي‭ ‬تحتكم‭ ‬حتى‭ ‬اللحظة‭ ‬إلى‭ ‬منطق‭ ‬القوة‭ ‬لا‭ ‬إلى‭ ‬قوة‭ ‬المنطق،‭ ‬وإلى‭ ‬منطق‭ ‬المصالح‭ ‬الأنانية‭ ‬للدول‭ ‬الأكبر‭ ‬والأغنى،‭ ‬لا‭ ‬إلى‭ ‬منطق‭ ‬المصالح‭ ‬الدولية‭ ‬‮«‬التكاملية‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تتيح‭ ‬الفرصة‭ ‬للقانون‭ ‬الدولي‭ ‬الانساني،‭ ‬ولعلاقات‭ ‬دولية‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬مبادئ‭ ‬وقيم‭ ‬واضحة‭ ‬في‭ ‬تبادل‭ ‬المصالح،‭ ‬وليس‭ ‬إلى‭ ‬هيمنة‭ ‬دول‭ ‬على‭ ‬أخرى،‭ ‬أو‭ ‬قوى‭ ‬ظاهرة‭ ‬وخفية‭ ‬على‭ ‬العالم‭ ‬كله،‭ ‬وفق‭ ‬منظور‭ ‬سياسي‭ ‬‮«‬ميكافيلي‮»‬‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬معادلة‭ (‬الغاية‭ ‬تبرر‭ ‬الوسيلة‭) ‬هي‭ ‬المعادلة‭ ‬التي‭ ‬تهيمن‭! ‬ومن‭ ‬خلالها‭ ‬تزداد‭ ‬الصراعات‭ ‬والحروب‭ ‬والأزمات،‭ ‬وتنتفي‭ ‬قيم‭ ‬ومبادئ‭ ‬العدالة‭ ‬واحترام‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان،‭ ‬وتجنيب‭ ‬الشعوب‭ ‬مخاطر‭ ‬ما‭ ‬يتم‭ ‬ترسيخه‭ ‬وفق‭ ‬‮«‬المبدأ‭ ‬الميكافيلي‮»‬‭ ‬كل‭ ‬الأساليب‭ ‬الشيطانية‭ ‬الراهنة‭ ‬في‭ ‬العالم‭!‬

{ ولأن‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬هي‭ ‬المثال‭ ‬الصارخ،‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يسبقه‭ ‬حدث‭ ‬مماثل‭ ‬بذات‭ ‬الكيفية‭ ‬في‭ ‬الإبادة‭ ‬والتطهير‭ ‬العرقي‭ ‬والظلم‭ ‬وببث‭ ‬فضائي‭ ‬يومي‭ ‬مباشر‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬القنوات‭ ‬الفضائية‭ ‬الدولية،‭ ‬فإنها‭ ‬في‭ ‬ذات‭ ‬الوقت‭ ‬هي‭ ‬العلامة‭ ‬الفارقة‭ ‬لانتفاء‭ (‬الضمير‭ ‬الدولي‭) ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬القوى‭ ‬الكبرى‭ ‬والدول‭ ‬عامة،‭ ‬إلا‭ ‬مواقف‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬بشكل‭ ‬استثنائي،‭ ‬واجهت‭ ‬التهميش‭ ‬في‭ ‬النهاية‭! ‬ولكن‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الشعبي‭ ‬العالمي‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تملك‭ ‬قراراً،‭ ‬تحرّك‭ ‬الضمير‭ ‬لدى‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬شعوب‭ ‬العالم،‭ ‬وللمفارقة‭ ‬كان‭ ‬التحرك‭ ‬الأبرز‭ ‬في‭ ‬العواصم‭ ‬الغربية‭ ‬وليس‭ ‬في‭ ‬العواصم‭ ‬العربية‭ ‬والإسلامية‭! ‬وحيث‭ ‬تصرفت‭ ‬الغالبية‭ ‬الشعبية‭ ‬العربية‭ ‬بالتفاعل‭ ‬الإلكتروني‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬الافتراضي،‭ ‬تعبيراً‭ ‬عن‭ ‬نداء‭ ‬الضمير‭ ‬الإنساني‭ ‬والديني،‭ ‬لديها‭ ‬تجاه‭ ‬الأحداث‭ ‬المأساوية‭ ‬المستمرة‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬غزة،‭ ‬بل‭ ‬وفي‭ ‬الضفة،‭ ‬وتجاه‭ ‬عربدات‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬وسوريا،‭ ‬وباختراق‭ ‬يومي‭ ‬روتيني‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬للضمير،‭ ‬بل‭ ‬لما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬واجهات‭ ‬كرتونية‭ ‬للقانون‭ ‬الدولي‭ ‬والمبادئ‭ ‬الدولية‭ ‬التي‭ ‬تحكم‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬ذات‭ ‬السيادة‭ ‬والاستقلالية‭! ‬ليتم‭ ‬ممارسة‭ ‬أبشع‭ ‬أشكال‭ ‬‮«‬الإرهاب‭ ‬الدولي‮»‬‭ ‬من‭ ‬الكيان‭ ‬الغاصب‭ ‬بدعم‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬وباسم‭ ‬مكافحة‭ ‬الإرهاب‭! ‬تلك‭ ‬الشماعة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬ينتهي‭ ‬أمد‭ ‬استخدامها‭ ‬من‭ ‬القوى‭ ‬الكبرى‭ ‬وغيرها‭!‬

{ من‭ ‬الجيد‭ ‬تذكير‭ ‬العالم‭ ‬ودوله‭ ‬بالضمير،‭ ‬ولكن‭ ‬من‭ ‬المهم‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬للضمير‭ ‬قيمة‭ ‬وضرورة‭ ‬إنسانية‭ ‬وليس‭ ‬كمجرد‭ ‬شعور،‭ ‬وله‭ ‬مكان‭ ‬في‭ ‬التطبيق‭ ‬الدولي،‭ ‬ليسهم‭ ‬حتى‭ ‬ولو‭ ‬قليلاً‭ ‬في‭ ‬منع‭ ‬الاهتراء‭ ‬السياسي‭ ‬الدائم‭ ‬عالمياً‭! ‬خاصة‭ ‬مع‭ ‬تساقط‭ ‬كل‭ ‬أقنعة‭ ‬المؤسسات‭ ‬والمنظمات‭ ‬الدولية‭ ‬المعنية‭ ‬بالقانون‭ ‬الدولي‭ ‬وبحقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬والعدالة‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الادعاء‭!‬

{ فالضمير‭ ‬هو‭ ‬المعيار‭ ‬الحقيقي‭ ‬لمعرفة‭ ‬الحق‭ ‬من‭ ‬الباطل‭ ‬سواء‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الفردي‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الدول‭! ‬وهو‭ ‬الوجه‭ ‬الحقيقي‭ ‬لتطبيق‭ ‬معايير‭ ‬الإنسانية‭ ‬والعدالة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الشؤون‭ ‬التي‭ ‬تحتكم‭ ‬فيها‭ ‬شعوب‭ ‬ودول‭ ‬العالم‭ ‬إلى‭ ‬نظام‭ ‬دولي‭ ‬تريده‭ ‬منصفاً‭ ‬وعادلاً‭ ‬في‭ ‬تبادل‭ ‬المصالح‭ ‬الدولية‭ ‬التي‭ ‬ازداد‭ ‬في‭ ‬ثوبها‭ ‬الخرق‭ ‬على‭ ‬الراقع‭!‬

أما‭ ‬لغة‭ ‬السياسة‭ ‬الجافة‭ ‬بدون‭ ‬ضمير‭ ‬وقيم‭ ‬إنسانية‭ ‬وأخلاقية‭ ‬وكأنها‭ ‬تنظم‭ ‬العلاقات‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬بين‭ ‬آلات‭ ‬وليس‭ ‬بشر،‭ ‬فهي‭ ‬من‭ ‬قادت‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬الى‭ ‬الحضيض‭ ‬الذي‭ ‬يعيشه‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬المستويات‭ ‬السياسية‭ ‬والإنسانية‭ ‬والأخلاقية‭! ‬وإذا‭ ‬لم‭ ‬تستطع‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬الجارية‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬تحمله‭ ‬من‭ ‬مأساة‭ ‬وبشاعة‭ ‬أن‭ ‬تحرك‭ ‬الضمير‭ ‬العالمي‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الدول‭ ‬والشعوب‭! ‬فإن‭ ‬هذا‭ ‬الضمير‭ ‬نفسه‭ ‬يعيش‭ ‬في‭ ‬مأساة‭ ‬الغياب‭ ‬في‭ ‬حفرة‭ ‬عميقة‭ ‬يملأها‭ ‬الظلام؛‭ ‬ظلام‭ ‬القوى‭ ‬الظلامية‭! ‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا