عالم يتغير

فوزية رشيد
الضمير العالمي إن تحرّك!
{ كثيرا ما يتم تلقين الناس أن السياسة لا صلة لها بالمشاعر، فهي لغة مصالح وحسابات وأرقام وربح وخسارة، ولغة دبلوماسية مراوغة، تبرر لقوى السطوة أن يزدادوا سطوة، ولقوى التمويه والخداع السياسي العالمي أن يتفنّنوا في الأساليب التي ترجح كفة الأقوى على الأضعف، ولا دخل في ذلك لا للمشاعر ولا للقيم ولا للمبادئ، إلا كمفاهيم يتم استخدامها بدورها في ذات اللعبة القائمة على الكذب والتبرير، بل حتى على النفاق الدولي! بالطبع هنا نتحدث عن سياسة الدول الطاغية والمتجبرة الذين بيدهم القرار والقدرة على التنفيذ، لا عن من يهتم بشؤون السياسة معرفيا وتحليلاً وتشريحاً!
{ في الخامس من إبريل الجاري احتفى العالم «باليوم الدولي للضمير» الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2019، استجابة لمبادرة رئيس الوزراء البحريني الراحل رحمة الله، سمو الأمير «خليفة بن سلمان»، وهي المبادرة البحرينية التي دعت الى ترسيخ قيم ومبادئ العدالة واحترام حقوق الإنسان على المستوى الدولي، ونشر ثقافة السلام واحترام الثقافات والأديان واختلاف الحضارات، مثلما احترام القانون الدولي، وإنهاء الصراعات والحروب، وتجنيب العالم والشعوب تداعيات وآثار الأزمات والحروب.
{ ومن الواضح أن الضمير العالمي على مستوى المنظومة الدولية الحاكمة بمعيار التقسيم الدولي بين قوى كبرى وقوى أصغر، وبلدان غنية وأخرى ضعيفة، هي (لا تعمل حتى اليوم بمعيار الضمير الإنساني والقيم الإنسانية)، حتى على مستوى المعايير التي تحكم المبادئ الدولية وعلاقاتها المتشابكة، التي تحتكم حتى اللحظة إلى منطق القوة لا إلى قوة المنطق، وإلى منطق المصالح الأنانية للدول الأكبر والأغنى، لا إلى منطق المصالح الدولية «التكاملية» التي تتيح الفرصة للقانون الدولي الانساني، ولعلاقات دولية قائمة على مبادئ وقيم واضحة في تبادل المصالح، وليس إلى هيمنة دول على أخرى، أو قوى ظاهرة وخفية على العالم كله، وفق منظور سياسي «ميكافيلي» يجعل من معادلة (الغاية تبرر الوسيلة) هي المعادلة التي تهيمن! ومن خلالها تزداد الصراعات والحروب والأزمات، وتنتفي قيم ومبادئ العدالة واحترام حقوق الإنسان، وتجنيب الشعوب مخاطر ما يتم ترسيخه وفق «المبدأ الميكافيلي» كل الأساليب الشيطانية الراهنة في العالم!
{ ولأن حرب الإبادة في غزة، هي المثال الصارخ، الذي لم يسبقه حدث مماثل بذات الكيفية في الإبادة والتطهير العرقي والظلم وببث فضائي يومي مباشر في كل القنوات الفضائية الدولية، فإنها في ذات الوقت هي العلامة الفارقة لانتفاء (الضمير الدولي) على مستوى القوى الكبرى والدول عامة، إلا مواقف بعض الدول بشكل استثنائي، واجهت التهميش في النهاية! ولكن على المستوى الشعبي العالمي التي لا تملك قراراً، تحرّك الضمير لدى الكثير من شعوب العالم، وللمفارقة كان التحرك الأبرز في العواصم الغربية وليس في العواصم العربية والإسلامية! وحيث تصرفت الغالبية الشعبية العربية بالتفاعل الإلكتروني أو في العالم الافتراضي، تعبيراً عن نداء الضمير الإنساني والديني، لديها تجاه الأحداث المأساوية المستمرة حتى الآن في غزة، بل وفي الضفة، وتجاه عربدات الكيان الصهيوني في لبنان وسوريا، وباختراق يومي روتيني ليس فقط للضمير، بل لما تبقى من واجهات كرتونية للقانون الدولي والمبادئ الدولية التي تحكم العلاقات بين دول العالم ذات السيادة والاستقلالية! ليتم ممارسة أبشع أشكال «الإرهاب الدولي» من الكيان الغاصب بدعم الولايات المتحدة، وباسم مكافحة الإرهاب! تلك الشماعة التي لا ينتهي أمد استخدامها من القوى الكبرى وغيرها!
{ من الجيد تذكير العالم ودوله بالضمير، ولكن من المهم أن يكون للضمير قيمة وضرورة إنسانية وليس كمجرد شعور، وله مكان في التطبيق الدولي، ليسهم حتى ولو قليلاً في منع الاهتراء السياسي الدائم عالمياً! خاصة مع تساقط كل أقنعة المؤسسات والمنظمات الدولية المعنية بالقانون الدولي وبحقوق الإنسان والعدالة كما هو الادعاء!
{ فالضمير هو المعيار الحقيقي لمعرفة الحق من الباطل سواء على المستوى الفردي أو على مستوى الدول! وهو الوجه الحقيقي لتطبيق معايير الإنسانية والعدالة في كل الشؤون التي تحتكم فيها شعوب ودول العالم إلى نظام دولي تريده منصفاً وعادلاً في تبادل المصالح الدولية التي ازداد في ثوبها الخرق على الراقع!
أما لغة السياسة الجافة بدون ضمير وقيم إنسانية وأخلاقية وكأنها تنظم العلاقات في العالم بين آلات وليس بشر، فهي من قادت العالم كله الى الحضيض الذي يعيشه على كل المستويات السياسية والإنسانية والأخلاقية! وإذا لم تستطع حرب الإبادة الجارية في غزة بكل ما تحمله من مأساة وبشاعة أن تحرك الضمير العالمي على مستوى الدول والشعوب! فإن هذا الضمير نفسه يعيش في مأساة الغياب في حفرة عميقة يملأها الظلام؛ ظلام القوى الظلامية!
إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك