عالم يتغير
فوزية رشيد
خطاب التطهير العرقي من الحرب إلى الهُدنة!
{ فعلا كان غريبا أن يطلق ترامب وهو الرئيس الأمريكي الذي يقود دولة كبرى، وبعد عدة أيام فقط من دخوله البيت الأبيض، مقترحا يوصف بالفانتازي بـ(نقل سكان غزة إلى الدول المجاورة مصر والأردن)! ليتلاقى في ذلك مع اليمين المتطرف أو الصهيونية الدينية في الكيان الصهيوني! وكأنه أي ترامب بدوره هو لسان اليمين المتطرف في إدارته الذي لا يرى في غزة سوى جغرافيا للإعمار الاستثماري والاقتصادي في موقعها والغاز المدفون في بحرها! أو لكأن غزة بدون شعبها الذي واجه حرب الإبادة والموت والدمار على مدى 15 شهرا ولم يقبل الرضوخ للتطهير العرقي والتهجير! فجاء ترامب ليقوم بالمهمة التي عملت عليها دولة الاحتلال في الحرب ولم تنجح، مقدما مقترحه الاستفزازي ليهجر الفلسطينيين إلى مصر والأردن! وقد اقترح سابقا إلى إندونيسيا بحجة إعادة الإعمار أيضا! وحين سئل هل ذلك مؤقت أم طويل الأمد رد بصلافة (يمكن هذا أو ذاك) وسرعان ما جاء التشجيع من سموريتش وبن غفير لأن ذلك هو هدفهما وهدف الصهيونية الدينية القائم على التطهير العرقي والتهجير!
{ ترامب الذي اتصل بالعاهل الأردني لطرح المقترح عليه جاءه الرد من وزير الخارجية الأردني بأن (موقف الأردن ثابت ولا يتغير من القضية الفلسطينية ومن التهجير)، ورد مصر معروف بدوره ضد تصفية القضية الفلسطينية والتهجير والتطهير العرقي خلال حرب الإبادة وقبلها وكما لم تقبله أثناء ضغوط تلك الحرب خلال شهور طويلة لن تقبله في السلم، لأن ذلك بالنسبة إليها وكما هو للأردن يتنافى مع أمنهما الوطني والقومي ومركزية القضية عربيا!
{ وبالطبع فإن موقف ترامب الغرائبي من القضية الفلسطينية وهو يواصل دعم الكيان الصهيوني كما الرئيس السابق بايدن هو موقف لا يمكن قبوله ومرفوض جملة وتفصيلا من الشعب الفلسطيني نفسه وهو أهم ما في المعادلة كلها! وخاصة أن ترامب يلغي حظر تسليم القنابل الأمريكية الثقيلة، التي يزيد وزنها على 900 كيلوجرام، وهي ذات قوة إبادة كبيرة، نقول هو أمر مرفوض تماما من الجانب الفلسطيني الذي أهمل ذكره في مقترحه الفوضوي، وكأن لا شعب ولا قضية! فيما وقائع 15 شهرا من الإبادة تقول إنه شعب صمد بشكل أسطوري في مواجهة كل أساليب الإبادة والقتل والتهجير والتطهير، فكيف يتوقع ترامب ومن خلفه من اليمين الصهيوني المتطرف أن يقبل في زمن الهدنة أو انتهاء الحرب إذا حدث، ما لم يقبله تحت القصف اليومي؟!
{ من الواضح أن ترامب المتباهي بشخصيته الاستعراضية والنرجسية يعتقد في نفسه القدرة على فرض إرادة دولة الاحتلال الصهيوني عبر التنظير والكلام الخارج عن أي منطق! وعبر استعراض القوة والضغوط وتحويل مسار السلام المرجو في المنطقة لحل القضية الفلسطينية إلى ذات المسارات الخارجة عن حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة دوليا، وعبر ملفات مختلفة وقرارات من الأمم المتحدة، فإذا به يأتي بتصريح استعراضي مقيت يحاول مواصلة أهداف حرب الإبادة في غزة والضفة سواء بالتطهير أو التهجير أو تشجيع المزيد من الاستيطان فيهما وخاصة حاليا في الضفة للقضاء على أي احتمال لقيام دولة فلسطينية والوصول إلى حل سلمي عادل للقضية!
{ موقف ترامب هذا يحتاج إلى ردة فعل قوية بالرفض، ليس فقط من جانب مصر والأردن، وإنما من كل الدول العربية المتمثلة في جامعة الدول العربية، لأنه بعد كل هذا الصراع العربي الصهيوني الذي تحول إلى صراع صهيوني فلسطيني كما خطط الصهاينة! لا يمكن قبول اختزال معاناة أكثر قضايا الشعوب حساسية وأرقا للعالم كله، ببضع كلمات من رئيس أمريكي يتصرف وكأن ليس هناك قضية وليس هناك شعب! وأن التهجير وما سماه تطهير غزة من سكانها هو الحل الذي يراه لغزة وللشعب الفلسطيني! ليقوم الكيان الصهيوني بإعادة الإعمار الاستثماري والتجاري والسياحي في غزة! وليقوم بضم الضفة وتحقيق ما لم يستطع تحقيقه بالحرب عبر كلمات نشاز صادرة عن ترامب!
{ أي سلام إذًا بالإمكان أن يتحقق، وأي حروب في المنطقة بالإمكان أن تنتهي كما كان يقول الرئيس الأمريكي؟! هل العالم أمام مرحلة من الفانتازيا السياسية التي يألفها ترامب بلغة الاستعراض والصفقات والضغوط؟! وهل الشعب الفلسطيني الذي ناضل على مدار أكثر من سبعة عقود منذ النكبة سيتخلى عن وطنه وأرضه وقضيته وحقوقه المشروعة ونضاله الطويل، لأن هناك من يريد تصفية كل ذلك ببضع كلمات مجانية أطلقها وسماها مقترحا؟! ما موقف العرب وموقف دول العالم المؤيدة للحقوق الفلسطينية، وموقف القانون الدولي وموقف الشعوب المناصرة في داخل أمريكا نفسها، وفي الغرب؟! أم أن الجميع يدرك أن ترامب يحب اللعب في ساحة الفانتازيا من دون مسؤولية، ولا يؤخذ كلامه بجدية كما هو يأمل؟! لننتظر ونرى فالفشل حتما سابق لكل ما هو غير منطقي!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك