العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

عن الطب التجاري

في‭ ‬سياق‭ ‬ممارسة‭ ‬جميع‭ ‬المهن‭ ‬تقع‭ ‬أخطاء،‭ ‬معظمها‭ ‬غير‭ ‬متعمدة،‭ ‬والأطباء‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬المهنيين‭ ‬حرصا‭ ‬على‭ ‬أداء‭ ‬واجباتهم‭ ‬تجاه‭ ‬المرضى‭ ‬بمقتضى‭ ‬ضوابط‭ ‬علمية‭ ‬وأخلاقية،‭ ‬أقول‭ ‬قولي‭ ‬هذا‭ ‬ثم‭ ‬أحكي‭ ‬لكم‭ ‬حكاية‭ ‬ثري‭ ‬من‭ ‬بلد‭ ‬عربي‭ ‬اصطحب‭ ‬جاره‭ ‬الذي‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬إعاقة‭ ‬عقلية‭ ‬ذهنية‭ ‬الى‭ ‬مستشفى‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬شبه‭ ‬أوروبي،‭ ‬لينزع‭ ‬جلده‭ ‬لترقيع‭ ‬جلده‭ ‬المكرمش‭. ‬زعم‭ ‬للجماعة‭ ‬في‭ ‬المستشفى‭ ‬ان‭ ‬المتبرع‭ ‬قريب‭ ‬له،‭ ‬وطالما‭ ‬انه‭ ‬‮«‬سيدفع‮»‬،‭ ‬فلم‭ ‬يكن‭ ‬هناك‭ ‬ما‭ ‬يستدعي‭ ‬التحقق‭ ‬من‭ ‬صحة‭ ‬أو‭ ‬بطلان‭ ‬زعمه‭.‬

قبل‭ ‬سنوات كان‭ ‬لي‭ ‬صديق‭ ‬تعاني‭ ‬زوجته‭ ‬من‭ ‬متاعب‭ ‬صحية،‭ ‬وعملا‭ ‬بنصيحة‭ ‬زميل‭ ‬له‭ ‬في‭ ‬العمل،‭ ‬اتصل‭ ‬هاتفيا‭ ‬بطبيب‭ ‬في‭ ‬بلد‭ ‬اشتهر‭ ‬بـ«السياحة‭ ‬الطبية‮»‬‭.. ‬وقبل‭ ‬أن‭ ‬يكمل‭ ‬صديقي‭ ‬شرح‭ ‬حالة‭ ‬زوجته‭ ‬كان‭ ‬الطبيب‭ ‬قد‭ ‬فرغ‭ ‬من‭ ‬التشخيص‭ ‬وعرض‭ ‬آلية‭ ‬علاج‭ ‬من‭ ‬شاكلة‭: ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬عملية‭ ‬جراحية‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬السرعة،‭ ‬نشيل‭ ‬غضروف‭ ‬من‭ ‬الأنف‭ ‬ونزرعه‭ ‬في‭ ‬الكتف‭.. ‬وننقل‭ ‬البنكرياس‭ ‬ليكون‭ ‬‮«‬ناصية‮»‬‭ ‬على‭ ‬شمال‭ ‬القفص‭ ‬الصدري،‭ ‬ولن‭ ‬تكلفك‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬15‭ ‬ألف‭ ‬دولار‭. ‬ومن‭ ‬أجل‭ ‬سواد‭ ‬عيونك‭ ‬وعشان‭ ‬خاطرك‭ ‬نخليها‭ ‬13‭ ‬ألف‭ ‬دولار،‭ ‬ولحسن‭ ‬حظ‭ ‬صاحبي‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬زوجته‭ ‬عاقلة،‭ ‬فما‭ ‬أن‭ ‬أبلغها‭ ‬بما‭ ‬قاله‭ ‬الطبيب‭ ‬واقترح‭ ‬عليها‭ ‬السفر‭ ‬لملاقاته،‭ ‬حتى‭ ‬صاحت‭ ‬فيه‭: ‬كيف‭ ‬تثق‭ ‬بطبيب‭ ‬يتخذ‭ ‬قرارا‭ ‬بالعلاج‭ ‬ولو‭ ‬بالبندول‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الاستشعار‭ ‬من‭ ‬بعد؟‭ ‬ولو‭ ‬عندك‭ ‬13‭ ‬ألف‭ ‬دولار‭ ‬ولا‭ ‬تعرف‭ ‬ماذا‭ ‬تفعل‭ ‬بها،‭ ‬أعطني‭ ‬إياها،‭ ‬وأنا‭ ‬أزوجك‭ ‬امرأة‭ ‬موفورة‭ ‬الصحة‭ ‬و«على‭ ‬ذوقي‭ ‬الرفيع‮»‬‭!‬

‭ ‬غالبية‭ ‬الأطباء‭ ‬جديرون‭ ‬بالثقة‭ ‬ومتمسكون‭ ‬بمواثيق‭ ‬الشرف‭ ‬والأخلاق‭ ‬في‭ ‬تعاملهم‭ ‬مع‭ ‬المرضى،‭ ‬ولكن‭ ‬وفي‭ ‬كل‭ ‬بلد‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬صارت‭ ‬هناك‭ ‬شريحة‭ ‬من‭ ‬الأطباء‭ ‬تمارس‭ ‬الطب‭ ‬بأساليب‭ ‬‮«‬سوقية‮»‬‭. ‬قبل‭ ‬أعوام‭ ‬قليلة‭ ‬اقترح‭ ‬طبيب‭ ‬بريطاني‭ ‬على‭ ‬زوجتي‭ ‬إجراء‭ ‬جراحة‭ ‬زعم‭ ‬أنها‭ ‬ضرورية‭ ‬و«نتائجها‭ ‬مضمونة‮»‬،‭ ‬وقال‭ ‬لنا‭ ‬في‭ ‬تبرير‭ ‬ذلك‭ ‬كلاما‭ ‬جعلني‭ ‬أقول‭ ‬له‭: ‬على‭ ‬بركة‭ ‬الله‭! ‬ثم‭ ‬عدنا‭ ‬الى‭ ‬الفندق‭ ‬لننتظر‭ ‬عدة‭ ‬أيام‭ ‬يتم‭ ‬خلالها‭ ‬إجراء‭ ‬فحوصات‭ ‬لها‭ ‬قبل‭ ‬موعد‭ ‬الجراحة،‭ ‬وفي‭ ‬لحظة‭ ‬صفاء‭ ‬اقترحت‭ ‬على‭ ‬زوجتي‭ ‬أن‭ ‬نأخذ‭ ‬رأي‭ ‬جراح‭ ‬آخر،‭ ‬وذهبنا‭ ‬الى‭ ‬مستشفى‭ ‬لندن‭ ‬بريدج‭ ‬والتقينا‭ ‬بأستاذ‭ ‬‮«‬بروفسر‮»‬‭ ‬في‭ ‬نوع‭ ‬الجراحة‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يفترض‭ ‬ان‭ ‬تخضع‭ ‬زوجتي‭ ‬لها‭ ‬ووضعنا‭ ‬أمامه‭ ‬ما‭ ‬معنا‭ ‬من‭ ‬‮«‬أوراق‭ ‬وصور‮»‬،‭ ‬وخلال‭ ‬عشر‭ ‬دقائق‭ ‬كان‭ ‬البروفيسور‭ ‬قد‭ ‬انتفض‭ ‬غضبا‭ ‬عندما‭ ‬قرأ‭ ‬توصية‭ ‬زميله‭ ‬الذي‭ ‬أوصى‭ ‬بالجراحة‭. ‬لم‭ ‬يشتم‭ ‬زميله‭ ‬ولكنه‭ ‬قال‭ ‬بنبرة‭ ‬حاسمة‭: ‬إياك‭ ‬أن‭ ‬تخضعي‭ ‬للجراحة‭ ‬المقترحة‭ ‬ولو‭ ‬بعد‭ ‬عشرين‭ ‬سنة‭. ‬ولو‭ ‬ظللت‭ ‬تعانين‭ ‬لبقية‭ ‬عمرك‭. ‬عودي‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬أتيتِ،‭ ‬وتابعي‭ ‬حالتك‭ ‬مع‭ ‬نفس‭ ‬الطبيب‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يعالجك‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬السنوات‭ ‬الماضية‭! ‬في‭ ‬عالم‭ ‬اليوم‭ ‬تجد‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬بلدان‭ ‬العالم‭ ‬بقالات‭ ‬طبية‭ ‬تقدم‭ ‬عروضا‭ ‬خاصة‭: ‬افحص‭ ‬الدم‭ ‬ونفحص‭ ‬لك‭ ‬البول‭ ‬مجانا،‭ ‬والعينة‭ ‬من‭ ‬عندنا‭! ‬يذهب‭ ‬رجل‭ ‬مفتول‭ ‬الشوارب‭ ‬اسمه‭ ‬عنتر‭ ‬بن‭ ‬هتلر‭ ‬ال‭ ‬موسوليني‭ ‬الى‭ ‬طبيب‭ ‬العيون،‭ ‬فيطلب‭ ‬منه‭ ‬تصوير‭ ‬ظهره‭ ‬بالرنين‭ ‬المغناطيسي،‭ ‬و«روح‭ ‬المختبر‭ ‬اعمل‭ ‬مسحة‭ ‬لعنق‭ ‬الرحم‭ ‬واختبار‭ ‬سمع‮»‬‭.‬

وعندنا‭ ‬في‭ ‬الخرطوم‭ (‬كان‭ ‬عندنا‭ ‬قبل‭ ‬الحرب‭ ‬المشؤومة‭ ‬التي‭ ‬تفتك‭ ‬بالبلاد‭ ‬والعباد‭ ‬حاليا‭) ‬مستشفى‭ ‬تعليمي‭ ‬فيه‭ ‬حاليا‭ ‬جناح‭ ‬مخصص‭ ‬للعائدين‭ ‬من‭ ‬بلد‭ ‬آسيوي‭ ‬مسلم‭ ‬بعد‭ ‬زرع‭ ‬الكلى‭.. ‬وقبل‭ ‬نحو‭ ‬سنتين‭ ‬تحدث‭ ‬رجل‭ ‬في‭ ‬برنامج‭ ‬تلفزيوني‭ ‬عن‭ ‬زوجته‭ ‬التي‭ ‬زرعت‭ ‬كلية‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬البلد،‭ ‬وقال‭ ‬لها‭ ‬الجراح‭ ‬ان‭ ‬بإمكانها‭ ‬السفر‭ ‬فركبا‭ ‬الطائرة‭ ‬وفوجئ‭ (‬داخل‭ ‬الطائرة‭) ‬بأن‭ ‬الدماء‭ ‬تسيل‭ ‬من‭ ‬زوجته‭ ‬بغزارة،‭ ‬واكتشف‭ ‬ان‭ ‬الجراح‭ ‬قام‭ ‬بخياطة‭ ‬الجرح‭ ‬بطريقة‭ ‬عشوائية‭ ‬ومستخدما‭ ‬خيوطا‭ ‬قطنية،‭ ‬ومع‭ ‬وصول‭ ‬الطائرة‭ ‬الى‭ ‬أرض‭ ‬المطار‭ ‬كانت‭ ‬زوجته‭ ‬قد‭ ‬توفيت‭. ‬ثم‭ ‬قرأت‭ ‬مؤخرا‭ ‬ما‭ ‬ورد‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬سعودية‭ ‬عن‭ ‬سيدة‭ ‬اكتشفت‭ ‬بعد‭ ‬خروجها‭ ‬من‭ ‬أحد‭ ‬المستشفيات‭ ‬بعد‭ ‬ولادة‭ ‬قيصرية‭ ‬أن‭ ‬رحمها‭ ‬‮«‬ضاع‮»‬‭: ‬يا‭ ‬ربي‭ ‬وين‭ ‬راح‭ ‬هذا‭ ‬الرحم؟‭ ‬فتشت‭ ‬هي‭ ‬وزوجها‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬جميع‭ ‬أرجاء‭ ‬البيت‭ ‬والسيارة،‭ ‬ولكن‭ ‬لم‭ ‬يعثروا‭ ‬للرحم‭ ‬على‭ ‬أثر،‭ ‬ورفعت‭ ‬قضية‭ ‬أمام‭ ‬اللجنة‭ ‬الشرعية‭ ‬الطبية،‭ ‬وأرجو‭ ‬ممن‭ ‬يتابع‭ ‬هذه‭ ‬القضية‭ ‬أن‭ ‬يبلغني‭ ‬بم‭ ‬قضت‭ ‬اللجنة‭ ‬كي‭ ‬‮«‬أخذ‭ ‬راحتي‮»‬‭ ‬في‭ ‬الكلام‭ ‬عنها‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا