العدد : ١٧١٧٦ - الأربعاء ٠٢ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٤ شوّال ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٧٦ - الأربعاء ٠٢ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٤ شوّال ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

واتهمني بالغش في الامتحان

كانت‭ ‬السنوات‭ ‬التي‭ ‬قضيتها‭ ‬في‭ ‬جامعة‭ ‬الخرطوم‭ ‬شديدة‭ ‬الخصوبة،‭  ‬أكاديميا‭ ‬وثقافيا‭ ‬واجتماعيا‭ ‬وسياسيا،‭ ‬ومن‭ ‬الناحية‭ ‬الأكاديمية‭ ‬درسنا‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬على‭ ‬أيدي‭ ‬عمالقة‭ ‬في‭ ‬مجالات‭ ‬تخصصهم،‭ ‬ففي‭ ‬مجال‭ ‬اللغة‭ ‬العربية‭ ‬‭ ‬وعلى‭ ‬سبيل‭ ‬المثال‭ ‬لا‭ ‬الحصر‭- ‬كان‭ ‬هناك‭ ‬الأديب‭ ‬والعالم‭ ‬اللغوي‭ ‬الفذ‭ ‬عبدالله‭ ‬الطيب،‭ ‬وبروفيسور‭ ‬غنيمي‭ ‬هلال‭ ‬الموسوعي‭ ‬العارف‭ ‬بآداب‭ ‬الصين‭ ‬وإسبانيا‭ ‬وفرنسا‭ ‬معرفة‭ ‬تخصصية،‭ ‬وكان‭ ‬بروفيسور‭ ‬تمّام‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬درس‭ ‬اللغويات‭ ‬والصوتيات‭ ‬باللغة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬جامعتنا‭ ‬العتيدة،‭ ‬أما‭ ‬غنيمي‭ (‬المصري‭) ‬فقد‭ ‬تعمق‭ ‬في‭ ‬دراسة‭ ‬الأدب‭ ‬السوداني‭ ‬وطرح‭ ‬على‭ ‬كليتنا‭ (‬الآداب‭) ‬دراسة‭ ‬الشعر‭ ‬الصوفي‭ ‬السوداني،‭ ‬وكان‭ ‬وهو‭ ‬يحدثنا‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬اللون‭ ‬الشعري‭ ‬تنتابه‭ ‬نوبات‭ ‬‮«‬دروشة‮»‬‭ ‬فيتكلم‭ ‬بلا‭ ‬توقف‭ ‬وهو‭ ‬لا‭ ‬ينظر‭ ‬إلى‭ ‬الطلاب،‭ ‬وأحيانا‭ ‬يهمهم‭ ‬بكلام‭ ‬تعجز‭ ‬أذنه‭ ‬هو‭ ‬عن‭ ‬التقاطه‭. ‬ولأننا‭ ‬كنا‭ ‬نحبه‭ ‬جدا‭ ‬فقد‭ ‬كنا‭ ‬نجلس‭ ‬أمامه‭ ‬كالخشب‭ ‬المسندة‭ ‬لا‭ ‬نفرفر‭ ‬ولا‭ ‬ننطق‭ ‬بشيء‭. (‬في‭ ‬ذات‭ ‬ندوة‭ ‬عن‭ ‬النقد‭ ‬الأدبي‭ ‬خاض‭ ‬في‭ ‬الموضوع‭ ‬محاضر‭ ‬ديناصور‭ ‬وكان‭ ‬واضحا‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يعتبر‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬كتب‭ ‬بعد‭ ‬القرن‭ ‬الثاني‭ ‬عشر‭ ‬‮«‬أدباً‮»‬،‭ ‬فانتفض‭ ‬بروفيسور‭ ‬غنيمي‭ ‬واقفا‭ ‬وهو‭ ‬يصيح‭: ‬بس‭ .. ‬مش‭ ‬ممكن‭.. ‬انا‭ ‬عندي‭ ‬ضغط‭.. ‬إيه‭ ‬ده؟‭ ‬مش‭ ‬ممكن‭!).  ‬

وبالنسبة‭ ‬لي‭ ‬كان‭ ‬الانتماء‭ ‬والانحياز‭ ‬لشعبة‭ ‬اللغة‭ ‬الإنجليزية‭ ‬تاما‭ ‬وكاملا،‭ ‬فقد‭ ‬كنت‭ ‬ولا‭ ‬أزال‭ ‬عاشقا‭ ‬لتلك‭ ‬اللغة،‭ ‬وبادلتني‭ ‬عشقا‭ ‬بعشق‭ ‬فصارت‭ ‬سلاحي‭ ‬عندما‭ ‬دخلت‭ ‬الحياة‭ ‬العملية،‭ ‬كان‭ ‬رئيس‭ ‬الشعبة‭ ‬على‭ ‬أيامنا‭ ‬بروفيسور‭ ‬مكميلان،‭ ‬وكان‭ ‬إنجليزيا‭ ‬من‭ ‬الطراز‭ ‬التقليدي،‭ ‬وكان‭ ‬هناك‭ ‬حبيب‭ ‬الجماهير‭ ‬جون‭ ‬أباظة‭. ‬إنجليزي‭ ‬معتق‭ ‬ينحدر‭ ‬من‭ ‬العائلة‭ ‬الأباظية‭ ‬في‭ ‬مصر،‭ ‬ومشهور‭ ‬عالميا‭ ‬كأبرز‭ ‬دارسي‭ ‬ونقّاد‭ ‬مسرح‭ ‬شكسبير‭. ‬في‭ ‬أول‭ ‬سنة‭ ‬في‭ ‬الكلية‭ ‬كاد‭ ‬أباظة‭ ‬أن‭ ‬يوديني‭ ‬في‭ ‬داهية،‭ ‬ففي‭ ‬امتحان‭ ‬نصف‭ ‬العام‭ ‬كنت‭ ‬الطالب‭ ‬الوحيد‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬تظهر‭ ‬نتائجه‭ ‬في‭ ‬الأدب‭ ‬الإنجليزي،‭ ‬وسألت‭ ‬بعض‭ ‬الأساتذة‭ ‬الذين‭ ‬يدرسون‭ ‬بعض‭ ‬فروع‭ ‬تلك‭ ‬المادة‭ ‬وطمأنوني‭ ‬بأنني‭ ‬أحرزت‭ ‬درجات‭ ‬طيبة‭ ‬في‭ ‬الفروع‭ ‬التي‭ ‬تخصهم،‭ ‬وأخيرا‭ ‬ذهبت‭ ‬الى‭ ‬أباظة‭ ‬فأخرج‭ ‬ورقتي‭ ‬وعليها‭ ‬علامات‭ ‬استفهام‭ ‬عديدة‭.. ‬خير‭ ‬يا‭ ‬مستر‭ ‬بظبظ‭!! ‬اتهمني‭ ‬بأنني‭ ‬دخلت‭ ‬الامتحان،‭ ‬حاملا‭ ‬معي‭ ‬كتابا‭ ‬لـ«برادلي‮»‬‭ ‬أحد‭ ‬مشاهير‭ ‬نقاد‭ ‬شكسبير‭ ‬ونقلت‭ ‬منه‭ ‬بالمسطرة‭.. ‬حلفت‭ ‬له‭ ‬بالطلاق‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬يحدث‭ ‬فكان‭ ‬رده‭ ‬ما‭ ‬معناه‭: ‬مش‭ ‬لما‭ ‬تتجوز‭ ‬الأول‭. ‬المهم،‭ ‬هو‭ ‬يتهم،‭ ‬وأنا‭ ‬أنكر،‭ ‬فصار‭ ‬يقرأ‭ ‬لي‭ ‬مقاطع‭ ‬مما‭ ‬نقلت‭ ‬عن‭ ‬برادلي‭ ‬وكاد‭ ‬فكه‭ ‬الأسفل‭ ‬ينفصل‭ ‬عن‭ ‬بقية‭ ‬رأسه‭ ‬عندما‭ ‬وجدني‭ ‬أكمل‭ ‬كل‭ ‬عبارة‭ ‬شفاهة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬أنظر‭ ‬الى‭ ‬الورقة‭.. ‬شلت‭ ‬الدهشة‭ ‬لسانه‭ ‬بعضا‭ ‬من‭ ‬الوقت‭ ‬وصاح‭: ‬وات؟‭ ‬هل‭ ‬تقصد‭ ‬انك‭ ‬تحفظ‭ ‬مقتطفات‭ ‬من‭ ‬كلام‭ ‬برادلي‭ ‬الأبله‭ ‬هذا‭ ‬عن‭ ‬ظهر‭ ‬قلب؟‭  ‬قلت‭ ‬‮«‬نعم‮»‬‭.. ‬فصاح‭ ‬مجددا‭: ‬آند‭ ‬واي‭ ‬دو‭ ‬يو‭ ‬دو‭ ‬ذات؟‭ ‬ولِمَ‭ ‬تفعل‭ ‬ذلك؟‭ ‬قلت‭ ‬له‭ ‬إنني‭ ‬لا‭ ‬أتعمد‭ ‬الحفظ‭ ‬ولكنني‭ ‬أحفظ‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬أقرأه‭ ‬عدة‭ ‬مرات،‭ ‬وكي‭ ‬أؤكد‭ ‬له‭ ‬ذلك‭ ‬رددت‭ ‬أمامه‭ ‬مقاطع‭ ‬من‭ ‬شعر‭ ‬شكسبير‭ ‬من‭ ‬مسرحيات‭ ‬وسوناتات‭ ‬مختلفة‭. ‬هنا‭ ‬تحول‭ ‬الاتهام‭ ‬بالغش‭ ‬والسرقة‭ ‬الى‭ ‬‮«‬إعجاب‮»‬‭ ‬ولكنه‭ ‬قال‭ ‬لي‭ ‬بحزم‭: ‬دونت‭ ‬كووت‭ ‬برادلي‭ (‬لا‭ ‬تنقل‭ ‬نصا‭ ‬عن‭ ‬برادلي‭) ‬وحدثني‭ ‬مطولا‭ ‬عن‭ ‬ان‭ ‬برادلي‭ ‬ناقد‭ ‬ساذج‭ ‬كثير‭ ‬الشطح‭ ‬والنطح‭. ‬

إيييه‭ ‬ما‭ ‬دائم‭ ‬إلا‭ ‬الله‭.. ‬اليوم‭ ‬عندما‭ ‬يسألني‭ ‬مسؤول‭ ‬ما‭ ‬عن‭ ‬اسمي‭ ‬الثلاثي،‭ ‬أنظر‭ ‬إلى‭ ‬أعلى‭ ‬ثم‭ ‬أهمهم‭: ‬جعفر‭ ‬آآآآآ‭ ‬جعفر‭ ‬عتريس‭.. ‬لا‭ ‬إدريس‭.. ‬غبوش‭.. ‬استغفر‭ ‬الله‭.. ‬معمر‭ ‬عباس‭.. ‬جعفر‭ ‬عجرم‭ .. ‬لا‭.. ‬أظن‭ ‬عباس،‭ ‬ولو‭ ‬جاء‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬السؤال‭ ‬في‭ ‬مطار‭ ‬‮«‬عينك‭ ‬ما‭ ‬تشوف‭ ‬حتى‭ ‬النور‮»‬،‭ ‬وخلال‭ ‬التحري‭ ‬في‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬حادث‭ ‬مروري‭ ‬سألتني‭ ‬الشرطة‭ ‬عن‭ ‬رقم‭ ‬سيارتي،‭ ‬فقلت‭ ‬لهم‭: ‬مش‭ ‬عارف‭.. ‬الرقم‭ ‬مكتوب‭ ‬في‭ ‬اللوحة‭ ‬فيطلبون‭ ‬رخصة‭ ‬السيارة‭ ‬ورخصة‭ ‬السواقة‭ ‬كي‭ ‬يتأكدوا‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬السيارة‭ ‬ليست‭ ‬مسروقة‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا