عالم يتغير

فوزية رشيد
الخلل في التطبيق دائمًا!
{ المعرفة موجودة، والعلوم كثيرة، وإن كان التاريخ يُسجل أن أهم الكتب المعرفية المهمة سواء في مكتبة الإسكندرية، أو في بغداد، أو في الأندلس، أو في غيرها من حواضر الدول الأكثر تأثيرًا تاريخيًّا عبر علومها ومعارفها قد تم حرقها، أو سرقتها! أو إخفاء أجزاء كبيرة منها في الفاتيكان! تلك العلوم والمعارف التي تم التعتيم عليها، بل حتى تحريف بعض وثائقها التاريخية المهمة، منها أسرار العلوم الدينية والكونية وارتباطها بالحضارات العربية القديمة سواء السومرية أو الفرعونية أو الأوجارتية أو الفينيقية، ثم العلوم الإسلامية التي شهدتها (قرطبة) عاصمة الأندلس الثقافية والعلمية والدينية، كل ذلك يثبت أن التطورات الحضارية وحقيقة أسرارها، لا تزال طيّ الكتمان أو طيّ النسيان! ومن بين كل ذلك تطلّ المعرفة الدينية الإسلامية ورموزها الفكرية والعلمية، بما كان يجعل المسلمين في مركز متطوّر على المستوى الحضاري، ولكن الذي حدث أن سرّ الضعف أو العجز هو دائمًا في أمرين: الأول في التطبيق، والثاني في تخريب المعارف القديمة وتهميشها أو تغييبها! وذلك سواء على المستوى الدنيوي أو على المستوى الديني، إلى جانب ما شاب تلك العلوم من تخريب!
{ كل الأيديولوجيات «الوضعية» التي اجتهد فيها العقل البشري، والتي تبحث عن المعرفة والحرية والعدالة والحقوق الإنسانية، تخللها في النهاية الشطط الفكري أو التطبيقي، أو التخريب المتعمدّ كأن تحولت الحرية إلى انحلال خارج إطار الفطرة والمسؤولية!
وتحولت العدالة إلى مجرد نظرية وحلم! والحقوق إلى تطبيقات انتقائية حتى على المستوى الدولي! والإنسانية إلى تجارة!
وأعظم كتاب يحوي كل تلك القيم، بل ما هو أبعد منها من تعاليم الخالق، الذي هو الأعلم بخلقه وما يصلح حالهم، هو القرآن الكريم وتعاليم الله التي جسدّها أفضل خلقه الرسول الأعظم عليه الصلاة والسلام، الذي قال فيه الله في كتابه الحكيم (إنك لعلى خلق عظيم)، وإنه كان (قرآنًا يمشي على الأرض) لأنه يطبق كل ما في الإسلام من سمو ومعرفة، ولكن البشر ما قدروا هذا الدين العظيم والخاتم، وما قدروا الله حق قدره!
{ أعظم القيم الإنسانية بدأت مع آدم عليه السلام والرسل والأنبياء بعده، وحيث الإسلام هو دين البشرية منذ خلق آدم العاقل، تلك القيم الإنسانية موجودة منذئذ كفطرة للإنسان التي برمج الله خلقه عليها! قيم كالعدالة والإنسانية والأخلاق والتفكرّ الوجودي والكوني، والمعرفة الدينية العميقة لا تزال تنتظر من يتفكرّ فيها! ولكن الخلل دائمًا في الالتزام وفي التفكر وفي التطبيق خاصة لدى المسلمين!
{ إن الله عز وجل لا يحتاج إلى صلاتنا أو صيامنا أو كل ما فرضه علينا لصلاحنا، بل نحن المحتاجون إلى كل ذلك لتزكية النفس وبلوغها مراتب السمو المطلوبة للوجود البشري! ولكن القليل من يطبق عمق الصلاة أو الصيام كمثال، وكثيرون لا يدركون معنى الزكاة والتزكية خاصة الأغنياء بما يملكون! والأقل من يرتقي روحيا وسلوكيا كما يجب حتى بعد أن يؤدي فريضة الحج أو العمرة التي تتكرر في حياة البعض!
{ ولعل السؤال المهم: هل كل المسلمين مسلمون بالمعنى الحقيقي للإسلام، أم أن كثيرا منهم يولد بالتسمية ولم يتعمق في دينه؟!
الطبيب لا يكتسب صفته كطبيب إلا حين يمارس علمه ويطبقه ويعالج بعلمه ليقال له إنه طبيب! كذلك المهندس وبقية من يتصف بأي مهنة أو وظيفة تميزه عن غيره!
والمسلم إذا لم يطبق أخلاقيات دينه في سلوكياته ومعاملاته، لا يكون مسلمًا بالمعنى الحقيقي! وربما هذا هو سرّ البون الشاسع بين قوة الإسلام وضعف المسلمين أفرادًا ودولاً! وهو سرّ البون الشاسع بين دين قويم عزيز وإلهي، وبين مسلمين متذبذبين تأخذهم العواصف الفكرية والسلوكية والروحية كل مأخذ!
{ ونحن في هذا الشهر الفضيل نتأمل معًا أحوال المسلمين، ولماذا لا تقترن لدى أكثرهم العبادات بالمعاملات والأخلاقيات؟! ولماذا تتحول المعرفة الدينية وقيمها إلى مجرد شعائر قد تدخل باب الرياضة، وليس باب الروح والتطور المعرفي والعلمي، والتفكر في شؤون الكون وتعاقب الحضارات! وأي موقع للدين في المسار البشري منذ أن خلق الله الإنسان العاقل، الذي اعتبرته «نظرية التطور» مجرد قفزة في مجهول التكوين الإنساني، رغم أن الآيات القرآنية واضحة في كل تلك التأملات والتفكر الذي يعقبها! لماذا ديننا قوي ونحن ضعفاء؟!
ومع مقال آخر وتفكرّ آخر!
إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك