زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
واتهموني بالاتجار بالمخدرات
بدأت منذ أكثر من أسبوع في الغوص في سنام الذكريات، ذلك أنه ومع قدوم رمضان ينتابني حنين عارم الى جذوري، وسنوات صباي وشبابي الباكر (والباكر هنا تعني أنني الآن في مرحلة الشباب الوسيط)، وأتذكر سنوات الدراسة بجامعة الخرطوم، وكانت على أيامنا تغلي وتمور بالنشاط الثقافي والسياسي والرياضي، وكان الغريب في أمر جامعتنا تلك أنها كانت لا تهتم بكرة القدم، ولم تكن بطولات الكليات في كرة القدم تحظى بأي إقبال طلابي، وطوال السنوات التي قضيتها في الجامعة لم يفز منتخب كُلِّيتي (الآداب) بأي مباراة في كرة القدم، وفي ذات مباراة كان فريق كلية الهندسة متقدما علينا بستة أهداف مقابل صفر، بدرجة أن حارس مرمانا اضطر الى ترك خانته والمشاركة في الهجوم، وظل مرابطا أمام مرمى العدو حتى نهاية ذلك الشوط الأول، ثم تسلل زميل لنا الى حظائر شعبتي علوم النبات والحيوان، وكانت هناك خلية نحل ضخمة، ونجح في استفزاز النحل فهاجمت الآلاف منه الميدان الذي كانت تقام عليه المباراة، وفتكت بلاعبي الفريقين، وألغيت المباراة، وعند الإعادة فاز فريق الهندسة علينا 9 – صفر، مع الرأفة ولسوء حظنا كان النحل قد طفش ولم تبق في خلاياه أعداد تكفي للانتقام من كلية الهندسة.
كان هناك صراع سياسي شديد بين الشيوعيين وحلفائهم من جهة وحركة الإخوان المسلمين التي كانت تسمى في الجامعة «الاتجاه الإسلامي»، ولكنه كان صراعا سلميا وديمقراطيا، فيه الكثير من التسامح وتقبل الرأي الآخر.
وكانت بالجامعة نحو ثلاثين جمعية ثقافية واجتماعية، لها مخصصات مالية رسمية، وكان من عادة تلك الجمعيات تنظيم رحلات ترفيهية لأعضائها، وكنت وقتها أسبق الطالب م. ر. بسنتين، وكان صاحبنا مغرما بالرحلات الترفيهية، وليس عضوا في أي جمعية، ومع هذا كان يتوجه صباح كل جمعة الى حيث تقف الحافلات التي تنقل الطلاب الى البساتين القريبة من الخرطوم ويركب أي واحدة منها. كان يفعل ذلك غالبا وهو تحت تأثير سكرة الليلة الفائتة (الخميس)، وذات يوم وقع في شر أعماله، ففي ذات يوم جمعة قفز الى باص ممتلئ بالطلاب وانتهى به المطاف وبهم في بستان وارف الظلال في شمال الخرطوم بحري، وبينما انهمك الآخرون في فرش الأبسطة وإعداد وجبة الإفطار غادر م. ر. المكان ثم عاد بعد نحو ساعة ووضع أمام مجموعة من الطلاب زجاجة خمر وقال لهم: يللا ننبسط!! وبسطوه أرضا وأشبعوه ضربا، فقد كانوا جميعا أعضاء في جمعية الثقافة الإسلامية، ونجح المسكين في الفرار بجلده ولكن حافيا، وبينما هو يمر بقرية قريبة على تلك الحال استوقفه رجل رقّ قلبه لمنظر شاب يرتدي ملابس أنيقة تنقصها الأحذية، وسأله عن حاله ففبرك صاحبنا حكاية عن قاطع طريق لم يجد عنده نقودا فسلبه حذاءه، واشترى له الرجل الطيب نعالا من البلاستيك، ثم وقف معه على الشارع العام حتى أتت حافلة فدفع له أجرة ركوبها حتى الخرطوم بحري.
كان م. ر. مصدر صداع دائم لي بحكم أنني كنت أعرفه قبل التحاقه بالجامعة، وبسبب سلوكه الفالت وجدت نفسي «مسؤولا» عنه، ويأتيني آخرون للشكوى منه، وفي ذات امتحان رسب في كل المواد، وكان أسوأ ما فيه استخدامه لحشيشة البنقو (جعلها المصريون «بانجو»)، وبعد ظهور نتائج الامتحان الذي رسب فيه بتقدير ممتاز، داهمت غرفته في السكن الجامعي، وعثرت على كميات من البنقو في جيوب بنطلوناته وأماكن متفرقة من خزانة ملابسه، وتخلصت منها في مقلب للقمامة، واكتشف صاحبنا في ساعة متأخرة من الليل فقدان البنقو، وأقام الدنيا، فاضطر زملاؤه في الغرفة إبلاغه بأن جعفر عباس كان ينبش الأشياء التي تخصه، كنت وقتها أسكن في الطابق العلوي لنفس البناية التي يقيم فيها صاحبنا، وفي نحو الثالثة فجرا سمعت صوتا يناديني على نحو متكرر وقفت على النافذة وصحت: نعم ماذا في الأمر؟ فما كان من م. ر. إلا أن صاح: وين البنقو يا جعفر. وصارت لازمة «وين البنقو يا جعفر» تطاردني طوال الفترة التي تلت تلك الحادثة في الجامعة.
إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك