زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
وخربطنا وانفضحنا
وذهبت الى لندن في سبعينيات القرن الماضي، ورتب لنا المعهد الذي التحقنا به السكن في «بيت الشباب الكاثوليكي»، وكان جو المعهد مريحا وبهيجا، فقد كان به طلاب من نحو ثلاثين دولة مختلفة يعيشون في تجانس وانسجام، وكان كثيرون مثلنا نحن المجموعة السودانية لا علاقة لهم بالكاثوليكية (وهي على كل حال مذهب مسيحي قليل الأتباع في بريطانيا التي تمردت كنيستها على الفاتيكان قبل قرون وصارت تسمى بالكنيسة الأنقليكانية. نعم تُنطق «أنقلكانية» بالقاف العامية او اليمنية وليس بالجيم) وكنا نحن السودانيين كما أسلفت مرفهين مقارنة بطلاب العديد من الدول فقد كانت منحنا المالية عالية، وكنا نشرب الشاي الطازج فيأتي طلاب غلابة ويستخدمون أكياس الشاي التي نتخلص منها لإعداد الشاي لأنفسهم، وكانت بالمقهى الذي كان يديره رجل صيني ماكينات قمار بأذرع slot machinesتضع قطعة معدنية وتسحب الذراع إلى أسفل وأنت وحظك. فإذا ظهرت ثلاث صور متطابقة تكون قد أصبت وفزت بالجائزة الكبرى أي بمبلغ كبير، وطبعا تلك الماكينات «محسوبة» بحيث تشفط كميات كبيرة من أموال المقامرين، وتعطي جوائز صغيرة بالقطارة وتعرفنا هناك على جزائري اسمه حسن يحمل الجنسية الفرنسية، ولا يعرف من العربية سوى «السلام عليكم»، وحتى هذه العبارة كانت تخرج من فمه «السأم أليكم». كان حسن كثيرا ما يفوز بالجائزة الكبرى مع تلك الماكينات وسألته عن السر، فقال إنه يستخدم نظرية الاحتمالات: يجلس يراقب اللاعب تلو الآخر وهم يخسرون أو يفوزون بمبالغ بسيطة وفي لحظة معينة يرى أن ضمير الماكينة سيستيقظ ليأتي بالجائزة الكبرى، وانتبه الصيني إلى أن حسن الجزائري سيخرب بيته فمنعه من اللعب، فصار حسن يجلس بعيدا عن الماكينة ولما يحس بأن ضميرها سيستيقظ يستأجر طالبا مسكينا ليلعب نيابة عنه نظير مكافأة. واضطر الصيني الى سحب الماكينات نهائيا من الكافتيريا لأن حسن كان يصيبها بالجفاف والتصحر.
لم أكن أحمل معي من السودان سوى بنطلونين وثلاثة قمصان، وخلال الأسبوع الأول من وصولنا الى لندن عاد أحد زملائنا من جولة تسوق في المنطقة، وقال إنه عثر على متجر يبيع الملابس «ببلاش تقريبا»، فحمل كل واحد منا كمية من الاسترليني وتوجهنا معه الى المتجر، وفوجئنا بتشكيلة مذهلة من القمصان والبنطلونات والجاكيتات بأسعار أقل من رمزية. وطفقنا نتخاطف قطع الملابس ونكومها فوق أذرعنا ونضعها أمام صاحب المحل ثم نعود لنأخذ المزيد، وفي خاتمة المطاف كان لكل واحد منا تل من الملابس ووقفنا ننتظر قيام صاحب المتجر بحساب الأسعار لكل كوم، ولكنه نطق بكلمة واحدة: ريسيتس!! قلنا له: وات: قال: ريسيتس.. شرحنا له أننا لم ندفع بعد ثمن الملابس التي قررنا شراءها، وان عليه هو ان يعطينا الريسيتس التي هي الإيصالات. أغمض الرجل عينيه لنحو دقيقتين ثم صاح: وات؟ يو باي وات؟ تشترون ماذا؟ قلنا له إننا نـ«باي» الملابس، فأغمض عينيه مرة أخرى وخمنت من التعابير التي على وجهه انه كان «يلعن إبليس». حاول ان يتحلى بالهدوء وسألنا: هل هذه الملابس تخصكم؟ لم نفهم السؤال، وشرحنا له اننا نريد شراءها، تحدثت معه قدر استطاعتي بإنجليزية لندن الـ«كوكني»، لأنني حسبته جاهلا لا يفهم الإنجليزية الفصيحة التي كنا نتكلمها. وبدلا من ان يلعن إبليس استعان الرجل بإبليس الذي زوده بذخيرة ضخمة من الشتائم البذيئة، التي لو سمعها لبناني لسد أذنيه بحجر. وبصراحة كان معه حق، فقد كان محلا للغسيل الجاف، وكانت المبالغ المثبتة على كل قطعة هي كلفة/فاتورة الغسل والكي. وما فعلناه هو أننا لخبطنا وخربطنا عليه ترتيب الملابس، فملابس كل زبون تكون موجودة داخل كيس بلاستيكي واحد عليه رقم متسلسل، ونحن سلسلنا تلك الأكياس وسحبنا ما راق لنا من ملابس كيفما اتفق، باختصار خربنا بيته، ولو لم نركض هاربين لربما كان قد قطم رقبة أحدنا!! شفت التخلف شلون؟ يعني لم نكن نستطيع التمييز بين الملابس المستعملة والجديدة.. إيه يا دنيا
إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك