عالم يتغير

فوزية رشيد
مع ترامب: إلى أين يرتحل عالمنا؟!
{ بمنظار المنطق فإننا نعيش على أرض تحمل فوقها الكثير من المساحات المقسمة إلى دول وشعوب ومصالح وحضارات وثقافات ومعتقدات ودين وبالتالي لكي تتعايش فلابد من تكامل بين مصالحها وثرواتها وسيادتها واستقلاليتها وحقوقها! وعبر التاريخ لطالما تسلط الأقوى على الأضعف احتلالا ونهبا ونزاعات وصراعات بين دول وأخرى أو شعوب وأخرى، ولكن لم يحدث قط أن تتمكن دولة واحدة بمفردها من التسلط على العالم كله كما يحدث اليوم!
{ بمنظار الإمبريالية والدكتاتورية العالمية أنتج العالم في القرن العشرين وبعد الحرب العالمية الثانية نظاما دوليا ومؤسسات أممية وفق الرؤى الاستعمارية الغربية التي تسيدت فيها الولايات المتحدة بعد بريطانيا العظمى، وقد شاب ذلك النظام الدولي حتى وقت قريب الكثير من الثغرات والشوائب واللاعدالة حتى تحولت الأمم المتحدة ومؤسساتها إلى مجرد واجهة لا لتبادل المصالح الدولية ومناقشة قضاياها بالقانون والعدل الدولي المفترض وإنما إلى فرض رؤى ومصالح قوى كبرى وأطماعها وطموحاتها المنفلتة على دول العالم الأخرى غير المتمثلة في مجلس الأمن ليطغى المنظور الغربي المتسلط بقيادة الولايات المتحدة على كل ما عداه من مبادئ دولية وقانونية وإنسانية! حتى تكشَّف الخلل الكبير في هذا النظام الدولي بكل مؤسساته وبنيها الحقوقية بعد أحداث حرب الإبادة في غزة والتي لا تزال مستمرة!
{ أما اليوم وقد كان العالم منذ سنوات يتهيأ بطرق مختلفة لنظام دولي جديد قائم على التعددية فإذا مع الولاية الثانية للرئيس الأمريكي ترامب يتخذ قرارات جنونية لتوجيه العالم كله نحو مصالح دولة واحدة هي أمريكا! ولترى دول العالم أن ما عهدوه من نظام دولي سابق رغم الإجحاف الذي فيه وثغراته يتوجه الآن إلى المجهول والفوضى تماما فالرئيس ترامب غير معني بمصالح العالم أو المبادئ الدولية أو الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية أو حتى الأعراف والتقاليد الدبلوماسية لأن كل ذلك يقع في الهامش بالنسبة إليه ولقاعدة أمريكا أولا ليصل به الأمر إلى التكفير في ضم دول أخرى مثل كندا وغرينلاند وقناة المكسيك، بل حتى غزة التي لا تزال الإبادة تمارس طواحين القتل فيها على قدم وساق! وللعلم فإن أمريكا يمثل عدد سكانها أقل من 4% من سكان العالم فيما كانت حتى اليوم تستهلك 25% من إنتاج العالم!
{ خرج صاحب الحلم الأمريكي وإن على حساب دول العالم كلها بفرض رسوم جمركية شاملة ليطلق ما أسماه البعض بـ«أم المعارك» التجارية ورسومه تبدأ من 10% إلى 46% بل أطلق مع رسومه تهديدا يتسم بالوقاحة والبجاحة بمعاقبة أي دولة تفكر في رد فعل مماثل بما اعتبره بأنها إجراءات انتقامية لا يجب اتخاذها! بل هو وحده من يتخذ القرارات ووحده من يفرض الحرب التجارية! وبناء على ذلك فقد اهتزت أسواق العالم كلها وتزعزعت ومعها البورصات ووصلت مؤشرات سوق الأسهم الأمريكية نفسها في اليوم الأول من فرض الرسوم الجمركية إلى خسارة تصل إلى (2 تريليون دولار) وحجة ترامب فيها أن ذلك بفعل الصدمة الأولى فقط! ولكن خلال فترة بين عامين وأربعة أعوام سيكون الاقتصاد الأمريكي أقوى اقتصاد في العالم! النفط بدوره هبط بنحو 3% والدولار تراجع على نطاق واسع ودخلت أسواق الأسهم العالمية حالة التراجع والهبوط في آسيا والشرق الأوسط وأوروبا وسجلت بورصات الخليج خسائر بعشرات المليارات فيما طغى القلق من حدوث ركود اقتصادي وحرب تجارية عالمية في اقتصاديات العالم كله!
{ كل ذلك أحدث صدمة عالمية وسط تنبؤات بانهيار الاقتصاد العالمي وفوضى الأسواق حتى دخل حلفاء الولايات المتحدة وعلى رأسهم الاتحاد الأوروبي مرحلة القلق والغموض من قرارات لا يعرف أحد نهايتها خلال السنوات الأربع القادمة وهي فترة رئاسة ترامب! وحيث التغييرات الاستراتيجية خاضعة لقرارات رئيس يتعامل مع المصالح الدولية بل حتى الأمريكية من دون اكتراث انتظارا لتحقيق الحلم الأمريكي بحسب وجهة نظره!
{ من البديهي أن هذه الحرب التجارية المعلنة التي دفعت المنافس الأكبر للولايات المتحدة وهي الصين إلى فرض رسوم بدورها على المنتجات الأمريكية تصل إلى 34% ومثلها تفكر دول أخرى في العالم باتخاذ إجراءات للرد على رسوم ترامب الجمركية نقول إن هذه الحرب التجارية قد تقود إلى حرب عالمية كبرى أو مواجهة كبرى بين الولايات المتحدة والصين لأن العالم الذي اعتقد أنه في مرحلة تريد تجاوز الدكتاتورية الاستعمارية الأمريكية والغربية وجد نفسه في وجه تلك الدكتاتورية التي يقودها ترامب ولكأن العالم كله ينحصر فقط في الرؤى والمصالح الأمريكية! فيما كانت قوى مؤثرة في الاقتصاد الدولي والتجارة الدولية مثل الصين وغيرها تتهيأ إلى نظام دولي تعددي وأنشأت بريكس للتخلص من هيمنة الدولار الذي يعطي أمريكا وحدها امتيازات لا يملكها أي من دول العالم وليس لعودة تسلط أمريكي على مصالح العالم بكل أوجهها وليس الوجه الاقتصادي والتجاري فقط!
وإذا كان العالم مع ولاية ترامب قد دخل مرحلة الاضطرابات الضخمة فإن نهاية هذه الاضطرابات لا يعلمها إلا الله وحده!
إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك