العدد : ١٧٠٨٢ - الأحد ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٨ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٨٢ - الأحد ٢٩ ديسمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٨ جمادى الآخر ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

عن النذالة هنا والنبل هناك

سأسرد‭ ‬عليكم‭ ‬اليوم‭ ‬وقائع‭ ‬حادثتين،‭ ‬وسأبدأ‭ ‬بحكاية‭ ‬مصدرها‭ ‬تطبيق‭ ‬واتساب،‭ ‬ولهذا‭ ‬فإنني‭ ‬لا‭ ‬أجزم‭ ‬بصحة‭ ‬حدوثها،‭ ‬وعلى‭ ‬كل‭ ‬حال‭ ‬فقد‭ ‬وجدتها‭ ‬واسعة‭ ‬الانتشار‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬المنتديات،‭ ‬وناقل‭ ‬الكفر‭ ‬ليس‭ ‬بكافر‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الأحوال‭. ‬بينما‭ ‬الحكاية‭ ‬الثانية‭ ‬مدهشة‭ ‬ومنعشة‭ ‬ومنقولة‭ ‬عن‭ ‬مصادر‭ ‬صحفية‭ ‬ذات‭ ‬موثوقية‭ ‬عالية‭.‬

ونبدأ‭ ‬بالنكد،‭ ‬ونختم‭ ‬بالانتعاش‭ ‬كما‭ ‬نفعل‭ ‬مع‭ ‬الطعام‭ ‬عندما‭ ‬نختتم‭ ‬بما‭ ‬هو‭ ‬حلو‭: ‬المكان‭ ‬مسجد‭ ‬النور‭ ‬في‭ ‬حي‭ ‬العباسية‭ ‬في‭ ‬القاهرة،‭ ‬حيث‭ ‬دخل‭ ‬البعض‭ ‬حاملين‭ ‬جثمانا‭ ‬وطلبوا‭ ‬ممن‭ ‬هم‭ ‬داخل‭ ‬المسجد‭ ‬الصلاة‭ ‬عليه‭. ‬وبالطبع‭ ‬اصطف‭ ‬المصلون‭ ‬لأداء‭ ‬صلاة‭ ‬الجنازة،‭ ‬ولكن‭ ‬صوتا‭ ‬هادرا‭ ‬لفت‭ ‬انتباه‭ ‬الجميع‭: ‬أنا‭ ‬طالب‭ ‬المتوفى‭ ‬خمستلاف‭ (‬5000‭) ‬جنيه،‭ ‬ولا‭ ‬ينبغي‭ ‬دفنه‭ ‬او‭ ‬حتى‭ ‬الصلاة‭ ‬عليه‭ ‬قبل‭ ‬إبراء‭ ‬ذمته‭. ‬وبكل‭ ‬طيبة‭ ‬أهل‭ ‬مصر‭ ‬تناوب‭ ‬المصلون‭ ‬لإقناع‭ ‬الرجل‭ ‬الدائن‭ ‬بإعفاء‭ ‬المتوفى‭ ‬من‭ ‬الدين‭ ‬بإعلان‭ ‬إسقاطه،‭ ‬و‮«‬ينوبك‭ ‬ثواب‮»‬،‭ ‬ولكنه‭ ‬رفض‭. ‬فقالوا‭ ‬له‭ ‬‮«‬طب‭ ‬كلياتنا‭ ‬هنا‭ ‬بنتعهد‭ ‬لك‭ ‬إن‭ ‬الفلوس‭ ‬هتكون‭ ‬عندك‭ ‬باكر‭ ‬الصبح‭ ‬على‭ ‬داير‭ ‬المليم‭. ‬بس‭ ‬انت‭ ‬دلوقت‭ ‬أعلن‭ ‬تنازلك‭ ‬عن‭ ‬الدين‭ ‬عشان‭ ‬نصلي‭ ‬عليه‭ ‬وأهله‭ ‬يدفنوه‭ ‬لأن‭ ‬إكرام‭ ‬الميت‭ ‬دفنه‮»‬‭.... ‬مفيش‭ ‬فايدة‭.. ‬انهالت‭ ‬الدموع‭ ‬وارتفع‭ ‬العويل‭ ‬من‭ ‬شابين‭ ‬قالا‭ ‬إنهما‭ ‬ابنا‭ ‬‮«‬المرحوم‮»‬،‭ ‬‮«‬أبونا‭ ‬يقعد‭ ‬فطيس‭ ‬في‭ ‬البيت‭ ‬أو‭ ‬المشرحة‭ ‬عشان‭ ‬الراجل‭ ‬المفتري‭ ‬دا‭ ‬مش‭ ‬عايز‭ ‬يعفيه‭ ‬من‭ ‬الدين‭ ‬وهو‭ ‬ميت؟‮»‬‭ ‬ولكن‭ ‬الرجل‭ ‬غليظ‭ ‬القلب‭ ‬تمسك‭ ‬بموقفه‭: ‬تدفعوا‭ ‬اللي‭ ‬عليه‭ ‬قبل‭ ‬الصلاة‭ ‬والدفن‭ ‬وأنا‭ ‬مش‭ ‬هتنازل‭ ‬عن‭ ‬حقي‭. ‬أدرك‭ ‬المصلون‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬طائل‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬‮«‬استرحام‮»‬‭ ‬شخص‭ ‬كهذا،‭ ‬ولأن‭ ‬الشهامة‭ ‬خصلة‭ ‬أساسية‭ ‬في‭ ‬ابن‭ ‬البلد‭ ‬المصري‭ ‬فقد‭ ‬تدافع‭ ‬الناس‭ ‬داخل‭ ‬المسجد‭ ‬وخارجه‭ ‬للجود‭ ‬بالموجود،‭ ‬وخلال‭ ‬اقل‭ ‬من‭ ‬نصف‭ ‬ساعة‭ ‬كانوا‭ ‬قد‭ ‬جمعوا‭ ‬الخمسة‭ ‬آلاف‭ ‬جنيه‭ ‬وأعطوها‭ ‬لمن‭ ‬طالب‭ ‬بها،‭ ‬وبعدها‭ ‬أدوا‭ ‬صلاة‭ ‬الجنازة‭. ‬ثم‭ ‬تلفتوا‭ ‬لتقديم‭ ‬التعازي‭ ‬لأقارب‭ ‬المتوفى،‭ ‬فوقعوا‭ ‬في‭ ‬حيص‭ ‬بيص‭: ‬فين‭ ‬الجماعة‭ ‬اللي‭ ‬جابم‭ ‬الجثمان‭. ‬فين‭ ‬أولاد‭ ‬المرحوم‭ ‬اللي‭ ‬كانوا‭ ‬بيعيطوا‭ ‬من‭ ‬شوية؟‭ ‬كانوا‭ ‬فص‭ ‬ملح‭ ‬وداب‭. ‬وبكل‭ ‬الشهامة‭ ‬أيضا‭ ‬قرر‭ ‬المصلون‭ ‬حمل‭ ‬الجثمان‭ ‬الى‭ ‬مستشفى‭ ‬ثم‭ ‬إبلاغ‭ ‬الشرطة‭ ‬بالأمر‭ ‬خشية‭ ‬ان‭ ‬يكون‭ ‬المتوفى‭ ‬قد‭ ‬لقي‭ ‬حتفه‭ ‬نتيجة‭ ‬عمل‭ ‬إجرامي‭. ‬وتقدم‭ ‬شابان‭ ‬لرفع‭ ‬الجثمان،‭ ‬ولكنه‭ ‬كان‭ ‬ثقيلا،‭ ‬فهب‭ ‬لمساعدتهما‭ ‬اربعة‭ ‬آخرون‭ ‬ولكن‭ ‬الجثمان‭ ‬ظل‭ ‬ثقيلا‭ ‬حتى‭ ‬على‭ ‬ستة‭ ‬رجال‭.. ‬مش‭ ‬معقول‭.. ‬ده‭ ‬ابن‭ ‬آدم‭ ‬وللا‭ ‬فيل؟‭ ‬تجرأ‭ ‬أحدهم‭ ‬ورفع‭ ‬الغطاء‭ ‬عن‭ ‬‮«‬وجه‮»‬‭ ‬المتوفى،‭ ‬وفوجئ‭ ‬بأن‭ ‬الجثة‭ ‬بكاملها‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬أكوام‭ ‬من‭ ‬الطوب‭ ‬مرصوصة‭ ‬بعناية‭ ‬ومتماسكة‭ ‬بالرمل‭ ‬والأسمنت‭. ‬وأن‭ ‬‮«‬الدين‮»‬،‭ ‬وحزن‭ ‬نجلي‭ ‬‮«‬المرحوم‮»‬‭ ‬كان‭ ‬عملية‭ ‬احتيال‭ ‬متقنة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬أشخاص‭ ‬حقيرين‭ ‬استخدموا‭ ‬بيت‭ ‬الله،‭ ‬وتلاعبوا‭ ‬بعواطف‭ ‬وكرم‭ ‬خصال‭ ‬عامة‭ ‬المواطنين‭ ‬كي‭ ‬يحصلوا‭ ‬على‭ ‬مبلغ‭ ‬تافه‭ ‬تفاهتهم‭.‬

والآن‭ ‬الى‭ ‬الحكاية‭ ‬التي‭ ‬أسعدتني‭: ‬ميلينا‭ ‬سالزار‭ ‬سيدة‭ ‬رقيقة‭ ‬الحال‭ ‬تعمل‭ ‬نادلة‭ ‬في‭ ‬مطعم‭ ‬صغير‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬في‭ ‬ولاية‭ ‬تكساس‭ ‬الامريكية،‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬زبائن‭ ‬المطعم‭ ‬عجوز‭ ‬اقترب‭ ‬من‭ ‬سن‭ ‬الـ90‭ ‬اسمه‭ ‬والتر‭ ‬سوردس،‭ ‬ورغم‭ ‬أنه‭ ‬كعادة‭ ‬من‭ ‬هم‭ ‬في‭ ‬سنه‭ ‬كان‭ ‬غلباويا‭ ‬وكثير‭ ‬الشكوى‭ ‬بسبب‭ ‬وبدون‭ ‬سبب،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬ميلينا‭ ‬كانت‭ ‬دائما‭ ‬على‭ ‬استعداد‭ ‬لتقديم‭ ‬أفضل‭ ‬الخدمات،‭ ‬له‭ ‬والاعتذار‭ ‬حتى‭ ‬عن‭ ‬التقصير‭ (‬الوهمي‭)‬،‭ ‬وظل‭ ‬الرجل‭ ‬زبونا‭ ‬للمطعم‭ ‬لسنوات‭ ‬وملينا‭ ‬تخصه‭ ‬باهتمام‭ ‬خاص‭. ‬ثم‭ ‬انقطع‭ ‬الرجل‭ ‬عن‭ ‬المطعم‭. ‬وذات‭ ‬يوم‭ ‬دخل‭ ‬على‭ ‬ملينا‭ ‬رجل‭ ‬في‭ ‬منتصف‭ ‬العمر‭ ‬وقدم‭ ‬لها‭ ‬مستندات‭: ‬والتر‭ ‬سوردس‭ ‬توفي‭ ‬وترك‭ ‬لك‭ ‬50‭ ‬ألف‭ ‬دولار‭ ‬نقدا‭ ‬وسيارة‭ ‬بيويك‭.. ‬هنا‭ ‬تذكرت‭ ‬الحديث‭ ‬الشريف‭ ‬عن‭ ‬ان‭ ‬البسمة‭ ‬والكلمة‭ ‬الطيبة‭ ‬صدقة‭. ‬ومن‭ ‬يفعل‭ ‬الخير‭ ‬لا‭ ‬يعدم‭ ‬جوازيه‭. ‬والخير‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬كلمة‭ ‬أو‭ ‬بسمة‭ (‬ألا‭ ‬تذكرك‭ ‬الحكايتان‭ ‬بما‭ ‬قاله‭ ‬الشيخ‭ ‬محمد‭ ‬عبده‭: ‬ذهبت‭ ‬إلى‭ ‬أوربا‭ ‬فوجدت‭ ‬إسلاما‭ ‬ولم‭ ‬أجد‭ ‬مسلمين‭ ‬وعدت‭ ‬إلى‭ ‬بلادي‭ ‬فوجدت‭ ‬مسلمين‭ ‬ولم‭ ‬أجد‭ ‬إسلاما؟‭).‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا