عالم يتغير

فوزية رشيد
من فانتازيا «ترامب» إلى واقع فلسطين والمنطقة!
{ كثر الحديث عن المقترح «الفانتازي» الذي تقدم به «ترامب» في أيام رئاسته الأولى، ولعلّ أبلغ وصف لهذا المقترح هو ما قاله السيناتور الأمريكي «بيرني ساندرز» بأن (مقترح ترامب لتهجير سكان غزة إلى الأردن ومصر، هو تطهير عرقي وجريمة حرب)، وذلك عبر «منصة إكس» الإثنين الماضي، وأكمل (يجب على كل أمريكي أن يدين فكرة ترامب الشنيعة لتهجير الفلسطينيين).
{ وإن كانت الحجة الفانتازية بدورها التي قدمها ترامب هي التخفيف من المعاناة الفلسطينية! فإن حجته تلك ساقطة تماماً بعد الدعم الكلي والشراكة الأمريكية الكاملة في حرب الإبادة في عهد «بايدن»، والتي واصلها ترامب «بدوره وهو يبدي تعاطفه مع وضع الغزيين، بالإفراج عن القنابل الفتاكة من جهة! وإعطاء الضوء الأخضر للمستوطنين بممارسة جرائمهم ضد المواطنين الفلسطينيين في الضفة من جهة أخرى! الى جانب مقترحه السريالي لتهجيرهم من أرضهم بدواع إنسانية كما قال!
{ إذا نزلنا من فانتازيا وسريالية «ترامب» إلى واقع فلسطين وشعبها وواقع المنطقة، فإن كل ما نراه وبوضوح هو:
أولاً: استكمال النكبة الفلسطينية عام 1948، والتي قادتها بريطانيا آنذاك، وما نتج عنها من مآسٍ للشعب الفلسطيني وللمنطقة العربية، التي لم تعرف الاستقرار منذ نشوء الكيان الصهيوني! استكمال تلك المأساة الكبرى بمأساة ونكبة جديدة، كليّة الملامح هذه المرة بتهجير الشعب الفلسطيني تماماً من أرضه، وهي جريمة حرب كبرى، ولا بد من رفع قضية قانونية ضد «ترامب» لمجرد اقتراحه هذا ومحاولة فرضه على المنطقة رغم التأكيد على أن الشعب الفلسطيني الذي تم وضعه بين مطرقة الإبادة والتجويع ودمار منازله من جهة وبين سندان التبني الأمريكي «الترامبي» باستعراض القوة والغطرسة والضغوط للرؤى الصهيونية الدينية حول التطهير العرقي والتهجير والدولة اليهودية الخالصة لليهود وحدهم!
ثانياً: «ونتنياهو» يستعد للقاء ترامب هذه الأيام، فإن المنظور الإسرائيلي لتشجيع رؤية «ترامب» حول تصريحه العبثي السابق بأن الكيان جغرافيته صغيرة ويحتاج إلى التوسع! وذلك كما يرى ترامب والصهاينة المتطرفون والإرهابيون لن يتم إلا من خلال عدة مراحل يتم التسريع فيها اليوم، وهي تهجير الغزيين من غزة في كل ما تم صنعه من ظروف غير إنسانية في غزة نحو سيناء مصر، وتهجير فلسطينيي الضفة نحو الأردن! وتهجير فلسطينيي 48 في شمال فلسطين نحو جنوب لبنان! وتهجير أهل الجولان إلى داخل سوريا، بعد احتلال جبل الشيخ وجنوب سوريا! وهذا يعني فتح أبواب جهنم في المنطقة لتنفيذ (التوسع الأول) للكيان الصهيوني، وبعدها الباب مفتوح لاستكمال التوسع في المنطقة بحسب خرائط ورؤية «نتنياهو» ومن معه!
ثالثاً: بما تقدم يُراد تصفية القضية الفلسطينية وفتح الباب على مصراعيه بعد صناعة الأزمة الجديدة، لكل أشكال الصراعات والقلاقل الداخلية والخارجية في مصر والأردن أولاً، ثم في بقية الدول العربية التي يُراد الضغط لغرض التطبيع عليها، وسط الرفض الشعبي العربي وموقفه المضاد من الكيان الصهيوني ومن أساليبه الاستعمارية الوحشية، وجرائم الحرب التي ارتكبها سابقاً في فلسطين وعدد من الدول العربية، وحرب الإبادة التي قام ولا يزال يقوم بها في غزة!
{ إن صناعة نكبة جديدة في فلسطين وصناعة أزمات كبرى في بقية دول عربية من أجل تحقيق «يهودية» دولة الكيان وتوسعه في الجغرافيا العربية، بما لذلك من تبعات خطيرة على مستوى الأمن القومي العربي، هو صلب مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي تبنته «الدولة العميقة» في أمريكا وقادتها من اليمين المتطرف، والصهيونية المسيحية في أمريكا والغرب!
وهذه الرؤى الاستعمارية الجديدة تحاول نفي كل الحقوق الفلسطينية والعربية في الأرض والحياة، ومحاولة لتغيير دفة الواقع الديموغرافي والجيوستراتيجي في المنطقة، مما يعني محاولة حشر العرب بشكل عام في زاوية ضيقة بين القبول والرفض، خاصة في مصر والأردن وكلاهما نتائجه كارثية! رغم أن الموقف العربي المعلن حتى اللحظة هو رفض كل هذه المخططات التي تضع المنطقة مجدداً في ساحة حرب جديدة، وفي فضاء القلاقل وعدم الاستقرار وتهديد الأمن الوطني والقومي، بأخطر متغير جيوستراتيجي يعمل الصهاينة على فرضه وجعله أمراً واقعاً لا يمكن بأي شكل القبول به!
{ كان الأجدى بـ«ترامب» ما دام يفكر هكذا في فضاء واسع من الحلول بادعاء التفكير في المعاناة الفلسطينية التي صنعها الدعم الامريكي المطلق للكيان! أن (يطرح على صهاينة الكيان الهجرة إلى بلدانهم التي جاؤوا منها في 1948)، وإعادة الحق إلى أصحابه الفلسطينيين في الوطن والأرض والحياة، وبذلك تنحلّ كل مشاكل اليهود والفلسطينيين دفعة واحدة! وتنعم المنطقة بالأمن والاستقرار والحل الأكثر عدالة للقضية الفلسطينية، التي صنعتها بريطانيا والغرب الاستعماري! بالونات الاختبار التي يقذفها «ترامب» يميناً وشمالاً، لن تجدي مع الشعب الفلسطيني، وهو الشعب الذي قهر الموت والجوع والدمار تشبثاً بأرضه ووطنه الذي لا بديل له.
{ من الواضح أن الموقف الاستراتيجي العربي لمواجهة المخططات الصهيونية في المنطقة منذ بداية القرن الماضي ثم 1948، قد تأخر كثيرا، خاصة مع دخول العرب وهم السلام بعد الحروب مع كيان لا صلة له بالسلام! ولذلك أصبح التكالب الصهيوني على فلسطين ودولنا اليوم جهاراً نهاراً وبأكثر المخططات خطورة! هو عدو «إحلالي» وليس فقط استعماري! بمقولات ورؤى تاريخية ودينية ملفقة، وبأساطير خرافية، لتنفيذ رؤية احتلالية توسعية! والسلام بالنسبة له هو (احتلال كامل فلسطين وتهجير شعبها واحتلال أجزاء كبيرة من الجغرافيا العربية وتقسيم ما يتبقى منها وترسيخ عامل الهيمنة في النهاية على المنطقة كلها)!
{ وكما يبدو فإن الحرب والمواجهة في النهاية ستكون أمراً واقعاً تفرضه تلك المخططات المتناسلة مهما تغنى العرب بلغة السلام والتعايش، ومهما عملوا لعدم حدوثها!
مع «ترامب» المنطقة أكثر خطراً، لأن حضرته يريد ابتلاع كل شيء بالفهلوة والمقترحات بل وتغليفها بالادعاءات الإنسانية! أمريكا في عهده تريد فعل ما لم يتجرأ أي رئيس أمريكي قبله فعله، وهو التطهير العرقي والتهجير وتصفية القضية، واحتلال أراض عربية أو الحجة الطريفة للمفارقة بادعاءات إنسانية وصناعة السلام ولكن بمواصفات الصهيونية الدينية والمواصفات «الترامبية» التي مدخلها الحروب، وحتماً لا شيء آخر، غير مستنقع الذل!
إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك