العدد : ١٧١١١ - الاثنين ٢٧ يناير ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٧ رجب ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١١١ - الاثنين ٢٧ يناير ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٧ رجب ١٤٤٦هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

استعادة الوجه العربي للمنطقة والمشاريع الثلاثة!

{‭ ‬في‭ ‬العقود‭ ‬الأخيرة‭ ‬تنافست‭ ‬على‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬ثلاثة‭ ‬أخطر‭ ‬مشاريع‭ ‬إقليمية‭ ‬جيواستراتيجية‭ ‬امتزج‭ ‬فيها‭ ‬محاولات‭ ‬استعادة‭ ‬الحلم‭ ‬الإمبراطوري‭ ‬التاريخي‭ ‬والرؤية‭ ‬الاستعمارية‭ ‬الغربية‭ ‬والمبررات‭ ‬الدينية‭ ‬والمذهبية‭! ‬والمشاريع‭ ‬الثلاثة‭ ‬كما‭ ‬بات‭ ‬يعرفها‭ ‬الكثيرون‭ ‬اليوم‭ ‬هي‭ ‬المشروع‭ ‬الصهيوني‭ ‬التوسعي‭ ‬منذ‭ ‬تأسيس‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬الذي‭ ‬قام‭ ‬على‭ ‬تراب‭ ‬فلسطين‭ ‬ومعاناة‭ ‬شعبها،‭ ‬وهو‭ ‬المشروع‭ ‬الأكبر‭ ‬والأخطر‭! ‬والثاني‭ ‬هو‭ ‬مشروع‭ ‬محاولة‭ ‬استعادة‭ (‬الحلم‭ ‬الإمبراطوري‭ ‬القومي‭ ‬الفارسي‭) ‬برؤية‭ ‬استعمارية‭ ‬جديدة‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬الاستخدام‭ ‬والاستغلال‭ ‬المذهبي‭ ‬بعد‭ ‬احتلال‭ ‬الأحواز‭ ‬1925‭ ‬والجزر‭ ‬الثلاث‭ ‬الإماراتية‭! ‬والمشروع‭ ‬الثالث‭ ‬هو‭ ‬استعادة‭ ‬أدبيات‭ (‬الحلم‭ ‬العثماني‭) ‬وإن‭ ‬بامتداده‭ ‬السابق‭ ‬قبل‭ ‬سقوط‭ ‬الدولة‭ ‬العثمانية‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬تحديدا‭!‬

{‭ ‬للطرافة‭ ‬أن‭ ‬المشروع‭ ‬الفارسي‭ ‬الإيراني‭ ‬والتركي‭ ‬العثماني‭ ‬انتعش‭ ‬الحلم‭ ‬فيهما‭ ‬برعاية‭ ‬وتبني‭ ‬غربي‭ ‬أنجلوساكسوني‭ ‬صهيوني،‭ ‬حيث‭ ‬تبنت‭ ‬الاستخبارات‭ ‬الثلاث‭ (‬السي‭.‬آي‭.‬إيه‭ ‬الأمريكية،‭ ‬والـMI6‭ ‬البريطانية،‭ ‬والموساد‭ ‬الإسرائيلية‭). ‬الأدوات‭ ‬المنفذة‭ ‬للفتنة‭ ‬والصراع‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬مثل‭ ‬جماعة‭ (‬الإخوان‭) ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تابعة‭ ‬للغطاء‭ ‬التركي‭ ‬المباشر،‭ ‬والوكلاء‭ ‬والأذرع‭ ‬والمليشيات‭ ‬التابعة‭ ‬لنظام‭ ‬الملالي‭ ‬والحرس‭ ‬الثوري‭ ‬الإيراني،‭ ‬فيما‭ ‬الاستخدام‭ ‬المرحلي‭ ‬للجانبين‭ ‬التركي‭ ‬والإيراني‭ ‬كان‭ ‬يتطلب‭ ‬استخداما‭ ‬آخر‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬ذاتها‭ ‬هو‭ ‬إلباس‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬دور‭ ‬المنقذ‭ ‬والداعي‭ ‬إلى‭ ‬السلام‭ ‬والتطبيع‭ ‬مع‭ ‬العرب،‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬مواجهة‭ ‬التمدد‭ ‬الإيراني‭! ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬سقطت‭ ‬ورقة‭ (‬الإخوان‭) ‬في‭ ‬مصر‭ ‬2013‭ ‬وباقي‭ ‬دول‭ ‬عربية‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬ليحين‭ ‬موعد‭ ‬سقوط‭ ‬الورقة‭ ‬الإيرانية‭ ‬ووكلائها‭ ‬بعد‭ ‬عام‭ ‬من‭ ‬عملية‭ ‬7‭ ‬أكتوبر،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬وسوريا‭ ‬ومليشيات‭ ‬العراق‭ ‬والحوثيين‭ ‬في‭ ‬اليمن‭ ‬ينتظرون‭ ‬المصير‭ ‬ذاته‭!‬

{‭ ‬بذلك‭ ‬فإن‭ ‬المشروع‭ ‬الأول‭ ‬والأساس‭ ‬وهو‭ ‬المشروع‭ ‬الصهيوني‭ ‬الغربي‭ ‬عبر‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬استعاد‭ ‬زخمه‭ ‬مجددا،‭ ‬خاصة‭ ‬مع‭ ‬وجود‭ ‬المتطرفين‭ ‬الإرهابيين‭ ‬أو‭ ‬قادة‭ (‬الصهيونية‭ ‬الدينية‭) ‬في‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني،‭ ‬والتذرع‭ ‬المستفيض‭ ‬بما‭ ‬قامت‭ ‬به‭ ‬حماس‭ ‬في‭ ‬7‭ ‬أكتوبر‭ ‬2023‭ ‬للبناء‭ ‬عليه‭ ‬والانطلاق‭ ‬بردة‭ ‬فعل‭ ‬وحشية‭ ‬وهمجية‭ ‬وغير‭ ‬متوقعة‭ ‬نتج‭ ‬عنها‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬في‭ ‬غزة‭! ‬والآن‭ ‬الحرب‭ ‬على‭ ‬الضفة‭ ‬الغربية‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬احتلال‭ ‬أراضٍ‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬لبنان‭ ‬وفي‭ ‬سوريا‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬التالي‭ ‬لسقوط‭ ‬نظام‭ ‬الأسد‭! ‬ولينطلق‭ ‬الخطاب‭ ‬الديني‭ ‬التاريخي‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬الأساطير‭ ‬والتلفيق‭ ‬بقوة‭ ‬مع‭ ‬قادة‭ ‬الكيان‭ ‬المتطرفين‭ ‬لقيام‭ ‬الدولة‭ ‬اليهودية‭ ‬الخالصة‭ ‬بعد‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬الفلسطينيين‭ ‬وتهجيرهم‭ ‬كما‭ ‬المخطط‭ ‬لدى‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭! ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬طرح‭ ‬المشروع‭ ‬التوسعي‭ ‬لإسرائيل‭ ‬الكبرى‭.. ‬ونشر‭ ‬الخرائط‭ ‬التلفيقية‭ ‬والمزورة،‭ ‬وكأن‭ ‬الأوان‭ ‬قد‭ ‬آن‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬عمل‭ ‬المشروعان‭ ‬السابقان‭ (‬التركي‭ ‬والإيراني‭) ‬في‭ ‬تمزيق‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬وانتهى‭ ‬التعويل‭ ‬الصهيوني‭ ‬على‭ ‬دوريهما‭ ‬الفتنوي‭ (‬الإخواني‭ ‬والمليشياوي‭ ‬المذهبي‭) ‬ليتسلم‭ ‬الكيان‭ ‬الأرض‭ ‬المحروثة‭ ‬بالتمزق‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الدول‭ ‬فيجني‭ ‬ثمار‭ ‬البذور‭ ‬الفاسدة،‭ ‬التي‭ ‬تم‭ ‬زرعها‭ ‬عبر‭ ‬إيران‭ ‬وتركيا‭ ‬برعاية‭ ‬الاستخبارات‭ ‬الأمريكية‭ ‬والصهيونية‭ ‬العالمية‭!‬

{‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الأجواء‭ ‬ومع‭ ‬تراجع‭ ‬الدور‭ ‬الإيراني‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬وسوريا‭ ‬بشكل‭ ‬لافت‭ ‬بعد‭ ‬الضربات‭ ‬الكبيرة‭ ‬لحزب‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬ولنظام‭ ‬الأسد،‭ ‬حدث‭ ‬المتغير‭ ‬المهم‭ ‬وهو‭ ‬العمل‭ ‬الدؤوب‭ ‬الذي‭ ‬تقوده‭ ‬السعودية‭ ‬خليجيا‭ ‬وعربيا‭ ‬ودوليا‭ ‬لاستعادة‭ ‬الوجه‭ ‬العربي‭ ‬الأصل‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬لبنان‭ ‬وسوريا‭ ‬برغبة‭ ‬لبنانية‭ ‬وسورية‭ ‬عارمة‭ ‬في‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬الحضن‭ ‬العربي‭ ‬بعد‭ ‬المعاناة‭ ‬الطويلة‭ ‬من‭ ‬الهيمنة‭ ‬الإيرانية‭ ‬ونتائجها‭ ‬الكارثية‭ ‬في‭ ‬البلدين‭! ‬مثلما‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬واليمن،‭ ‬لتأتي‭ ‬زيارة‭ ‬وزير‭ ‬الخارجية‭ ‬السعودي‭ ‬لكل‭ ‬من‭ ‬لبنان‭ ‬وسوريا‭ ‬بعد‭ ‬15‭ ‬عاما‭ ‬من‭ ‬الغياب‭ ‬العربي‭ ‬المهم‭ ‬على‭ ‬ساحتيهما،‭ ‬وليأخذ‭ ‬خطاب‭ ‬استعادة‭ ‬الوجه‭ ‬العربي‭ ‬زخما‭ ‬جديدا،‭ ‬مثلما‭ ‬خطاب‭ ‬بناء‭ ‬الدولة‭ ‬بمواصفات‭ ‬الدولة‭ ‬ورعاية‭ ‬الأمن‭ ‬والاستقرار‭ ‬فيهما،‭ ‬وليمتد‭ ‬الطموح‭ ‬الشعبي‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬واليمن‭ ‬لاستعادة‭ ‬ذات‭ ‬الوجه‭ ‬العربي‭ ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬العبث‭ ‬الإيراني‭ ‬فيهما‭ ‬وبرعاية‭ ‬أمريكية‭ ‬غربية‭ ‬أيضا‭!‬

{‭ ‬المشاريع‭ ‬الثلاثة‭ ‬التي‭ ‬راقبت‭ ‬شعوب‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬والعالم‭ ‬صعود‭ ‬بعضها‭ ‬ثم‭ ‬النزول‭ ‬من‭ ‬سلم‭ ‬الأطماع‭ ‬الإمبراطورية‭ ‬تدريجيا،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬النفس‭ ‬التركي‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬مهددا‭ ‬للجغرافيا‭ ‬السورية‭! ‬مثلما‭ ‬التهديد‭ ‬الإيراني‭ ‬بعد‭ ‬نزع‭ ‬أقوى‭ ‬مخالبه‭ ‬يحلم‭ ‬بالعودة‭ ‬عبر‭ ‬إثارة‭ ‬الفتن‭ ‬مجددا‭! ‬ولكن‭ ‬كليهما‭ ‬محكومان‭ ‬في‭ ‬المرحلة‭ ‬الراهنة‭ ‬بطموحات‭ ‬المشروع‭ ‬التوسعي‭ ‬الصهيوني‭ ‬لدولة‭ ‬الاحتلال‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬ومطامعه‭ ‬التوسعية‭! ‬مما‭ ‬يجعل‭ ‬رهانها‭ ‬على‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬ترامب‭ ‬في‭ ‬ولايته‭ ‬الثانية‭ ‬كبيرا‭ ‬لتحقيق‭ ‬أمرين‭ ‬متناقضين‭: ‬حلم‭ ‬الدولة‭ ‬اليهودية‭ ‬الخالصة‭ ‬ثم‭ ‬التوسع‭ ‬الجغرافي‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية،‭ ‬وحلم‭ ‬التطبيع‭ ‬والسلام‭ ‬المجاني‭ ‬مع‭ ‬دول‭ ‬عربية‭ ‬وإسلامية‭ ‬أخرى‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭! ‬هذان‭ ‬الحلمان‭ ‬المتناقضان،‭ ‬كما‭ ‬كتبنا‭ ‬سابقا،‭ ‬هما‭ ‬مثار‭ ‬القلق‭ ‬الشعبي‭ ‬العربي‭ ‬والقيادات‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬آن،‭ ‬مثلما‭ ‬يضع‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي،‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬التطرف‭ ‬والإرهاب‭ ‬لدولة‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬وفي‭ ‬وجه‭ ‬صفقاته‭ ‬التجارية‭ ‬والاستثمارية‭ ‬مع‭ ‬السعودية‭ ‬والخليج‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭! ‬ويفتح‭ ‬الباب‭ ‬واسعا‭ ‬أمام‭ ‬التوقعات‭ ‬المختلفة‭ ‬للمرحلة‭ ‬القادمة،‭ ‬وكيف‭ ‬بإمكان‭ ‬العرب‭ ‬مواجهة‭ ‬زخم‭ ‬هذه‭ ‬المرحلة‭ ‬بتعدد‭ ‬مخاطرها‭ ‬الجديدة‭ ‬وتحدياتها‭ ‬الكبيرة‭ ‬لخلق‭ ‬بيئة‭ ‬عربية‭ ‬آمنة‭ ‬ومستقرة‭ ‬وتنموية،‭ ‬وقد‭ ‬لوحت‭ ‬المؤشرات‭ ‬إلى‭ ‬استعادة‭ ‬لبنان‭ ‬وسوريا‭ ‬وجههما‭ ‬العربي‭ ‬وبانتظار‭ ‬استعادة‭ ‬العراق‭ ‬واليمن‭ ‬لذات‭ ‬الوجه‭ ‬وتوقع‭ ‬عودة‭ ‬استقرار‭ ‬السودان‭ ‬وليبيا‭ ‬وبقية‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬عبثت‭ ‬بها‭ ‬الأصابع‭ ‬الاستخباراتية‭ ‬الغربية‭ ‬طويلا‭ ‬تمهيدا‭ ‬لتقسيمها‭! ‬وحيث‭ ‬المخطط‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬ساري‭ ‬المفعول‭ ‬طالما‭ ‬هناك‭ ‬تأييد‭ ‬أمريكي‭ ‬غربي‭ ‬صهيوني‭ ‬لأطماع‭ ‬الكيان‭ ‬وأحلام‭ ‬الغرب‭ ‬الاستعماري‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭! ‬ولا‭ ‬نقول‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الله‭ ‬غالب‭ ‬على‭ ‬أمره‭.‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا