العدد : ١٧١٥٥ - الأربعاء ١٢ مارس ٢٠٢٥ م، الموافق ١٢ رمضان ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٥٥ - الأربعاء ١٢ مارس ٢٠٢٥ م، الموافق ١٢ رمضان ١٤٤٦هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

دين نختاره لا لأننا وُلدنا به!

{‭ ‬بعد‭ ‬تمعن‭ ‬في‭ ‬أفكار‭ ‬ومعتقدات‭ ‬مختلفة‭ ‬وكتاب‭ ‬سماوي‭ ‬محرف‭ (‬التوراة‭ ‬والإنجيل‭) ‬وفلسفات‭ ‬وأيديولوجيات‭ ‬وضعية،‭ ‬بل‭ ‬وفلسفات‭ ‬باطنية‭ ‬بحركات‭ ‬سرّية‭ ‬وعلنية‭ ‬تُظهر‭ ‬غير‭ ‬ما‭ ‬تبطن‭!‬،‭ ‬وصل‭ ‬قارب‭ ‬الفكر‭ ‬إلى‭ ‬الأعظم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬وهو‭ ‬كتاب‭ ‬الله‭ ‬الكريم‭ ‬ودين‭ ‬الإسلام،‭ ‬الذي‭ ‬قلّة‭ ‬من‭ ‬معتنقيه‭ ‬يدركون‭ ‬قيمته‭ ‬وقيمة‭ ‬أبعاده‭ ‬الروحية‭ ‬والفكرية‭ ‬والوجودية‭ ‬والأخلاقية‭!‬،‭ ‬فتصاب‭ ‬الأغلبية‭ ‬المسلمة‭ ‬بداء‭ ‬الفصل‭ ‬بين‭ ‬العبادات‭ ‬والشعائر،‭ ‬وتلك‭ ‬الأبعاد‭ ‬التي‭ ‬في‭ ‬الإسلام‭ ‬وحده‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬فصلها‭ ‬عن‭ ‬بعض،‭ ‬لأنه‭ ‬دين‭ ‬دنيا‭ ‬وآخرة،‭ ‬ودين‭ ‬قيم‭ ‬مترابطة،‭ ‬إن‭ ‬تم‭ ‬فصل‭ ‬أحدها‭ ‬عن‭ ‬الآخر‭ ‬ضاع‭ ‬الجوهر‭ ‬الذي‭ ‬فيه،‭ ‬وأرادنا‭ ‬الخالق‭ ‬أن‭ ‬نسمو‭ ‬به،‭ ‬وأن‭ ‬نعترك‭ ‬محن‭ ‬الحياة‭ ‬من‭ ‬خلاله‭!‬،‭ ‬فهو‭ ‬الدين‭ ‬الخاتم‭ ‬الذي‭ ‬أنزله‭ ‬الله‭ ‬على‭ ‬آخر‭ ‬أنبيائه‭ ‬ليكون‭ ‬الفصل‭ ‬في‭ ‬الكلام،‭ ‬وينتشل‭ ‬الإنسان‭ ‬من‭ ‬التيه‭ ‬الذي‭ ‬هو‭ ‬فيه‭ ‬بين‭ ‬فروع‭ ‬الطرقات‭ ‬التي‭ ‬تاه‭ ‬فيها‭ ‬بين‭ ‬كفر‭ ‬وشرك،‭ ‬فوحده‭ ‬الطريق‭ ‬المستقيم،‭ ‬ووحده‭ ‬النور‭ ‬بين‭ ‬الظلمات،‭ ‬أيًا‭ ‬كانت‭ ‬تلك‭ ‬الظلمات‭ ‬سواء‭ ‬روحية‭ ‬أو‭ ‬فكرية‭ ‬أو‭ ‬معتقدية‭ ‬أو‭ ‬وجودية‭!‬

{‭ ‬ولهذا‭ ‬يستحق‭ ‬من‭ ‬معتنقيه‭ ‬أن‭ ‬يكونوا‭ ‬مسلمين‭ ‬بالاختيار‭ ‬الحرّ،‭ ‬لا‭ ‬لأنهم‭ ‬وُلدوا‭ ‬به‭ ‬وبالتسمية‭ ‬أنهم‭ ‬مسلمون‭! ‬وغالبيتهم‭ ‬أبعد‭ ‬ما‭ ‬يكونون‭ ‬عن‭ ‬نوره‭ ‬العظيم‭ ‬والحقيقي،‭ ‬فيدخلون‭ ‬في‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬ما‭ ‬يشبع‭ ‬فراغ‭ ‬أرواحهم‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الأيديولوجيات‭ ‬ليختاروا‭ ‬إحداها‭! ‬أو‭ ‬في‭ ‬الحركات‭ ‬الباطنية‭ ‬ليستمدوا‭ ‬منها‭ ‬الطاقة‭ ‬الروحية‭ ‬كما‭ ‬يتوهمون‭! ‬أو‭ ‬أنهم‭ ‬يشكلون‭ ‬حركات‭ ‬باسم‭ ‬الدين‭ ‬ومعتقدات‭ ‬خارجة‭ ‬عن‭ ‬فحوى‭ ‬وجوهر‭ ‬وحقيقة‭ ‬الإسلام‭ ‬ويتصورون‭ ‬أنهم‭ ‬مسلمون‭!‬

{‭ ‬خزين‭ ‬العمر‭ ‬لدى‭ ‬كل‭ ‬واحد‭ ‬منّا‭ ‬يحمل‭ ‬في‭ ‬داخله‭ ‬الكثير،‭ ‬ولكن‭ ‬أهمها‭ ‬التعرف‭ ‬على‭ ‬حقيقة‭ ‬الإسلام‭ ‬معرفيًّا‭ ‬وفكريًّا‭ ‬وروحيًّا‭ ‬ووجوديًّا،‭ ‬ليأتي‭ ‬الاختيار‭ ‬له‭ ‬اختيارًا‭ ‬حرّا،‭ ‬وليس‭ ‬كما‭ ‬قلنا‭ ‬لأننا‭ ‬ولدنا‭ ‬به‭ ‬كمسمى‭!‬،‭ ‬ولنصل‭ ‬إلى‭ ‬العمق‭ ‬قد‭ ‬ندخل‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬دهاليز‭ ‬الطرقات‭ ‬الفرعية،‭ ‬لنعرف‭ ‬أين‭ ‬هو‭ ‬النور‭ ‬الحقيقي،‭ ‬وأين‭ ‬هي‭ ‬كشافات‭ ‬الإضاءة‭ ‬الصناعية،‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬تُبهر‭ ‬العين‭ ‬بأضوائها‭ ‬في‭ ‬الطريق،‭ ‬ولكن‭ ‬نهايته‭ ‬غير‭ ‬المتوقعة‭ ‬أبعد‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬عن‭ ‬النور،‭ ‬وأقرب‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬إلى‭ ‬الظلام‭ ‬في‭ ‬معناه‭ ‬الوجودي‭!‬

{‭ ‬ونحن‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الشهر‭ ‬الفضيل،‭ ‬أحرى‭ ‬بنا،‭ ‬وكما‭ ‬أمرنا‭ ‬الله‭ ‬خالق‭ ‬كل‭ ‬شيء،‭ ‬أن‭ ‬نتفكرّ‭ ‬ونعقِل‭ ‬ونجوب‭ ‬دهاليز‭ ‬كل‭ ‬الأفكار‭ ‬والمعتقدات‭ ‬مجدّدًا،‭ ‬لنصل‭ ‬في‭ ‬النهاية‭ ‬إلى‭ ‬القيمة‭ ‬الحقيقية‭ ‬والنعمة‭ ‬الفائضة‭ ‬لكوننا‭ ‬مسلمين‭! ‬أحد‭ ‬قادة‭ ‬اليهود‭ ‬الصهاينة،‭ ‬لا‭ ‬أذكر‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬‮«‬بيجين‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬رابين‮»‬‭ ‬قال‭ ‬مرة‭: ‬‮«‬المسلمون‭ ‬يملكون‭ ‬شيئًا‭ ‬هو‭ ‬أعظم‭ ‬ما‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الكون،‭ ‬ولكنهم‭ ‬لا‭ ‬يعرفون‭ ‬قيمته‮»‬‭ ‬فلما‭ ‬سُئِل‭ ‬ما‭ ‬هو؟‭! ‬قال‭: ‬‮«‬كتاب‭ ‬الله‭ ‬الذي‭ ‬بين‭ ‬أيديهم‮»‬‭ ‬أي‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭!. ‬هم‭ ‬يعرفون‭ ‬جيدًا‭ ‬قيمة‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬الذي‭ ‬بيد‭ ‬المسلمين،‭ ‬ولذلك‭ ‬هم‭ ‬خططوا‭ ‬طويلاً‭ ‬ومازالوا‭ ‬يخططون‭ ‬لإبعاد‭ ‬المسلمين‭ ‬عن‭ ‬حقيقته‭ ‬وسرّ‭ ‬قوته‭!‬،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬فكروّا‭ ‬بإسلام‭ ‬بديل‭ ‬تمت‭ ‬تسميته‭ ‬مرة‭ ‬بالإسلام‭ ‬الأمريكي‭! ‬ومرة‭ ‬بالإسلام‭ ‬الليبرالي‭! ‬إلخ‭.. ‬ويضغطون‭ ‬بكل‭ ‬الطرق‭ ‬لتحريف‭ ‬التأويل‭ ‬فيه،‭ ‬لأنهم‭ ‬يعرفون‭ ‬أيضًا‭ ‬أنهم‭ ‬غير‭ ‬قادرين‭ ‬على‭ ‬التحريف‭ ‬في‭ ‬كلام‭ ‬الله‭ ‬الذي‭ ‬وعده‭ ‬بحفظه‭ ‬من‭ ‬أي‭ ‬تحريف،‭ ‬ولذلك‭ ‬فإن‭ ‬أول‭ ‬وأقدم‭ ‬نسخة‭ ‬تم‭ ‬اكتشافها‭ ‬من‭ ‬القرآن‭ ‬مؤخرًا،‭ ‬مطابقة‭ ‬لما‭ ‬بين‭ ‬أيدي‭ ‬المسلمين‭ ‬حتى‭ ‬الآن‭!‬

{‭ ‬المعرفة‭ ‬الدينية‭ ‬العميقة‭ ‬التي‭ ‬تفتح‭ ‬كثيرا‭ ‬من‭ ‬الأبواب‭ ‬المغلقة،‭ ‬والتي‭ ‬وصل‭ ‬إليها‭ ‬وعي‭ ‬بعض‭ ‬المفكرين‭ ‬الحقيقيين‭ ‬في‭ ‬الإسلام،‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬للأسف‭ ‬مهمشة‭ ‬وبعيدًا‭ ‬عن‭ ‬تداول‭ ‬العامة‭ ‬وحتى‭ ‬المثقفين‭!‬

ولا‭ ‬تجد‭ ‬من‭ ‬يقوم‭ ‬بذات‭ ‬القدرات‭ ‬الفكرية‭ ‬لهؤلاء‭ ‬بتفسير‭ ‬المعاني‭ ‬العميقة،‭ ‬التي‭ ‬وصلوا‭ ‬إليها‭ ‬في‭ ‬معرفة‭ ‬أصول‭ ‬الدين‭ ‬الحضارية‭ ‬والقيمة‭ ‬‭ ‬من‭ ‬القيم‭ ‬‭ ‬والروحية‭ ‬والوجودية‭ ‬والتي‭ ‬تتخطى‭ ‬كل‭ ‬زمان‭ ‬ومكان،‭ ‬لأنها‭ ‬كلام‭ ‬الله،‭ ‬وتزكي‭ ‬النفس‭ ‬الإنسانية‭ ‬وتضع‭ ‬النقاط‭ ‬على‭ ‬الحروف‭ ‬لمعرفة‭ ‬أخرى‭ ‬هي‭ ‬معرفة‭ ‬مكامن‭ ‬هذا‭ ‬الدين‭ ‬وقوته‭ ‬الراسخة‭ ‬لتفسير‭ ‬معنى‭ ‬الوجود،‭ ‬وجوهر‭ ‬التوحيد،‭ ‬والصلة‭ ‬بين‭ ‬الإنسان‭ ‬وخالقه،‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬الضلالات‭ ‬الفكرية‭ ‬التي‭ ‬تُفسر‭ ‬الكون‭ ‬وبدايته،‭ ‬والتصورات‭ ‬حول‭ ‬الإنسان‭ ‬العاقل،‭ ‬اعتمادًا‭ ‬على‭ ‬‮«‬نظرية‭ ‬التطور‮»‬،‭ ‬التي‭ ‬قد‭ ‬يصلح‭ ‬بعضها‭ ‬في‭ ‬تفسير‭ ‬جوانب‭ ‬تطورية‭ ‬معينة،‭ ‬ولكنها‭ ‬تخفق‭ ‬تمامًا‭ ‬في‭ ‬تصوّر‭ ‬حقيقة‭ ‬الإنسان‭ ‬ووجوده‭ ‬وخلقه‭ ‬كإنسان‭ ‬عاقل‭ ‬منذ‭ ‬آدم‭ ‬الذي‭ ‬خلقه‭ ‬الله‭ ‬بيديه‭ ‬ونفخ‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬روحه‭ ‬وعلمه‭ ‬كل‭ ‬الأسماء،‭ ‬أي‭ ‬كل‭ ‬المعارف‭ ‬والعلوم‭! ‬وفساد‭ ‬هذه‭ ‬النظرية‭ ‬التي‭ ‬تهزأ‭ ‬بالعقل،‭ ‬وهي‭ ‬تُرجع‭ ‬أصل‭ ‬الإنسان‭ ‬إلى‭ ‬القرود‭!‬،‭ ‬يبدو‭ ‬أنها‭ ‬طغت‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬العقول‭ ‬بالفعل‭ ‬وربما‭ ‬الكثير‭ ‬منها،‭ ‬ليدخل‭ ‬العالم‭ ‬في‭ ‬دهاليز‭ ‬الظلمات‭ ‬بعيدًا‭ ‬عن‭ ‬حقيقة‭ ‬الوجود،‭ ‬وحقيقة‭ ‬الإنسان،‭ ‬ولماذا‭ ‬هو‭ ‬موجود‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الدنيا‭! ‬فإذا‭ ‬جُلنا‭ ‬في‭ ‬‮«‬الأيديولوجيات‮»‬‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬هذه‭ ‬النظرية،‭ ‬وجُلنا‭ ‬في‭ ‬الحركات‭ ‬الباطنية،‭ ‬اكتشفنا‭ ‬أنها‭ ‬تضليلات‭ ‬شيطانية‭ ‬لتمويه‭ ‬العقل‭ ‬عن‭ ‬حقيقة‭ ‬الوجود‭ ‬والخلق‭ ‬والخالق،‭ ‬تنتج‭ ‬بدورها‭ ‬قيمًا‭ ‬فاسدة‭ ‬رغم‭ ‬طغيانها‭ ‬على‭ ‬العصور‭ ‬الحديثة،‭ ‬وبمخيلات‭ ‬مريضة‭ ‬لا‭ ‬يتسع‭ ‬المقام‭ ‬هنا‭ ‬لذكرها‭ ‬وحصرها‭! ‬ولذلك‭ ‬فإن‭ ‬المسلم‭ ‬الواعي‭ ‬بنفسه‭ ‬وخالقه‭ ‬وأسباب‭ ‬وجوده،‭ ‬قادر‭ ‬وحده‭ ‬على‭ ‬فرز‭ ‬الحقيقة‭ ‬من‭ ‬المخيلات‭ ‬الظلامية،‭ ‬وفرز‭ ‬النور‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬نور‭ ‬حقيقي‭ ‬غيره‭ ‬من‭ ‬الظلمات‭ ‬وهي‭ ‬كثيرة،‭ ‬لأن‭ ‬الذي‭ ‬بين‭ ‬يديه‭ ‬ويفسر‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬هو‭ ‬كلام‭ ‬الله‭ ‬جل‭ ‬جلاله‭.‬

كل‭ ‬عام‭ ‬وأنتم‭ ‬بخير‭.. ‬رمضان‭ ‬كريم

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا