العدد : ١٧١٠٠ - الخميس ١٦ يناير ٢٠٢٥ م، الموافق ١٦ رجب ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧١٠٠ - الخميس ١٦ يناير ٢٠٢٥ م، الموافق ١٦ رجب ١٤٤٦هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

استعادة خطاب الدولة الوطنية!

{ من‭ ‬بين‭ ‬أخطر‭ ‬الاستهدافات‭ ‬التي‭ ‬تعرضت‭ ‬لها‭ ‬دول‭ ‬في‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية،‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬أغلبها‭ ‬أو‭ ‬كلها‭! ‬هو‭ ‬الخطاب‭ ‬العدائي‭ ‬تجاه‭ ‬مفهوم‭ ‬الدولة‭ ‬الوطنية‭ ‬الجامعة،‭ ‬وتماسكها‭ ‬الشعبي،‭ ‬ودور‭ ‬جيشها‭ ‬الوطني‭ ‬في‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬أمن‭ ‬واستقرار‭ ‬الوطن،‭ ‬بنسيجه‭ ‬المتعايش‭ ‬والمنسجم‭ ‬رغم‭ ‬تعدديته‭ ‬الدينية‭ ‬أو‭ ‬العرقية،‭ ‬ليعلو‭ ‬في‭ ‬الفترة‭ ‬الماضية‭ ‬فوق‭ ‬ذلك‭ ‬خطاب‭ ‬الطائفية‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬بما‭ ‬تحمله‭ ‬من‭ ‬أبعاد‭ ‬تمزيقية‭! ‬ومن‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬محاولة‭ ‬إحلال‭ ‬سلطة‭ ‬المليشيات‭ ‬وهيمنتها‭ ‬التفكيكية‭ ‬مكان‭ ‬الدولة‭ ‬الوطنية‭ ‬الجامعة،‭ ‬بحسب‭ ‬الدستور‭ ‬والمواطنة‭ ‬والحقوق‭ ‬والمدنية‭ ‬لكل‭ ‬أطياف‭ ‬الشعب‭ ‬في‭ ‬الدولة‭ ‬الواحدة‭ ‬أو‭ ‬الشعوب‭ ‬في‭ ‬مجمل‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭. ‬

{ هذا‭ ‬الخطاب‭ ‬القائم‭ ‬على‭ ‬التمزيق‭ ‬وإعلاء‭ ‬الصيغة‭ ‬الإرهابية‭ ‬والإيديولوجية‭ ‬المتخفية‭ ‬خلف‭ ‬عباءة‭ ‬الدين‭ ‬أو‭ ‬المذهبية،‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬جندت‭ ‬له‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬والحلف‭ ‬الأنجلوساكسوني،‭ ‬وقاده‭ ‬تحديداً‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬السابق‭ ‬‮«‬أوباما‮»‬‭ ‬تحت‭ ‬مسمى‭ ‬الفوضى‭ ‬الخلاقة‭ ‬وبحسب‭ (‬مخطط‭ ‬psd11‭) ‬الذي‭ ‬كشفه‭ ‬الرئيس‭ ‬‮«‬ترامب‮»‬‭ ‬في‭ ‬ولايته‭ ‬الأولى‭! ‬حيث‭ ‬كان‭ ‬من‭ ‬المخطط‭ ‬آنذاك‭ ‬أن‭ ‬يسيطر‭ ‬‮«‬الإخوان‮»‬‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬والمليشيات‭ ‬التابعة‭ ‬لإيران‭ ‬من‭ ‬جهة‭ ‬أخرى‭ ‬على‭ ‬سلطات‭ ‬وحكم‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭! ‬وقد‭ ‬أدت‭ ‬إيران‭ ‬دورها‭ ‬كاملاً‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬واستطاعت‭ ‬أن‭ ‬تمزق‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ (‬العراق‭ ‬وسوريا‭ ‬ولبنان‭ ‬واليمن‭ ‬بل‭ ‬وحتى‭ ‬الفصائل‭ ‬الفلسطينية‭ ‬بتشجيع‭ ‬الانقسام‭ ‬الفلسطيني‭)! ‬كما‭ ‬قامت‭ ‬تركيا‭ ‬في‭ ‬مرحلة‭ ‬سابقة‭ ‬بالتبني‭ ‬الكامل‭ ‬للمشروع‭ ‬الغربي‭/‬التركي‭ ‬عبر‭ ‬‮«‬الإخوان‮»‬‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬وعلى‭ ‬رأسها‭ ‬مصر‭!‬

{‭ ‬اليوم‭ ‬تراجع‭ ‬المشروع‭ ‬التركي‭ ‬الطموح‭ ‬بمساعدة‭ ‬الغرب‭ ‬في‭ ‬تمكين‭ ‬الإخوان،‭ ‬كما‭ ‬أراده‭ ‬مخطط‭ ‬‮«‬أوباما‮»‬‭ ‬واليمين‭ ‬المتطرف‭ ‬في‭ ‬أمريكا،‭ ‬خاصة‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أصيب‭ ‬بمقتل‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬2013،‭ ‬مع‭ ‬الثورة‭ ‬المصرية‭ ‬التي‭ ‬انتفضت‭ ‬ضد‭ ‬الحكم‭ ‬الإخواني‭ ‬برئاسة‭ ‬‮«‬محمد‭ ‬مرسي‮»‬،‭ ‬فانكمشت‭ ‬تركيا‭ ‬على‭ ‬نفسها‭ ‬وإن‭ ‬مرحليا،‭ ‬وقدمت‭ ‬لغة‭ ‬التراجع‭ ‬والتصالح‭ ‬مع‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬دول‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية،‭ ‬ربما‭ ‬بانتظار‭ ‬فرصة‭ ‬أخرى،‭ ‬قد‭ ‬لا‭ ‬تأتي‭ ‬أبداً‭ ‬مع‭ ‬انكشاف‭ ‬أجندة‭ ‬الإخوان‭ ‬الاستعمارية‭ ‬المدعومة‭ ‬من‭ ‬مخابرات‭ ‬أمريكا‭ ‬وبريطانيا‭ ‬وغيرهما‭! ‬

فهل‭ ‬تحاول‭ ‬تركيا‭ ‬استعادة‭ ‬حلمها‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬الراهنة؟‭!‬

{ كذلك‭ ‬خلال‭ ‬الشهور‭ ‬الماضية‭ ‬رأينا‭ ‬وبسيناريو‭ ‬غير‭ ‬متوقع،‭ ‬كيف‭ ‬تساقطت‭ ‬‮«‬المنظومة‭ ‬الإيرانية‭ ‬المليشياوية‮»‬‭ ‬خاصة‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬وسوريا،‭ ‬بما‭ ‬يعني‭ ‬فشل‭ ‬مخطط‭ ‬‮«‬أوباما‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬تم‭ ‬استبداله‭ ‬بالصهيونية‭ ‬الدينية،‭ ‬وأطماعها‭ ‬التوسعية‭ ‬في‭ ‬الجغرافيا‭ ‬العربية‭! ‬ولكأن‭ ‬التنافس‭ ‬الثيوقراطي‭ ‬الإيراني‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬أدى‭ ‬دوره‭ ‬المطلوب‭ ‬للمنظومة‭ ‬الاستعمارية‭ ‬الغربية،‭ ‬سواء‭ ‬عبر‭ ‬التخادم‭ ‬أو‭ ‬عبر‭ ‬إدراك‭ ‬إيران‭ ‬للتشجيع‭ ‬الغربي‭ ‬لها‭ ‬ولمليشياتها،‭ ‬للتمدد‭ ‬والهيمنة‭ ‬على‭ ‬أربع‭ ‬عواصم‭ ‬عربية،‭ ‬فجاء‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬اليوم‭ ‬ليبني‭ ‬لعبته‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬تركه‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬تمزق‭ ‬بعض‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬وليعلن‭ ‬شهيته‭ ‬التوسعية‭ ‬نحوها‭!‬

{ في‭ ‬المرحلة‭ ‬الراهنة‭ ‬أفلتت‭ ‬دولتان‭ ‬من‭ ‬خطاب‭ ‬وهيمنة‭ ‬أتباع‭ ‬إيران‭ ‬وهما‭ ‬سوريا‭ ‬ولبنان،‭ ‬ليرتفع‭ ‬صوت‭ ‬وخطاب‭ ‬الدولة‭ ‬الوطنية‭ ‬فيهما،‭ ‬مع‭ ‬الأخذ‭ ‬بالاعتبار‭ ‬الشكوك‭ ‬التي‭ ‬لاتزال‭ ‬تحوم‭ ‬حول‭ ‬‮«‬الجولاني‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬أحمد‭ ‬الشرع‮»‬،‭ ‬والفصائل‭ ‬التابعة‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬هيئة‭ ‬تحرير‭ ‬الشام‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬التوجه‭ ‬المليشياوي‭ ‬السابق،‭ ‬ولهذا‭ ‬فإن‭ ‬خطابه‭ ‬المدني‭ ‬والحداثي‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬بعض‭ ‬الوقت‭ ‬لإظهار‭ ‬مدى‭ ‬جديته‭ ‬في‭ ‬تنفيذه‭! ‬أما‭ ‬في‭ ‬لبنان‭ ‬فمع‭ ‬بروز‭ ‬‮«‬جوزيف‭ ‬عون‮»‬‭ ‬رئيساً‭ ‬للبنان،‭ ‬و«نواف‭ ‬سلام‮»‬‭ ‬رئيساً‭ ‬للحكومة،‭ ‬فإن‭ ‬خطاب‭ ‬الدولة‭ ‬الوطنية‭ ‬أكثر‭ ‬وضوحاً‭ ‬وموثوقية،‭ ‬مع‭ ‬إصرار‭ ‬الاثنين‭ ‬لبسط‭ ‬سلطة‭ ‬الدولة‭ ‬على‭ ‬كامل‭ ‬أراضي‭ ‬لبنان،‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬التطلعات‭ ‬الكبيرة‭ ‬للشعب‭ ‬اللبناني‭ ‬وعدم‭ ‬قبول‭ ‬المساومة‭ ‬عليها‭!‬

{ بخلاصة‭ ‬مقام‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭ ‬القصير،‭ ‬فإن‭ ‬التجارب‭ ‬والأحداث‭ ‬وكل‭ ‬وقائع‭ ‬السنوات‭ ‬والعقود‭ ‬الماضية،‭ ‬أثبتت‭ ‬أن‭ ‬لا‭ ‬مكان‭ ‬لسلطة‭ ‬تجمع‭ ‬كل‭ ‬أطياف‭ ‬الشعب‭ ‬الا‭ ‬سلطة‭ ‬الدولة‭ ‬الوطنية،‭ ‬وجيشها‭ ‬الوطني،‭ ‬ودستورها‭ ‬التوحيدي،‭ ‬لكل‭ ‬أطياف‭ ‬الشعب،‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬إرهاب‭ ‬وأطماع‭ ‬المليشيات‭ ‬خاصة‭ ‬التابعة‭ ‬للأجندات‭ ‬الخارجية؛‭ ‬وحيث‭ ‬لا‭ ‬مجال‭ ‬لوجود‭ (‬دويلة‭ ‬داخل‭ ‬الدولة‭) ‬تمارس‭ ‬الإرهاب‭ ‬والقتل‭ ‬على‭ ‬الهوية‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬أو‭ ‬تمارس‭ ‬الهيمنة‭ ‬والتمزيق‭ ‬والإعاقة‭ ‬والتعطيل‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬في‭ ‬لبنان‭! ‬أو‭ ‬تمارس‭ ‬التهديد‭ ‬للسلم‭ ‬والاستقرار‭ ‬الإقليمي‭ ‬كما‭ ‬فعل‭ ‬‮«‬حزب‭ ‬إيران‭ ‬اللبناني‮»‬‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬و«الحوثي‮»‬‭ ‬في‭ ‬اليمن‭! ‬كما‭ ‬لا‭ ‬مجال‭ ‬للخطاب‭ ‬المليشياوي‭ ‬باسم‭ ‬‮«‬المعارضة‮»‬‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬بلد‭ ‬عربي‭ ‬كما‭ ‬كان‭ ‬الطموح‭ ‬الإخواني‭ ‬والطموح‭ ‬المليشياوي‭ ‬الإيراني‭ ‬وأتباع‭ ‬إيران‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬العربية،‭ ‬فالوعي‭ ‬الشعبي‭ ‬العربي‭ ‬استيقظ‭ ‬وأدرك‭ ‬حقيقة‭ ‬هؤلاء‭! ‬

{ الدولة‭ ‬الوطنية‭ ‬بكل‭ ‬مؤسساتها‭ ‬المدنية،‭ ‬وحيثياتها‭ ‬التحديثية‭ ‬وحفاظها‭ ‬على‭ ‬الهوية‭ ‬الوطنية،‭ ‬هي‭ ‬وحدها‭ ‬القادرة‭ ‬على‭ ‬تحقيق‭ ‬التطلعات‭ ‬الشعبية‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬تمزق‭ ‬أو‭ ‬انقسام‭ ‬أو‭ ‬محاصصة‭ ‬طائفية،‭ ‬أو‭ ‬ولاءات‭ ‬للخارج‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬بعض‭ ‬أبنائها‭! ‬واستعادة‭ ‬خطاب‭ ‬الدولة‭ ‬وإعلاؤها‭ ‬هو‭ ‬المرتكز‭ ‬الأساس‭ ‬لمواجهة‭ ‬ما‭ ‬أريد‭ ‬استهداف‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬به،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬سيطرة‭ ‬سلطة‭ ‬المليشيات،‭ ‬التي‭ ‬أثبتت‭ ‬حجم‭ ‬ما‭ ‬أحدثته‭ ‬من‭ ‬خراب‭ ‬ودمار‭ ‬وتقسيم‭ ‬وتمزق،‭ ‬ولذلك‭ ‬فإن‭ ‬فرحة‭ ‬الشعب‭ ‬اللبناني،‭ ‬واختبار‭ ‬الشعب‭ ‬السوري‭ ‬لمآلات‭ ‬الحكم‭ ‬الراهن،‭ ‬هما‭ ‬فرحة‭ ‬كل‭ ‬الشعوب‭ ‬العربية،‭ ‬وفي‭ ‬ذات‭ ‬الوقت‭ ‬انتظارها‭ ‬لنتائج‭ ‬الامتحان‭ ‬القادم‭ ‬ليس‭ ‬في‭ ‬سوريا‭ ‬وحدها،‭ ‬وإنما‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬واليمن‭! ‬وكل‭ ‬دولة‭ ‬عربية‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬الطموح‭ ‬‮«‬الإخواني‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬الإيراني‮»‬‭ ‬يريد‭ ‬العبث‭ ‬بها‭ ‬أو‭ ‬بث‭ ‬الفوضى‭ ‬فيها‭ ‬الاستعادة‭ ‬حلم‭ ‬هو‭ ‬أقرب‭ ‬من‭ ‬عشم‭ ‬إبليس‭ ‬في‭ ‬الجنة،‭ ‬بعد‭ ‬الانكشاف‭ ‬الكبير‭ ‬للجانبين‭! ‬نتمنى‭ ‬لسوريا‭ ‬ولبنان‭ ‬الأمن‭ ‬والاستقرار،‭ ‬وكذلك‭ ‬لكل‭ ‬دولنا‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬مزقتها‭ ‬الأجندات‭ ‬واثرت‭ ‬فيها‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا