العدد : ١٧١٤٦ - الاثنين ٠٣ مارس ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٣ رمضان ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٤٦ - الاثنين ٠٣ مارس ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٣ رمضان ١٤٤٦هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

العملاق العربي إذا صحا!

{‭ ‬بين‭ ‬حين‭ ‬وآخر‭ ‬لابد‭ ‬للعودة‭ ‬إلى‭ ‬جذور‭ ‬الأزمات‭ ‬والصراع‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬لكي‭ ‬نفهم‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬الراهنة‭ ‬على‭ ‬خلفية‭ ‬التصريحات‭ ‬الصهيونية‭ ‬والترامبية‭ ‬الجديدة‭!‬

بالأصل‭ ‬لم‭ ‬يتم‭ ‬إنشاء‭ ‬وتأسيس‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬الذي‭ ‬تعود‭ ‬فكرته‭ ‬كمقترح‭ ‬أول‭ ‬لنابليون‭ ‬بونابرت‭ ‬لشق‭ ‬الجغرافيا‭ ‬العربية‭ ‬من‭ ‬منتصفها‭! ‬ثم‭ ‬إلى‭ ‬مؤتمر‭ ‬بازل‭ ‬الصهيوني‭ ‬وهرتزل‭ ‬1897‭ ‬ثم‭ ‬مؤتمر‭ ‬لندن‭ ‬1905-1907‭ ‬ثم‭ ‬وعد‭ ‬بلفور‭ ‬وتقاسم‭ ‬المنطقة‭ ‬بحسب‭ ‬اتفاق‭ ‬سايكس‭ ‬‭ ‬بيكو‭! ‬إلا‭ ‬لهدف‭ ‬واحد‭ ‬هو‭ ‬منع‭ ‬الوحدة‭ ‬العربية‭ ‬بدءا‭ ‬من‭ ‬زرع‭ ‬كيان‭ ‬دخيل‭ ‬وظيفي‭ ‬استعماريا‭ ‬لتقسيم‭ ‬المنطقة‭ ‬وشقها‭ ‬من‭ ‬منتصفها‭ ‬ومنع‭ ‬نهوضها‭ ‬وتنميتها‭ ‬بل‭ ‬احتكار‭ ‬ثرواتها‭ ‬وإمكانياتها‭ ‬بأساليب‭ ‬استعمارية‭ ‬مختلفة‭!‬

والسؤال‭ ‬لماذا؟‭! ‬والجواب‭ ‬لأن‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬إذا‭ ‬توحدت‭ ‬بما‭ ‬تملكه‭ ‬من‭ ‬إمكانيات‭ ‬حضارية‭ ‬ودينية‭ ‬وثقافية‭ ‬وعنصر‭ ‬بشري‭ ‬وموقع‭ ‬استراتيجي‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬القارات،‭ ‬فهي‭ ‬المشروع‭ ‬العالمي‭ ‬الوحيد‭ ‬والحقيقي‭ ‬القادر‭ ‬على‭ ‬فرض‭ ‬المثال‭ ‬والقيم‭ ‬الإلهية‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬الحضارة‭ ‬والقيم‭ ‬الغربية‭ ‬الاستعمارية‭ ‬ونموذجه‭ ‬العالمي‭!‬

هذا‭ ‬ما‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬أدبيات‭ ‬مؤتمر‭ ‬لندن‭ ‬1905‭! ‬بل‭ ‬أشارت‭ ‬تلك‭ ‬الأدبيات‭ ‬أيضا‭ ‬في‭ ‬المؤتمر‭ ‬الغربي‭ ‬نفسه‭ ‬آنذاك‭ ‬أن‭ ‬الإسلام‭ ‬هو‭ ‬الوحيد‭ ‬أو‭ ‬وحده‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬العالمي‭ ‬يقدم‭ ‬البديل‭ ‬القيمي‭ ‬والحضاري‭ ‬المتكامل‭ ‬للإنسان‭ ‬عن‭ ‬القيم‭ ‬الغربية‭ ‬ويهددها‭! ‬ولذلك‭ ‬لابد‭ ‬من‭ ‬الهجوم‭ ‬والحرب‭ ‬عليه‭ ‬وتشويهه‭ ‬بكل‭ ‬الطرق‭ ‬وخاصة‭ ‬إذا‭ ‬تم‭ ‬إنهاض‭ ‬الروح‭ ‬الحقيقية‭ ‬المعتدلة‭ ‬والوسطية‭ ‬والعقلانية‭ ‬لهذا‭ ‬الدين‭ ‬السماوي‭ ‬الذي‭ ‬لم‭ ‬يصبه‭ ‬أي‭ ‬تحريف‭ ‬أو‭ ‬تغيير‭ ‬منذ‭ ‬نزوله‭ ‬كوحي‭ ‬على‭ ‬الرسول‭ ‬الأعظم‭ ‬عليه‭ ‬الصلاة‭ ‬والسلام‭!‬

{‭ ‬تلك‭ ‬الاستنتاجات‭ ‬وصلت‭ ‬إلى‭ ‬العالم‭ ‬الغربي‭ ‬بعد‭ ‬ما‭ ‬شهده‭ ‬الغرب‭ ‬والعالم‭ ‬من‭ ‬آثار‭ ‬الحضارات‭ ‬العربية‭ ‬القديمة‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬ومن‭ ‬آثار‭ ‬الحضارة‭ ‬الإسلامية‭ ‬الكبيرة‭ ‬منذ‭ ‬الخلفاء‭ ‬الراشدين‭ ‬والدولة‭ ‬الأموية‭ ‬ثم‭ ‬العباسية‭ ‬والحضارة‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬الأندلس‭! ‬وجميعها‭ ‬أثبتت‭ ‬كيف‭ ‬تتجسد‭ ‬الروح‭ ‬العربية‭ ‬الإسلامية‭ ‬في‭ ‬تقديم‭ ‬النموذج‭ ‬البديل‭ ‬والمنافس‭ ‬للغرب‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬المجالات‭ ‬كما‭ ‬تم‭ ‬وصفه‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬لتبدأ‭ ‬بعد‭ ‬سقوطها‭ ‬الأندلس‭ ‬الحقبة‭ ‬الاستعمارية‭ ‬الغربية‭ ‬على‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭ ‬لإضعافها‭ ‬واحتوائها‭! ‬

{‭ ‬اليوم‭ ‬يجد‭ ‬النظام‭ ‬العربي‭ ‬الرسمي‭ ‬وتجد‭ ‬الشعوب‭ ‬العربية‭ ‬نفسها‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬مباشرة‭ ‬مع‭ ‬التهديد‭ ‬الوجودي‭ ‬الذي‭ ‬تمثله‭ ‬الصهيونية‭ ‬الدينية‭ ‬في‭ ‬الكيان‭ ‬وفي‭ ‬أمريكا‭ ‬وحيث‭ ‬طوال‭ ‬75‭ ‬عاما‭ ‬لم‭ ‬يستطع‭ ‬العرب‭ ‬احتواء‭ ‬هذا‭ ‬الكيان‭ ‬الدخيل‭ ‬لا‭ ‬حربا‭ ‬ولا‭ ‬سلما‭! ‬وحيث‭ ‬أثبتت‭ ‬أمريكا‭ ‬ومعها‭ ‬قوى‭ ‬الغرب‭ ‬الاستعمارية‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬عامل‭ ‬استقرار‭ ‬وسلام‭ ‬للمنطقة،‭ ‬كما‭ ‬تدعي‭ ‬وادعت‭ ‬طوال‭ ‬العقود‭ ‬الماضية‭! ‬ورغم‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬شهدته‭ ‬المنطقة‭ ‬من‭ ‬حروب‭ ‬وويلات‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬اليوم‭ ‬يختلف‭ ‬تماما‭ ‬عن‭ ‬ما‭ ‬سبق‭ ‬حيث‭ ‬التوسع‭ ‬الصهيوني‭ ‬بات‭ ‬مطروحا‭ ‬علنا‭ ‬وتنفيذا‭ ‬وليس‭ ‬كرؤى‭ ‬وأساطير‭ ‬وخرافات‭ ‬ونظرية‭ ‬مؤامرة‭!‬

{‭ ‬رغم‭ ‬كل‭ ‬الأطروحات‭ ‬المتفذلكة‭ ‬عربيا‭ ‬وغربيا‭ ‬في‭ ‬السخرية‭ ‬من‭ ‬فكرة‭ ‬الوحدة‭ ‬العربية‭ ‬والانتماء‭ ‬العربي‭ ‬والقومية‭ ‬العربية‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬التجارب‭ ‬أثبتت‭ ‬للعرب‭ ‬وللغرب‭ ‬أنه‭ ‬حين‭ ‬يتوحد‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬كلمتهم‭ ‬وإرادتهم‭ ‬السياسية‭ ‬فإنهم‭ ‬يحدثون‭ ‬الفارق‭ ‬الحقيقي‭ ‬الذي‭ ‬يخلخل‭ ‬عوامل‭ ‬الضعف‭ ‬العربي‭ ‬المعتاد‭! ‬ولذلك‭ ‬ومع‭ ‬الشعور‭ ‬العربي‭ ‬والوعي‭ ‬الجمعي‭ ‬العربي‭ ‬بخطورة‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬اليوم‭ ‬بعد‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬على‭ ‬غزة‭ ‬وخطورة‭ ‬التصريحات‭ ‬والتوجهات‭ ‬الصهيونية‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬ككل‭ ‬لجأت‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬بقيادة‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬الفاعلة‭ ‬إلى‭ ‬التماسك‭ ‬العربي‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬الأحداث‭ ‬والمخططات‭ ‬والتصريحات‭ ‬الترامبية‭ ‬فما‭ ‬بالنا‭ ‬لو‭ ‬تحققت‭ ‬الوحدة‭ ‬العربية‭ ‬بشروطها‭ ‬التكاملية‭ ‬الجيوستراتيجية‭ ‬ونهض‭ ‬العملاق‭ ‬العربي‭ ‬النائم‭ ‬منذ‭ ‬سقوط‭ ‬الأندلس؟‭! ‬الشرق‭ ‬والغرب‭ ‬يعرف‭ ‬جيدا‭ ‬أثر‭ ‬ذلك‭ ‬النهوض‭ ‬وخاصة‭ ‬إن‭ ‬تم‭ ‬في‭ ‬إطار‭ ‬رؤى‭ ‬علمية‭ ‬موضوعية‭ ‬تطرح‭ ‬هيكلية‭ ‬التكاملية‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬أطرها‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬والعقلانية‭ ‬والأنساق‭ ‬الجديدة‭ ‬للوحدة‭ ‬وحيث‭ ‬نموذج‭ ‬الاتحاد‭ ‬الأوروبي‭ ‬يدل‭ ‬على‭ ‬المقصود‭ ‬رغم‭ ‬ما‭ ‬يتخلل‭ ‬هذا‭ ‬الاتحاد‭ ‬من‭ ‬ثغرات‭!‬

{‭ ‬النظام‭ ‬العربي‭ ‬الذي‭ ‬بنى‭ ‬استراتيجياته‭ ‬التحالفية‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والغرب‭ ‬الاستعماري‭ ‬لابد‭ ‬أنه‭ ‬يدرك‭ ‬جيدا‭ ‬كيف‭ ‬كانت‭ ‬تعمل‭ ‬تلك‭ ‬القوى‭ ‬الغربية‭ ‬على‭ ‬إبقاء‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬ضعف‭ ‬واتكال‭ ‬عليها‭! ‬وكيف‭ ‬كانت‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬تعمل‭ ‬على‭ ‬التمزيق‭ ‬والصراعات‭ ‬والتقسيم‭ ‬رغم‭ ‬التحالف‭ ‬معها‭! ‬لكي‭ ‬تصل‭ ‬اليوم‭ ‬إلى‭ ‬تبني‭ ‬كل‭ ‬الأوراق‭ ‬الصهيونية‭ ‬المتطرفة،‭ ‬بل‭ ‬تعمل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬الترامبية‭ ‬على‭ ‬تنفيذها‭ ‬بما‭ ‬يهدد‭ ‬الحلفاء‭ ‬العرب‭ ‬أو‭ ‬النظام‭ ‬العربي‭ ‬والدول‭ ‬العربية‭ ‬وشعوبها‭! ‬بل‭ ‬وصلت‭ ‬الأمور‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬يزايد‭ ‬ترامب‭ ‬على‭ ‬قادة‭ ‬الكيان‭ ‬المتطرفين‭ ‬والإرهابيين‭ ‬بما‭ ‬هو‭ ‬أبعد‭ ‬من‭ ‬أحلامهم‭ ‬وخيالهم‭! ‬وهو‭ ‬الخيال‭ ‬التوراتي‭ ‬الملفق‭ ‬الذي‭ ‬يهدد‭ ‬الوجود‭ ‬العربي‭ ‬والنظام‭ ‬العربي‭!‬

{‭ ‬هي‭ ‬لحظة‭ ‬تاريخية‭ ‬مفصلية‭ ‬لا‭ ‬تتعلق‭ ‬بغزة‭ ‬وفلسطين‭ ‬والقضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وحدها،‭ ‬بل‭ ‬بمصير‭ ‬كل‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬إدراجها‭ ‬تحت‭ ‬مسمى‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬الجديد‭ ‬الذي‭ ‬حمل‭ ‬خارطته‭ ‬رئيس‭ ‬وزراء‭ ‬الاحتلال‭ ‬الصهيوني‭ ‬نتنياهو‭ ‬وجاء‭ ‬ترامب‭ ‬بعد‭ ‬أيام‭ ‬قليلة‭ ‬من‭ ‬رئاسته‭ ‬الثانية‭ ‬ليدق‭ ‬على‭ ‬الطاولة‭ ‬أمامه‭ ‬ويعلن‭ ‬مقترحاته‭ ‬لكيفية‭ ‬تنفيذ‭ ‬تلك‭ ‬الخارطة‭ ‬باستعمار‭ ‬استيطاني‭ ‬عقاري‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬في‭ ‬البداية‭ ‬ولفتح‭ ‬الباب‭ ‬أمام‭ ‬ضم‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬ثم‭ ‬التوسع‭ ‬في‭ ‬الجغرافيا‭ ‬العربية‭ ‬واعتبار‭ ‬ذلك‭ ‬أنه‭ ‬المقترح‭ ‬المطلوب‭ ‬للسلام‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭!‬

الآن‭ ‬ليس‭ ‬أمام‭ ‬العرب‭ ‬إلا‭ ‬وحدة‭ ‬الموقف‭ ‬العربي‭ ‬الرافض‭ ‬واستخدام‭ ‬كل‭ ‬الإمكانيات‭ ‬العربية‭ ‬المتوافرة‭ ‬لإفشال‭ ‬مخططات‭ ‬المجانين‭ ‬الصهاينة‭! ‬وبانتظار‭ ‬نتائج‭ ‬القمة‭ ‬الطارئة‭ ‬في‭ ‬القاهرة‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا