زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
الفالت قد يكون حكيما!!
هناك نوع من الناس، يستظرفه البعض، ويستقبحه آخرون، لكونه «سبهلليا»، أي «عشوائي السلوك»، ويخرج على ما يسميه الناس بالمألوف، ومثل هذا الشخص قد يأتي بكلام او فعل خارج عما اعتاد الناس عليه، ولكنه غير جارح، أو خادش للحياء، ومثل هذا الشخص الذي قد نصفه بأنه «فالت»، ليس بالضرورة سيئا وجانحا وخارجا على تعاليم الدين والقانون والعرف والتقاليد، فهناك نوع من الفلتان ينم عن شخصية لا تحب القولبة والتأطير والتحجيم. لا أقصد بالطبع الفلتان الأخلاقي بمعنى الخروج عن القواعد والضوابط المتعارف عليها، بل الفلتان الذي ينم عن الجنون اللذيذ. فهناك أناس عقلاء في أمور معينة ولكنهم «مجانين» كونهم يخرجون عن مألوف السلوك من دون تسبيب أذى للآخرين، في أمور أخرى. أعني - مثلا - من تنبهه زوجته الى ان أمامه فقط نصف ساعة ليلحق بطائرة، فيشكرها ويدخل الحمام ويظل يغني تحت «الدوش»، ثم يخرج من الحمام ويقول لزوجته: سوي لنا شاي، ترا أنا ما أحب شاي الطيارات.. الشاي عندهم بارد، والماي حار.. تصيح فيه زوجته: يا خبل يا أهبل باقي على موعد الطيارة عشر دقايق ومن هنا للمطار ربع ساعة على الأقل وأنت تحكي عن البارد والحار. بصراحة أنت شخص بارد.. وتأكيدا لبروده يقول لها: في العجلة الندامة. طبعا نوع التأني الذي يمارسه أمثال صاحبنا هذا هو الذي فيه الندامة وليس السلامة. (في السودان نسمي الدراجة «عجلة» - في الخليج «سيكل»، وكنت في صغري كلما سمعت أن «في العجلة الندامة» اعتقد أن المقصود منها أن ركوب العجلة/ الدراجة يقود إلى مخاطر تسبب الندم، ثم صرت أحسب ان العبارة من فبركة الميسورين من باب التهكم على الغلابة من راكبي العجلات).
المهم أنك قد تجد من حولك أشخاصا عجيبين يقلبون كل شيء فوق - تحت. فما من حكمة او قول مأثور إلا واستخدموه بالمقلوب لتبرير أفعالهم او تقصيرهم، فتجد من يقول لك انه طالما ان الخبرة والممارسة تؤدي الى الكمال، ولكن وبما انه لا يوجد إنسان كامل فما الحاجة الى الممارسة والخبرة (لا تتعب نفسك وتشرح له ان الكمال هنا نسبي). ذات يوم رغبت زوجتي في شراء شيء ما لكنني أوضحت لها انني لا أملك المال الكافي لذلك، فصاحت بنتي الصغيرة: ماما ليه ما تزوجتِ شخصا غنيا، وكان رد الأم أسخف من سؤال البنت: القسمة والنصيب يا بنتي (وهذه عندما تقال بطريقة معينة يكون فيها عنصر التهكم).. فرغم أنه لا غبار على تلك العبارة من الناحية الدينية واللغوية، فإنها مبطنة بدلالات تعني: الله يصبرني على ما قسمه لي، أي أن بها «شكوى» غير صريحة.
الإنجليز يقولون: إذا كان والدك فقيرا فهذا قدر لا فرار منه، أما إذا كان والد زوجتك فقيرا فهذا يعني أنك غبي. ولديهم أيضا حكمة شعبية تقول: لقد ولدت ذكيا ولكن المدرسة قضت على ذكائي! ونبقى مع الجنون اللذيذ ونتساءل: إذا كان واجبا علينا مساعدة الآخرين فما دور هؤلاء «الآخرين» في الحياة؟ لماذا كلمة «الاختصار» طويلة؟ النقود ليست كل شيء فهناك بطاقات فيزا وماستر كارد! وراء كل رجل ناجح امرأة ووراء كل رجل غير ناجح امرأتان! على كل شخص أن يسعى للزواج لأن السعادة ليست هي كل شيء في الحياة! كلما صار النجاح قريبا منك كثر عدد أقاربك! مستقبلك يتوقف على أحلامك وبالتالي واصل النوم! كلما ازددت علما ازددت معرفة وكلما ازدادت حصيلتك المعرفية ازددت توهانا ونسيانا، وكلما ازددت توهانا ونسيانا نقصت حصيلتك المعرفية. فما الداعي إذن للتعلُّم؟.. وللصغار منطق مدهش.. تعاتب الواحد منهم لأنه لم يستحم طوال أربعة أيام «حتى صارت ريحتك «تقرف»، فيقول لك: السمك طول عمره في الماء ومع هذا فرائحته مقرفة على الدوام.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك