زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
لماذا أعجبت بها
الضمير في كلمة «بها» يعود الى أنثى، والإعجاب بأنثى لا يعني الوقوع في دباديبها (سؤال للمصريين: ما معنى دباديب في قولكم فلان واقع في دباديب فلانة؟)، أي ان الرجل قد يكون معجبا بكثير من النساء دون ان يكون من فئة «أنا مخلص لزوجتي/خطيبتي ولكنني أجامل كل النساء»، تبريرا لزوغان العين، ومع هذا أقرُّ بأنني مدرك أنه إذا أعربت عن إعجابي بامرأة متقدمة في العمر فلا بأس، أما إذا كان الاعجاب بشابة لأنها مميزة في أفعالها وإنجازاتها، فهناك من سيقول إن الحكاية فيها «إنّ».
هذه مقدمة ضرورية كي أعلن محددا إعجابي بالسيدة «تشا»، وسأفصح عن سر هذا الاعجاب، قبل ان تأخذ أم المعارك علما به، وتمسح بي الأرض. اسمع وقع اسمها على أذنك: تشا موسيقي.. وهناك رقصة اسمها تشا تشا، وما قد يبعد عني الشبهات وبالتالي العدوان من أم المعارك، هو ان تشا هذه تبلغ من العمر 68 سنة. كما أنني لست معجبا بحلاوة وجهها او حسن حديثها او خفة ظلها بل بكونها ذات رأس «ناشف».. أي عنيدة وصبورة ومثابرة ومتفائلة.
السيدة الكورية تشا خضعت لامتحان قيادة السيارات 772 مرة (سبعمائة واثنتين وسبعين فقط لا غير بلغة الصكوك المالية) ورسبت بجدارة، وعلى الفور عبأت استمارة الامتحان رقم 773!! علما بأنها كانت وقتها أنفقت 6800 دولار أمريكي أخضر في دفع رسوم الاستمارات الورقية. كل ذلك الرسوب كان في الامتحان التحريري، ففي كوريا الجنوبية عليك ان تجتاز الامتحان التحريري للتثبت من معرفتك بقوانين السير، ومعاني ودلالات اللافتات الموجودة في الشوارع، وبعدها تخضع للامتحان الميداني. والعمة تشا متفائلة بطبعها، وتقول إنها تأمل في الحصول على رخصة قيادة السيارات قبل بلوغها الخامسة والسبعين.. بينما عندنا لو قرر شخص حشو ضرس مسوس وهو في السبعين قالوا له: اختشي على دمك.. تريد تأكل زمنك وزمن غيرك.
ما يعجبني في عناد طنط تشا ليس فقط أنها مصرة على الحصول على رخصة قيادة السيارات، بل لماذا تريد الحصول على الرخصة. هي من مقاطعة جيولا الشمالية وتريد ان تعمل بالتجارة، ولهذا فهي ترغب في ان تكون لها شاحنة صغيرة تقودها بنفسها لتصريف وتوزيع السلع. يعني لا تريد لكزس او بي إم دبليو لزوم الكشخة والنفخة.. بل هي قليلة الحيلة والمال وتريد أن تؤمن «مستقبلها». وفي قاموسنا الاجتماعي يصبح الإنسان بلا مستقبل بعد ان يتجاوز الخمسين. أما بالنسبة لتشا فالمستقبل يبدأ «الآن»، و«الآن» هذه لم تأت بعد، ولن تأتي إلا بعد ان يصبح بمقدورها ان تقود شاحنة بعد سبع سنوات بحسب تقديرها أي عندما يكون عمرها 75 سنة.
عندما تكون عربيا في سن الـ75 لا يسمح لك أعضاء أسرتك حتى بالاستحمام بمفردك «ولو مُصِرّ خلي باب الحمام مفتوح»، حتى لو لم تكن ضحية مرض غدار. هو نوع من الاهتمام ولكنه محبط.. محبط ان تجعل شخصا ما يحس بأنه عاجز استنادا الى لغة الأرقام.. ماذا يعني ان تقول لشخص ما لا تغلق باب الحمام وراءك سوى أنه «مرشح» لنوبة قلبية او جلطة. وعندنا أناس يتولون إحباط أنفسهم بأنفسهم: تدعوه إلى الطعام فيقول: «إلى متى نأكل. منذ كذا وستين سنة وأنا آكل.. لم تعد تفرِق معي».. يا عزيزي هل تعرف انه عند سؤال المحكوم عليهم بالإعدام عما يرغبون فيه في الساعات الأخيرة قبل مواجهة الموت، فإن أكثر من 90% منهم يطلبون أطعمة معينة. لا تجعل القوانين واللوائح تقتلك وتقتل فيك الرغبة في الحياة بإحالتك الى التقاعد في سن معينة، ولا تجعل أفراد عائلتك يقتلونك بالاهتمام والقلق الزائد على حالك. كن مثل تشا وقل «المستقبل يبدأ الآن».
ولحكاية تشا نهاية سعيدة فقد نجحت في الامتحان التحريري في المرة الـ773 ثم رسبت في أول اختبار سواقة ميداني ونجحت في التالي. ألف مبروك يا تشا وبـ«الهنا والشفا»
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك