العدد : ١٧٣٣١ - الخميس ٠٤ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٢ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

العدد : ١٧٣٣١ - الخميس ٠٤ سبتمبر ٢٠٢٥ م، الموافق ١٢ ربيع الأول ١٤٤٧هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

الخلل في التطبيق دائمًا!

{‭ ‬المعرفة‭ ‬موجودة،‭ ‬والعلوم‭ ‬كثيرة،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬التاريخ‭ ‬يُسجل‭ ‬أن‭ ‬أهم‭ ‬الكتب‭ ‬المعرفية‭ ‬المهمة‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬مكتبة‭ ‬الإسكندرية،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬بغداد،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬الأندلس،‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬غيرها‭ ‬من‭ ‬حواضر‭ ‬الدول‭ ‬الأكثر‭ ‬تأثيرًا‭ ‬تاريخيًّا‭ ‬عبر‭ ‬علومها‭ ‬ومعارفها‭ ‬قد‭ ‬تم‭ ‬حرقها،‭ ‬أو‭ ‬سرقتها‭! ‬أو‭ ‬إخفاء‭ ‬أجزاء‭ ‬كبيرة‭ ‬منها‭ ‬في‭ ‬الفاتيكان‭! ‬تلك‭ ‬العلوم‭ ‬والمعارف‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬التعتيم‭ ‬عليها،‭ ‬بل‭ ‬حتى‭ ‬تحريف‭ ‬بعض‭ ‬وثائقها‭ ‬التاريخية‭ ‬المهمة،‭ ‬منها‭ ‬أسرار‭ ‬العلوم‭ ‬الدينية‭ ‬والكونية‭ ‬وارتباطها‭ ‬بالحضارات‭ ‬العربية‭ ‬القديمة‭ ‬سواء‭ ‬السومرية‭ ‬أو‭ ‬الفرعونية‭ ‬أو‭ ‬الأوجارتية‭ ‬أو‭ ‬الفينيقية،‭ ‬ثم‭ ‬العلوم‭ ‬الإسلامية‭ ‬التي‭ ‬شهدتها‭ (‬قرطبة‭) ‬عاصمة‭ ‬الأندلس‭ ‬الثقافية‭ ‬والعلمية‭ ‬والدينية،‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬يثبت‭ ‬أن‭ ‬التطورات‭ ‬الحضارية‭ ‬وحقيقة‭ ‬أسرارها،‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬طيّ‭ ‬الكتمان‭ ‬أو‭ ‬طيّ‭ ‬النسيان‭! ‬ومن‭ ‬بين‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬تطلّ‭ ‬المعرفة‭ ‬الدينية‭ ‬الإسلامية‭ ‬ورموزها‭ ‬الفكرية‭ ‬والعلمية،‭ ‬بما‭ ‬كان‭ ‬يجعل‭ ‬المسلمين‭ ‬في‭ ‬مركز‭ ‬متطوّر‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الحضاري،‭ ‬ولكن‭ ‬الذي‭ ‬حدث‭ ‬أن‭ ‬سرّ‭ ‬الضعف‭ ‬أو‭ ‬العجز‭ ‬هو‭ ‬دائمًا‭ ‬في‭ ‬أمرين‭: ‬الأول‭ ‬في‭ ‬التطبيق،‭ ‬والثاني‭ ‬في‭ ‬تخريب‭ ‬المعارف‭ ‬القديمة‭ ‬وتهميشها‭ ‬أو‭ ‬تغييبها‭! ‬وذلك‭ ‬سواء‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الدنيوي‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الديني،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬ما‭ ‬شاب‭ ‬تلك‭ ‬العلوم‭ ‬من‭ ‬تخريب‭!‬

{‭ ‬كل‭ ‬الأيديولوجيات‭ ‬‮«‬الوضعية‮»‬‭ ‬التي‭ ‬اجتهد‭ ‬فيها‭ ‬العقل‭ ‬البشري،‭ ‬والتي‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬المعرفة‭ ‬والحرية‭ ‬والعدالة‭ ‬والحقوق‭ ‬الإنسانية،‭ ‬تخللها‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬الشطط‭ ‬الفكري‭ ‬أو‭ ‬التطبيقي،‭ ‬أو‭ ‬التخريب‭ ‬المتعمدّ‭ ‬كأن‭ ‬تحولت‭ ‬الحرية‭ ‬إلى‭ ‬انحلال‭ ‬خارج‭ ‬إطار‭ ‬الفطرة‭ ‬والمسؤولية‭!‬

وتحولت‭ ‬العدالة‭ ‬إلى‭ ‬مجرد‭ ‬نظرية‭ ‬وحلم‭! ‬والحقوق‭ ‬إلى‭ ‬تطبيقات‭ ‬انتقائية‭ ‬حتى‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الدولي‭! ‬والإنسانية‭ ‬إلى‭ ‬تجارة‭!‬

وأعظم‭ ‬كتاب‭ ‬يحوي‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬القيم،‭ ‬بل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أبعد‭ ‬منها‭ ‬من‭ ‬تعاليم‭ ‬الخالق،‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬الأعلم‭ ‬بخلقه‭ ‬وما‭ ‬يصلح‭ ‬حالهم،‭ ‬هو‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬وتعاليم‭ ‬الله‭ ‬التي‭ ‬جسدّها‭ ‬أفضل‭ ‬خلقه‭ ‬الرسول‭ ‬الأعظم‭ ‬عليه‭ ‬الصلاة‭ ‬والسلام،‭ ‬الذي‭ ‬قال‭ ‬فيه‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬كتابه‭ ‬الحكيم‭ (‬إنك‭ ‬لعلى‭ ‬خلق‭ ‬عظيم‭)‬،‭ ‬وإنه‭ ‬كان‭ (‬قرآنًا‭ ‬يمشي‭ ‬على‭ ‬الأرض‭) ‬لأنه‭ ‬يطبق‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬الإسلام‭ ‬من‭ ‬سمو‭ ‬ومعرفة،‭ ‬ولكن‭ ‬البشر‭ ‬ما‭ ‬قدروا‭ ‬هذا‭ ‬الدين‭ ‬العظيم‭ ‬والخاتم،‭ ‬وما‭ ‬قدروا‭ ‬الله‭ ‬حق‭ ‬قدره‭!‬

{‭ ‬أعظم‭ ‬القيم‭ ‬الإنسانية‭ ‬بدأت‭ ‬مع‭ ‬آدم‭ ‬عليه‭ ‬السلام‭ ‬والرسل‭ ‬والأنبياء‭ ‬بعده،‭ ‬وحيث‭ ‬الإسلام‭ ‬هو‭ ‬دين‭ ‬البشرية‭ ‬منذ‭ ‬خلق‭ ‬آدم‭ ‬العاقل،‭ ‬تلك‭ ‬القيم‭ ‬الإنسانية‭ ‬موجودة‭ ‬منذئذ‭ ‬كفطرة‭ ‬للإنسان‭ ‬التي‭ ‬برمج‭ ‬الله‭ ‬خلقه‭ ‬عليها‭! ‬قيم‭ ‬كالعدالة‭ ‬والإنسانية‭ ‬والأخلاق‭ ‬والتفكرّ‭ ‬الوجودي‭ ‬والكوني،‭ ‬والمعرفة‭ ‬الدينية‭ ‬العميقة‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬تنتظر‭ ‬من‭ ‬يتفكرّ‭ ‬فيها‭! ‬ولكن‭ ‬الخلل‭ ‬دائمًا‭ ‬في‭ ‬الالتزام‭ ‬وفي‭ ‬التفكر‭ ‬وفي‭ ‬التطبيق‭ ‬خاصة‭ ‬لدى‭ ‬المسلمين‭!‬

{‭ ‬إن‭ ‬الله‭ ‬عز‭ ‬وجل‭ ‬لا‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬صلاتنا‭ ‬أو‭ ‬صيامنا‭ ‬أو‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬فرضه‭ ‬علينا‭ ‬لصلاحنا،‭ ‬بل‭ ‬نحن‭ ‬المحتاجون‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬لتزكية‭ ‬النفس‭ ‬وبلوغها‭ ‬مراتب‭ ‬السمو‭ ‬المطلوبة‭ ‬للوجود‭ ‬البشري‭! ‬ولكن‭ ‬القليل‭ ‬من‭ ‬يطبق‭ ‬عمق‭ ‬الصلاة‭ ‬أو‭ ‬الصيام‭ ‬كمثال،‭ ‬وكثيرون‭ ‬لا‭ ‬يدركون‭ ‬معنى‭ ‬الزكاة‭ ‬والتزكية‭ ‬خاصة‭ ‬الأغنياء‭ ‬بما‭ ‬يملكون‭! ‬والأقل‭ ‬من‭ ‬يرتقي‭ ‬روحيا‭ ‬وسلوكيا‭ ‬كما‭ ‬يجب‭ ‬حتى‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬يؤدي‭ ‬فريضة‭ ‬الحج‭ ‬أو‭ ‬العمرة‭ ‬التي‭ ‬تتكرر‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬البعض‭!‬

{‭ ‬ولعل‭ ‬السؤال‭ ‬المهم‭: ‬هل‭ ‬كل‭ ‬المسلمين‭ ‬مسلمون‭ ‬بالمعنى‭ ‬الحقيقي‭ ‬للإسلام،‭ ‬أم‭ ‬أن‭ ‬كثيرا‭ ‬منهم‭ ‬يولد‭ ‬بالتسمية‭ ‬ولم‭ ‬يتعمق‭ ‬في‭ ‬دينه؟‭!‬

الطبيب‭ ‬لا‭ ‬يكتسب‭ ‬صفته‭ ‬كطبيب‭ ‬إلا‭ ‬حين‭ ‬يمارس‭ ‬علمه‭ ‬ويطبقه‭ ‬ويعالج‭ ‬بعلمه‭ ‬ليقال‭ ‬له‭ ‬إنه‭ ‬طبيب‭! ‬كذلك‭ ‬المهندس‭ ‬وبقية‭ ‬من‭ ‬يتصف‭ ‬بأي‭ ‬مهنة‭ ‬أو‭ ‬وظيفة‭ ‬تميزه‭ ‬عن‭ ‬غيره‭!‬

والمسلم‭ ‬إذا‭ ‬لم‭ ‬يطبق‭ ‬أخلاقيات‭ ‬دينه‭ ‬في‭ ‬سلوكياته‭ ‬ومعاملاته،‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬مسلمًا‭ ‬بالمعنى‭ ‬الحقيقي‭! ‬وربما‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬سرّ‭ ‬البون‭ ‬الشاسع‭ ‬بين‭ ‬قوة‭ ‬الإسلام‭ ‬وضعف‭ ‬المسلمين‭ ‬أفرادًا‭ ‬ودولاً‭! ‬وهو‭ ‬سرّ‭ ‬البون‭ ‬الشاسع‭ ‬بين‭ ‬دين‭ ‬قويم‭ ‬عزيز‭ ‬وإلهي،‭ ‬وبين‭ ‬مسلمين‭ ‬متذبذبين‭ ‬تأخذهم‭ ‬العواصف‭ ‬الفكرية‭ ‬والسلوكية‭ ‬والروحية‭ ‬كل‭ ‬مأخذ‭!‬

{‭ ‬ونحن‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشهر‭ ‬الفضيل‭ ‬نتأمل‭ ‬معًا‭ ‬أحوال‭ ‬المسلمين،‭ ‬ولماذا‭ ‬لا‭ ‬تقترن‭ ‬لدى‭ ‬أكثرهم‭ ‬العبادات‭ ‬بالمعاملات‭ ‬والأخلاقيات؟‭! ‬ولماذا‭ ‬تتحول‭ ‬المعرفة‭ ‬الدينية‭ ‬وقيمها‭ ‬إلى‭ ‬مجرد‭ ‬شعائر‭ ‬قد‭ ‬تدخل‭ ‬باب‭ ‬الرياضة،‭ ‬وليس‭ ‬باب‭ ‬الروح‭ ‬والتطور‭ ‬المعرفي‭ ‬والعلمي،‭ ‬والتفكر‭ ‬في‭ ‬شؤون‭ ‬الكون‭ ‬وتعاقب‭ ‬الحضارات‭! ‬وأي‭ ‬موقع‭ ‬للدين‭ ‬في‭ ‬المسار‭ ‬البشري‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬خلق‭ ‬الله‭ ‬الإنسان‭ ‬العاقل،‭ ‬الذي‭ ‬اعتبرته‭ ‬‮«‬نظرية‭ ‬التطور‮»‬‭ ‬مجرد‭ ‬قفزة‭ ‬في‭ ‬مجهول‭ ‬التكوين‭ ‬الإنساني،‭ ‬رغم‭ ‬أن‭ ‬الآيات‭ ‬القرآنية‭ ‬واضحة‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬تلك‭ ‬التأملات‭ ‬والتفكر‭ ‬الذي‭ ‬يعقبها‭! ‬لماذا‭ ‬ديننا‭ ‬قوي‭ ‬ونحن‭ ‬ضعفاء؟‭!‬

ومع‭ ‬مقال‭ ‬آخر‭ ‬وتفكرّ‭ ‬آخر‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا