عالم يتغير
فوزية رشيد
هل هي السنوات الخداعات؟!
{ مع نهاية كل عام ميلادي أو هجري وبداية عام جديد، يحمل الناس أمانيهم وأحلامهم ليضعوها على كفوفهم وهم يتوجهون بها إلى السماء ليعم الخير لهم ولبلدانهم وللعالم، ولكنه العالم الذي خلقه الله في أفضل صورة، وصنع الإنسان فيه مآسيه ومظالمه وصراعاته وأزماته! حتى لم يعد لفعل التراكم من فائدة لاستخلاص الدروس والعبر، مما جرى ويجري وحيث الوضوح والغموض يلتقيان في النقطة ذاتها، فلا يعود للتحليل المنطقي لمجريات الأحداث الفردية أو الدولية العالمية من مكان يخلو فيه من ضبابية الغموض واللامنطق!
{ مرايا متداخلة في الغرفة ذاتها الضيقة المسمى بالعالم بعد أن تحول العالم إلى فضائيات تنقل الأحداث وقت وقوعها وإلى عالم افتراضي تتداخل فيه التحليلات والتنظيرات وتعكس وجوها مختلفة لذات الوجه الواحد، أو الحدث الواحد! وتتداخل الأصوات وتتشابك التنظيرات فلا يصمد معها تحليل يشفي غليل البحث عن الحقيقة فهو العالم المغطى بجليد البرد القارس وصخب البراكين والزلازل والكوارث الطبيعية وأغلبها لم يعد طبيعيا وظلم الإنسان للإنسان!
{ من الصعب أن يتحدث أحد اليوم عن معاناة خاصة أو ألم خاص أو أمنية خاصة بعدما اقتحمت حياتنا معاناة استثنائية لا تشبه غيرها هي معاناة أهل غزة طوال 15 شهرا! وعذابات الشعب السوري التي تكشفت كلها دفعة واحدة بعد سقوط نظام الأسد! لتحكي السجون وصيدنايا وأقبية التعذيب والمقابر الجماعية وبالصور بعد أن كان بعضها سمعيا، وليكن ما تم الكشف عنه يفوق كل خيال إنساني حول حجم ما تعرض له هذا الشعب من عذابات ومكابدات!
{ وحين يقف أحدهم ولو تجاسرا سواء في غزة أو سوريا بعد كل الذي حدث ويحدث ويقول الحمد لله.. ماذا بقي للشعوب الأخرى من مفردات الحمد اللائقة بالنعم التي يعيشونها مقارنة بأوضاع أهل غزة من برد وقصف وتدمير مستمر وجوع وخيام وريح وأطفال يموتون هذه المرة بسبب الجوع والبرد وليس القصف وحده في أبنية مدمرة ومدن بأكملها سويت بالأرض؟! ماذا يقول الآخرون عن معاناتهم في دول العالم الأخرى؟! هل من أمنية فردية أو جماعية بإمكانها أن تتجاهل أماني هؤلاء الذين تنقل الشاشات ووسائل التواصل الإلكتروني صيحاتهم واستغاثاتهم وأوجاعهم التي لم ترد على خيال؟!
{ هل هي السنوات الخداعات التي تكثر فيها الفتن والدجل والتضليل فتسجل الضمائر نفسها في سجل الموتى وحيث ثقافة الشر وسلوكيات التفاهة تسجل نكسة الخير في العالم! إلا ما تبقى منه في نفوس خيرة لا تملك من التأثير الحقيقي شيئا؟!
حين يصبح الشر والدجل والتطرف بكل أشكاله مجرد أوراق لعب يدار بها عالم اليوم، تغدو لعبة المصادفات الشريرة وسلسلتها المتكررة بأوجه جديدة وسيناريوهات متشابهة هي ليست بمصادفات وإنما منهجية منتظمة لإدارة الشر في حياة الشعوب المحكومة بمنهجية أخرى هي منهجية نظام التفاهة! ها هنا يلتقي جنون الشر ببذخ التفاهة فتتحول الدول والشعوب إلى رقعة شطرنج تدار فوقها اللعبة! فتتساوى فيها المظالم مع التفاهة!
{ الغريب في كل ذلك أن كل شيء واضح وغامض في آن كما قلنا، والعالم بدوله يحب الوقوع في مطبات الغموض ويتجاهل الوضوح فلا يتخذ موقفا لتمر الأعوام وراء الأعوام مسجلة نقلة زمنية فقط! فيما المسار العام للبشرية نوعيا يتجه عاما بعد عام نحو المزيد من الأخطاء والخطايا فيجف نبع الحضارات السابقة بنموذجها الحضاري ويجف ماء القلوب الذي يروي الضمائر ويسلم البشر ذكاءهم الطبيعي للذكاء الاصطناعي فتتغير في تلك المعادلة من التسليم المعايير والثقافات والمفاهيم والعلاقات الإنسانية! ويختلط السلب بالإيجاب أو السالب بالموجب، ويمضي عام لينقل العام الذي يليه المزيد من التضليل والدجل والخدع والزيف والتفاهة ولتنحصر أمنيات الأفراد في الذوات المغلقة على نفسها! وكفى المؤمنين شر القتال! إنها السنوات الخداعات بجدارة وإتقان! وكل عام وأنتم والعالم بخير!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك