زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
مرحبا بالنقرس
رغم أنني لست من صنف الناس الذين يهرعون إلى العيادات الطبية للشكوى من العلل الخفيفة -والثقيلة أحيانا، فإنني أحترم قرارات وتوجيهات الأطباء فيما يتعلق بحالاتي الصحية، ووسيلة تناول الدواء الموصوف لتلك الحالات. وكان آخرها -وبعد معاناتي من وخزات مؤلمة في باطن قدمي أن أتجنب البروتينات، وبالتحديد اللحوم الحمراء والبقوليات من فول وعدس وفاصوليا وبازلاء. لماذا؟ لأنني أعاني من ارتفاع نسبي في حامض اليوريك مما يجعلني مرشحا لمرض النقرس، (بالمناسبة نطقها الصحيح بفتح النون المشددة وتسكين القاف)، وهو مرض لئيم يسبب ألما فظيعا في الأطراف خاصة في باطن وأصابع القدمين، وقد يستفحل ويجعل حركة الإنسان محدودة، بل أحيانا يجعل المصاب بها يلزم الكرسي ذا العجلات. وفي بادئ الأمر ارتفعت معنوياتي لأن النقرس فيما يقال مرض البرجوازية الكبيرة الشبعانة والمترفة، والناس اللي فوق -فوق في العلالي، وكان في العصور القديمة يصيب علية القوم الذين لا عمل لهم سوى القنص وأكل لحم الطرائد التي يصطادونها، ثم تذكرت ان الانتماء الى طبقة الهوامير والتماسيح والقطط السمان بـ«المرض»، أمر لا يدعو إلى السرور والتباهي، وأن النقرس لن يغير من وضعي الطبقي كثيرا فسأظل «زولا» كحيانا غلبانا مثل سرحان عبدالبصير، ولن يرتفع وضعي الاجتماعي بارتفاع معدلات حامض اليوريك في جسمي.
قال لي الطبيب: بلاش لحوم.. قلت: لا مانع، فقد صرت أعاف لحوم هذا الزمان العابرة للقارات، التي صارت بلا طعم أو رائحة.. استغفر الله بل لها رائحة مثيرة للتقزز.. أي «زِفرة»، لكنه منعني من الفول والعدس أيضا، فصحت فيه: هذه مؤامرة. لإشانة سمعة «الحبيبين» وتصفيتي جسديا! كيف أستطيع ان أتنفس أو أتحرك من دون فول أو عدس؟ عند الفطام يطعمون الصغار السريلاك وأطعمة أخرى مهروسة وشهية ولكن أمي فطمتني بالفول والعدس فصارا جزءا من تركيبتي الكيميائية. وصارا الطاقة التي تساعدني على الحركة، وانطلاقا من كل هذا، ومع كامل احترامي للطب والأطباء أعلنت ما يلي: إذا كان تفادي النقرس يستوجب مقاطعة الفول والعدس فمرحبا بالنقرس والفرقس والجقدس والفسفس. المسألة مسألة مبدأ: حرمان سوداني من الفول لا يقل استفزازا عن وضع الخرطوم تحت حماية قوات أمريكية. وأستطيع ان أقاطع اللحوم الحمراء شهورا متصلة، ومعه دجاج آخر الزمان الذي نشتريه مطبوخا او نطبخه في البيت فيظل طعمه غريبا ومريبا، بعد أن صار أصحاب المزارع يحقنون الدجاج بالكورتيزون حتى يصبح من فئة «من شحمه ورم». حتى البيض صرت «أشك» فيه بعد أن عرفت ان الدجاجة صارت تبيض دون حاجة الى ديك (وفي ظل العبث العلمي السائد باسم الاستنساخ هناك من يسعى لإلغاء دور الرجل في عملية الحمل والإنجاب.. وا ضيعة شواربنا). وقبل أيام قليلة وبالتحديد في سبتمبر المنصرم نشرت جريدة تايمز اللندنية تقريرا مفاده أن جهات هولندية وأمريكية تعمل على زرع وإنتاج لحوم في المختبرات من دون الحاجة الى تربية حيوانات. فهناك خلية اسمها مايوبلاست تتحول إلى عضلات، ويتم سحبها من حيوان (بقرة مثلا) وتحفيزها للتكاثر في خليط من الغلوكوز والأحماض الأمينية والمعادن وعناصر أخرى حتى تتشكل منها شرائح لحم تصلح للفرم أو الشواء.. وقد نجحت تجربة تزريع اللحم بكلفة 10 آلاف دولار للكيلوغرام الواحد.. يا بلاش.. ومرحبا بالنقرس.. طيب لماذا كل هذا التعب والحيوانات موجودة وتتكاثر؟ قالوا إن الحيوانات تسبب أمراضا لا حصر لها، والأبقار على وجه التحديد معروف عنها أنها تنتج كميات هائلة من الغازات التي تسبب ظاهرة الإحماء (الدفيئة وثقب الأوزون).. يعني تختفي الحيوانات وتصيح أم الجعافر وأنا أغادر البيت: ما تنسى تروح المختبر تفحص الدم للملاريا.. وهات معك (من المختبر) كيلو لحم مفروم.. وربع سي سي بفتيك ونص ليتر ستيك (البفتيك والستيك اسم الدلع لشرائح اللحم.. وهناك شيء تسميه المطاعم الفاخرة سكالوب وهو شريحة لحم أيضا بها غنج ودلال فرنسي).
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك