العدد : ١٧٠٩١ - الثلاثاء ٠٧ يناير ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٧ رجب ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٩١ - الثلاثاء ٠٧ يناير ٢٠٢٥ م، الموافق ٠٧ رجب ١٤٤٦هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

هل هي السنوات الخداعات؟!

{‭ ‬مع‭ ‬نهاية‭ ‬كل‭ ‬عام‭ ‬ميلادي‭ ‬أو‭ ‬هجري‭ ‬وبداية‭ ‬عام‭ ‬جديد،‭ ‬يحمل‭ ‬الناس‭ ‬أمانيهم‭ ‬وأحلامهم‭ ‬ليضعوها‭ ‬على‭ ‬كفوفهم‭ ‬وهم‭ ‬يتوجهون‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬السماء‭ ‬ليعم‭ ‬الخير‭ ‬لهم‭ ‬ولبلدانهم‭ ‬وللعالم،‭ ‬ولكنه‭ ‬العالم‭ ‬الذي‭ ‬خلقه‭ ‬الله‭ ‬في‭ ‬أفضل‭ ‬صورة،‭ ‬وصنع‭ ‬الإنسان‭ ‬فيه‭ ‬مآسيه‭ ‬ومظالمه‭ ‬وصراعاته‭ ‬وأزماته‭! ‬حتى‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬لفعل‭ ‬التراكم‭ ‬من‭ ‬فائدة‭ ‬لاستخلاص‭ ‬الدروس‭ ‬والعبر،‭ ‬مما‭ ‬جرى‭ ‬ويجري‭ ‬وحيث‭ ‬الوضوح‭ ‬والغموض‭ ‬يلتقيان‭ ‬في‭ ‬النقطة‭ ‬ذاتها،‭ ‬فلا‭ ‬يعود‭ ‬للتحليل‭ ‬المنطقي‭ ‬لمجريات‭ ‬الأحداث‭ ‬الفردية‭ ‬أو‭ ‬الدولية‭ ‬العالمية‭ ‬من‭ ‬مكان‭ ‬يخلو‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬ضبابية‭ ‬الغموض‭ ‬واللامنطق‭!‬

{‭ ‬مرايا‭ ‬متداخلة‭ ‬في‭ ‬الغرفة‭ ‬ذاتها‭ ‬الضيقة‭ ‬المسمى‭ ‬بالعالم‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تحول‭ ‬العالم‭ ‬إلى‭ ‬فضائيات‭ ‬تنقل‭ ‬الأحداث‭ ‬وقت‭ ‬وقوعها‭ ‬وإلى‭ ‬عالم‭ ‬افتراضي‭ ‬تتداخل‭ ‬فيه‭ ‬التحليلات‭ ‬والتنظيرات‭ ‬وتعكس‭ ‬وجوها‭ ‬مختلفة‭ ‬لذات‭ ‬الوجه‭ ‬الواحد،‭ ‬أو‭ ‬الحدث‭ ‬الواحد‭! ‬وتتداخل‭ ‬الأصوات‭ ‬وتتشابك‭ ‬التنظيرات‭ ‬فلا‭ ‬يصمد‭ ‬معها‭ ‬تحليل‭ ‬يشفي‭ ‬غليل‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬الحقيقة‭ ‬فهو‭ ‬العالم‭ ‬المغطى‭ ‬بجليد‭ ‬البرد‭ ‬القارس‭ ‬وصخب‭ ‬البراكين‭ ‬والزلازل‭ ‬والكوارث‭ ‬الطبيعية‭ ‬وأغلبها‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬طبيعيا‭ ‬وظلم‭ ‬الإنسان‭ ‬للإنسان‭!‬

{‭ ‬من‭ ‬الصعب‭ ‬أن‭ ‬يتحدث‭ ‬أحد‭ ‬اليوم‭ ‬عن‭ ‬معاناة‭ ‬خاصة‭ ‬أو‭ ‬ألم‭ ‬خاص‭ ‬أو‭ ‬أمنية‭ ‬خاصة‭ ‬بعدما‭ ‬اقتحمت‭ ‬حياتنا‭ ‬معاناة‭ ‬استثنائية‭ ‬لا‭ ‬تشبه‭ ‬غيرها‭ ‬هي‭ ‬معاناة‭ ‬أهل‭ ‬غزة‭ ‬طوال‭ ‬15‭ ‬شهرا‭! ‬وعذابات‭ ‬الشعب‭ ‬السوري‭ ‬التي‭ ‬تكشفت‭ ‬كلها‭ ‬دفعة‭ ‬واحدة‭ ‬بعد‭ ‬سقوط‭ ‬نظام‭ ‬الأسد‭! ‬لتحكي‭ ‬السجون‭ ‬وصيدنايا‭ ‬وأقبية‭ ‬التعذيب‭ ‬والمقابر‭ ‬الجماعية‭ ‬وبالصور‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كان‭ ‬بعضها‭ ‬سمعيا،‭ ‬وليكن‭ ‬ما‭ ‬تم‭ ‬الكشف‭ ‬عنه‭ ‬يفوق‭ ‬كل‭ ‬خيال‭ ‬إنساني‭ ‬حول‭ ‬حجم‭ ‬ما‭ ‬تعرض‭ ‬له‭ ‬هذا‭ ‬الشعب‭ ‬من‭ ‬عذابات‭ ‬ومكابدات‭!‬

{‭ ‬وحين‭ ‬يقف‭ ‬أحدهم‭ ‬ولو‭ ‬تجاسرا‭ ‬سواء‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬أو‭ ‬سوريا‭ ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬الذي‭ ‬حدث‭ ‬ويحدث‭ ‬ويقول‭ ‬الحمد‭ ‬لله‭.. ‬ماذا‭ ‬بقي‭ ‬للشعوب‭ ‬الأخرى‭ ‬من‭ ‬مفردات‭ ‬الحمد‭ ‬اللائقة‭ ‬بالنعم‭ ‬التي‭ ‬يعيشونها‭ ‬مقارنة‭ ‬بأوضاع‭ ‬أهل‭ ‬غزة‭ ‬من‭ ‬برد‭ ‬وقصف‭ ‬وتدمير‭ ‬مستمر‭ ‬وجوع‭ ‬وخيام‭ ‬وريح‭ ‬وأطفال‭ ‬يموتون‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬بسبب‭ ‬الجوع‭ ‬والبرد‭ ‬وليس‭ ‬القصف‭ ‬وحده‭ ‬في‭ ‬أبنية‭ ‬مدمرة‭ ‬ومدن‭ ‬بأكملها‭ ‬سويت‭ ‬بالأرض؟‭! ‬ماذا‭ ‬يقول‭ ‬الآخرون‭ ‬عن‭ ‬معاناتهم‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬العالم‭ ‬الأخرى؟‭! ‬هل‭ ‬من‭ ‬أمنية‭ ‬فردية‭ ‬أو‭ ‬جماعية‭ ‬بإمكانها‭ ‬أن‭ ‬تتجاهل‭ ‬أماني‭ ‬هؤلاء‭ ‬الذين‭ ‬تنقل‭ ‬الشاشات‭ ‬ووسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الإلكتروني‭ ‬صيحاتهم‭ ‬واستغاثاتهم‭ ‬وأوجاعهم‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬ترد‭ ‬على‭ ‬خيال؟‭!‬

{‭ ‬هل‭ ‬هي‭ ‬السنوات‭ ‬الخداعات‭ ‬التي‭ ‬تكثر‭ ‬فيها‭ ‬الفتن‭ ‬والدجل‭ ‬والتضليل‭ ‬فتسجل‭ ‬الضمائر‭ ‬نفسها‭ ‬في‭ ‬سجل‭ ‬الموتى‭ ‬وحيث‭ ‬ثقافة‭ ‬الشر‭ ‬وسلوكيات‭ ‬التفاهة‭ ‬تسجل‭ ‬نكسة‭ ‬الخير‭ ‬في‭ ‬العالم‭! ‬إلا‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬منه‭ ‬في‭ ‬نفوس‭ ‬خيرة‭ ‬لا‭ ‬تملك‭ ‬من‭ ‬التأثير‭ ‬الحقيقي‭ ‬شيئا؟‭!‬

حين‭ ‬يصبح‭ ‬الشر‭ ‬والدجل‭ ‬والتطرف‭ ‬بكل‭ ‬أشكاله‭ ‬مجرد‭ ‬أوراق‭ ‬لعب‭ ‬يدار‭ ‬بها‭ ‬عالم‭ ‬اليوم،‭ ‬تغدو‭ ‬لعبة‭ ‬المصادفات‭ ‬الشريرة‭ ‬وسلسلتها‭ ‬المتكررة‭ ‬بأوجه‭ ‬جديدة‭ ‬وسيناريوهات‭ ‬متشابهة‭ ‬هي‭ ‬ليست‭ ‬بمصادفات‭ ‬وإنما‭ ‬منهجية‭ ‬منتظمة‭ ‬لإدارة‭ ‬الشر‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الشعوب‭ ‬المحكومة‭ ‬بمنهجية‭ ‬أخرى‭ ‬هي‭ ‬منهجية‭ ‬نظام‭ ‬التفاهة‭! ‬ها‭ ‬هنا‭ ‬يلتقي‭ ‬جنون‭ ‬الشر‭ ‬ببذخ‭ ‬التفاهة‭ ‬فتتحول‭ ‬الدول‭ ‬والشعوب‭ ‬إلى‭ ‬رقعة‭ ‬شطرنج‭ ‬تدار‭ ‬فوقها‭ ‬اللعبة‭! ‬فتتساوى‭ ‬فيها‭ ‬المظالم‭ ‬مع‭ ‬التفاهة‭! ‬

{‭ ‬الغريب‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬واضح‭ ‬وغامض‭ ‬في‭ ‬آن‭ ‬كما‭ ‬قلنا،‭ ‬والعالم‭ ‬بدوله‭ ‬يحب‭ ‬الوقوع‭ ‬في‭ ‬مطبات‭ ‬الغموض‭ ‬ويتجاهل‭ ‬الوضوح‭ ‬فلا‭ ‬يتخذ‭ ‬موقفا‭ ‬لتمر‭ ‬الأعوام‭ ‬وراء‭ ‬الأعوام‭ ‬مسجلة‭ ‬نقلة‭ ‬زمنية‭ ‬فقط‭! ‬فيما‭ ‬المسار‭ ‬العام‭ ‬للبشرية‭ ‬نوعيا‭ ‬يتجه‭ ‬عاما‭ ‬بعد‭ ‬عام‭ ‬نحو‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬الأخطاء‭ ‬والخطايا‭ ‬فيجف‭ ‬نبع‭ ‬الحضارات‭ ‬السابقة‭ ‬بنموذجها‭ ‬الحضاري‭ ‬ويجف‭ ‬ماء‭ ‬القلوب‭ ‬الذي‭ ‬يروي‭ ‬الضمائر‭ ‬ويسلم‭ ‬البشر‭ ‬ذكاءهم‭ ‬الطبيعي‭ ‬للذكاء‭ ‬الاصطناعي‭ ‬فتتغير‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المعادلة‭ ‬من‭ ‬التسليم‭ ‬المعايير‭ ‬والثقافات‭ ‬والمفاهيم‭ ‬والعلاقات‭ ‬الإنسانية‭! ‬ويختلط‭ ‬السلب‭ ‬بالإيجاب‭ ‬أو‭ ‬السالب‭ ‬بالموجب،‭ ‬ويمضي‭ ‬عام‭ ‬لينقل‭ ‬العام‭ ‬الذي‭ ‬يليه‭ ‬المزيد‭ ‬من‭ ‬التضليل‭ ‬والدجل‭ ‬والخدع‭ ‬والزيف‭ ‬والتفاهة‭ ‬ولتنحصر‭ ‬أمنيات‭ ‬الأفراد‭ ‬في‭ ‬الذوات‭ ‬المغلقة‭ ‬على‭ ‬نفسها‭! ‬وكفى‭ ‬المؤمنين‭ ‬شر‭ ‬القتال‭! ‬إنها‭ ‬السنوات‭ ‬الخداعات‭ ‬بجدارة‭ ‬وإتقان‭! ‬وكل‭ ‬عام‭ ‬وأنتم‭ ‬والعالم‭ ‬بخير‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا