عالم يتغير

فوزية رشيد
الولاء للوطن من أسس الانتماء إلى الدين!
{ في الوقت الذي تتغير فيه موازين المنطقة بل العالم كله وتفقد الطموحات الإيرانية جزءا كبيرا من نفوذها وتأثيرها بعد الضربات الكبيرة التي تلقتها أذرعها منذ عملية (البيجر) في لبنان وسقوط النظام في سوريا وتراجع الحضور المكثف للحشد الشيعي في العراق والمأزق الذي يعيشه الحوثيون، فإن خطاب الأمين العام الجديد للحزب المعروف نعيم قاسم وهو يحدد هويته ومرجعية ولاءه في خطابه يوم تشييع جنازتي حسن نصرالله وصفي الدين الأمينين العامين السابقين للحزب والذي أثار لغطا إعلاميا كبيرا، كان هذا التحديد للهوية والولاء في أول خطابه لافتا بعد المتغيرات في لبنان ومحاولة رئيس الدولة الجديد جون عون ورئيس حكومته وهما يبحثان عن سيادة الدولة واستقلاليتها، فإذا بنعيم قاسم يقول: (نحن أبناء الولاية أبناء الخميني وخامنئي)! بدل أن يؤكد نحن أبناء الوطن اللبناني! والعمل على مراجعة الذات والعودة الخالصة للهوية الوطنية الجامعة لكل اللبنانيين، مهما اختلفت بينهم الهويات الدينية أو المعتقدية أو الفكرية والسياسية! وفي أثناء ذلك أكد الرئيس اللبناني للمبعوث الإيراني لحضور الجنازة (لبنان تعب من حروب الآخرين على أرضه) ودعا إلى وحدة اللبنانيين!
{ التناقض بين خطابي الرئيس عون ونعيم قاسم يدل على أن الصراع بين السيادة الوطنية والولاء للوطن وبين التبعية للخارج التي هشمت دور الدولة اللبنانية لعقود لا يزال محتدما وباقيا بين حزب عقائدي ولائي لدى المكون الشيعي الذي يتمثل في عناصر حزب تابع لإيران! وهذا يدل على أن الارتباط العضوي بإيران هو ارتباط في الوقت ذاته بأجندة إيران المعروفة سواء في لبنان أو في الدول التي تعبث فيها أذرعها بأسس السيادة الوطنية والولاء للوطن أولا! وربما هذا الارتباط العضوي بين الأذرع العقائدية وإيران سيبقى مستمرا ومثيرا للقلق والقلاقل في البلدان التي تتواجد فيها ما لم تراجع إيران نفسها تحت حكم الملالي وتراجع طموحاتها ومشروعها وحلمها الإمبراطوري عبر الأذرع العربية الولائية، خاصة بعد تراجع نفوذ تلك الأذرع وتراجع نفوذها كجهة تتحصن بخطاب ثيوقراطي يعمل على التدخل في شؤون دول عربية وإثارة الفتن والانقسام فيها مثلما على الاذرع ذاتها، أينما وجدت، مراجعة موقفها وتحديد هويتها إن كان نحو الانتماء الوطني الخالص للوطن أو نحو استمرار التبعية للمشروع الإيراني في ظل المتغيرات الحادثة!
{ إيران باستغلالها للولاء المذهبي الذي تضعه في دستورها تعتبر خسارتها في أذرعها خسارة معركة وأنها ستعود لنسج سجادتها السياسية ببطء واعتناء مجددا، لتعود إلى نفوذها السابق! أي أنها كما في تصريحات بعض مسؤوليها علنا هي تريد معاودة التدخل والفوضى وأنها لن تهدأ رغم فقدانها لجزء كبير من ذلك النفوذ، خاصة في سوريا التي خرجت بعد إسقاط نظام بشار الأسد من دائرة هيمنتها أو من محورها الذي يتغطى برداء المقاومة! ولكن المتغيرات في لبنان وفي سوريا وبإرادة شعبية تتطلع إلى السيادة الوطنية والاستقلالية وبناء جيش يحتكر كل السلاح في الدولة، هذه المتغيرات تقف اليوم في حلق استعادة النفوذ الإيراني الذي لاتزال إيران تحلم به! ولعل المحن التي مرّ بها البلدان في سنوات التمدد الإيراني داخلهما يكفيان للوقوف في وجه أي محاولات فتنوية جديدة تريد العودة بالبلدين إلى نقطة الصفر! خاصة أن الأذرع في العراق واليمن يعيشان بدورهما مأزقا مستمرا بين الولاء للوطن أو التبعية للأجندة الإيرانية! إلى جانب ما تعيشه حماس بعد حرب الإبادة من متطلبات المراجعة والخروج من دائرة الحكم في غزة!
{ من أسس الدين الإسلامي إذا كان الولائيون كما يقولون ملتزمين بتعاليم هذا الدين أن الولاء للوطن والدفاع عنه والحفاظ على السيادة الوطنية بعيدا عن ضربها من الداخل بولاءات لأجندات خارجية طامعة أيا كانت التبريرات، هذا الولاء للوطن هو أساس من أسس الولاء الديني الإسلامي، بعيدا عن أي تبريرات تخرج عن صلب هذه القاعدة الدينية!
ولذلك فإن الهوية الوطنية وحدها ولكل مكونات الوطن، وحدها التي تحدد المسار لكل الفئات أيا كانت إيديولوجياتهم أو توجههم المعتقدي، لأن ذلك المسار هو بدوره الذي يحفظ الأوطان بعيدا عن أي استغلالات دينية أو إيديولوجية تتخذ من الدين غطاء لتحقيق تطلعات سلطوية أو احتكار للسلطة بقوة المليشيات التي يتحول عناصرها في الوقت ذاته إلى ساسة وسلطويين! وذلك ما حدث في العراق ومثله الانقلاب على الشرعية الذي نفذه الحوثيون والدولة داخل الدولة كما كان في لبنان، وهيمنة المليشيات التابعة لإيران كما كان في سوريا!
{ المواطن في تلك البلدان، بل وفي كل البلدان، يبحث عن تحسين أحواله المعيشية والخدمية والحياة الكريمة من دون إدخاله في التجاذبات الهدامة سواء الدينية أو الإيديولوجية، والانقسام الشعبي بين أقليات عقائدية مصرّة على ولائها للخارج، وأكثرية بينها جزء من المكون الشيعي نفسه يرفض هذا التوجه الخاطئ للتبعية لإيران!
في النهاية هي حالة ارتباك وتخبط وفقدان للبوصلة الوطنية لا يزال يعيشها قادة تلك الأذرع في ظل الارتباط العضوي بإيران بغطاء ولائي رغم أنه يحيل الجميع إلى أنه ارتباط عضوي وظيفي لأجندة إيرانية!
ونحن على مشارف رمضان، فإن المراجعة المعتقدية على أساس المرجعية الدينية الإسلامية الصحيحة واجب كل من يرفع لواء الإسلام، خاصة أن الولاء للوطن ولسيادته وحفظه من التجاذبات الداخلية والخارجية هو في صلب هذا الدين السمح.
إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك