العدد : ١٧١٤٦ - الاثنين ٠٣ مارس ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٣ رمضان ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٤٦ - الاثنين ٠٣ مارس ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٣ رمضان ١٤٤٦هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

الولاء للوطن من أسس الانتماء إلى الدين!

{‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬الذي‭ ‬تتغير‭ ‬فيه‭ ‬موازين‭ ‬المنطقة‭ ‬بل‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬وتفقد‭ ‬الطموحات‭ ‬الإيرانية‭ ‬جزءا‭ ‬كبيرا‭ ‬من‭ ‬نفوذها‭ ‬وتأثيرها‭ ‬بعد‭ ‬الضربات‭ ‬الكبيرة‭ ‬التي‭ ‬تلقتها‭ ‬أذرعها‭ ‬منذ‭ ‬عملية‭ (‬البيجر‭) ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬وسقوط‭ ‬النظام‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬وتراجع‭ ‬الحضور‭ ‬المكثف‭ ‬للحشد‭ ‬الشيعي‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬والمأزق‭ ‬الذي‭ ‬يعيشه‭ ‬الحوثيون،‭ ‬فإن‭ ‬خطاب‭ ‬الأمين‭ ‬العام‭ ‬الجديد‭ ‬للحزب‭ ‬المعروف‭ ‬نعيم‭ ‬قاسم‭ ‬وهو‭ ‬يحدد‭ ‬هويته‭ ‬ومرجعية‭ ‬ولاءه‭ ‬في‭ ‬خطابه‭ ‬يوم‭ ‬تشييع‭ ‬جنازتي‭ ‬حسن‭ ‬نصرالله‭ ‬وصفي‭ ‬الدين‭ ‬الأمينين‭ ‬العامين‭ ‬السابقين‭ ‬للحزب‭ ‬والذي‭ ‬أثار‭ ‬لغطا‭ ‬إعلاميا‭ ‬كبيرا،‭ ‬كان‭ ‬هذا‭ ‬التحديد‭ ‬للهوية‭ ‬والولاء‭ ‬في‭ ‬أول‭ ‬خطابه‭ ‬لافتا‭ ‬بعد‭ ‬المتغيرات‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬ومحاولة‭ ‬رئيس‭ ‬الدولة‭ ‬الجديد‭ ‬جون‭ ‬عون‭ ‬ورئيس‭ ‬حكومته‭ ‬وهما‭ ‬يبحثان‭ ‬عن‭ ‬سيادة‭ ‬الدولة‭ ‬واستقلاليتها،‭ ‬فإذا‭ ‬بنعيم‭ ‬قاسم‭ ‬يقول‭: (‬نحن‭ ‬أبناء‭ ‬الولاية‭ ‬أبناء‭ ‬الخميني‭ ‬وخامنئي‭)! ‬بدل‭ ‬أن‭ ‬يؤكد‭ ‬نحن‭ ‬أبناء‭ ‬الوطن‭ ‬اللبناني‭! ‬والعمل‭ ‬على‭ ‬مراجعة‭ ‬الذات‭ ‬والعودة‭ ‬الخالصة‭ ‬للهوية‭ ‬الوطنية‭ ‬الجامعة‭ ‬لكل‭ ‬اللبنانيين،‭ ‬مهما‭ ‬اختلفت‭ ‬بينهم‭ ‬الهويات‭ ‬الدينية‭ ‬أو‭ ‬المعتقدية‭ ‬أو‭ ‬الفكرية‭ ‬والسياسية‭! ‬وفي‭ ‬أثناء‭ ‬ذلك‭ ‬أكد‭ ‬الرئيس‭ ‬اللبناني‭ ‬للمبعوث‭ ‬الإيراني‭ ‬لحضور‭ ‬الجنازة‭ (‬لبنان‭ ‬تعب‭ ‬من‭ ‬حروب‭ ‬الآخرين‭ ‬على‭ ‬أرضه‭) ‬ودعا‭ ‬إلى‭ ‬وحدة‭ ‬اللبنانيين‭!‬

{‭ ‬التناقض‭ ‬بين‭ ‬خطابي‭ ‬الرئيس‭ ‬عون‭ ‬ونعيم‭ ‬قاسم‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الصراع‭ ‬بين‭ ‬السيادة‭ ‬الوطنية‭ ‬والولاء‭ ‬للوطن‭ ‬وبين‭ ‬التبعية‭ ‬للخارج‭ ‬التي‭ ‬هشمت‭ ‬دور‭ ‬الدولة‭ ‬اللبنانية‭ ‬لعقود‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬محتدما‭ ‬وباقيا‭ ‬بين‭ ‬حزب‭ ‬عقائدي‭ ‬ولائي‭ ‬لدى‭ ‬المكون‭ ‬الشيعي‭ ‬الذي‭ ‬يتمثل‭ ‬في‭ ‬عناصر‭ ‬حزب‭ ‬تابع‭ ‬لإيران‭! ‬وهذا‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬الارتباط‭ ‬العضوي‭ ‬بإيران‭ ‬هو‭ ‬ارتباط‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬بأجندة‭ ‬إيران‭ ‬المعروفة‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تعبث‭ ‬فيها‭ ‬أذرعها‭ ‬بأسس‭ ‬السيادة‭ ‬الوطنية‭ ‬والولاء‭ ‬للوطن‭ ‬أولا‭! ‬وربما‭ ‬هذا‭ ‬الارتباط‭ ‬العضوي‭ ‬بين‭ ‬الأذرع‭ ‬العقائدية‭ ‬وإيران‭ ‬سيبقى‭ ‬مستمرا‭ ‬ومثيرا‭ ‬للقلق‭ ‬والقلاقل‭ ‬في‭ ‬البلدان‭ ‬التي‭ ‬تتواجد‭ ‬فيها‭ ‬ما‭ ‬لم‭ ‬تراجع‭ ‬إيران‭ ‬نفسها‭ ‬تحت‭ ‬حكم‭ ‬الملالي‭ ‬وتراجع‭ ‬طموحاتها‭ ‬ومشروعها‭ ‬وحلمها‭ ‬الإمبراطوري‭ ‬عبر‭ ‬الأذرع‭ ‬العربية‭ ‬الولائية،‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬تراجع‭ ‬نفوذ‭ ‬تلك‭ ‬الأذرع‭ ‬وتراجع‭ ‬نفوذها‭ ‬كجهة‭ ‬تتحصن‭ ‬بخطاب‭ ‬ثيوقراطي‭ ‬يعمل‭ ‬على‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬شؤون‭ ‬دول‭ ‬عربية‭ ‬وإثارة‭ ‬الفتن‭ ‬والانقسام‭ ‬فيها‭ ‬مثلما‭ ‬على‭ ‬الاذرع‭ ‬ذاتها،‭ ‬أينما‭ ‬وجدت،‭ ‬مراجعة‭ ‬موقفها‭ ‬وتحديد‭ ‬هويتها‭ ‬إن‭ ‬كان‭ ‬نحو‭ ‬الانتماء‭ ‬الوطني‭ ‬الخالص‭ ‬للوطن‭ ‬أو‭ ‬نحو‭ ‬استمرار‭ ‬التبعية‭ ‬للمشروع‭ ‬الإيراني‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬المتغيرات‭ ‬الحادثة‭!‬

{‭ ‬إيران‭ ‬باستغلالها‭ ‬للولاء‭ ‬المذهبي‭ ‬الذي‭ ‬تضعه‭ ‬في‭ ‬دستورها‭ ‬تعتبر‭ ‬خسارتها‭ ‬في‭ ‬أذرعها‭ ‬خسارة‭ ‬معركة‭ ‬وأنها‭ ‬ستعود‭ ‬لنسج‭ ‬سجادتها‭ ‬السياسية‭ ‬ببطء‭ ‬واعتناء‭ ‬مجددا،‭ ‬لتعود‭ ‬إلى‭ ‬نفوذها‭ ‬السابق‭! ‬أي‭ ‬أنها‭ ‬كما‭ ‬في‭ ‬تصريحات‭ ‬بعض‭ ‬مسؤوليها‭ ‬علنا‭ ‬هي‭ ‬تريد‭ ‬معاودة‭ ‬التدخل‭ ‬والفوضى‭ ‬وأنها‭ ‬لن‭ ‬تهدأ‭ ‬رغم‭ ‬فقدانها‭ ‬لجزء‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬النفوذ،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬التي‭ ‬خرجت‭ ‬بعد‭ ‬إسقاط‭ ‬نظام‭ ‬بشار‭ ‬الأسد‭ ‬من‭ ‬دائرة‭ ‬هيمنتها‭ ‬أو‭ ‬من‭ ‬محورها‭ ‬الذي‭ ‬يتغطى‭ ‬برداء‭ ‬المقاومة‭! ‬ولكن‭ ‬المتغيرات‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬وفي‭ ‬سوريا‭ ‬وبإرادة‭ ‬شعبية‭ ‬تتطلع‭ ‬إلى‭ ‬السيادة‭ ‬الوطنية‭ ‬والاستقلالية‭ ‬وبناء‭ ‬جيش‭ ‬يحتكر‭ ‬كل‭ ‬السلاح‭ ‬في‭ ‬الدولة،‭ ‬هذه‭ ‬المتغيرات‭ ‬تقف‭ ‬اليوم‭ ‬في‭ ‬حلق‭ ‬استعادة‭ ‬النفوذ‭ ‬الإيراني‭ ‬الذي‭ ‬لاتزال‭ ‬إيران‭ ‬تحلم‭ ‬به‭! ‬ولعل‭ ‬المحن‭ ‬التي‭ ‬مرّ‭ ‬بها‭ ‬البلدان‭ ‬في‭ ‬سنوات‭ ‬التمدد‭ ‬الإيراني‭ ‬داخلهما‭ ‬يكفيان‭ ‬للوقوف‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬أي‭ ‬محاولات‭ ‬فتنوية‭ ‬جديدة‭ ‬تريد‭ ‬العودة‭ ‬بالبلدين‭ ‬إلى‭ ‬نقطة‭ ‬الصفر‭! ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬الأذرع‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬واليمن‭ ‬يعيشان‭ ‬بدورهما‭ ‬مأزقا‭ ‬مستمرا‭ ‬بين‭ ‬الولاء‭ ‬للوطن‭ ‬أو‭ ‬التبعية‭ ‬للأجندة‭ ‬الإيرانية‭! ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬ما‭ ‬تعيشه‭ ‬حماس‭ ‬بعد‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬من‭ ‬متطلبات‭ ‬المراجعة‭ ‬والخروج‭ ‬من‭ ‬دائرة‭ ‬الحكم‭ ‬في‭ ‬غزة‭!‬

{‭ ‬من‭ ‬أسس‭ ‬الدين‭ ‬الإسلامي‭ ‬إذا‭ ‬كان‭ ‬الولائيون‭ ‬كما‭ ‬يقولون‭ ‬ملتزمين‭ ‬بتعاليم‭ ‬هذا‭ ‬الدين‭ ‬أن‭ ‬الولاء‭ ‬للوطن‭ ‬والدفاع‭ ‬عنه‭ ‬والحفاظ‭ ‬على‭ ‬السيادة‭ ‬الوطنية‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬ضربها‭ ‬من‭ ‬الداخل‭ ‬بولاءات‭ ‬لأجندات‭ ‬خارجية‭ ‬طامعة‭ ‬أيا‭ ‬كانت‭ ‬التبريرات،‭ ‬هذا‭ ‬الولاء‭ ‬للوطن‭ ‬هو‭ ‬أساس‭ ‬من‭ ‬أسس‭ ‬الولاء‭ ‬الديني‭ ‬الإسلامي،‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬تبريرات‭ ‬تخرج‭ ‬عن‭ ‬صلب‭ ‬هذه‭ ‬القاعدة‭ ‬الدينية‭!‬

ولذلك‭ ‬فإن‭ ‬الهوية‭ ‬الوطنية‭ ‬وحدها‭ ‬ولكل‭ ‬مكونات‭ ‬الوطن،‭ ‬وحدها‭ ‬التي‭ ‬تحدد‭ ‬المسار‭ ‬لكل‭ ‬الفئات‭ ‬أيا‭ ‬كانت‭ ‬إيديولوجياتهم‭ ‬أو‭ ‬توجههم‭ ‬المعتقدي،‭ ‬لأن‭ ‬ذلك‭ ‬المسار‭ ‬هو‭ ‬بدوره‭ ‬الذي‭ ‬يحفظ‭ ‬الأوطان‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬أي‭ ‬استغلالات‭ ‬دينية‭ ‬أو‭ ‬إيديولوجية‭ ‬تتخذ‭ ‬من‭ ‬الدين‭ ‬غطاء‭ ‬لتحقيق‭ ‬تطلعات‭ ‬سلطوية‭ ‬أو‭ ‬احتكار‭ ‬للسلطة‭ ‬بقوة‭ ‬المليشيات‭ ‬التي‭ ‬يتحول‭ ‬عناصرها‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬إلى‭ ‬ساسة‭ ‬وسلطويين‭! ‬وذلك‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬ومثله‭ ‬الانقلاب‭ ‬على‭ ‬الشرعية‭ ‬الذي‭ ‬نفذه‭ ‬الحوثيون‭ ‬والدولة‭ ‬داخل‭ ‬الدولة‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬لبنان،‭ ‬وهيمنة‭ ‬المليشيات‭ ‬التابعة‭ ‬لإيران‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬سوريا‭!‬

{‭ ‬المواطن‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬البلدان،‭ ‬بل‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬البلدان،‭ ‬يبحث‭ ‬عن‭ ‬تحسين‭ ‬أحواله‭ ‬المعيشية‭ ‬والخدمية‭ ‬والحياة‭ ‬الكريمة‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬إدخاله‭ ‬في‭ ‬التجاذبات‭ ‬الهدامة‭ ‬سواء‭ ‬الدينية‭ ‬أو‭ ‬الإيديولوجية،‭ ‬والانقسام‭ ‬الشعبي‭ ‬بين‭ ‬أقليات‭ ‬عقائدية‭ ‬مصرّة‭ ‬على‭ ‬ولائها‭ ‬للخارج،‭ ‬وأكثرية‭ ‬بينها‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬المكون‭ ‬الشيعي‭ ‬نفسه‭ ‬يرفض‭ ‬هذا‭ ‬التوجه‭ ‬الخاطئ‭ ‬للتبعية‭ ‬لإيران‭!‬

في‭ ‬النهاية‭ ‬هي‭ ‬حالة‭ ‬ارتباك‭ ‬وتخبط‭ ‬وفقدان‭ ‬للبوصلة‭ ‬الوطنية‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬يعيشها‭ ‬قادة‭ ‬تلك‭ ‬الأذرع‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الارتباط‭ ‬العضوي‭ ‬بإيران‭ ‬بغطاء‭ ‬ولائي‭ ‬رغم‭ ‬أنه‭ ‬يحيل‭ ‬الجميع‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ ‬ارتباط‭ ‬عضوي‭ ‬وظيفي‭ ‬لأجندة‭ ‬إيرانية‭!‬

ونحن‭ ‬على‭ ‬مشارف‭ ‬رمضان،‭ ‬فإن‭ ‬المراجعة‭ ‬المعتقدية‭ ‬على‭ ‬أساس‭ ‬المرجعية‭ ‬الدينية‭ ‬الإسلامية‭ ‬الصحيحة‭ ‬واجب‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يرفع‭ ‬لواء‭ ‬الإسلام،‭ ‬خاصة‭ ‬أن‭ ‬الولاء‭ ‬للوطن‭ ‬ولسيادته‭ ‬وحفظه‭ ‬من‭ ‬التجاذبات‭ ‬الداخلية‭ ‬والخارجية‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬صلب‭ ‬هذا‭ ‬الدين‭ ‬السمح‭.‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا