العدد : ١٧١٧٦ - الأربعاء ٠٢ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٤ شوّال ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٧٦ - الأربعاء ٠٢ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٤ شوّال ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

واتهموني بالاتجار بالمخدرات

بدأت‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أسبوع‭ ‬في‭ ‬الغوص‭ ‬في‭ ‬سنام‭ ‬الذكريات،‭ ‬ذلك‭ ‬أنه‭ ‬ومع‭ ‬قدوم‭ ‬رمضان‭ ‬ينتابني‭ ‬حنين‭ ‬عارم‭ ‬الى‭ ‬جذوري،‭ ‬وسنوات‭ ‬صباي‭ ‬وشبابي‭ ‬الباكر‭ (‬والباكر‭ ‬هنا‭ ‬تعني‭ ‬أنني‭ ‬الآن‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬الشباب‭ ‬الوسيط‭)‬،‭ ‬وأتذكر‭ ‬سنوات‭ ‬الدراسة‭ ‬بجامعة‭ ‬الخرطوم،‭ ‬وكانت‭ ‬على‭ ‬أيامنا‭ ‬تغلي‭ ‬وتمور‭ ‬بالنشاط‭ ‬الثقافي‭ ‬والسياسي‭ ‬والرياضي،‭ ‬وكان‭ ‬الغريب‭ ‬في‭ ‬أمر‭ ‬جامعتنا‭ ‬تلك‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬لا‭ ‬تهتم‭ ‬بكرة‭ ‬القدم،‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬بطولات‭ ‬الكليات‭ ‬في‭ ‬كرة‭ ‬القدم‭ ‬تحظى‭ ‬بأي‭ ‬إقبال‭ ‬طلابي،‭ ‬وطوال‭ ‬السنوات‭ ‬التي‭ ‬قضيتها‭ ‬في‭ ‬الجامعة‭ ‬لم‭ ‬يفز‭ ‬منتخب‭ ‬كُلِّيتي‭ (‬الآداب‭) ‬بأي‭ ‬مباراة‭ ‬في‭ ‬كرة‭ ‬القدم،‭ ‬وفي‭ ‬ذات‭ ‬مباراة‭ ‬كان‭ ‬فريق‭ ‬كلية‭ ‬الهندسة‭ ‬متقدما‭ ‬علينا‭ ‬بستة‭ ‬أهداف‭ ‬مقابل‭ ‬صفر،‭ ‬بدرجة‭ ‬أن‭ ‬حارس‭ ‬مرمانا‭ ‬اضطر‭ ‬الى‭ ‬ترك‭ ‬خانته‭ ‬والمشاركة‭ ‬في‭ ‬الهجوم،‭ ‬وظل‭ ‬مرابطا‭ ‬أمام‭ ‬مرمى‭ ‬العدو‭ ‬حتى‭ ‬نهاية‭ ‬ذلك‭ ‬الشوط‭ ‬الأول،‭ ‬ثم‭ ‬تسلل‭ ‬زميل‭ ‬لنا‭ ‬الى‭ ‬حظائر‭ ‬شعبتي‭ ‬علوم‭ ‬النبات‭ ‬والحيوان،‭ ‬وكانت‭ ‬هناك‭ ‬خلية‭ ‬نحل‭ ‬ضخمة،‭ ‬ونجح‭ ‬في‭ ‬استفزاز‭ ‬النحل‭ ‬فهاجمت‭ ‬الآلاف‭ ‬منه‭ ‬الميدان‭ ‬الذي‭ ‬كانت‭ ‬تقام‭ ‬عليه‭ ‬المباراة،‭ ‬وفتكت‭ ‬بلاعبي‭ ‬الفريقين،‭ ‬وألغيت‭ ‬المباراة،‭ ‬وعند‭ ‬الإعادة‭ ‬فاز‭ ‬فريق‭ ‬الهندسة‭ ‬علينا‭ ‬9‭ ‬‭ ‬صفر،‭ ‬مع‭ ‬الرأفة‭ ‬ولسوء‭ ‬حظنا‭ ‬كان‭ ‬النحل‭ ‬قد‭ ‬طفش‭ ‬ولم‭ ‬تبق‭ ‬في‭ ‬خلاياه‭ ‬أعداد‭ ‬تكفي‭ ‬للانتقام‭ ‬من‭ ‬كلية‭ ‬الهندسة‭.‬

كان‭ ‬هناك‭ ‬صراع‭ ‬سياسي‭ ‬شديد‭ ‬بين‭ ‬الشيوعيين‭ ‬وحلفائهم‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬وحركة‭ ‬الإخوان‭ ‬المسلمين‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تسمى‭ ‬في‭ ‬الجامعة‭ ‬‮«‬الاتجاه‭ ‬الإسلامي‮»‬،‭ ‬ولكنه‭ ‬كان‭ ‬صراعا‭ ‬سلميا‭ ‬وديمقراطيا،‭ ‬فيه‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬التسامح‭ ‬وتقبل‭ ‬الرأي‭ ‬الآخر‭. ‬

وكانت‭ ‬بالجامعة‭ ‬نحو‭ ‬ثلاثين‭ ‬جمعية‭ ‬ثقافية‭ ‬واجتماعية،‭ ‬لها‭ ‬مخصصات‭ ‬مالية‭ ‬رسمية،‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬عادة‭ ‬تلك‭ ‬الجمعيات‭ ‬تنظيم‭ ‬رحلات‭ ‬ترفيهية‭ ‬لأعضائها،‭ ‬وكنت‭ ‬وقتها‭ ‬أسبق‭ ‬الطالب‭ ‬م‭. ‬ر‭. ‬بسنتين،‭ ‬وكان‭ ‬صاحبنا‭ ‬مغرما‭ ‬بالرحلات‭ ‬الترفيهية،‭ ‬وليس‭ ‬عضوا‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬جمعية،‭ ‬ومع‭ ‬هذا‭ ‬كان‭ ‬يتوجه‭ ‬صباح‭ ‬كل‭ ‬جمعة‭ ‬الى‭ ‬حيث‭ ‬تقف‭ ‬الحافلات‭ ‬التي‭ ‬تنقل‭ ‬الطلاب‭ ‬الى‭ ‬البساتين‭ ‬القريبة‭ ‬من‭ ‬الخرطوم‭ ‬ويركب‭ ‬أي‭ ‬واحدة‭ ‬منها‭. ‬كان‭ ‬يفعل‭ ‬ذلك‭ ‬غالبا‭ ‬وهو‭ ‬تحت‭ ‬تأثير‭ ‬سكرة‭ ‬الليلة‭ ‬الفائتة‭ (‬الخميس‭)‬،‭ ‬وذات‭ ‬يوم‭ ‬وقع‭ ‬في‭ ‬شر‭ ‬أعماله،‭ ‬ففي‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬جمعة‭ ‬قفز‭ ‬الى‭ ‬باص‭ ‬ممتلئ‭ ‬بالطلاب‭ ‬وانتهى‭ ‬به‭ ‬المطاف‭ ‬وبهم‭ ‬في‭ ‬بستان‭ ‬وارف‭ ‬الظلال‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬الخرطوم‭ ‬بحري،‭ ‬وبينما‭ ‬انهمك‭ ‬الآخرون‭ ‬في‭ ‬فرش‭ ‬الأبسطة‭ ‬وإعداد‭ ‬وجبة‭ ‬الإفطار‭ ‬غادر‭ ‬م‭. ‬ر‭. ‬المكان‭ ‬ثم‭ ‬عاد‭ ‬بعد‭ ‬نحو‭ ‬ساعة‭ ‬ووضع‭ ‬أمام‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الطلاب‭ ‬زجاجة‭ ‬خمر‭ ‬وقال‭ ‬لهم‭: ‬يللا‭ ‬ننبسط‭!! ‬وبسطوه‭ ‬أرضا‭ ‬وأشبعوه‭ ‬ضربا،‭ ‬فقد‭ ‬كانوا‭ ‬جميعا‭ ‬أعضاء‭ ‬في‭ ‬جمعية‭ ‬الثقافة‭ ‬الإسلامية،‭ ‬ونجح‭ ‬المسكين‭ ‬في‭ ‬الفرار‭ ‬بجلده‭ ‬ولكن‭ ‬حافيا،‭ ‬وبينما‭ ‬هو‭ ‬يمر‭ ‬بقرية‭ ‬قريبة‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الحال‭ ‬استوقفه‭ ‬رجل‭ ‬رقّ‭ ‬قلبه‭ ‬لمنظر‭ ‬شاب‭ ‬يرتدي‭ ‬ملابس‭ ‬أنيقة‭ ‬تنقصها‭ ‬الأحذية،‭ ‬وسأله‭ ‬عن‭ ‬حاله‭ ‬ففبرك‭ ‬صاحبنا‭ ‬حكاية‭ ‬عن‭ ‬قاطع‭ ‬طريق‭ ‬لم‭ ‬يجد‭ ‬عنده‭ ‬نقودا‭ ‬فسلبه‭ ‬حذاءه،‭ ‬واشترى‭ ‬له‭ ‬الرجل‭ ‬الطيب‭ ‬نعالا‭ ‬من‭ ‬البلاستيك،‭ ‬ثم‭ ‬وقف‭ ‬معه‭ ‬على‭ ‬الشارع‭ ‬العام‭ ‬حتى‭ ‬أتت‭ ‬حافلة‭ ‬فدفع‭ ‬له‭ ‬أجرة‭ ‬ركوبها‭ ‬حتى‭ ‬الخرطوم‭ ‬بحري‭.‬

كان‭ ‬م‭. ‬ر‭. ‬مصدر‭ ‬صداع‭ ‬دائم‭ ‬لي‭ ‬بحكم‭ ‬أنني‭ ‬كنت‭ ‬أعرفه‭ ‬قبل‭ ‬التحاقه‭ ‬بالجامعة،‭ ‬وبسبب‭ ‬سلوكه‭ ‬الفالت‭ ‬وجدت‭ ‬نفسي‭ ‬‮«‬مسؤولا‮»‬‭ ‬عنه،‭ ‬ويأتيني‭ ‬آخرون‭ ‬للشكوى‭ ‬منه،‭ ‬وفي‭ ‬ذات‭ ‬امتحان‭ ‬رسب‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المواد،‭ ‬وكان‭ ‬أسوأ‭ ‬ما‭ ‬فيه‭ ‬استخدامه‭ ‬لحشيشة‭ ‬البنقو‭ (‬جعلها‭ ‬المصريون‭ ‬‮«‬بانجو‮»‬‭)‬،‭ ‬وبعد‭ ‬ظهور‭ ‬نتائج‭ ‬الامتحان‭ ‬الذي‭ ‬رسب‭ ‬فيه‭ ‬بتقدير‭ ‬ممتاز،‭ ‬داهمت‭ ‬غرفته‭ ‬في‭ ‬السكن‭ ‬الجامعي،‭ ‬وعثرت‭ ‬على‭ ‬كميات‭ ‬من‭ ‬البنقو‭ ‬في‭ ‬جيوب‭ ‬بنطلوناته‭ ‬وأماكن‭ ‬متفرقة‭ ‬من‭ ‬خزانة‭ ‬ملابسه،‭ ‬وتخلصت‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬مقلب‭ ‬للقمامة،‭ ‬واكتشف‭ ‬صاحبنا‭ ‬في‭ ‬ساعة‭ ‬متأخرة‭ ‬من‭ ‬الليل‭ ‬فقدان‭ ‬البنقو،‭ ‬وأقام‭ ‬الدنيا،‭ ‬فاضطر‭ ‬زملاؤه‭ ‬في‭ ‬الغرفة‭ ‬إبلاغه‭ ‬بأن‭ ‬جعفر‭ ‬عباس‭ ‬كان‭ ‬ينبش‭ ‬الأشياء‭ ‬التي‭ ‬تخصه،‭ ‬كنت‭ ‬وقتها‭ ‬أسكن‭ ‬في‭ ‬الطابق‭ ‬العلوي‭ ‬لنفس‭ ‬البناية‭ ‬التي‭ ‬يقيم‭ ‬فيها‭ ‬صاحبنا،‭ ‬وفي‭ ‬نحو‭ ‬الثالثة‭ ‬فجرا‭ ‬سمعت‭ ‬صوتا‭ ‬يناديني‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬متكرر‭ ‬وقفت‭ ‬على‭ ‬النافذة‭ ‬وصحت‭: ‬نعم‭ ‬ماذا‭ ‬في‭ ‬الأمر؟‭ ‬فما‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬م‭. ‬ر‭. ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬صاح‭: ‬وين‭ ‬البنقو‭ ‬يا‭ ‬جعفر‭. ‬وصارت‭ ‬لازمة‭ ‬‮«‬وين‭ ‬البنقو‭ ‬يا‭ ‬جعفر‮»‬‭ ‬تطاردني‭ ‬طوال‭ ‬الفترة‭ ‬التي‭ ‬تلت‭ ‬تلك‭ ‬الحادثة‭ ‬في‭ ‬الجامعة‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا