العدد : ١٧١٩٥ - الاثنين ٢١ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٣ شوّال ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٩٥ - الاثنين ٢١ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٣ شوّال ١٤٤٦هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

المفاوضات الأمريكية الإيرانية: ما يقلقنا لا يُقلق أمريكا!

{‭ ‬انتهت‭ ‬المفاوضات‭ ‬الأولى‭ ‬بين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وإيران‭ ‬في‭ ‬مسقط‭ ‬السبت‭ ‬الماضي،‭ ‬وستكون‭ ‬الجولة‭ ‬الثانية‭ ‬السبت‭ ‬19‭ ‬أبريل،‭ ‬أيضًا‭ ‬بين‭ ‬‮«‬ستيف‭ ‬ويتكوف‮»‬‭ ‬مبعوث‭ ‬‮«‬ترامب‮»‬‭ ‬الخاص‭ ‬إلى‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬و‮«‬عباس‭ ‬عراقجي‮»‬‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬الإيراني‭ ‬ولكن‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬في‭ ‬أوروبا،‭ ‬وهي‭ ‬المفاوضات‭ ‬التي‭ ‬قال‭ ‬عنها‭ ‬‮«‬ترامب‮»‬‭ ‬بعد‭ ‬انتهاء‭ ‬الجولة‭ ‬الأولى‭ ‬بأنها‭ ‬‮«‬إيجابية‭ ‬وبناءة‮»‬‭ ‬وتسير‭ ‬بشكل‭ ‬جيد،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬أن‭ ‬‮«‬ويتكوف‮»‬‭ ‬لم‭ ‬يطلب‭ ‬من‭ ‬إيران‭ ‬التخلي‭ ‬عن‭ ‬برنامج‭ ‬تخصيب‭ ‬اليورانيوم،‭ ‬كما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬‮«‬نيويورك‭ ‬تايمز‮»‬،‭ ‬فيما‭ ‬بالمقابل‭ ‬ذكرت‭ ‬صحيفة‭ ‬‮«‬وول‭ ‬ستريت‭ ‬جورنال‮»‬‭ ‬نقلاً‭ ‬عن‭ ‬مسؤولين‭ ‬إيرانيين‭ ‬أن‭ ‬طهران‭ ‬مستعدة‭ ‬للعودة‭ ‬إلى‭ ‬مستويات‭ ‬التخصيب‭ ‬المحددة‭ ‬في‭ ‬الاتفاق‭ ‬النووي‭ ‬لعام‭ ‬2015‭ ‬بشرط‭ ‬استيفاء‭ ‬واشنطن‭ ‬شروطا‭ ‬معينة‭!‬

{‭ ‬يبدو‭ ‬أن‭ ‬‮«‬ترامب‮»‬‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أرسل‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬المرشد‭ ‬الأعلى‭ ‬الإيراني‮»‬‭ ‬رسالة‭ ‬في‭ ‬أوائل‭ ‬مارس‭ ‬الماضي،‭ ‬وحدّد‭ ‬فيها‭ ‬مُهلة‭ ‬شهرين‭ ‬للتوصل‭ ‬إلى‭ ‬اتفاق‭ ‬نووي‭ ‬جديد،‭ ‬أو‭ ‬فرض‭ ‬عقوبات‭ ‬إضافية‭ ‬وربما‭ ‬ضربات‭ ‬عسكرية،‭ ‬جعلت‭ ‬الموقف‭ ‬الإيراني‭ ‬يتسم‭ ‬بشيء‭ ‬من‭ ‬التراجع،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬ضعف‭ ‬أوراقها‭ ‬الحالية‭ ‬عن‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تمتلكها‭ ‬في‭ ‬2015‭! ‬ولكن‭ ‬اقتصار‭ ‬المفاوضات‭ ‬على‭ ‬الملف‭ ‬النووي‭ ‬وحده،‭ ‬يعيده‭ ‬إلى‭ ‬مآلات‭ ‬الاتفاقية‭ ‬السابقة‭ ‬التي‭ ‬خرج‭ ‬منها‭ ‬‮«‬ترامب‮»‬‭ ‬ولم‭ ‬يتم‭ ‬تجديدها‭ ‬في‭ ‬عهد‭ ‬‮«‬بايدن‮»‬‭ ‬ليعود‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬في‭ ‬ولايته‭ ‬الثانية‭ ‬بالسعي‭ ‬إلى‭ ‬اتفاقية‭ ‬جديدة‭!‬

{‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬السياسة‭ ‬الإيرانية‭ ‬سواء‭ ‬بما‭ ‬يخص‭ ‬ملفها‭ ‬النووي‭ ‬أو‭ ‬صواريخها‭ ‬الباليستية‭ ‬أو‭ ‬تدخلاتها‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬العربية،‭ ‬هي‭ ‬كلها‭ ‬معًا‭ ‬ليست‭ ‬شأنًا‭ ‬إيرانيًا‭ ‬بحتًا،‭ ‬لأنه‭ ‬متعلق‭ ‬بالأساس‭ ‬بالأمن‭ ‬الإقليمي‭ ‬العربي‭ ‬والأمن‭ ‬القومي،‭ ‬لذلك‭ ‬من‭ ‬المستغرب‭ ‬أن‭ ‬يعود‭ ‬‮«‬ترامب‮»‬‭ ‬إلى‭ ‬ذات‭ ‬اللعبة‭ ‬التفاوضية‭ ‬‮«‬الانفرادية‮»‬‭ ‬بين‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وإيران،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬إشراك‭ ‬طرف‭ ‬عربي‭ ‬وتحديدًا‭ ‬‮«‬خليجي‮»‬‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المفاوضات‭ ‬باستثناء‭ ‬الوسيط‭ ‬العماني،‭ ‬وتمامًا‭ ‬كما‭ ‬فعل‭ ‬‮«‬بايدن‮»‬‭ ‬حين‭ ‬إجراء‭ ‬الاتفاقية‭ ‬2015‭! ‬بل‭ ‬وبتكرار‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬الحالي‭ ‬لذات‭ ‬الحيثيات،‭ ‬حيث‭ ‬الاهتمام‭ ‬متركزّ‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬الملف‭ ‬النووي،‭ ‬ومن‭ ‬دون‭ ‬تخليّ‭ ‬إيران‭ ‬عن‭ ‬برنامج‭ ‬تخصيب‭ ‬اليورانيوم،‭ ‬بل‭ ‬بمطالب‭ ‬إيرانية‭ ‬برفع‭ ‬العقوبات،‭ ‬وإرجاع‭ ‬المليارات‭ ‬إليها‭ ‬بعد‭ ‬فك‭ ‬تجميدها‭! ‬وبالمقابل‭ ‬تقديم‭ ‬إغراء‭ ‬إيراني‭ ‬باستثمارات‭ ‬تبلغ‭ ‬4‭ ‬تريليونات‭ ‬دولار‭!‬

{‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬لعبت‭ ‬فيه‭ ‬السياسة‭ ‬الخارجية‭ ‬تحت‭ ‬حكم‭ ‬الملالي،‭ ‬أسوأ‭ ‬أدوارها‭ ‬بضوء‭ ‬أخضر‭ ‬أمريكي،‭ ‬في‭ ‬إثارة‭ ‬القلاقل‭ ‬والهيمنة‭ ‬وتوسيع‭ ‬النفوذ،‭ ‬وزرع‭ ‬المليشيات‭ ‬التابعة‭ ‬لها،‭ ‬وإشعال‭ ‬الصراع‭ ‬في‭ ‬اليمن‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الوكيل‭ ‬‮«‬الحوثي‮»‬‭ ‬وإمداده‭ ‬بالصواريخ‭ ‬والمعدات‭ ‬العسكرية‭ ‬بإشراف‭ ‬‮«‬الحرس‭ ‬الثوري‭ ‬الإيراني‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬تمّ‭ ‬تجميد‭ ‬النشاط‭ ‬فيه‭ ‬مرحليًا‭ ‬عبر‭ ‬الاتفاقية‭ ‬السعودية‭ ‬‭ ‬الإيرانية‭ ‬برعاية‭ ‬الصين،‭ ‬إلاّ‭ ‬أن‭ ‬أمريكا‭ ‬‭ ‬ترامب‭ ‬عادت‭ ‬مجدّدًا‭ ‬لإبرام‭ ‬صفقة‭ ‬ثنائية‭ ‬بينها‭ ‬وبين‭ ‬إيران‭ ‬تحت‭ ‬مسمى‭ ‬المفاوضات‭ ‬والسعي‭ ‬لاتفاقية‭ ‬جديدة،‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تأخذ‭ ‬في‭ ‬الاعتبار‭ ‬ما‭ ‬يقلق‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬والمنطقة،‭ ‬من‭ ‬السياسة‭ ‬الإيرانية‭ ‬وطموحاتها‭ ‬المستمرة‭!‬

رغم‭ ‬الضربات‭ ‬الموجعة‭ ‬التي‭ ‬تلقتها‭ ‬أذرعها،‭ ‬فما‭ ‬يهم‭ ‬أمريكا‭ ‬وترامب‭ ‬هي‭ ‬المطالب‭ ‬التي‭ ‬يلحّ‭ ‬عليها‭ ‬‮«‬الكيان‭ ‬الصهيوني‮»‬‭ ‬فقط،‭ ‬ومخاوفه‭ ‬من‭ ‬النووي‭ ‬الإيراني،‭ ‬ولا‭ ‬يعنيه‭ ‬في‭ ‬شيء‭ ‬مكامن‭ ‬القلق‭ ‬الخليجي‭ ‬‭ ‬العربي‭ ‬أو‭ ‬هكذا‭ ‬يتضح‭! ‬خاصة‭ ‬إذا‭ ‬تجاوزت‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وعن‭ ‬عمد‭ ‬أسباب‭ ‬ذلك‭ ‬القلق،‭ ‬ولكأن‭ ‬‮«‬ترامب‮»‬‭ ‬بشكل‭ ‬أو‭ ‬بآخر،‭ ‬يريد‭ ‬الإضرار‭ ‬بالاتفاقية‭ ‬السعودية‭ ‬‭ ‬الإيرانية‭ ‬بشكل‭ ‬غير‭ ‬مباشر‭! ‬وتأمين‭ ‬الجانب‭ ‬‮«‬الإسرائيلي‮»‬‭ ‬والإبقاء‭ ‬على‭ ‬حلقات‭ ‬التوترّ‭ ‬التي‭ ‬تزعج‭ ‬العرب‭ ‬بما‭ ‬يتعلق‭ ‬بأمنهم‭ ‬الإقليمي‭ ‬والقومي‭!‬

{‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬المفاوضات‭ ‬قد‭ ‬تقود‭ ‬إلى‭ ‬سلسلة‭ ‬أخرى‭ ‬من‭ ‬الحوارات،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬باستفرادها‭ ‬بالمفاوضات‭ ‬تلك‭ ‬مع‭ ‬إيران،‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬ينبئ‭ ‬بما‭ ‬يدعو‭ ‬إلى‭ ‬الطمأنينة‭ ‬العربية،‭ ‬خاصة‭ ‬مع‭ ‬الأدوار‭ ‬السابقة‭ ‬لإيران‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬وبضوء‭ ‬أخضر‭ ‬أمريكي‭!‬

تلك‭ ‬المفاوضات‭ ‬الأولى‭ ‬السبت‭ ‬الماضي،‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬منع‭ ‬الصحفيين‭ ‬والإعلاميين‭ ‬من‭ ‬تغطيتها‭ ‬عن‭ ‬قرب‭ ‬معرفة‭ ‬ما‭ ‬دار‭ ‬في‭ ‬الدهاليز‭ ‬بوساطة‭ ‬عُمانية،‭ ‬تثير‭ ‬الريبة‭ ‬بدورها،‭ ‬خاصة‭ ‬بما‭ ‬يتعلق‭ ‬بالشأن‭ ‬العربي،‭ ‬وحيث‭ ‬اختبرت‭ ‬المنطقة‭ ‬التهديدات‭ ‬الأمريكية‭ ‬وتهديدات‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني،‭ ‬بالضربات‭ ‬العسكرية‭ ‬النوعية،‭ ‬بل‭ ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬إسقاط‭ ‬‮«‬نظام‭ ‬الملالي‮»‬،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬نتيجة‭ ‬تلك‭ ‬التهديدات‭ ‬كانت‭ ‬دائمًا‭ ‬تنتهي‭ ‬إلى‭ ‬مآلات‭ ‬أخرى،‭ ‬وحيث‭ ‬‮«‬الشيطان‭ ‬الأكبر‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬تحوّل‭ ‬قبل‭ ‬أشهر‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬الأخ‭ ‬الأكبر‮»‬،‭ ‬يشير‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬اتفاق‭ ‬هؤلاء‭ ‬دائمًا‭ ‬ما‭ ‬ينتج‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬ضدّ‭ ‬المصالح‭ ‬العربية‭ ‬وأمن‭ ‬دولها‭ ‬واستقرارها‭! ‬وحيث‭ ‬إيران‭ ‬الأضعف‭ ‬والتي‭ ‬يريد‭ ‬‮«‬الملالي‮»‬‭ ‬فيها‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬بقاء‭ ‬نظامهم‭ ‬وحكمهم،‭ ‬يكونون‭ ‬أكثر‭ ‬استعدادًا‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬لأداء‭ ‬أدوار‭ ‬جديدة،‭ ‬تضمن‭ ‬سلامة‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬كما‭ ‬تريد‭ ‬أمريكا،‭ ‬ولا‭ ‬يهمها‭ ‬إن‭ ‬كانت‭ ‬تلك‭ ‬الأدوار‭ ‬تضرُّ‭ ‬بالأمن‭ ‬الإقليمي‭ ‬والقومي‭ ‬العربي،‭ ‬بل‭ ‬ربما‭ ‬هو‭ ‬هذا‭ ‬المطلوب‭!‬

فلنراقب‭ ‬النتائج‭ ‬فمنها‭ ‬تتكشف‭ ‬المواقف‭ ‬والنوايا‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا