العدد : ١٧١٧٥ - الثلاثاء ٠١ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٣ شوّال ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٧٥ - الثلاثاء ٠١ أبريل ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٣ شوّال ١٤٤٦هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

وهم المعرفة.. نعلم ولا نعلم!

{ ‭(‬وما‭ ‬أوتيتم‭ ‬من‭ ‬العلم‭ ‬إلا‭ ‬قليلا‭) ‬لأن‭ ‬الله‭ ‬العليم‭ ‬بشكل‭ ‬مطلق،‭ ‬هو‭ ‬العالم‭ ‬بكل‭ ‬شيء،‭ ‬عالم‭ ‬الغيب‭ ‬والشهادة،‭ ‬والانسان‭ ‬باعتباره‭ ‬أكثر‭ ‬الكائنات‭ ‬تكريما‭ ‬ممن‭ ‬خلقه،‭ ‬فإن‭ ‬نسبة‭ ‬علمه‭ ‬رغم‭ ‬ما‭ ‬علمه‭ ‬الله‭ ‬من‭ ‬الأسماء‭ ‬كلها‭ ‬على‭ ‬هيئة‭ ‬معارف‭ ‬وعلوم‭ ‬فإن‭ ‬علمه‭ ‬يبقى‭ ‬علما‭ ‬قليلا‭ ‬في‭ ‬بحر‭ ‬العلم‭ ‬الإلهي‭! ‬ولذلك‭ ‬فهو‭ ‬يرى‭ ‬ولا‭ ‬يرى،‭ ‬يعلم‭ ‬ولا‭ ‬يعلم‭! ‬كمثال‭ ‬لقد‭ ‬قال‭ ‬العلم‭ ‬مثلا‭ ‬إن‭ ‬الذرة‭ (‬مؤلفة‭ ‬من‭ ‬نواة‭ ‬مركزية‭ ‬مشتملة‭ ‬على‭ ‬بروتون‭ ‬ونيترون،‭ ‬ذات‭ ‬شحنة‭ ‬كهربائية‭ ‬موجبة‭ ‬يدور‭ ‬حولها‭ ‬إلكترون‭ ‬ذو‭ ‬شحنة‭ ‬سالبة‭) ‬ثم‭ ‬تبين‭ ‬أن‭ ‬أمر‭ ‬‮«‬الذرة‮»‬‭ ‬ليس‭ ‬بهذه‭ ‬البساطة‭ ‬في‭ ‬التوصيف‭! ‬بل‭ ‬إن‭ ‬للمادة‭ ‬شكلان‭: ‬مادة‭ ‬ونقيض‭ ‬المادة‭! ‬أي‭ ‬أن‭ ‬للمادة‭ ‬بعدا‭ ‬غيبيا،‭ ‬يحيل‭ ‬المادة‭ ‬نفسها‭ ‬وأصلها‭ ‬إلى‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬نقيضها‭ ‬كما‭ ‬نعرفها‭! ‬ولعل‭ ‬العلماء‭ ‬الذين‭ ‬يبحثون‭ ‬أصل‭ ‬المادة‭ ‬الأولى‭ ‬وأصل‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬معمل‭ ‬‮«‬سيرن‮»‬‭ ‬الواقع‭ ‬على‭ ‬الحدود‭ ‬الفرنسية‭ ‬السويسرية،‭ ‬كلما‭ ‬أبحروا‭ ‬في‭ ‬تجاربهم،‭ ‬اكتشفوا‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أكثر‭ ‬غموضا‭ ‬واستحالة‭ ‬وإلغازا‭!‬

{ ‮«‬وهم‭ ‬المعرفة‭ ‬أصاب‭ ‬البشرية‭ ‬قرونا‭ ‬عديدة،‭ ‬حتى‭ ‬أدرك‭ ‬العلماء‭ ‬القائمون‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬علمي‭ ‬تجريبي‭ ‬مؤخراً‭ ‬أن‭ ‬أنهم‭ ‬مازالوا‭ ‬في‭ ‬العالمية‭ ‬في‭ ‬أول‭ ‬الطريق‭ ‬وهذا‭ ‬أصابهم‭ ‬بثنائية‭ (‬الوعي‭ ‬العلمي‭ ‬والصدمة‭ ‬المعرفية‭)! ‬ولذلك‭ ‬فإن‭ ‬محرك‭ ‬الأسئلة‭ ‬لدى‭ ‬الإنسان‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬يدور‭ ‬في‭ ‬العلم‭ ‬الفيزيقي،‭ ‬أما‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬ميتافيزيقي‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬وراء‭ ‬الطبيعة‭ ‬أو‭ ‬بما‭ ‬نعرَّفه‭ ‬بمفهوم‭ ‬الغيب،‭ ‬فإنه‭ ‬وكما‭ ‬قال‭ ‬‮«‬دوبريه‮»‬‭ ‬أحد‭ ‬المفكرين‭ ‬المعاصرين‭ ‬الإنسان‭ (‬يعيش‭ ‬مرحلة‭ ‬روحية‭ ‬معرفية‭ ‬شديدة‭ ‬التعقيد،‭ ‬ومن‭ ‬المؤكد‭ ‬أنها‭ ‬ستوصله‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬إلى‭ ‬المنحى‭ ‬الغيبي‭)! ‬أي‭ ‬أن‭ ‬‮«‬نظرية‭ ‬المعرفة‮»‬‭ ‬تسير‭ ‬لدى‭ ‬الكثيرين‭ ‬ممن‭ ‬يتعمقون‭ ‬في‭ ‬علم‭ ‬المادة‭ ‬والوجودات،‭ ‬إلى‭ ‬تحول‭ ‬فكري،‭ ‬ضد‭ ‬الاكتفاء‭ ‬بالاتجاه‭ ‬العلمي‭ ‬التجريبي‭ ‬وإنما‭ ‬نحو‭ (‬رؤية‭ ‬روحية‭ ‬للعالم‭) ‬يتداخل‭ ‬فيها‭ ‬عالم‭ ‬الشهادة‭ ‬أو‭ ‬عالم‭ ‬المادة‭ ‬مع‭ ‬عالم‭ ‬الغيب‭!‬

{ والمعرفة‭ ‬الاسلامية‭ ‬الحقيقية‭ ‬والعميقة‭ ‬بالتفكر‭ ‬في‭ ‬أعظم‭ ‬كتاب‭ ‬موجود‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬وهو‭ ‬‮«‬القرآن‭ ‬الكريم‮»‬‭ ‬ولأنه‭ ‬كلام‭ ‬الله‭ ‬العالم‭ ‬بكل‭ ‬شيء،‭ ‬وحده‭ ‬يؤسس‭ ‬لتحول‭ ‬معرفي‭ ‬يجمع‭ ‬بين‭ ‬البعدين‭ ‬المادي‭ ‬والروحي‭ ‬للوجود‭ ‬والمشهود‭ ‬والغيبي،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يضير‭ ‬ذلك‭ ‬التأسيس‭ ‬المعرفي‭ ‬بالتجارب‭ ‬العلمية‭ ‬والوعي‭ ‬العلمي‭! ‬والذي‭ ‬يعرف‭ ‬العلماء‭ ‬أنفسهم،‭ ‬إذا‭ ‬كانوا‭ ‬موضوعيين،‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يتناقض‭ ‬مع‭ ‬البحث‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬وراء‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬المادي،‭ ‬الذي‭ ‬يختلط‭ ‬فيه‭ ‬الفيزيقي‭ ‬بالميتافيزيقي‭! ‬وكلام‭ ‬الله‭ ‬وحده‭ ‬يعرَّفنا‭ ‬بالبوصلة‭ ‬التي‭ ‬تحدد‭ ‬كيفية‭ ‬الجمع‭ ‬بينهما‭ ‬عبر‭ ‬الإيمان‭ ‬والتعمق‭ ‬الروحي‭ ‬لفهم‭ ‬الحياة‭ ‬وماهية‭ ‬الإنسان‭ ‬وسر‭ ‬وجوده‭ ‬وأبعاد‭ ‬هذا‭ ‬الكون،‭ ‬وما‭ ‬بعد‭ ‬هذه‭ ‬الحياة،‭ ‬حيث‭ ‬حياة‭ ‬مختلفة‭ ‬في‭ ‬الآخرة‭! ‬والأبعاد‭ ‬الوجودية‭ ‬الكونية‭ ‬باتت‭ ‬على‭ ‬طاولة‭ ‬البحث‭ ‬منذ‭ ‬زمن‭ ‬ليس‭ ‬بقليل‭.‬

{ كل‭ ‬ما‭ ‬نراه‭ ‬وما‭ ‬لا‭ ‬نراه‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬تأمل‭ ‬حقيقي‭ ‬للخروج‭ ‬من‭ ‬‮«‬الصدمة‭ ‬المعرفية‮»‬‭ ‬بحجة‭ ‬الاكتفاء‭ ‬بالوعي‭ ‬العلمي‭ ‬المادي‭ ‬والتجريبي‭ ‬فقط،‭ ‬فهناك‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يخضع‭ ‬للتجريب‭ ‬العلمي‭ ‬أصلاً،‭ ‬مثل‭ ‬الروح‭ ‬وما‭ ‬وراء‭ ‬الطبيعة‭ ‬كمثال،‭ ‬حيث‭ ‬يعتقد‭ ‬‮«‬الماديون‮»‬‭ ‬أنهم‭ ‬بالتجريب‭ ‬العلمي،‭ ‬يعرفون‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬ولكن‭ ‬هم‭ ‬يعيشون‭ ‬في‭ ‬وهم‭ ‬المعرفة‭ ‬لا‭ ‬غير،‭ ‬ومن‭ ‬استفاق‭ ‬منهم‭ ‬من‭ ‬وهمه‭ ‬أصابته‭ ‬الصدمة‭ ‬المعرفية‭ ‬بالوجود‭! ‬فالحقيقة‭ ‬المطلقة‭ ‬يحيط‭ ‬بها‭ ‬فقط‭ (‬العليم‭) ‬بشكل‭ ‬مطلق‭ ‬وهو‭ ‬الله‭ ‬عز‭ ‬وجل،‭ ‬ولذلك‭ ‬فهي‭ ‬تدور‭ ‬بين‭ ‬الحقائق‭ ‬النسبية‭ ‬التي‭ ‬يعرفها‭ ‬البشر،‭ ‬وبين‭ ‬حقائق‭ ‬علم‭ ‬الله‭! ‬وهناك‭ ‬انفصال‭ ‬والتحام‭ ‬في‭ ‬الوعي‭ ‬المعرفي‭ ‬الإنساني‭ ‬بين‭ ‬الظاهر‭ ‬والباطن،‭ ‬وبين‭ ‬الواقع‭ ‬والغيب،‭ ‬وبين‭ ‬الواقعي‭ ‬والمتخيل،‭ ‬وبين‭ ‬وعي‭ ‬الظاهر‭ ‬ووعي‭ ‬الباطن،‭ ‬وبين‭ ‬الوجود‭ ‬الدنيوي‭ ‬والوجود‭ ‬الأخروي،‭ ‬وبين‭ ‬البعد‭ ‬الدنيوي‭ ‬والأبعاد‭ ‬الأخرى‭ ‬للوجود‭ ‬حتى‭ ‬فيما‭ ‬هو‭ ‬غيب‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬وعينا‭ ‬البشري‭! ‬

{ المعرفة‭ ‬الإنسانية‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬تتيحه‭ ‬علوم‭ ‬المادة‭ ‬وعلوم‭ ‬الحواس،‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تتخبط‭ ‬فيما‭ ‬يتيحه‭ ‬مثلا‭ ‬الحدس‭ ‬والإحساس‭ ‬والمعرفة‭ ‬القلبية‭ ‬وعلم‭ ‬الباراسيكولوجي‭ ‬من‭ ‬مدارك‭ ‬ومعارف‭ ‬لا‭ ‬تنتمي‭ ‬لعلوم‭ ‬المادة‭ ‬أو‭ ‬الوعي‭ ‬العلمي‭ ‬التجريبي‭ ‬الذي‭ ‬يحاول‭ ‬باستفاضة‭ ‬وإلحاح‭ ‬طرق‭ ‬أبواب‭ ‬المجهول‭ ‬علميا‭ ‬رغم‭ ‬أنه‭ ‬معلوم‭ ‬بالمعرفة‭ ‬الروحية‭ ‬الدينية‭! ‬وهنا‭ ‬تتسع‭ ‬المسافة‭ ‬مجددا‭ ‬في‭ ‬العلم‭ ‬نفسه‭ ‬بين‭ ‬تكوين‭ ‬الدماغ‭ ‬وفضاءات‭ ‬العقل‭ ‬والتفكير‭ ‬والإبداع‭! ‬وهي‭ ‬ذات‭ ‬المسافة‭ ‬بين‭ ‬نور‭ ‬المعرفة‭ ‬الإلهية‭ ‬الحقيقية‭ ‬التي‭ ‬أرشدنا‭ ‬إليها‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬المحكم،‭ ‬وظلام‭ ‬النظريات‭ ‬والعلوم‭ ‬الوضعية‭ ‬مهما‭ ‬بلغت‭ ‬في‭ ‬تطورها‭ ‬المادي‭! ‬إننا‭ ‬كبشر‭ ‬وبأرقى‭ ‬ما‭ ‬وصلت‭ ‬إليه‭ ‬المعارف‭ ‬المادية‭ ‬نفهم‭ ‬الكثير‭ ‬ولكن‭ ‬السؤال‭ ‬هو‭:‬

{ ما‭ ‬حدود‭ ‬علمنا‭ ‬أمام‭ ‬علم‭ ‬الله‭ ‬الخالق‭ ‬العليم؟‭! ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬كثيرون‭ ‬كما‭ ‬قلنا‭ ‬أصيبوا‭ ‬بوهم‭ ‬المعرفة‭ ‬العلمية،‭ ‬فيما‭ ‬قلوبهم‭ ‬رخاوية‭ ‬روحياً‭! ‬لأن‭ ‬أبعاد‭ ‬الوجود‭ ‬متداخلة،‭ ‬ولا‭ ‬يمكن‭ ‬الإلمام‭ ‬بها‭! ‬وكما‭ ‬قال‭ ‬خالق‭ ‬كل‭ ‬شيء‭: (‬وما‭ ‬أوتيتم‭ ‬من‭ ‬العلم‭ ‬إلا‭ ‬قليلا‭)! ‬فهل‭ ‬يتواضع‭ ‬الإنسان‭ ‬معرفيا‭ ‬وحتى‭ ‬علميا،‭ ‬ليدرك‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬والوجود‭ ‬ككل‭ ‬أكثر‭ ‬تعقيداً‭ ‬واتصالا‭ ‬ببعضه‭ ‬مما‭ ‬كان‭ ‬يظن؟‭! ‬وأن‭ ‬وحدة‭ ‬الوجود‭ ‬بمنظورها‭ ‬المادي‭ ‬تتداخل‭ ‬مع‭ ‬‮«‬وحدة‭ ‬الوجود‮»‬‭ ‬بمنظورها‭ ‬الروحي‭ ‬والغيبي‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا