العدد : ١٧١٧٩ - السبت ٠٥ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٧ شوّال ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٧٩ - السبت ٠٥ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٧ شوّال ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

وتخنزرنا

استمر‭ ‬الصدام‭ ‬بيني‭ ‬وبين‭ ‬الحضارة‭ ‬الغربية‭ ‬طوال‭ ‬العام‭ ‬الدراسي‭ ‬الذي‭ ‬قضيته‭ ‬في‭ ‬لندن‭ ‬في‭ ‬سبعينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي،‭ ‬وكتبت‭  ‬قبل‭ ‬أيام‭ ‬عن‭ ‬الورطة‭ ‬التي‭ ‬وقعنا‭ ‬فيها‭ ‬لأن‭ ‬الحمامات‭ ‬في‭ ‬بيت‭ ‬الشباب‭ ‬الكاثوليكي‭ ‬الذي‭ ‬وفروا‭ ‬لنا‭ ‬سكنا‭ ‬رخيصا‭ ‬فيه‭ ‬كانت‭ ‬بلا‭ ‬أبواب،‭ ‬وكان‭ ‬المقيمون‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬البيت‭ ‬من‭ ‬الطلاب‭ ‬من‭ ‬مختلف‭ ‬القارات‭ ‬عديمي‭ ‬الأدب‭ ‬وقليلي‭ ‬الحياء،‭ ‬فلم‭ ‬يكونوا‭ ‬فقط‭ ‬يستحمون‭ ‬وهم‭ ‬يتسامرون‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬بعضهم‭ ‬يتوجه‭ ‬وهو‭ ‬عارٍ‭ ‬تماما،‭ ‬من‭ ‬الطابق‭ ‬الثاني‭ (‬مثلا‭) ‬الى‭ ‬الحمامات‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬في‭ ‬الطابق‭ ‬تحت‭ ‬الأرضي،‭ ‬ثم‭ ‬واجهنا‭ ‬مشكلة‭ ‬‮«‬كيفية‭ ‬تفادي‭ ‬لحم‭ ‬الخنزير‮»‬‭ ‬ووجدنا‭ ‬الخلاص‭ ‬المؤقت‭ ‬في‭ ‬الكورن‭ ‬فليكس،‭ ‬وحتى‭ ‬البيض‭ ‬قلنا‭ ‬بلاش‭ ‬منه،‭ ‬لأن‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬قال‭ ‬إن‭ ‬بعض‭ ‬الخنازير‭ ‬تبيض‭ ‬ولا‭ ‬تلد‭. ‬ثم‭ ‬فرجها‭ ‬علينا‭ ‬صاحب‭ ‬الفرج‭ ‬باكتشاف‭ ‬محل‭ ‬لدجاج‭ ‬كنتاكي‭ ‬في‭ ‬سوق‭ ‬فينسبوري‭ ‬بارك،‭ ‬وكان‭ ‬جميع‭ ‬العاملين‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬المصريين‭ (‬وبالمناسبة‭ ‬فإن‭ ‬هناك‭ ‬علاقة‭ ‬مريبة‭ ‬بين‭ ‬المصريين‭ ‬ومحلات‭ ‬دجاج‭ ‬كنتاكي‭ ‬فحتى‭ ‬في‭ ‬ماليزيا‭ ‬وواشنطن‭ ‬وجدت‭ ‬نصف‭ ‬العاملين‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المحلات‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬المصريين‭).. ‬وكانوا‭ ‬يعطوننا‭ ‬قطعا‭ ‬من‭ ‬الحجم‭ ‬الكبير،‭ ‬وفوقها‭ ‬قطعا‭ ‬إضافية،‭ ‬وبعد‭ ‬ان‭ ‬ذقت‭ ‬دجاج‭ ‬كنتاكي‭ ‬في‭ ‬لندن‭ ‬لأول‭ ‬مرة،‭ ‬بت‭ ‬مقتنعا‭ ‬بأنه‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬على‭ ‬ظهر‭ ‬الأرض‭ ‬طعام‭ ‬أطيب‭ ‬منه،‭ ‬وكانت‭ ‬من‭ ‬ثم‭ ‬فرحتنا‭ ‬باكتشاف‭ ‬ذلك‭ ‬المحل‭ ‬لا‭ ‬توصف،‭ ‬فأكل‭ ‬الدجاج‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الأيام‭ ‬وقفا‭ ‬على‭ ‬القطط‭ ‬السمان‭ ‬من‭ ‬البشر،‭ ‬بيوتنا‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تعرف‭ ‬لحم‭ ‬الدجاج‭ ‬إلا‭ ‬عند‭ ‬عودة‭ ‬مسافر‭ ‬أو‭ ‬للعريس‭ ‬في‭ ‬أيام‭ ‬الزفاف‭ ‬الأولى‭ ‬أو‭ ‬المريض‭ ‬المشرف‭ ‬على‭ ‬الهلاك‭.. ‬استغفر‭ ‬الله‭.. ‬كانت‭ ‬والدتي‭ ‬تذبح‭ ‬لنا‭ ‬الدجاج‭ ‬أحيانا،‭ ‬ولكن‭ ‬لحمه‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬ينضج‭ ‬على‭ ‬النار‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬ضربه‭ ‬وهو‭ ‬نيئ‭ ‬بيد‭ ‬الهاون،‭ ‬حتى‭ ‬يصبح‭ ‬طريا‭ ‬الى‭ ‬حد‭ ‬ما،‭ ‬وبعدها‭ ‬يوضع‭ ‬على‭ ‬النار‭ ‬مع‭ ‬طن‭ ‬من‭ ‬الكربونات،‭ ‬والسر‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬ان‭ ‬والدتي‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬النساء‭ ‬لم‭ ‬يكنّ‭ ‬يذبحن‭ ‬أي‭ ‬دجاجة‭ ‬إلا‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬ينقطع‭ ‬عنها‭ ‬الطمث‭ ‬وتتوقف‭ ‬عن‭ ‬التبييض،‭ ‬أو‭ ‬لإصابتها‭ ‬بإعاقة‭ ‬بسبب‭ ‬عامل‭ ‬السن‭.‬

ولكن‭ ‬ابن‭ ‬آدم‭ ‬‮«‬مفتري‮»‬،‭ ‬فاليوم‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬شيء‭ ‬أثقل‭ ‬على‭ ‬نفسي‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬لحم‭ ‬الدجاج،‭ ‬بل‭ ‬صار‭ ‬أكل‭ ‬لحم‭ ‬الدجاج‭ ‬يسبب‭ ‬لي‭ ‬نفس‭ ‬الضيق‭ ‬الذي‭ ‬يسببه‭ ‬لي‭ ‬صوت‭ ‬شعبان‭ ‬عبدالرحيم‭. ‬أذكر‭ ‬أن‭ ‬شقيقي‭ ‬محجوب‭ ‬كان‭ ‬‭ ‬أثناء‭ ‬إقامتنا‭ ‬سويا‭ ‬في‭ ‬الخرطوم‭ ‬بحري‭ - ‬يقترح‭ ‬علي‭ ‬أحيانا‭ ‬شراء‭ ‬دجاجة‭ ‬من‭ ‬الشواية،‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬نأكلها‭ ‬في‭ ‬نفس‭ ‬‮«‬المحل‮»‬،‭ ‬ولكن‭ ‬كان‭ ‬ذلك‭ ‬زمان‭ ‬يعتبر‭ ‬فيه‭ ‬الأكل‭ ‬في‭ ‬الشارع‭ ‬العام‭ ‬‮«‬عيب‮»‬،‭ ‬وكنت‭ ‬ألح‭ ‬عليه‭ ‬ان‭ ‬نحمل‭ ‬الدجاجة‭ ‬المشوية‭ ‬معنا‭ ‬الى‭ ‬البيت،‭ ‬فيقول‭: ‬ح‭ ‬تشوف‭.. ‬أول‭ ‬من‭ ‬ندخل‭ ‬البيت‭.. ‬كل‭ ‬قرايبنا‭ ‬واصدقاءنا‭ ‬ح‭ ‬يشموا‭ ‬ريحة‭ ‬الدجاج‭ ‬ويقتحموا‭ ‬البيت،‭ ‬ولو‭ ‬طلعت‭ ‬بجناح‭ ‬أكون‭ ‬محظوظ‭.. ‬ومرة‭ ‬تلو‭ ‬الأخرى‭ ‬صدقت‭ ‬تكهناته‭.. ‬نحمل‭ ‬معنا‭ ‬دجاجة‭ ‬مشوية‭ ‬أو‭ ‬محمرة‭ ‬فنجد‭ ‬بضعة‭ ‬ضيوف‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬فيهمهم‭ ‬محجوب‭ ‬‮«‬دي‭ ‬مش‭ ‬حاسة‭ ‬شم،‭ ‬دي‭ ‬حاسة‭ ‬سادسة‮»‬‭!!‬

وكما‭ ‬يقولون‭ ‬فإن‭ ‬الحذر‭ ‬لا‭ ‬يمنع‭ ‬القدر،‭ ‬فقد‭ ‬حرصنا‭ ‬أشد‭ ‬الحرص‭ ‬على‭ ‬تفادي‭ ‬تناول‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬فيه‭ ‬شبهة‭ ‬الانتماء‭ ‬الى‭ ‬جنس‭ ‬الخنازير،‭ ‬وكان‭ ‬المعهد‭ ‬الذي‭ ‬ندرس‭ ‬به‭ ‬قد‭ ‬رتب‭ ‬لنا‭ ‬دخول‭ ‬مطعمين‭ ‬أحدهما‭ ‬تابع‭ ‬لجامعة‭ ‬لندن‭ ‬والآخر‭ ‬يتبع‭ ‬لوزارة‭ ‬الدفاع،‭ ‬وقال‭ ‬لنا‭ ‬أحدهم‭ ‬إن‭ ‬مطعم‭ ‬وزارة‭ ‬الدفاع‭ ‬يقدم‭ ‬سجقا‭ ‬بقريا‭ ‬شهيا،‭ ‬فصرنا‭ ‬نتناول‭ ‬ذلك‭ ‬السجق‭ ‬عدة‭ ‬مرات‭ ‬اسبوعيا،‭ ‬وذات‭ ‬يوم‭ ‬سألني‭ ‬طباخ‭ ‬أسود‭ ‬في‭ ‬المطعم‭: ‬آر‭ ‬يو‭ ‬مسلم‭ ‬براذر؟‭ ‬أجبته‭: ‬نعم‭ ‬مسلم‭ ‬ونص‭ ‬يا‭ ‬أخي،‭ ‬فسألني‭ ‬مجددا‭: ‬ولماذا‭ ‬تأكل‭ ‬السجق‭ ‬هنا؟‭ ‬فسألته‭ ‬بدوري‭: ‬ولم‭ ‬لا؟‭ ‬فأجاب‭: ‬لأنه‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬من‭ ‬لحم‭ ‬الخنزير‭ ‬بل‭ ‬ان‭ ‬اللون‭ ‬الأحمر‭ ‬الذي‭ ‬يميزه‭ ‬يعزى‭ ‬لوجود‭ ‬كميات‭ ‬من‭ ‬دم‭ ‬الخنزير‭ ‬فيه‭.. ‬الله‭ ‬يخرب‭ ‬بيت‭ ‬وزارة‭ ‬الدفاع‭ ‬وكمان‭ ‬وزارة‭ ‬البتاع‭.. ‬هل‭ ‬يستطيع‭ ‬الانسان‭ ‬الاستفراغ‭ ‬بأثر‭ ‬رجعي؟‭.. ‬انسدت‭ ‬نفسي‭ ‬من‭ ‬الطعام‭ ‬طوال‭ ‬نحو‭ ‬أسبوع‭.. ‬حتى‭ ‬اللبن‭ ‬صار‭ ‬يسبب‭ ‬لي‭ ‬القرف‭: ‬ما‭ ‬الذي‭ ‬يمنع‭ ‬الخواجات‭ ‬الملاعين‭ ‬من‭ ‬تعليب‭ ‬وبيع‭ ‬لبن‭ ‬الخنازير؟

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا