العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

عن القطيعة مع الرياضة (2)

عرضت‭ ‬بالأمس‭ ‬أسباب‭ ‬نفوري‭ ‬من‭ ‬الرياضة،‭ ‬وتحديدا‭ ‬التعصب‭ ‬الكروي،‭ ‬وأحكي‭ ‬لكم‭ ‬اليوم‭ ‬وقائع‭ ‬قد‭ ‬تجعلكم‭ ‬مثلي‭ ‬تنفرون‭ ‬من‭ ‬الارتباط‭ ‬بالرياضة،‭ ‬وخاصة‭ ‬كرة‭ ‬القدم،‭ ‬ولو‭ ‬بالتشجيع‭ ‬والفُرجة‭: ‬في‭ ‬بلد‭ ‬عربي‭ (‬وأنقل‭ ‬الوقائع‭ ‬من‭ ‬صحيفتين‭ ‬فيه‭) ‬مثل‭ ‬رجل‭ ‬أمام‭ ‬القضاء‭ ‬متهما‭ ‬بقتل‭ ‬عياله‭ ‬الثلاثة‭ ‬وأمهم‭ ‬وأختها‭. ‬في‭ ‬آخر‭ ‬جلسة‭ ‬للمحكمة‭ ‬حدد‭ ‬القاضي‭ ‬موعد‭ ‬الجلسة‭ ‬التالية‭ ‬ولكن‭ ‬المتهم‭ ‬وقف‭ ‬معترضا‭: ‬ما‭ ‬أقدر‭ ‬أحضر‭ ‬الجلسة‭ ‬هاذي‭!! ‬سأله‭ ‬القاضي‭ ‬عن‭ ‬السبب‭ ‬فقال‭ ‬إن‭ ‬‮«‬المنتخب‮»‬‭ ‬يخوض‭ ‬مباراة‭ ‬مهمة‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم‭.. ‬ركِّز‭ ‬معي‭.. ‬انس‭ ‬أن‭ ‬الرجل‭ ‬متهم‭ ‬بقتل‭ ‬كامل‭ ‬أفراد‭ ‬أسرته‭: ‬زوجته‭ ‬وعياله‭. ‬افترض‭ ‬أنه‭ ‬بريء‭ ‬تماما‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬التهمة‭. ‬فإدانته‭ ‬غير‭ ‬ثابتة‭ ‬حتى‭ ‬يصدر‭ ‬القاضي‭ ‬حكما‭ ‬بها‭. ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬دعنا‭ ‬نفترض‭ ‬أنه‭ ‬فقد‭ ‬جميع‭ ‬أفراد‭ ‬أسرته‭ ‬في‭ ‬جريمة‭ ‬ارتكبها‭ ‬مجرم‭ ‬بلا‭ ‬قلب‭ ‬مازال‭ ‬هاربا‭ ‬من‭ ‬العدالة‭. ‬كيف‭ ‬يستطيع‭ ‬شخص‭ ‬كل‭ ‬ساعات‭ ‬يومه‭ ‬طوال‭ ‬أشهر‭ ‬استجوابات‭ ‬تذكره‭ ‬بما‭ ‬حصل‭ ‬لأسرته‭ ‬أن‭ ‬يفكر‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬شرب‭ ‬كوب‭ ‬شاي؟‭ ‬هب‭ ‬أنهم‭ ‬ماتوا‭ ‬بسبب‭ ‬الطوفان‭ ‬أو‭ ‬الإسهال‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬حادث‭ ‬مروري،‭ ‬هل‭ ‬يفكر‭ ‬إنسان‭ ‬سويّ‭ ‬في‭ ‬الترفيه‭ ‬عن‭ ‬نفسه‭ ‬والتصفيق‭ ‬للاعب‭ ‬الذي‭ ‬يحرز‭ ‬الهدف‭ ‬وكل‭ ‬أسرته‭ ‬تحت‭ ‬التراب‭.‬

في‭ ‬بلد‭ ‬عربي‭ ‬مغاربي،‭ ‬انهال‭ ‬شاب‭ ‬في‭ ‬الـ25‭ ‬على‭ ‬والده‭ ‬البالغ‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬65‭ ‬سنة‭ ‬باللكمات‭ ‬والركلات‭ ‬غير‭ ‬الترجيحية،‭ ‬ثم‭ ‬ضربه‭ ‬عدة‭ ‬مرات‭ ‬بمكنسة‭ ‬كهربائية‭ ‬حتى‭ ‬دخل‭ ‬في‭ ‬غيبوبة،‭ ‬أُدخل‭ ‬إثرها‭ ‬المستشفى،‭ ‬وبعد‭ ‬علاج‭ ‬مطول‭ ‬خرج‭ ‬بشلل‭ ‬دائم‭ ‬في‭ ‬الساق‭!! ‬طيب‭ ‬ما‭ ‬هي‭ ‬الجريمة‭ ‬التي‭ ‬ارتكبها‭ ‬الأب‭ ‬حتى‭ ‬يستحق‭ ‬مثل‭ ‬ذلك‭ ‬العقاب‭ ‬القاسي؟‭ ‬هذا‭ ‬الشاب‭ ‬الحقير‭ ‬يشجع‭ ‬نادي‭ ‬‮«‬كذا‮»‬،‭ ‬ولا‭ ‬شغل‭ ‬ولا‭ ‬مشغلة‭ ‬عنده‭ ‬سوى‭ ‬متابعة‭ ‬مباريات‭ ‬النادي‭ ‬في‭ ‬الملاعب،‭ ‬وإن‭ ‬تعذر‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬التلفزيون،‭ ‬وفي‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم‭ ‬المشؤوم‭ ‬كان‭ ‬نادي‭ ‬‮«‬كذا‮»‬‭ ‬يخوض‭ ‬مباراة‭ ‬وصاحبنا‭ ‬المهووس‭ ‬يصيح‭ ‬ويبرطم‭ ‬وينطط‭ ‬ويملأ‭ ‬البيت‭ ‬صخبا‭ ‬غير‭ ‬عابئ‭ ‬بالضيق‭ ‬الذي‭ ‬سببه‭ ‬لبقية‭ ‬أفراد‭ ‬العائلة،‭ ‬وفي‭ ‬لحظة‭ ‬ضيق‭ ‬صاح‭ ‬والده‭: ‬إن‭ ‬شاء‭ ‬الله‭ ‬‮«‬نادي‭ ‬كذا‮»‬‭ ‬يخسر‭ ‬المباراة‭ ‬كي‭ ‬نرتاح‭ ‬من‭ ‬صراخك‭. ‬لم‭ ‬يصدق‭ ‬الشاب‭ ‬ما‭ ‬سمعته‭ ‬أُذناه‭: ‬هل‭ ‬يتجرأ‭ ‬كائن‭ ‬من‭ ‬كان‭ ‬ويدعو‭ ‬على‭ ‬‮«‬كذا‮»‬‭ ‬بالخسارة؟‭ ‬وخلال‭ ‬ثوان‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬قرر‭ ‬أن‭ ‬شرف‭ ‬النادي‭ ‬لن‭ ‬يسلم‭ ‬من‭ ‬الأذى‭ ‬حتى‭ ‬يُراق‭ ‬على‭ ‬جوانبه‭ ‬دم‭ ‬أبيه‭. ‬للحكاية‭ ‬نهاية‭ ‬أكثر‭ ‬إيلاما‭: ‬حكمت‭ ‬المحكمة‭ ‬على‭ ‬الشاب‭ ‬بالسجن‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات‭ ‬فقط‭.‬

وبعد‭ ‬هذا‭ ‬نستغرب‭ ‬سلوك‭ ‬الغوغائيين‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬والجزائر‭ ‬الذي‭ ‬ذكرته‭ ‬بالأمس‭ ‬بسبب‭ ‬منافسات‭ ‬في‭ ‬كرة‭ ‬القدم‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬وصل‭ ‬ذلك‭ ‬السلوك‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬الاشتباك‭ ‬بالأيدي؟‭ ‬هناك‭ ‬من‭ ‬ينسى‭ ‬فقدان‭ ‬الولد‭ ‬بل‭ ‬وينسى‭ ‬أن‭ ‬حبل‭ ‬المشنقة‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬قريبا‭ ‬من‭ ‬رقبته‭ ‬بسبب‭ ‬مباراة‭ ‬في‭ ‬كرة‭ ‬القدم‭. ‬وهناك‭ ‬من‭ ‬يشرع‭ ‬في‭ ‬قتل‭ ‬والده‭ ‬بسبب‭ ‬عبارة‭ ‬عابرة‭ ‬تمس‭ ‬ناديه‭ ‬المفضل‭ (‬وأعتقد‭ ‬أن‭ ‬الشاب‭ ‬المغاربي‭ ‬توقف‭ ‬عن‭ ‬ضرب‭ ‬أبيه‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬دخل‭ ‬في‭ ‬غيبوبة‭ ‬مفترضا‭ ‬أنه‭ ‬مات‭.. ‬يعني‭ ‬الغيبوبة‭ ‬أنقذت‭ ‬الوالد‭ ‬من‭ ‬الموت‭ ‬ولو‭ ‬أنها‭ ‬سببت‭ ‬له‭ ‬الشلل‭).. ‬قالها‭ ‬قبلي‭ ‬كثيرون‭: ‬كرة‭ ‬القدم‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬تستحق‭ ‬التاء‭ ‬المربوطة‭ ‬في‭ ‬آخرها،‭ ‬بل‭ ‬ينبغي‭ ‬ان‭ ‬تنتهي‭ ‬بالهاء‭ ‬‮«‬كره‮»‬‭ ‬أي‭ ‬بكاف‭ ‬بالضم‭ ‬وراء‭ ‬بالسكون‭! ‬بلا‭ ‬أخلاق‭ ‬رياضية‭ ‬بلا‭ ‬بطيخ‭.. ‬أين‭ ‬عنصر‭ ‬الأخلاق‭ ‬في‭ ‬الفاولات‭/‬الخشونة‭ ‬المتعمدة‭ ‬في‭ ‬الملاعب؟‭ ‬أين‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬الاشتباك‭ ‬المفضي‭ ‬إلى‭ ‬الموت‭ ‬بين‭ ‬المشجعين؟‭ ‬أين‭ ‬هي‭ ‬من‭ ‬إرغام‭ ‬اللاعبين‭ ‬على‭ ‬تعاطي‭ ‬الحبوب‭ ‬المنشطة‭ ‬كي‭ ‬يحتفظوا‭ ‬بحيويتهم‭ ‬طوال‭ ‬المباريات،‭ ‬وما‭ ‬على‭ ‬المدربين‭ ‬من‭ ‬حرج‭ ‬إذا‭ ‬سببت‭ ‬تلك‭ ‬الحبوب‭ ‬الوهن‭ ‬العضلي‭ ‬لمن‭ ‬يتعاطاها‭ ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬الثلاثين‭.‬

مرة‭ ‬أخرى‭ ‬أقول‭ ‬إن‭ ‬الرياضة‭ ‬ممتعة‭ ‬لمن‭ ‬يمارسها‭ ‬ولمن‭ ‬يتابعها،‭ ‬ولكن‭ ‬ارحمونا‭ ‬من‭ ‬الكلام‭ ‬الفارغ‭.. ‬أتمنى‭ ‬على‭ ‬المعلقين‭ ‬الرياضيين‭ ‬العرب‭ ‬بالذات‭ ‬أن‭ ‬يكفوا‭ ‬عند‭ ‬التعليق‭ ‬على‭ ‬مباريات‭ ‬بين‭ ‬فريقين‭ ‬عربيين‭ ‬التوقف‭ ‬عن‭ ‬استخدام‭ ‬كلمة‭ ‬‮«‬الأشقاء‮»‬‭ ‬في‭ ‬وصف‭ ‬لاعبي‭ ‬الطرفين‭ ‬فهي‭ ‬كلمة‭ ‬صارت‭ ‬مسكوكة‭ ‬ومبتذلة‭.. ‬المعلق‭ ‬نفسه‭ ‬الذي‭ ‬يتحدث‭ ‬عن‭ ‬فريق‭ ‬عربي‭ ‬‮«‬شقيق‮»‬،‭ ‬يلاعب‭ ‬فريقا‭ ‬من‭ ‬بلده‭.. ‬ما‭ ‬أن‭ ‬يحرز‭ ‬فريق‭ ‬بلاده‭ ‬هدفا‭ ‬حتى‭ ‬يهتف‭: ‬الله‭ ‬أكبر‭.. ‬الله‭ ‬أكبر‭ ‬فتحسب‭ ‬أن‭ ‬سمكة‭ ‬قرش‭ ‬ابتلعت‭ ‬إسرائيل‭ ‬وأراحتنا‭ ‬من‭ ‬الذل‭.. ‬ولو‭ ‬أحرز‭ ‬الفريق‭ ‬الشقيق‭ ‬هدفا‭ ‬يصيح‭ ‬المعلق‭: ‬الحَكَم‭ ‬ما‭ ‬عنده‭ ‬ذمة‭ ‬وأكيد‭ ‬اشتراه‭ ‬‮«‬الأشقاء‮»‬‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا