عالم يتغير
فوزية رشيد
هكذا يصنعون الأحداث!
{ في العقود الماضية وبعد ظهور التلفزيون تدرّج صانعو الأفلام والتقارير، بالاعتماد على التدرّج الذاتي الطبيعي لذكاء المنتجين والمخرجين، في إضفاء لمسات سحرية أو زائفة على المُنتج الفني، وبهدف التأثير في الرأي العام سواء في المجال السياسي أو الاجتماعي أو الأخلاقي أو الثقافي!، ولكننا اليوم أمام عالم مختلف ومشهد جديد في صناعة الزيف الإعلامي بعد التطورات المذهلة التي طرأت على استخدامات «الذكاء الاصطناعي»، بحيث أصبح صناعة الحدث أو التأثير قائمًا على تقنية عالية في التزوير! فأنت ترى مثلاً أمامك المرأة الحديدية «تاتشر» وهي ترقص، رغم أنه صناعة أو فبركة من تقنيات الذكاء الاصطناعي! ومثله ترى «الملكة إليزابيث» الراحلة، بدورها تخرج عن رصانتها المعتادة، فترقص بدورها وتتمايل، بما لا يمكن للمشاهد العادي أن يدرك أنه تقنية إلكترونية!
وهكذا رؤوساء دول يتحدثون أحاديث لم يقولوها! وآخرين يتم إدخالهم في فيديوهات مفبركة، والذكاء الاصطناعي يقوم بدوره بشكل مخيف!، حتى لم يعد أحد يفرّق بين الحقيقة والكذب أو بين صحة الحدث وفبركته، فهكذا هم يصنعون التأثير عبر الفبركة والزيف، بل ويصنعون الحدث ويتم نشره، حتى إذا ما اتضح لاحقًا فبركته أو زيفه يكون الهدف قد تحقق والأمر قد انتهى والحدث المفبرك أدىّ الدور المطلوب منه في التأثير وصناعة الرأي وقلب الحقائق!
{ في فيلم كاشف للممثلين الأمريكيين الكبيرين «روبرت دو نيرو» و«دوستان هوفمان»، أبدعا في كشف تفاصيل مهمة في كيفية صناعة الأحداث المفبركة!، وتأثيرها حتى على حروب تقوم بين أمريكا ودول أخرى! وكيف يتم التلاعب بالرأي العام وهنا «الأمريكي والعالمي» معًا، رغم أن الحدث كله مفبرك إنتاجيًا وتصويرًا وسيناريو! الفيلم هو WAG THE DOG»»، ويحمل رؤية استباقية، إن الفيلم قديم نوعًا ما، حول آليات صناعة الأحداث خاصة من الجانب الأمريكي، لتغيير مجريات الأمر الواقع حسب مصالحها!
{ الفيلم يدور في زمن الانتخابات أيام الرئيس «ريجان»، الذي كان يريد الفوز بدورة انتخابية ثانية، ولم يبق على التصويت إلا ما يقارب الأسبوعين، فيما هو مسافر إلى الصين في مهمة لم يطلع الإعلام أو الشعب الأمريكي عليها!
وكان «روبرت دو نيرو» من قادة حملته الانتخابية يبحث عن حدث مفبرك يُشغل به الرأي العام إلى حين عودة «ريجان» إلى البلد، فوقع اختياره على المنتج، لهوليدودي «دستان هوفمان»، ليفبرك له الحدث! فما كان من الأخير إلا اقتراح «الإرهاب في ألبانيا» وبشكل عشوائي، والاستعانة بأمريكية تمثل دور فتاة ألبانية، هاربة من الإرهاب والإرهابيين في قريتها! ولتنزل صورتها بخلفية مفبركة للقرية الألبانية المنتقاة على صفحات الصحف الكبرى، ثم في فيديو مصور بالذكاء الاصطناعي على القنوات الإخبارية الرئيسية! وليتم تناقل الحدث في كل العالم بعد ذلك، ولتصدر التصريحات من «ألبانيا» بالنفي من دون فائدة، فقد تحوّل الأمر إلى ساحة الرأي العام الأمريكي والعالمي! وأمريكا تخوض حربًا في «ألبانيا» ضد الإرهاب!
{ «روبرت دو نيرو» يتمكن من إقناع المخابرات الأمريكية بالتواطؤ مع الفيلم المفبرك، لأنه في مصلحة أمريكا العليا! ويتم تأليف أغنية شعبوية، بعد فبركة أخرى في ألبانيا، رغم أنه كان يقبع في عزلة السجن في أمريكا!
والأغنية التي أصبح يرددها الشعب الأمريكي تعبيرًا عن حادثة الجندي «شومان» المفبركة، سرعان ما تحولت إلى ضجة إعلامية كبيرة! والأغنية الجديدة التي تم وضعها في «مكتبة الكونجرس» باعتبار أنها تعود إلى عام 1930، هي فبركة أخرى ومطلعها (نحرس الحلم الأمريكي، نحرس الروح الأمريكية، بلادنا مبنية على صخرة الحرية)!
{ بدأت الحرب في الإعلام وانتهت في الإعلام ليقول «دو نيرو» جملة كاشفة حول صناعة الحدث بالفيلم المفبرك: (هذه هي السياسة في أوجها! السياسة أشبه بالسمكرة)!
وليخاطب المنتج «دستان هوفمان»:
- ما رأيك أن نرشح الرئيس لجائزة نوبل للسلام؟!
- لكنه لم يخض حربًا في ألبانيا ليحقق السلام!
- وهذا هو إنجاز أكبر! يرد «دو نيرو»!
يتحدثان في ذلك وأغنية الحلم الأمريكي تتكرر في كل البيوت والشوارع، والعيون تبكي مطالبة بعودة الجندي «شومان» فيما الرئيس سيقابله الآن الشعب صدّق الفبركة تمامًا!
{ هكذا هم يصنعون الأحداث عبر الأكاذيب والفبركة وتزوير السرديات! ألا يذكرنا ذلك بما فعلته أمريكا في العراق؟! وصور وفيديوهات أسلحة الدمار الشامل، وخطاب «كولن باول» الكاذب في مجلس الأمن؟! ألم يدمروا العراق ويحتلوه عبر الأكاذيب؟! ألم يفعلوا ذلك في نهاية الحرب العالمية الثانية، والملابسات التي أحاطت بالهجوم على ميناء «بيرل هاربر» ودخول أمريكا الحرب ما قاد في النهاية إلى أن تستسلم اليابان بعد رمي القنبلة النووية على مدينتين فيها؟!
ألم يصنعوا الأحداث ويفبركوها في دول كثيرة في العالم، منها أفغانستان وسوريا؟! ألم يفبرك صهاينتهم الأفلام حول قطع رؤوس الأطفال والاغتصاب في غزة، ليتضح كذب كل ذلك؟! ألم يفجروا حروبًا ويصنعوا أزمات بسرديات كاذبة ومرويات زائفة ووثائق مزورة، بل وحتى صور وفيديوهات مفبركة؟!
{ أليس بكل ذلك تختلط الحقائق بالأكاذيب والتزوير؟ وتتم صناعة الأحداث في العالم من حروب وتشريد لملايين البشر، وصناعة المآسي للشعوب والدول، وكل ذلك بدم بارد، تتخلله سخرية الفبركة، لنصل إلى مفهوم السياسة لدى أمريكا بأنها أشبه بالسمكرة!
وهكذا هم يسيطرون على العالم بورشة من المعدات الصدئة للسمكرة! فماذا ينتظر العالم في سنوات «ترامب» القادمة، والأب الروحي للذكاء الاصطناعي «إيلون ماسك» في فريقه الحكومي؟!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك