العدد : ١٧١٨٦ - السبت ١٢ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ١٤ شوّال ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٨٦ - السبت ١٢ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ١٤ شوّال ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

وراقصتني عنوة

أرجو‭ ‬أن‭ ‬تواصلوا‭ ‬معي‭ ‬السفر‭ ‬بضع‭ ‬سنوات‭ ‬الى‭ ‬الوراء،‭ ‬عندما‭ ‬أتتني‭ ‬ليلة‭ ‬القدر،‭ ‬بحسب‭ ‬تقدير‭ ‬بعض‭ ‬أقاربي‭ ‬وأصدقائي‭ ‬بعد‭ ‬فوزي‭ ‬بمنحة‭ ‬دراسية‭ ‬في‭ ‬لندن‭ ‬في‭ ‬سبعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭.‬

طوال‭ ‬الفترة‭ ‬التي‭ ‬سبقت‭ ‬سفري‭ ‬الى‭ ‬لندن،‭ ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬نفر‭ ‬من‭ ‬الأصدقاء‭ ‬يكررون‭ ‬مقولة‭: ‬بختك‭. ‬محظوظ‭. ‬بنات‭ ‬الخواجات‭ ‬يهبلوا‭.. ‬وصيد‭ ‬سهل‭... ‬ومثل‭ ‬هذا‭ ‬الفهم‭ ‬‮«‬الأهبل‮»‬‭ ‬مازال‭ ‬سائدا‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬فقياسا‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬نراه‭ ‬على‭ ‬شاشات‭ ‬التلفزيون‭ ‬والسينما،‭ ‬فإن‭ ‬كثيرين‭ ‬منا‭ ‬يعتقدون‭ ‬أن‭ ‬بنات‭ ‬الغرب‭ ‬سائبات‭ ‬ورهن‭ ‬إشارة‭ ‬كل‭ ‬طالب‭ ‬متعة‭.. ‬وقد‭ ‬زرت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬الأوروبية‭ ‬والولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬ولم‭ ‬أشاهد‭ ‬في‭ ‬شوارع‭ ‬مدنها‭ ‬وأسواقها‭ ‬تلك‭ ‬الأصناف‭ ‬التي‭ ‬نراها‭ ‬على‭ ‬الشاشات،‭ ‬بل‭ ‬أجزم‭ ‬بأن‭ ‬غالبية‭ ‬النساء‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬يملن‭ ‬الى‭ ‬الاحتشام‭. ‬والاحتشام‭ ‬نسبي‭. ‬فلبس‭ ‬المرأة‭ ‬للشورت‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬لا‭ ‬يعتبر‭ ‬تبرجا‭ ‬وقلة‭ ‬أدب،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬الغربيين‭ ‬عموما‭ ‬ينظرون‭ ‬باستياء‭ ‬وسوء‭ ‬ظن‭ ‬لكل‭ ‬امرأة‭ ‬تمشي‭ ‬وثيابها‭ ‬الداخلية‭ ‬ظاهرة‭ ‬بسبب‭ ‬البلوزة‭ ‬او‭ ‬الفستان‭ ‬الشفاف،‭ ‬وفي‭ ‬المقابل‭ ‬فقد‭ ‬صرنا‭ ‬نرى‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬المدن‭ ‬العربية‭ ‬نساء‭ ‬عربيات‭ ‬معظم‭ ‬بضاعتهن‭ ‬الفيسيولوجية‭ ‬معروضة‭: ‬خصور‭ ‬وصدور‭ ‬مكشوفة،‭ ‬بل‭ ‬صار‭ ‬هناك‭ ‬شباب‭ (‬رجال‭) ‬يتعمدون‭ ‬خفض‭ ‬البنطلون‭ ‬بحيث‭ ‬تظهر‭ ‬الأجزاء‭ ‬العلوية‭ ‬من‭ ‬مؤخراتهم‭ ‬الكريهة‭!! ‬ماذا‭ ‬يتوقع‭ ‬شاب‭ ‬يفعل‭ ‬ذلك؟‭ ‬أن‭ ‬تستوقفه‭ ‬فتاة‭ ‬وتقول‭ ‬له‭: ‬ياااه‭.. ‬أنت‭ ‬فتّاك‭.‬

كنا‭ ‬في‭ ‬المعهد‭ ‬الذي‭ ‬درسنا‭ ‬فيه‭ ‬فنون‭ ‬العمل‭ ‬التلفزيوني‭ ‬من‭ ‬الجنسين‭ ‬ومن‭ ‬كل‭ ‬القارات،‭ ‬والحياة‭ ‬اليومية‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬بلد‭ ‬غربي‭ ‬تجعلك‭ ‬تتعامل‭ ‬مع‭ ‬نساء‭ ‬ورجال‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬صنف‭ ‬وفئة‭ ‬عمرية،‭ ‬ولم‭ ‬أصادف‭ ‬طوال‭ ‬وجودي‭ ‬في‭ ‬لندن‭ ‬فتاة‭ ‬تحرشت‭ ‬بي،‭ ‬أو‭ ‬أعارتني‭ ‬مجرد‭ ‬نظرة‭ ‬عابرة،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬ذلك‭ ‬يحز‭ ‬في‭ ‬نفسي‭ ‬لأنني‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬سيئ‭ ‬الظن‭ ‬بهن،‭ ‬ولا‭ ‬أصدق‭ ‬مقولة‭ ‬أنهن‭ ‬يتهاوين‭ ‬أمام‭ ‬كل‭ ‬شاب‭ ‬عربي‭ ‬أو‭ ‬إفريقي،‭ ‬وذات‭ ‬أمسية‭ ‬كنت‭ ‬مدعوّا‭ ‬إلى‭ ‬حفل‭ ‬نظمته‭ ‬لجنة‭ ‬التضامن‭ ‬مع‭ ‬شعب‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا،‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تتألف‭ ‬في‭ ‬معظمها‭ ‬من‭ ‬السود‭ (‬وكنت‭ ‬أشارك‭ ‬في‭ ‬أنشطتها‭ ‬كما‭ ‬ذكرت‭ ‬في‭ ‬مقال‭ ‬سابق‭)‬،‭ ‬وبعد‭ ‬بعض‭ ‬الكلمات‭ ‬القصيرة‭ ‬عزفت‭ ‬الموسيقى‭ ‬وبدأ‭ ‬الرقص‭. ‬رقص‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬يد‭ ‬على‭ ‬الكتف‭ ‬واليد‭ ‬الأخرى‭ ‬‮«‬أنت‭ ‬وذوقك‮»‬،‭ ‬وكنت‭ ‬أقف‭ ‬في‭ ‬ركن‭ ‬من‭ ‬الصالة‭ ‬وحولي‭ ‬شباب‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬أنهم‭ ‬لم‭ ‬يكونوا‭ ‬يملكون‭ ‬مؤهلات‭ ‬تقنع‭ ‬أي‭ ‬امرأة‭ ‬بمراقصتهم‭. ‬وفجأة‭ ‬وقفت‭ ‬أمامي‭ ‬امرأة‭ ‬سوداء‭ ‬من‭ ‬فصيلة‭ ‬وحيد‭ ‬القرن،‭ ‬وخاطبتني‭: ‬دانس؟‭ ‬فقلت‭ ‬لها‭: ‬ثانك‭ ‬يو‭. ‬نسيت‭ ‬أن‭ ‬أقول‭ ‬‮«‬نو‮»‬‭ ‬قبل‭ ‬‮«‬ثانك‭ ‬يو‮»‬،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬اعتبرت‭ ‬عرضها‭ ‬مقبولا‭ ‬وسحبتني‭ ‬من‭ ‬يدي،‭ ‬حتى‭ ‬صار‭ ‬وجهي‭ ‬على‭ ‬بعد‭ ‬سنتيمترات‭ ‬من‭ ‬وجهها،‭ ‬فأصبت‭ ‬بدوار‭. ‬كانت‭ ‬اسطوانية‭ ‬الشكل‭ ‬وتفوح‭ ‬من‭ ‬مسامها‭ ‬رائحة‭ ‬خمر‭ ‬مخلوطة‭ ‬برائحة‭ ‬التبغ‭. ‬تصنعت‭ ‬الابتسام‭ ‬وقلت‭ ‬لها‭ ‬إنني‭ ‬لا‭ ‬أعرف‭ ‬الرقص،‭ ‬ولكنها‭ ‬قالت‭: ‬نو‭ ‬بروبليم‭. ‬سأعلمك‭ ‬الرقص‭.. ‬قلت‭ ‬لها‭ ‬إنني‭ ‬مسلم،‭ ‬ولكنها‭ ‬‮«‬نو‭ ‬بروبليمتها‮»‬‭ ‬مرة‭ ‬أخرى،‭ ‬وطوقتني‭ ‬بذراعيها‭ ‬وغاص‭ ‬رأسي‭ ‬في‭ ‬تل‭ ‬من‭ ‬الشحوم‭ ‬الرجراجة‭. ‬رجاء‭ ‬لا‭ ‬تسئ‭ ‬الظن‭ ‬بي‭ ‬وتقول‭: ‬على‭ ‬من‭ ‬يا‭ ‬ابو‭ ‬الجعافر‭. ‬اعترف‭ ‬أنك‭ ‬استسلمت‭ ‬بعد‭ ‬ما‭ ‬قررت‭ ‬عدم‭ ‬إضاعة‭ ‬الفرصة‭!! ‬أي‭ ‬فرصة؟‭ ‬أقول‭ ‬لك‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬حجم‭ ‬وحيد‭ ‬القرن،‭ ‬ولا‭ ‬تعرف‭ ‬مقدمتها‭ ‬من‭ ‬مؤخرتها‭!! ‬هل‭ ‬هي‭ ‬مقبلة‭ ‬أم‭ ‬مدبرة؟‭ ‬وتخيل‭ ‬رأسك‭ ‬مدفونا‭ ‬في‭ ‬طفاية‭ ‬سجائر‭ ‬بها‭ ‬بقية‭ ‬من‭ ‬خمر‭.‬

لا‭ ‬أعرف‭ ‬لِكم‭ ‬من‭ ‬الوقت‭ ‬جرجرتني،‭ ‬فقد‭ ‬دخلت‭ ‬في‭ ‬غيبوبة‭ ‬لانعدام‭ ‬الأوكسجين،‭ ‬ولحسن‭ ‬حظي‭ ‬توقفت‭ ‬الموسيقى‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬أصاب‭ ‬بموت‭ ‬دماغي،‭ ‬ولما‭ ‬تركتني‭ ‬فقدت‭ ‬توازني‭ ‬وسرت‭ ‬مترنحا‭ ‬أصطدم‭ ‬بالناس‭ ‬والأثاث‭. ‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬يا‭ ‬جماعة‭ ‬حظي‭ ‬من‭ ‬الغزوات‭ ‬النسائية‭ ‬في‭ ‬لندن‭. ‬أنا‭ ‬الذي‭ ‬تعرضت‭ ‬للغزو‭. ‬أنا‭ ‬الذي‭ ‬كنت‭ ‬الضحية‭ ‬والخاسر‭. ‬وبعد‭ ‬تلك‭ ‬التجربة‭ ‬جمدت‭ ‬نشاطي‭ ‬ضد‭ ‬نظام‭ ‬الفصل‭ ‬العنصري‭ ‬الأبيض‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬إفريقيا‭. ‬كيف‭ ‬أتعاطف‭ ‬مع‭ ‬سود‭ ‬ذلك‭ ‬البلد‭ ‬وسيدة‭ ‬سوداء‭ ‬كادت‭ ‬أن‭ ‬تقتلني‭ ‬باسم‭ ‬الرقص؟

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا