زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
إلى لندن بخاتم زواج
خلال عملي مدرسا للغة الإنجليزية في المدارس السودانية، تقرر ابتعاثي مع آخرين لدراسة فنيات العمل التلفزيوني في لندن، توطئة للانضمام الى إدارة التلفزيون التعليمي. وشككت في أن الحكاية فيها «إنّ»، فكيف يتم ترشيحي لبعثة دراسية لم أتقدم بطلب للفوز بها، وليست عندي «واسطة» في وزارة التربية، ولكن إجراءات البعثة اكتملت، وثبت بذلك أنني كنت على خطأ بإساءة الظن بمن بأيديهم القرار، ورقصت فرحا وطربا لأنني متوجه الى لندن عاصمة العروبة، ومركز الدنيا بوصفها حاضنة خط غرينتش الذي هو خط الطول صفر، الذي يُحسب الوقت في كل مكان في الدنيا قياسا عليه. لندن بمسارحها ومتاحفها وبرلمانها العتيق. صبرت ونلت يا أبا الجعافر، وستكون موقع حسد العماليق والسنافر.
كنت وقتها قد خطبت فتاة وقطعت شوطا طيبا في الاستعداد لتوفير تكاليف الزواج. من باب الأمانة يجب ان أقول إنها من تولى مسؤولية توفير تلك التكاليف، ليس على نفقتها، بل بأن جعلتها مسؤولة عن إدارة شؤوني المالية، كانت لدي ثلاثة موارد مالية: الراتب الشهري من وزارة التربية، ومكافأة شهرية من محطة التلفزيون التي كنت أعمل فيها بصفة «متدرب»، ودخل إضافي من التدريس في فصول دراسية مسائية كان يديرها اتحاد المعلمين، فصرت أسلمها شهريا مبلغا معينا لأنني كنت سبهلليا في الشؤون المالية ولا أعرف الادخار ولا أتعامل مع البنوك، وكان الاتفاق هو أن تصل المبالغ التي أسلمها إياها سقفا معينا، تدرك هي عنده أن الميزانية اكتملت، فنستكمل إجراءات الزواج.
ثم حدث انقلاب عسكري جعلت الأحوال في السودان مضطربة، وتم فرض حظر تجول طويل الأمد على الخرطوم بحري توأم الخرطوم العاصمة، التي كنا نقيم فيها، فقررنا عقد القران، وبس.. يعني نتزوج شرعا ثم نواصل بعد الفاصل، أي نحدد تاريخا لاحقا للزفاف، وفي حفل عائلي جاء المأذون وكتب الكتاب وتناول الضيوف الطعام على عجل وبدأوا في الهرب الى بيوتهم، لأن حظر التجوال كان ساريا، لأن الحكومات العسكرية تفقد توازنها مع كل تحرك ضدها فتعاقب سكان العاصمة جميعا بشل حركتهم من مطلع كل مساء الى مطلع الفجر، وبعد انتهاء الحفل تحركت بسيارة صديق وأنا مدرك بأنني كـ«عريس جديد» قد أقضي ليلتي حبيسا في مركز للشرطة او الجيش، ولكن ربك ستر ولم تعترض طريقنا دورية إلى أن أوصلني صاحبي الى البيت
وظللت لعدة أيام أفكر فيما إذا كان قراري بالزواج سليما!! لم أفكر في الأمر من زاوية ما إذا كان اختياري للزوجة موفقا، بل من زاوية: هل أنا قادر على تحمل مسؤولية زوجة وعيال؟ ذلك أنني كنت أعرف أنني لا أصلح لدور الزوج التقليدي الذي يعود الى البيت عند انتهاء كل يوم عمل حاملا الصحف وبطيخة وكيسا به الجرجير والطماطم والبندول، وكانت لي علاقات اجتماعية واسعة وأسهم في الكثير من النشاطات الثقافية، ومسيسا بدرجة قد تعيدني الى السجن مجددا، وكان الزواج يعني إعادة رسم خريطة حياتي بحيث تصبح الزوجة هي مركز الدائرة وأن تكون تلك الدائرة صغيرة المحيط، حتى لا تستغرق العودة الى المركز وقتا طويلا. المهم أنني مثل معظم الناس من الجنسين حديثي العهد بالزواج، ظللت لفترة طويلة لا أصدق أنني أصبحت (متزوجا)، وفي حالتي طالت تلك الفترة لأن المجتمع يرى أن الزواج الشرعي لا يكفي بل لابد من زفاف وزيطة وهيصة، وكان قد تقرر تأجيل تلك الأشياء إلى ما بعد عودتي من لندن، ولم يضايقني ذلك لأنني لم أكن أملك الموارد للمضي قدما في إجراءات الزواج، وسيعني السفر الى لندن أن يبقى راتبي الشهري كاملا في السودان، لأنني سأتقاضى نفقات الدراسة والإعاشة في لندن على حساب حكومة ألمانيا (الغربية) التي كانت من قدم لنا المنحة الدراسية في إطار الدعم الذي ظلت تقدمه للتلفزيون السوداني منذ إنشائه.
وبهذا تكون حكومة ألمانيا قد أسهمت في نفقات زواجي على نحو غير مباشر.
إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك