عالم يتغير

فوزية رشيد
قصة صديقين.. سؤال الإيمان والإلحاد!
{ الحياة والوجود تدور أسئلتها بين نظريات إلحادية مختلفة، وقصة واحدة لا ثاني لها وهي «قصة الخلق» القرآنية، والتي لم يطلها التحريف أو التبديل، سؤال الإلحاد والإيمان، هو سؤال وجودي ملحّ صاحب الإنسان في كل العصور ولعله أخطر سؤال وجودي يترتب عليه مفهوم الحياة والموت والدنيا والآخرة، خاصة حين انحرفت بعض الحضارات القديمة عن أصل توحيد الله، لتدخل إما في نصوصها، أو في تأويل تلك النصوص الوثنيات والشركيات وعبادة الشمس أو النجوم أو حتى الملائكة، التي تم تحويلها إلى آلهة متعدّدة، كما في الهندوسية أو في الحضارة الإغريقية، فيما الأصل في القصة القرآنية للخلق، أن الله الذي خلق السموات والأرض بحساب الزمن الإلهي في ستة أيام، وخلق كائنات أولى كالملائكة والجن والبِنّ والشياطين ومن لهم السمات البشرية دون العقل، فإنه خلق «آدم» الذي نفخ فيه من روحه وعلمه الأسماء كلها أو المعارف والعلوم، التي عجز الملائكة عن الإلمام بها، ليدخل إلى عالم خلق الإنسان الأول العاقل، والذي وحده دون كل الكائنات والتكوينات قبِل حمل المسؤولية وهي المسؤولية والإرادة في الاختيار بين الخير والشرّ، وبين الالتزام بالعهد مع الله أو نقضه، في حياة جديدة بعد خروجه وحوّاء من الجنة، في ظل صراع دائم وامتحان مستمر بين الطاعة والعصيان، وبين الخير والشرّ، وغلبة المغريات المادية والحسيّة على الغيبيات الروحية، وهو أي الإنسان المجبول والمخلوق بين الحواس والحسيَّات وتلك الأبعاد الروحية!
{ وفي إطار المقارنة بين النظريات والأيديولوجيات التي يصفها الملحدون بالعلمية والواقعية، لأنها تعتمد على التصورات المادية البحتة للخليقة والخلق وعلى التجارب المادية، وتعتمد على نظريات مثل «الانفجار الكبير» و«نظرية التطور» والتغييرات المادية حسب التصورات والتفسيرات المتخيلة لتطور التاريخ والحضارات وظهور الأديان، وفق الرؤى المادية البحتة ذاتها للوجود، فإن غاية ومبتغى كل تلك (السردية المادية للحياة وللوجود) أن عامل الصدفة وحده هو الذي نشأت بسببه كل هذه الحياة المنظمة وقوانينها الطبيعية الدقيقة! وأن لا وجود لخالق لها! وهو الجدل الذي أثير طويلاً، ليصلوا بعد ذلك إلى الاعتراف بأن هناك قوة عاقلة طاغية في قدرتها، ووعيًا هو الوعي الكوني، وأن وأن.. وتلك الصفات رغم أنها تدل إن سردناها كلها، على وجود خالق ولكن لا يُراد الاعتراف به! وهنا تأتى قصة الخلق القرآنية لتضع النقاط على الحروف، بأن الخالق الله هو الذي خلق الكون والإنسان والخليقة كلها، وبأبعاد مختلفة قد لا يستوعبها العقل ولا المجال البصري أو السمعي المجدّد للإنسان، ولكن يشعر بها القلب! لأن الله زوَّد الإنسان بالفطرة السليمة، والرهان هو دائمًا على القلب في القرآن، ليثبت العلم نفسه مؤخرًا أن للقلب عقلا بذات آليات العقل في الدفاع وفي ذات الوقت باختلاف معها وأكثر تعقيدًا!
{ في جدل طريف بين ملحد ومؤمن وقد حدث في مقهى باريسي قبل عقود، وأذكر حاليًا مغزى ذلك الجدل ولا أتذكر اسم الملحد العربي الذي طرح قصته، حين كان جالسًا فإذ بصديق قديم لم يره منذ عشرين عامًا، وقد صادف دخوله المقهى، ورحبّ به لصحبته القديمة معه، وقد لاحظ تغيُّرا في أفكاره وأنه أصبح مسلمًا ملتزمًا بفرائض دينه، فدار بينهما حوار طويل يفاجئ الملحد صديقه المؤمن بسؤال:
- ولكن ما الذي يدريك أن هناك حياة بعد الموت،
وأن هناك جنة ونارا وحسابا وعقابا، وأن هذه الحياة ليست هي كل شيء؟! ألا تجد أن التزامك بكل هذه التكاليف مضيعة للجهد؟!
فأجابه:
- كنت سابقًا أفكر مثلك، حتى طرحت على نفسي سؤالاً، ولكن بشكل عكسي وأنا أطرحه عليك، وما يدريك أن التصور الديني للحياة التي نعيشها بالتزاماتها وقيمها والتكيف فيها وعلى أساس توحيد الله، ليست هي الحقيقة؟! وأن خلق الإنسان في هذه الحياة ليس باطلاً أو عبثًا؟! وما يدريك أن لا حياة للروح بعد الموت والعلم نفسه يقول إن هناك روحا وأنها خالدة! وما يدريك بعد أن تموت فتجد نفسك في البعث كما يقول الدين؟! هل تملك إجابة قاطعة في كل ذلك؟! هل تستبق لنفسك تصورًا احتار فيه ولا يزال الفلاسفة والعلماء الملحدون وأن العلم لم يكتشف حتى الآن، حتى غموض العقل الإنسانيّ! فما بالك بغموض الوجود والكون وأبعاده التي تدور حولها الفيزياء الحديثة؟! إن كنت مؤمنًا فقد كسبت الحياة بقيم سامية وبإشباع روحي وأخلاقي يفتقده الملحد، ولأجاريك أقول إني إن وجدت الحياة بعد الموت والبعث حقيقة، فأكون قد ربحت ما خسرته أنت في الدنيا والآخرة!، وإن لم أجد حسب كلامك فيكفيني أن الإيمان قد جعلني أعيش في سلام روحي وطمأنينة واتكال على الله، وهو ما لا تملكه أنت! ولكن ماذا عنك أنت إن اكتشفت بعد موتك أن الله موجود، وأن الحياة بعد الموت موجودة وإن بمعادلات أخرى، وأن الروح خالدة، وأن البعث حق؟! أليس كل هذا الجدل أصلاً هو ما يطرحه القرآن نفسه على الملحدين، ويفندّ الله في كتابه المحكم، كل حجج الكفر والشرك والاكتفاء بالحياة الدنيا؟! حينها من منا الرابح ومن منّا الخاسر خسرانًا أبديا كما في النار؟!
وينتهي الجدل بين الصديقين، ليترك المؤمن صديقه الملحد وكأنه يتفكَّر فيما قاله له!
إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك