العدد : ١٧١٨٩ - الثلاثاء ١٥ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ١٧ شوّال ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٨٩ - الثلاثاء ١٥ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ١٧ شوّال ١٤٤٦هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

مع ترامب: إلى أين يرتحل عالمنا؟!

{‭ ‬بمنظار‭ ‬المنطق‭ ‬فإننا‭ ‬نعيش‭ ‬على‭ ‬أرض‭ ‬تحمل‭ ‬فوقها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المساحات‭ ‬المقسمة‭ ‬إلى‭ ‬دول‭ ‬وشعوب‭ ‬ومصالح‭ ‬وحضارات‭ ‬وثقافات‭ ‬ومعتقدات‭ ‬ودين‭ ‬وبالتالي‭ ‬لكي‭ ‬تتعايش‭ ‬فلابد‭ ‬من‭ ‬تكامل‭ ‬بين‭ ‬مصالحها‭ ‬وثرواتها‭ ‬وسيادتها‭ ‬واستقلاليتها‭ ‬وحقوقها‭! ‬وعبر‭ ‬التاريخ‭ ‬لطالما‭ ‬تسلط‭ ‬الأقوى‭ ‬على‭ ‬الأضعف‭ ‬احتلالا‭ ‬ونهبا‭ ‬ونزاعات‭ ‬وصراعات‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬وأخرى‭ ‬أو‭ ‬شعوب‭ ‬وأخرى،‭ ‬ولكن‭ ‬لم‭ ‬يحدث‭ ‬قط‭ ‬أن‭ ‬تتمكن‭ ‬دولة‭ ‬واحدة‭ ‬بمفردها‭ ‬من‭ ‬التسلط‭ ‬على‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬كما‭ ‬يحدث‭ ‬اليوم‭!‬

{ ‭ ‬بمنظار‭ ‬الإمبريالية‭ ‬والدكتاتورية‭ ‬العالمية‭ ‬أنتج‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬وبعد‭ ‬الحرب‭ ‬العالمية‭ ‬الثانية‭ ‬نظاما‭ ‬دوليا‭ ‬ومؤسسات‭ ‬أممية‭ ‬وفق‭ ‬الرؤى‭ ‬الاستعمارية‭ ‬الغربية‭ ‬التي‭ ‬تسيدت‭ ‬فيها‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬بعد‭ ‬بريطانيا‭ ‬العظمى،‭ ‬وقد‭ ‬شاب‭ ‬ذلك‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬حتى‭ ‬وقت‭ ‬قريب‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الثغرات‭ ‬والشوائب‭ ‬واللاعدالة‭ ‬حتى‭ ‬تحولت‭ ‬الأمم‭ ‬المتحدة‭ ‬ومؤسساتها‭ ‬إلى‭ ‬مجرد‭ ‬واجهة‭ ‬لا‭ ‬لتبادل‭ ‬المصالح‭ ‬الدولية‭ ‬ومناقشة‭ ‬قضاياها‭ ‬بالقانون‭ ‬والعدل‭ ‬الدولي‭ ‬المفترض‭ ‬وإنما‭ ‬إلى‭ ‬فرض‭ ‬رؤى‭ ‬ومصالح‭ ‬قوى‭ ‬كبرى‭ ‬وأطماعها‭ ‬وطموحاتها‭ ‬المنفلتة‭ ‬على‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬الأخرى‭ ‬غير‭ ‬المتمثلة‭ ‬في‭ ‬مجلس‭ ‬الأمن‭ ‬ليطغى‭ ‬المنظور‭ ‬الغربي‭ ‬المتسلط‭ ‬بقيادة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬عداه‭ ‬من‭ ‬مبادئ‭ ‬دولية‭ ‬وقانونية‭ ‬وإنسانية‭! ‬حتى‭ ‬تكشَّف‭ ‬الخلل‭ ‬الكبير‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬الدولي‭ ‬بكل‭ ‬مؤسساته‭ ‬وبنيها‭ ‬الحقوقية‭ ‬بعد‭ ‬أحداث‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬والتي‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬مستمرة‭!‬

{‭ ‬أما‭ ‬اليوم‭ ‬وقد‭ ‬كان‭ ‬العالم‭ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬يتهيأ‭ ‬بطرق‭ ‬مختلفة‭ ‬لنظام‭ ‬دولي‭ ‬جديد‭ ‬قائم‭ ‬على‭ ‬التعددية‭ ‬فإذا‭ ‬مع‭ ‬الولاية‭ ‬الثانية‭ ‬للرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬ترامب‭ ‬يتخذ‭ ‬قرارات‭ ‬جنونية‭ ‬لتوجيه‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬نحو‭ ‬مصالح‭ ‬دولة‭ ‬واحدة‭ ‬هي‭ ‬أمريكا‭! ‬ولترى‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬عهدوه‭ ‬من‭ ‬نظام‭ ‬دولي‭ ‬سابق‭ ‬رغم‭ ‬الإجحاف‭ ‬الذي‭ ‬فيه‭ ‬وثغراته‭ ‬يتوجه‭ ‬الآن‭ ‬إلى‭ ‬المجهول‭ ‬والفوضى‭ ‬تماما‭ ‬فالرئيس‭ ‬ترامب‭ ‬غير‭ ‬معني‭ ‬بمصالح‭ ‬العالم‭ ‬أو‭ ‬المبادئ‭ ‬الدولية‭ ‬أو‭ ‬الاتفاقيات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والتجارية‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬الأعراف‭ ‬والتقاليد‭ ‬الدبلوماسية‭ ‬لأن‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬يقع‭ ‬في‭ ‬الهامش‭ ‬بالنسبة‭ ‬إليه‭ ‬ولقاعدة‭ ‬أمريكا‭ ‬أولا‭ ‬ليصل‭ ‬به‭ ‬الأمر‭ ‬إلى‭ ‬التكفير‭ ‬في‭ ‬ضم‭ ‬دول‭ ‬أخرى‭ ‬مثل‭ ‬كندا‭ ‬وغرينلاند‭ ‬وقناة‭ ‬المكسيك،‭ ‬بل‭ ‬حتى‭ ‬غزة‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬الإبادة‭ ‬تمارس‭ ‬طواحين‭ ‬القتل‭ ‬فيها‭ ‬على‭ ‬قدم‭ ‬وساق‭! ‬وللعلم‭ ‬فإن‭ ‬أمريكا‭ ‬يمثل‭ ‬عدد‭ ‬سكانها‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬4%‭ ‬من‭ ‬سكان‭ ‬العالم‭ ‬فيما‭ ‬كانت‭ ‬حتى‭ ‬اليوم‭ ‬تستهلك‭ ‬25%‭ ‬من‭ ‬إنتاج‭ ‬العالم‭! ‬

{‭ ‬خرج‭ ‬صاحب‭ ‬الحلم‭ ‬الأمريكي‭ ‬وإن‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬كلها‭ ‬بفرض‭ ‬رسوم‭ ‬جمركية‭ ‬شاملة‭ ‬ليطلق‭ ‬ما‭ ‬أسماه‭ ‬البعض‭ ‬بـ«أم‭ ‬المعارك‮»‬‭ ‬التجارية‭ ‬ورسومه‭ ‬تبدأ‭ ‬من‭ ‬10%‭ ‬إلى‭ ‬46% بل‭ ‬أطلق‭ ‬مع‭ ‬رسومه‭ ‬تهديدا‭ ‬يتسم‭ ‬بالوقاحة‭ ‬والبجاحة‭ ‬بمعاقبة‭ ‬أي‭ ‬دولة‭ ‬تفكر‭ ‬في‭ ‬رد‭ ‬فعل‭ ‬مماثل‭ ‬بما‭ ‬اعتبره‭ ‬بأنها‭ ‬إجراءات‭ ‬انتقامية‭ ‬لا‭ ‬يجب‭ ‬اتخاذها‭! ‬بل‭ ‬هو‭ ‬وحده‭ ‬من‭ ‬يتخذ‭ ‬القرارات‭ ‬ووحده‭ ‬من‭ ‬يفرض‭ ‬الحرب‭ ‬التجارية‭! ‬وبناء‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬فقد‭ ‬اهتزت‭ ‬أسواق‭ ‬العالم‭ ‬كلها‭ ‬وتزعزعت‭ ‬ومعها‭ ‬البورصات‭ ‬ووصلت‭ ‬مؤشرات‭ ‬سوق‭ ‬الأسهم‭ ‬الأمريكية‭ ‬نفسها‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬فرض‭ ‬الرسوم‭ ‬الجمركية‭ ‬إلى‭ ‬خسارة‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ (‬2‭ ‬تريليون‭ ‬دولار‭) ‬وحجة‭ ‬ترامب‭ ‬فيها‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬بفعل‭ ‬الصدمة‭ ‬الأولى‭ ‬فقط‭! ‬ولكن‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬بين‭ ‬عامين‭ ‬وأربعة‭ ‬أعوام‭ ‬سيكون‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الأمريكي‭ ‬أقوى‭ ‬اقتصاد‭ ‬في‭ ‬العالم‭! ‬النفط‭ ‬بدوره‭ ‬هبط‭ ‬بنحو‭ ‬3%‭ ‬والدولار‭ ‬تراجع‭ ‬على‭ ‬نطاق‭ ‬واسع‭ ‬ودخلت‭ ‬أسواق‭ ‬الأسهم‭ ‬العالمية‭ ‬حالة‭ ‬التراجع‭ ‬والهبوط‭ ‬في‭ ‬آسيا‭ ‬والشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وأوروبا‭ ‬وسجلت‭ ‬بورصات‭ ‬الخليج‭ ‬خسائر‭ ‬بعشرات‭ ‬المليارات‭ ‬فيما‭ ‬طغى‭ ‬القلق‭ ‬من‭ ‬حدوث‭ ‬ركود‭ ‬اقتصادي‭ ‬وحرب‭ ‬تجارية‭ ‬عالمية‭ ‬في‭ ‬اقتصاديات‭ ‬العالم‭ ‬كله‭!‬

{‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬أحدث‭ ‬صدمة‭ ‬عالمية‭ ‬وسط‭ ‬تنبؤات‭ ‬بانهيار‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬وفوضى‭ ‬الأسواق‭ ‬حتى‭ ‬دخل‭ ‬حلفاء‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وعلى‭ ‬رأسهم‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬مرحلة‭ ‬القلق‭ ‬والغموض‭ ‬من‭ ‬قرارات‭ ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬أحد‭ ‬نهايتها‭ ‬خلال‭ ‬السنوات‭ ‬الأربع‭ ‬القادمة‭ ‬وهي‭ ‬فترة‭ ‬رئاسة‭ ‬ترامب‭! ‬وحيث‭ ‬التغييرات‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬خاضعة‭ ‬لقرارات‭ ‬رئيس‭ ‬يتعامل‭ ‬مع‭ ‬المصالح‭ ‬الدولية‭ ‬بل‭ ‬حتى‭ ‬الأمريكية‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬اكتراث‭ ‬انتظارا‭ ‬لتحقيق‭ ‬الحلم‭ ‬الأمريكي‭ ‬بحسب‭ ‬وجهة‭ ‬نظره‭!‬

{‭ ‬من‭ ‬البديهي‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬التجارية‭ ‬المعلنة‭ ‬التي‭ ‬دفعت‭ ‬المنافس‭ ‬الأكبر‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وهي‭ ‬الصين‭ ‬إلى‭ ‬فرض‭ ‬رسوم‭ ‬بدورها‭ ‬على‭ ‬المنتجات‭ ‬الأمريكية‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬34%‭ ‬ومثلها‭ ‬تفكر‭ ‬دول‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬باتخاذ‭ ‬إجراءات‭ ‬للرد‭ ‬على‭ ‬رسوم‭ ‬ترامب‭ ‬الجمركية‭ ‬نقول‭ ‬إن‭ ‬هذه‭ ‬الحرب‭ ‬التجارية‭ ‬قد‭ ‬تقود‭ ‬إلى‭ ‬حرب‭ ‬عالمية‭ ‬كبرى‭ ‬أو‭ ‬مواجهة‭ ‬كبرى‭ ‬بين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والصين‭ ‬لأن‭ ‬العالم‭ ‬الذي‭ ‬اعتقد‭ ‬أنه‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬تريد‭ ‬تجاوز‭ ‬الدكتاتورية‭ ‬الاستعمارية‭ ‬الأمريكية‭ ‬والغربية‭ ‬وجد‭ ‬نفسه‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬تلك‭ ‬الدكتاتورية‭ ‬التي‭ ‬يقودها‭ ‬ترامب‭ ‬ولكأن‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬ينحصر‭ ‬فقط‭ ‬في‭ ‬الرؤى‭ ‬والمصالح‭ ‬الأمريكية‭! ‬فيما‭ ‬كانت‭ ‬قوى‭ ‬مؤثرة‭ ‬في‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الدولي‭ ‬والتجارة‭ ‬الدولية‭ ‬مثل‭ ‬الصين‭ ‬وغيرها‭ ‬تتهيأ‭ ‬إلى‭ ‬نظام‭ ‬دولي‭ ‬تعددي‭ ‬وأنشأت‭ ‬بريكس‭ ‬للتخلص‭ ‬من‭ ‬هيمنة‭ ‬الدولار‭ ‬الذي‭ ‬يعطي‭ ‬أمريكا‭ ‬وحدها‭ ‬امتيازات‭ ‬لا‭ ‬يملكها‭ ‬أي‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬وليس‭ ‬لعودة‭ ‬تسلط‭ ‬أمريكي‭ ‬على‭ ‬مصالح‭ ‬العالم‭ ‬بكل‭ ‬أوجهها‭ ‬وليس‭ ‬الوجه‭ ‬الاقتصادي‭ ‬والتجاري‭ ‬فقط‭!‬

وإذا‭ ‬كان‭ ‬العالم‭ ‬مع‭ ‬ولاية‭ ‬ترامب‭ ‬قد‭ ‬دخل‭ ‬مرحلة‭ ‬الاضطرابات‭ ‬الضخمة‭ ‬فإن‭ ‬نهاية‭ ‬هذه‭ ‬الاضطرابات‭ ‬لا‭ ‬يعلمها‭ ‬إلا‭ ‬الله‭ ‬وحده‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا