عالم يتغير
فوزية رشيد
في حساب الربح والخسارة: الأساس حلّ القضية الفلسطينية!
{ أخيراً وبعد 15 شهراً من أشرس حرب إبادة على غزة، وقد هزت الضمائر الحية في العالم كله! تم التوصل إلى اتفاق بين الاحتلال الصهيوني و«حماس» الذي يدخل حيز التنفيذ اليوم الأحد 19 يناير، بعد أن فاقت عذابات الغزاويين كل حدود التصور والخيال! وبما تابعه العالم كله يوما بعد يوم على مدى 470 يوماً! وفقط لأن آلة القتل الصهيونية على غزة والتي لم تتوقف حتى الساعات الأخيرة قبل تنفيذ اتفاق الصفقة المبرمة برعاية مصر وقطر والولايات المتحدة قد توقفت ولو لفترة قادمة، وتم إعطاء آلة القتل الهمجية هدنة! فإن الفرحة عمت غزة وأهلها والفلسطينيين وكل شعوب العالم، لعل الصدأ يصيبها فتتوقف نهائياً بعد هدنة الـ42 يوما الأولى كمرحلة! وهذا ما يأمل به الجميع من أحرار العالم!
{ تلك الفرحة لتوقّف الإبادة بعد كل تلك الشهور الطويلة، ستبقى ممزوجة بذاكرة الألم الكبير التي خلفتها الوحشية الصهيونية في أرض وهواء وسماء غزة! ونهشت أرواح المدنيين الأبرياء بعد أن تجاوز شهداؤهم الـ50 ألف شهيد، وجرحاهم والمعاقون بسبب الحرب أكثر من 150 ألف مصاب! وهناك من يقول إنهم أكثر من ذلك بكثير سواء الشهداء أو المصابون!
وفي حساب الانتصار أو الخسارة فإن موازين الجرد ستتوقف قليلاً، حتى تتضح الصورة النهائية لهذه الحرب الشرسة التي شنتها الآلة الصهيونية بدعم كامل من القوى الاستعمارية الغربية! خاصة أن رموز الصهيونية الدينية.. وعلى رأسهم سموتريتش وبن غفير ومن خلفهم من المتطرفين الإرهابيين، لا يزالون مصرين على استمرار حرب الإبادة بعد المرحلة الأولى من الهدنة! ولكان حساب الرهان الصهيوني هو استعادة الرهائن من حماس ثم إعادة الإبادة بأشرس مما كان! خاصة في ظل الترويج حتى من النصير للكيان الرئيس الأمريكي (ترامب) اعتبار أن ما حدث هو حرب على الإرهاب، حيث صرح بعد إنجاز اتفاق الهدنة بأنه يريد ضمان أن (غزة لن تتحول أبداً ملاذاً للإرهاب من جديد)! وبذلك فهو يرى في القضية الفلسطينية وأي حركة تحرّر أو مقاومة فلسطينية هي ضرب من الإرهاب! متجاهلاً أسس القضية وجذورها، كانعكاس لانتزاع وطن من شعبه عام 1948، وما تم ارتكابه من الكيان الصهيوني بدعم غربي، أنجلو ساكسوني، في الأغلب، من مجازر ومذابح وإبادة وتشريد لشعب تم تجاهله طويلاً والدوس على حقوقه المشروعة على المستوى الدولي! فهل من خجل!
{ في الخلاصة الأهم في هذا الاتفاق هو ما صرحت به وزارة الخارجية السعودية والعديد من قادة دول العالم، بأن يتم البناء عليه (لمعالجة أساس الصراع من خلال تمكين الشعب الفلسطيني من حقوقه وفي مقدمتها قيام دولته الفلسطينية المستقلة والقابلة للحياة)! وبدون الوصول إلى حل نهائي وعادل للشعب الفلسطيني وقضيته: وفي ظل الطموحات الصهيونية لاحتلال كل شبر في الأرض الفلسطينية، وعدم الاعتراف بحقوق الفلسطينيين، فإن المعادلة ستبقى مختلّة سواء بما يتعلق بحل القضية: أو بما يتعلق بالسلام في المنطقة والتطبيع المجاني الذي يسعى له الكيان الصهيوني!
{ هذا الكيان الغريب والنشاز الذي تم زرعه في قلب المنطقة العربية لأداء دور وظيفي استعماري سواء له أو للغرب الكولونيالي: لن يتوقف عن إثارة الصراعات والحروب والعودة إلى الوحشية والإبادة في غزة والضفة! مثلما لن يتوقف عن مشروعه التوسعي المريب في الجغرافيا العربية، إلا إذا وقف العرب وقفة حقيقية وجادة في لجم وحشيته وأطماعه من جهة، وإذا كف الغرب الاستعماري عن دعمه بشكل مطلق لضمان استمراره واستمرار أدائه لدور «حصان طروادة» في المنطقة العربية لسلب ما يمكن سلبه من أرض وثروات وتقسيم للدول، بحسب مخيلته الاستعمارية لشرق أوسط جديد يحكمه بعد إعادة هندسته!
{ في حرب الإبادة التي ستتوقف باتفاق هدنة لا أحد يعرف ما بعدها! لابد من التوقف أمام الصمود الأسطوري لأهل غزة الذين تجرعوا كل المرارات والآلام وأعنف أشكال القتل تحت القصف المستمر لكي يفشلوا مخطط التهجير والتطهير العرقي والاستيلاء على غزة كاملاً، بحسب المخطط الصهيوني، وبذلك فهم بإفشالهم هذا لما كان مرسوماً لهم ولأرضهم، ورغم أن الكيان كانت حربه في الإبادة هي حرب شراكة كاملة مع أقوى وأعتى الدول الغربية الاستعمارية، وتم استخدام كل وسائل الإبادة! إلا أن المخطط لم ينجح فيما أراد، وكان نجاحه هو في قتل عشرات الآلاف من المدنيين وأضعافهم بكثير من المصابين، وتدمير غزة بشكل شبه كامل، ورغم ذلك ورغم الجوع والحصار والقصف سجلوا للتاريخ صمودهم الأسطوري عبر 15 شهراً في البرد والحرّ، وكشفوا الوجه الحقيقي البشع للكيان الصهيوني في العالم كله، وتم إسقاطه قانونيًّا وأخلاقيًّا وإنسانيًّا! ولذلك فإن من يتساءل حول من المنتصر ومن المهزوم، لا بد له أن يخرج من الصندوق ويفكر خارجه وخارج الحسابات العسكرية وميزان القوى فقط، لأن القضية الفلسطينية ستبقى مستمرة وحركة التحرر من الاحتلال الصهيوني للأرض والشعب ستبقى مستمرة! وحسابات الشعوب في مقاومتها للاحتلال تختلف عن حسابات المنظرين والمحللين في البرج العالي، لأن الخسائر والأرباح لها قوانين أخرى لدى الشعوب التي تبحث عن حريتها وكرامتها، والشعب الفلسطيني رغم كل خسائره منذ 1948، ورغم كل مآسيه وأوجاعه ومكابداته مع أعتى احتلال في العالم ضرب أروع مثال لذلك وللصمود في العالم كله! وبِما أبهر به البشرية كلها!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك