زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
دفاعا عن الرجال
رغم أنني وبقرار شخصي لم أدخل المرحلة الأربعينية من السن، إلا أنني لا أقبل المساس بمعنويات من هم فوق الخمسين، ولهذا كرست قلمي لفضح مؤامرات العلماء الغربيين لنشر الإحباط الوبائي بين كبار السن، وفي هذا الصدد أعرض عليكم اليوم ما يقوله باحثون في جامعة ولاية بنسلفانيا الأمريكية، من أن مخ الرجل - وليس المرأة- يتقلص بعد سن العشرين، وكلما ازداد عدد سنوات عمر الرجل، كلما استفحل التقلص، خاصة في الجزء الأمامي من الدماغ، فيصبح كلما تقدم في السن أقل قدرة على التركيز، ومتقلب المزاج بدرجة أنه قد يعجز عن إدراك المواقف المضحكة والطريفة، وعَلل الباحثون ذلك بأن الرجال أكثر ميلا لتنشيط واستخدام أجزاء أخرى من أدمغتهم، فيصبح الجزء الموجود خلف الجبهة خاملا تدريجيا. ويمكن وقف التدهور وإعادة تفعيل هذا الجزء بالتمارين!! (يعني تضرب رأسك بالحائط؟)، ومعه هذا منح ملايين الأمريكان الشباب أصواتهم لدونالد ترامب ليصبح رئيسا، رغم أنه نموذج كلاسيكي للخرف منذ ان كان في سن العشرين
كما قلت أعلاه، هذا الكلام لا يهمني شخصيا، لأنني ومن حيث العمر «صامد» في أواخر الثلاثينيات منذ الأربعينيات، ولكنه يهمني بوصفي منتميا إلى الجنس المتهم بفقدان جانب من قواه العقلية بمرور الزمن، ولو مد الله في أيامي فسألتقي بأولئك الباحثين، وأقول لهم: تكلموا عن أنفسكم، والرجال لم يعطوكم توكيلا لتتحدثوا بالنيابة عنهم، وحتى لو كان ما قلتموه صحيحا كان ينبغي ان يكون «كتامي بيننا وبينكم»، وليس بنشره في المجلات ومواقع الإنترنت حتى تطلع عليه النساء ويجدن فيه «مستندا» لاتهامنا بالخرف، واحتمالات لقائي بالباحثين البلهاء هؤلاء كبيرة، لأنني اعتزم زيارة الولايات المتحدة - غالبا متسللا- لأن ترامب لا يحب ذوي البشرة السمراء، وسأزور الجامعة التي ينتسب اليها أولئك العلماء، لأنني صنعت فيها جميلا قبل سنوات قليلة، عندما ألحقت ولدي بها، ولو كنت أعلم ان بها هذه النوعية من الأساتذة والباحثين لألحقته بجامعة الدول العربية ليكون «في السليم» طوال سنوات عمره لا يهش ولا ينش.
اعترفت من قبل بأن ذاكرتي صارت «مش ولابد» بعد ان صارت تعاني ثقوبا متفاوتة الأحجام، وبسبب النسيان فإن زوجتي تعايرني بأن مخي «ضارب» أي خارج تغطية الشبكة، ولكنني وعندما أقارن حال مخي بحال مخ - مثلا - ترامب، الذي كان يوما ما رئيسا فاشلا للولايات المتحدة ثم عاد رئيسا عليها، فإنني أحس بالغرور وبأن مخي «يوزن بلد» مثل أمريكا. بل حتى مقارنة بولدي الذي تلقى تعليمه العالي في جامعة ولاية بنسلفانيا، اعتبر نفسي عبقريا.. أقول: يا ولد جيب الموبايل بتاعي من السيارة فيخرج وقد لا يعود، ثم اكتشف انه دخل غرفته ليقرأ أو يلعب. أين الموبايل يا ولد؟ آآآسف يا أبوي.. وين تركته؟.. وقد أكلفه بإحضار كوب ما فيأتيني بموزة او قرص بندول. وقد تصلني رسالة عبر الهاتف الجوال من بنتي: بابا أرجو الاتصال بي لو سمحت ظروفك بذلك، واتصل بها فورا فيأتيني الرد: خير بابا. مش من عوايدك تتصل بي أثناء ساعات الدراسة أو العمل! ماذا تفعل إزاء موقف كهذا؟ تصيح: معليش أنا غلطان؟.
فقدان القدرة على التركيز وباء عام في عالمنا المعاصر.. عطلنا مراكز الذاكرة في أمخاخنا بمنح الموبايلات والكمبيوترات توكيلات بأن تحفظ لنا الأسماء والأرقام ومواعيد الارتباطات.. ولكنني مقتنع (على مضض) بأن النساء أكثر قدرة من الرجال على التركيز، لأن مسؤولياتهن أكبر من مسؤوليات الرجال.. فالمرأة العاملة مثلا عليها ان تركز في أداء مهام وظيفتها وفوقها مهامها كزوجة وأم وأخت إلخ.. وحتى المرأة المتفرغة تماما لشؤون عائلتها عليها «التركيز» في كل شيء بما في ذلك أمور راتب زوجها وكيفية توزيع المخصصات وتنسيق الشؤون الاجتماعية والصحية (وبالتوازي مع كل ذلك، رصد تحركات وفعاليات الزيجات والطلاقات وحركة السوق خاصة ما يتعلق بالتنزيلات).. للتأكد من قوة ذاكرة المرأة أسأل واحدة من العائلة: أكبر فلان أم فلان؟ في أي يوم سيكون عيد الفطر المقبل؟ بالنسبة لتاريخ مولد الفلانين سيكون الرد من نوع: الفرق بينهم يومين ونص تقريبا.. حمودي مولود صباح السبت من شهر كذا سنة كذا وعبودي مولود عصر الاثنين من نفس الشهر، بعد وفاة حاجة فاطمة بستة شهور ويومين.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك