زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
لا للسوشي ولو بلّوشي
التقيت قبل حين من الزمان ليس ببعيد بصديق عزيز، بعد طويل فراق، وبما أن وقته لم يكن يسمح باستضافته في البيت على نحو لائق، فقد توجهت به الى فندق لتناول وجبة الغداء. ودخلنا المطعم وفوجئت بأن البوفيه مخصص للأكلات البحرية. وفي منطقة الخليج لم انجح في تطبيع العلاقات مع الكائنات التي تعيش في الماء إلا مع الهامور، ونوعين أو ثلاثة من الأسماك ذات الأشكال المتناسقة: رأس وذيل وزعانف على جسم متسق. مثل الكنعد والشعري. أما العناكب والصراصير البحرية التي تقدم بمسميات طنانة ورنانة مثل لوبستر، فإن قلبي لا يطاوعني حتى على مجالسة من يأكلها. وهكذا ومن بين أكثر من عشرة أصناف اكتفيت بقطع من الهامور المشوي، ومنذ سنوات وأنا أقرأ وأسمع عن السوشي الياباني، وقبل أشهر كنت مدعوا في مطعم فخم الاسم وشجعني جرسون «حشري» فيه على تناوله: فيري نايس سوشي. يعني روعة. فقلت: فرصة يا أبو الجعافر تتذوق السوشي وتلحق بالقرن العشرين الذي فاتتك فيه أمور كثيرة، مسجلا هدفا على أصدقائك المتخلفين الذين لم يذوقوه. وغرزت الشوكة في اللفافة وحشرتها في فمي بكل رقة، معتزما تحريك اللقمة في فمي ببطء كي استمتع بطعمها. ثم: يا الله إيه القرف ده. هل السوشي هو السمك الفطيس؟ قلت للجرسون إن قطع السوشي التي عندي «فاسدة»، فاضطرب الرجل ونادى كبيرهم الذي يسمى «الشيف» وأقسم الرجل ان السوشي الذي يقدمونه من أفضل الأنواع، ومن سمك مستورد من اليابان، وان الرز المخلل الذي بداخله من أجود الأنواع، وأن العشرات من حولي يتناولونه ولم يشكوا من أي شيء. المهم طلبت منه ان يعفيني منه وأن يأتيني ببديل ففعل ذلك وهو يحس بالحرج، ولاحظت ان اثنين كانا يشاركاني المائدة اختفيا منها بعض الوقت. وعادا يقهقهان. وبعد تنهيدات متقطعة صاح أحدهم: بلاش فضائح.. أصلا مالك أنت والسوشي وتوابعه.. ثم شرحا لي ان ذلك الشيء عبارة عن سمك نيء.. غير مطبوخ وبالتالي من الطبيعي ان تكون رائحته «زفرة».. صحت فيهم بدوري: وما الذي يجبركم على أكل السمك النيء وأنتم تعرفون أن رائحته زفرة.
المهم أن صاحبي الذي دعوته مؤخرا لتناول الطعام في الفندق ملأ صحنه بتشكيلة من الكائنات الملونة والملفلفة بطريقة مريبة، وطفق يأكل بهمة. ثم رأيته يحشو فمه بكريات سوداء صغيرة عرفت أنها الكافيار، وبما ان لي تجربة مع الكافيار أسوأ من تجربتي مع السوشي فقد تفاديت النظر الى صديقي كي لا أحس بالقرف. شخص يأكل بيض السمك نيئا لا يمكن ان يكون «طبيعيا».
وفرغنا من الأكل وطلبت فاتورة الحساب وألقيت نظرة عليها وأحسست بأن بطني «انقلبت» وستقذف بالسوشي والكافيار الذي لم يدخلها في وجه الضيف. وجبتان قيمتهما تكفي لدفع الرسوم الدراسية لـ«سيمستر» كامل في جامعة معترف بها. لا بد أن في الأمر خطأ. ولكن من العيب ان تحتج على فاتورة أمام ضيفك كي لا يحسب ان النقود التي معك لا تكفي فيحلف بتطليق اثنتين من زوجاته الثلاث بأنه سيدفع الحساب. دفعت المبلغ المطلوب على «داير المليم» بينما واصل قولوني العواء والدمدمة.. بس انتقمت منهم. ولم أدفع فلسا واحدا كبقشيش. والحاضر يبلغ الغائب: لن استضيف كائنا من كان في فندق حتى لو كان بموجب وصفة طبية منقذة للحياة. والله لست بخيلا لا على نفسي ولا على غيري، ولكنني لست سفيها. لماذا أدفع في وجبة واحدة مبلغا يكفي لشراء لوازم بيتي من لحوم حمراء وبيضاء وفول وعدس ومكرونة ومعجون أسنان وكاكا لأسبوع كامل؟ (عندما رأيت تلك الثمرة الحمراء الجميلة فكرت في شرائها ولما قال لي البائع إنها كاكا لم أضعها في فمي قط).
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك