العدد : ١٧١٠٧ - الخميس ٢٣ يناير ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٣ رجب ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٠٧ - الخميس ٢٣ يناير ٢٠٢٥ م، الموافق ٢٣ رجب ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

لماذا أسيء الظن بهم؟

قبل‭ ‬أن‭ ‬أخوض‭ ‬في‭ ‬موضوع‭ ‬اليوم‭ ‬أقر‭ ‬وأعترف‭ ‬بما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬قواي‭ ‬العقلية،‭ ‬أنني‭ ‬سيئ‭ ‬الظن‭ ‬بأهل‭ ‬الغرب‭ ‬عموما‭ ‬في‭ ‬الأمور‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية،‭ ‬ثم‭ ‬تؤكد‭ ‬لي‭ ‬وقائع‭ ‬عديدة‭ ‬أنهم‭ ‬دون‭ ‬سوء‭ ‬الظن‭ ‬بكثير،‭ ‬خاصة‭ ‬فيما‭ ‬يتصل‭ ‬برؤيتهم‭ ‬لبقية‭ ‬شعوب‭ ‬العالم،‭ ‬ولتجد‭ ‬لي‭ ‬التبرير‭ ‬لمشاعري‭ ‬تلك‭ ‬نحو‭ ‬الغرب،‭ ‬أرجو‭ ‬أن‭ ‬تسنح‭ ‬لك‭ ‬الفرصة‭ ‬إذا‭ ‬كنت‭ ‬تجيد‭ ‬الإنجليزية‭ ‬ولو‭ ‬بتقدير‭ ‬‮«‬وسط‮»‬‭ ‬أن‭ ‬تقرأ‭ ‬كتاب‭ ‬الصحفية‭ ‬الكندية‭ ‬سونيا‭ ‬شاه‭ ‬وعنوانه‭ ‬‮«‬صائدو‭ ‬الأجساد‮»‬،‭ ‬مع‭ ‬عنوان‭ ‬تكميلي‭: ‬اختبار‭ ‬الأدوية‭ ‬الجديدة‭ ‬على‭ ‬المرضى‭ ‬الأكثر‭ ‬فقرا‭ ‬في‭ ‬العالم:The Body Hunters: Testing New drugs on the World’s Poorest Patients

قرأت‭ ‬ذلك‭ ‬الكتاب‭ ‬على‭ ‬كيندل‭ (‬أمري‭ ‬لله‭ ‬فمعظم‭ ‬الذين‭ ‬‮«‬عاملين‭ ‬فيها‮»‬‭ ‬من‭ ‬جماعة‭ ‬التكنولوجيا‭ ‬لأنهم‭ ‬يستخدمون‭ ‬فسيبوك‭ ‬وواتساب‭ ‬ووزم‭ ‬ومختلف‭ ‬الوسائط‭ ‬الحديثة‭ ‬لم‭ ‬يسمعوا‭ ‬بكيندل‭ ‬وقد‭ ‬كتبت‭ ‬عنه‭ ‬هنا‭ ‬في‭ ‬أخبار‭ ‬الخليج‭ ‬قبل‭ ‬نحو‭ ‬عشر‭ ‬سنوات،‭ ‬وعن‭ ‬شركة‭ ‬أمازون‭ ‬التي‭ ‬تقوم‭ ‬بتسويقه‭ ‬وهو‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬جهاز‭ ‬إلكتروني‭ ‬لوحي‭ ‬يحوي‭ ‬عشرات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الكتب‭ ‬وتستطيع‭ ‬شراء‭ ‬أي‭ ‬كتاب‭ ‬تريده‭ ‬من‭ ‬موقع‭ ‬أمازون‭ ‬وتدفع‭ ‬قيمته‭ ‬ببطاقة‭ ‬الائتمان‭ ‬ويكون‭ ‬الكتاب‭ ‬أمامك‭ ‬خلال‭ ‬دقائق،‭ ‬وتستطيع‭ ‬تكبير‭ ‬وتصغير‭ ‬الخط‭ ‬بكيفك‭ ‬وعلى‭ ‬كيفك‭ ‬بل‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تقرأ‭ ‬كتب‭ ‬كيندل‭ ‬في‭ ‬غرفة‭ ‬مظلمة‭ ‬تماما،‭ ‬مما‭ ‬يجعله‭ ‬مفيدا‭ ‬للمتزوج‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬ينام‭ ‬مبكرا‭ ‬ولا‭ ‬يريد‭ ‬مضايقة‭ ‬من‭ ‬يشاركه‭ ‬الفراش‭ ‬بالإبقاء‭ ‬على‭ ‬الإضاءة‭ ‬مفتوحة‭). ‬المهم‭ ‬أنني‭ ‬قرأت‭ ‬الكتاب،‭ ‬وأصبت‭ ‬بالإحباط‭ ‬نيابة‭ ‬عنك،‭ ‬لأنني‭ ‬أدركت‭ ‬أنك‭ ‬عزيزي‭ ‬القارئ‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬فأرا‭. ‬لا‭ ‬تغضب‭ ‬مني‭ ‬فأنا‭ ‬أيضا‭ ‬فأر‭ ‬مثلك‭.. ‬ولا‭ ‬تزعل‭ ‬مني‭ ‬لأنني‭ ‬لم‭ ‬أقل‭ ‬‮«‬لا‭ ‬مؤاخذة‮»‬‭ ‬قبل‭ ‬كلمة‭ ‬فأر،‭ ‬فأنا‭ ‬لا‭ ‬أحب‭ ‬استخدام‭ ‬عبارات‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬لا‭ ‬مؤاخذة‮»‬،‭ ‬عند‭ ‬التحدث‭ ‬عن‭ ‬الأحذية‭ ‬والحمير‭ ‬وحتى‭ ‬دورات‭ ‬المياه،‭ ‬فهذه‭ ‬أشياء‭ ‬موجودة‭ ‬وضرورية‭ ‬فعلام‭ ‬التحرج‭ ‬والاعتذار‭ ‬عند‭ ‬ذكرها‭. ‬أما‭ ‬السبب‭ ‬الرئيسي‭ ‬الذي‭ ‬يجعلني‭ ‬أنفر‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬العبارة‭ ‬فهو‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬رجالنا‭ ‬النشامى‭ ‬والبواسل‭ ‬يستخدمونها‭ ‬قبل‭ ‬ذكر‭ ‬كلمة‭ ‬امرأة‭ ‬أو‭ ‬زوجة،‭ ‬ورجل‭ ‬يرى‭ ‬أن‭ ‬الزوجة‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬امرأة‭ ‬في‭ ‬مرتبة‭ ‬دورة‭ ‬المياه‭ ‬أو‭ ‬الحمار‭ ‬أو‭ ‬الحذاء‭ ‬يستحق‭ ‬الـ«لا‭ ‬مؤاخذة‮»‬‭ ‬عن‭ ‬جدارة‭ ‬إلى‭ ‬ان‭ ‬نتوصل‭ ‬الى‭ ‬عبارة‭ ‬أكثر‭ ‬قسوة‭ ‬منها‭ ‬لوصفه‭ ‬بها‭! ‬كتاب‭ ‬شاه‭ ‬يتناول‭ ‬تكالب‭ ‬شركات‭ ‬الأدوية‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬النامية‭ ‬لجعل‭ ‬مواطنيها‭ ‬فئران‭ ‬تجارب‭ ‬للأدوية‭ ‬الجديدة‭. ‬مختبرات‭ ‬بروينغر‭ ‬إينغلهايم‭ ‬لديها‭ ‬مبنى‭ ‬في‭ ‬أفقر‭ ‬أحياء‭ ‬مدينة‭ ‬كيب‭ ‬تاون‭ ‬بجنوب‭ ‬إفريقيا،‭ ‬وشركة‭ ‬الأدوية‭ ‬العملاقة‭ ‬نورفاتيس‭ ‬شيدت‭ ‬مبنى‭ ‬في‭ ‬حي‭ ‬فقير‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬مومباي‭ (‬بومباي‭ ‬سابقاً‭) ‬في‭ ‬الهند‭.. ‬ولحقت‭ ‬بها‭ ‬شركات‭ ‬أكثر‭ ‬شهرة‭ ‬مثل‭ ‬فايزر‭ ‬وغلاكسو‭ ‬سميث‭ ‬آند‭ ‬كلاين‭ ‬واسترازينيكا‭. ‬في‭ ‬بلد‭ ‬مثل‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬ينسحب‭ ‬نحو‭ ‬70‭% ‬من‭ ‬المشاركين‭ ‬في‭ ‬اختبارات‭ ‬الأدوية‭ ‬قبل‭ ‬اكتمال‭ ‬الاختبارات،‭ ‬بينما‭ ‬تبلغ‭ ‬نسبة‭ ‬الصمود‭ ‬والتصدي‭!! ‬بين‭ ‬المشاركين‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الاختبارات‭ ‬في‭ ‬إفريقيا‭ ‬وآسيا‭ ‬وأمريكا‭ ‬اللاتينية‭ ‬فوق‭ ‬الـ99‭%.. ‬والأهم‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬ان‭ ‬الفقير‭ ‬الإفريقي‭ ‬أو‭ ‬الآسيوي‭ ‬كائن‭ ‬بلا‭ ‬حقوق،‭ ‬ولو‭ ‬مات‭ ‬نتيجة‭ ‬لاستخدام‭ ‬دواء‭ ‬جديد‭ ‬تحت‭ ‬التجريب‭ ‬فالتعويض‭ ‬الذي‭ ‬يناله‭ ‬ذووه‭ ‬هو‭ ‬تحويل‭ ‬واحد‭ ‬منهم‭ ‬الى‭ ‬فأر‭ ‬ليحصل‭ ‬على‭ ‬بضع‭ ‬مئات‭ ‬من‭ ‬الدولارات‭ ‬نظير‭ ‬الاشتراك‭ ‬في‭ ‬تجارب‭ ‬تستمر‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬العام‭ ‬والعامين‭.‬

في‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬وأوروبا‭ ‬يجب‭ ‬إخضاع‭ ‬الدواء‭ ‬لاختبارات‭ ‬سريرية‭ ‬يشارك‭ ‬فيها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬4000‭ ‬شخص،‭ ‬وللوصول‭ ‬الى‭ ‬قرار‭ ‬حاسم‭ ‬حول‭ ‬صلاحية‭ ‬الدواء‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬إخضاع‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مائة‭ ‬ألف‭ ‬شخص‭ ‬للتجارب‭... ‬طيب‭ ‬وين‭ ‬تلاقي‭ ‬ناس‭ ‬بسعر‭ ‬التكلفة‭ ‬وتموت‭ ‬أو‭ ‬تعيش‭ ‬‮«‬زي‭ ‬بعضه‮»‬‭. ‬سيم،‭ ‬سيم؟‭ ‬شوف‭ ‬لك‭ ‬بلد‭ ‬مواطنيها‭ ‬عيشتهم‭ ‬‮«‬زي‭ ‬قِلِّتها‮»‬‭ ‬ووزع‭ ‬عليهم‭ ‬الدواء‭ ‬الجديد،‭ ‬ولو‭ ‬نفع‭ ‬خير‭ ‬وبركة،‭ ‬ولو‭ ‬ما‭ ‬نفع‭ ‬خيرها‭ ‬في‭ ‬غيرهم‭. ‬في‭ ‬بريطانيا‭ ‬فشلت‭ ‬تجربة‭ ‬عقار‭ ‬طبي‭ ‬جديد‭ ‬وأصيب‭ ‬نحو‭ ‬أربعة‭ ‬من‭ ‬المشاركين‭ ‬فيها‭ ‬بحالات‭ ‬تسمم‭ ‬خطيرة‭ ‬فقامت‭ ‬القيامة‭ ‬ودفعت‭ ‬الشركات‭ ‬تعويضات‭ ‬للضحايا‭ ‬بـ«القنطار‮»‬،‭ ‬لأنه‭ ‬فئران‭ ‬عن‭ ‬فئران‭ ‬تفرق‭.. ‬صح؟

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا