زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
وراقصتني عنوة
أرجو أن تواصلوا معي السفر بضع سنوات الى الوراء، عندما أتتني ليلة القدر، بحسب تقدير بعض أقاربي وأصدقائي بعد فوزي بمنحة دراسية في لندن في سبعينيات القرن الماضي.
طوال الفترة التي سبقت سفري الى لندن، كان هناك نفر من الأصدقاء يكررون مقولة: بختك. محظوظ. بنات الخواجات يهبلوا.. وصيد سهل... ومثل هذا الفهم «الأهبل» مازال سائدا في الدول العربية، فقياسا على ما نراه على شاشات التلفزيون والسينما، فإن كثيرين منا يعتقدون أن بنات الغرب سائبات ورهن إشارة كل طالب متعة.. وقد زرت العديد من الدول الأوروبية والولايات المتحدة ولم أشاهد في شوارع مدنها وأسواقها تلك الأصناف التي نراها على الشاشات، بل أجزم بأن غالبية النساء في الغرب يملن الى الاحتشام. والاحتشام نسبي. فلبس المرأة للشورت في الغرب لا يعتبر تبرجا وقلة أدب، بل إن الغربيين عموما ينظرون باستياء وسوء ظن لكل امرأة تمشي وثيابها الداخلية ظاهرة بسبب البلوزة او الفستان الشفاف، وفي المقابل فقد صرنا نرى في بعض المدن العربية نساء عربيات معظم بضاعتهن الفيسيولوجية معروضة: خصور وصدور مكشوفة، بل صار هناك شباب (رجال) يتعمدون خفض البنطلون بحيث تظهر الأجزاء العلوية من مؤخراتهم الكريهة!! ماذا يتوقع شاب يفعل ذلك؟ أن تستوقفه فتاة وتقول له: ياااه.. أنت فتّاك.
كنا في المعهد الذي درسنا فيه فنون العمل التلفزيوني من الجنسين ومن كل القارات، والحياة اليومية في أي بلد غربي تجعلك تتعامل مع نساء ورجال من كل صنف وفئة عمرية، ولم أصادف طوال وجودي في لندن فتاة تحرشت بي، أو أعارتني مجرد نظرة عابرة، ولم يكن ذلك يحز في نفسي لأنني لم أكن سيئ الظن بهن، ولا أصدق مقولة أنهن يتهاوين أمام كل شاب عربي أو إفريقي، وذات أمسية كنت مدعوّا إلى حفل نظمته لجنة التضامن مع شعب جنوب إفريقيا، التي كانت تتألف في معظمها من السود (وكنت أشارك في أنشطتها كما ذكرت في مقال سابق)، وبعد بعض الكلمات القصيرة عزفت الموسيقى وبدأ الرقص. رقص من نوع يد على الكتف واليد الأخرى «أنت وذوقك»، وكنت أقف في ركن من الصالة وحولي شباب كان من الواضح أنهم لم يكونوا يملكون مؤهلات تقنع أي امرأة بمراقصتهم. وفجأة وقفت أمامي امرأة سوداء من فصيلة وحيد القرن، وخاطبتني: دانس؟ فقلت لها: ثانك يو. نسيت أن أقول «نو» قبل «ثانك يو»، ومن ثم اعتبرت عرضها مقبولا وسحبتني من يدي، حتى صار وجهي على بعد سنتيمترات من وجهها، فأصبت بدوار. كانت اسطوانية الشكل وتفوح من مسامها رائحة خمر مخلوطة برائحة التبغ. تصنعت الابتسام وقلت لها إنني لا أعرف الرقص، ولكنها قالت: نو بروبليم. سأعلمك الرقص.. قلت لها إنني مسلم، ولكنها «نو بروبليمتها» مرة أخرى، وطوقتني بذراعيها وغاص رأسي في تل من الشحوم الرجراجة. رجاء لا تسئ الظن بي وتقول: على من يا ابو الجعافر. اعترف أنك استسلمت بعد ما قررت عدم إضاعة الفرصة!! أي فرصة؟ أقول لك كانت في حجم وحيد القرن، ولا تعرف مقدمتها من مؤخرتها!! هل هي مقبلة أم مدبرة؟ وتخيل رأسك مدفونا في طفاية سجائر بها بقية من خمر.
لا أعرف لِكم من الوقت جرجرتني، فقد دخلت في غيبوبة لانعدام الأوكسجين، ولحسن حظي توقفت الموسيقى قبل أن أصاب بموت دماغي، ولما تركتني فقدت توازني وسرت مترنحا أصطدم بالناس والأثاث. وكان ذلك يا جماعة حظي من الغزوات النسائية في لندن. أنا الذي تعرضت للغزو. أنا الذي كنت الضحية والخاسر. وبعد تلك التجربة جمدت نشاطي ضد نظام الفصل العنصري الأبيض في جنوب إفريقيا. كيف أتعاطف مع سود ذلك البلد وسيدة سوداء كادت أن تقتلني باسم الرقص؟
إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك