زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
حاسة الشم دليلا في محكمة
الشتاء على الأبواب، وأنا عاشق للشتاء، فأنا من افريقيا صحرائها الكبرى وخط الاستواء/ لفحتني بالحرارات الشموس/ وشوتني كالقرابين على نار المجوس فأنا منها كعود الأبنوس (الشاعر صلاح أحمد إبراهيم)، واعترف بأنني وفي بعض الشتاءات، اعتزم الاستحمام وأقرأ «يس»، في أغيِّر رأيي، واصرف النظر عن الاستحمام كذا يوم متعللا بأن الله أمرنا بعدم القاء أنفسنا الى التهلكة.
وإليكم حكاية السيدة عواطف التي بعريضة الى القاضي تطالب فيها بالطلاق من زوجها عين صاد، (هذه حكاية وقائعها حقيقية شهدتها مدينة عربية، واحتفظ بقصاصة صحفية تحوي تفاصيلها)، وتعاطف معها أقاربها ونصحوها بالاستعانة بأحد المحامين كي تكسب القضية، ولكنها رفضت ذلك، متعللة بأنها ستطرح قضية بشكل أفضل من أي محام، وأن القضية «في جيبها»، أي أنها واثقة من أنها ستحصل على الطلاق الذي تنشده. وفي اليوم المحدد للنظر في القضية وقفت أمام القاضي الذي نبهها الى أنه لاحظ أنها لا تحمل أي مستندات او تقدم أسماء أي شهود تستعين بهم لعرض وجهة نظرها كي تكسب قضية الطلاق، ولكن عواطف قالت للقاضي ما معناه «مفيش لزوم.. ما يحتاج لكل هذا»، وابتسم القاضي في إشفاق، وأبلغها أن من حقها طلب تأجيل الجلسة كي يتسنى لها إحضار الشهود او المستندات أو تستعين بمحام أو صديق حتى لو كان جورج قرداحي، ولكنها قالت مرة أخرى: مفيش لزوم.
لم يكن الزوج وقتها قد حضر أمام القاضي، وبحسب ما هو معمول به في المحاكم فإن النظر في القضية يستمر طالما تم إبلاغ الطرفين بموعد المثول أمام القاضي، ولم يتقدم أي منهما بطلب تأجيل الجلسة، وطلب القاضي من عواطف طرح أسباب مطالبتها بالطلاق من رجل ظلت متزوجة به عدة سنوات فقالت إنه لا يستحم! صاح القاضي وهو يكتم ضحكته: نعم، ماذا؟ قالت: قلت لك ان زوجي عين صاد لا يستحم أي لا يتعامل مع الماء والصابون! وقع القاضي في حيص بيص فكون أحد الزوجين وسخ البدن وكريه الرائحة يعد سببا كافيا للتفريق بينهما إذا طلب الطرف «النظيف» ذلك، ولكن كيف له كقاض ان يتأكد من أن الزوج هذا يستحم أو لا يستحم. وبعد صمت طويل سألها القاضي: ماذا تقصدين بالضبط بالقول بأنه لا يستحم؟ ردت عليه: أقصد أن أقول إنه معفن ونتن الرائحة والجلوس على بعد أمتار منه كالجلوس داخل برميل قمامة. ثم أضافت: باختصار يا حضرة القاضي زوجي لم يستحم سوى مرتين خلال العامين الماضيين بواقع مرة كل سنة! أحس القاضي بأنه أمام قضية حساسة وأن السيدة الواقفة أمامه لا يمكن ان تكون بلهاء وتفبرك كذبة من العيار الثقيل حول زوجها أمام القضاء. وبينما هو يملي على كاتب المحكمة انه تقرر تأجيل الجلسة لتاريخ لاحق لمنح الزوج فرصة للإدلاء بوجهة نظره ودحض مزاعم الزوجة، أعلن الحاجب وصول الزوج، فأمر القاضي بإدخاله القاعة. ودخل الرجل القاعة فانتفض القاضي واقفا وقال: رفعت الجلسة. ذلك أنه وبمجرد دخول الرجل القاعة أحس القاضي بروائح عجيبة تصفع فمه وتصيبه بصداع نصفي. ولكن وقبل ان يغادر القاعة غير رأيه، وطلب إبعاد الزوج عن المنصة، بالتحديد إلى أبعد نقطة منها، وسأله: هل صحيح أنك لم تستحم سوى مرتين خلال العامين الماضيين؟ قال عليش: نعم. سأله القاضي: ولماذا «غلّبت حالك» واستحممت مرتين في 24 شهرا. فجاءه رد عليش بأنه كان عليه ان يغتسل للتطهر وأداء الصلاة. هنا صاح القاضي بأعلى صوته: حكمت المحكمة بالطلاق بين عواطف... وعين صاد. وأمر عليش بمغادرة المكان فورا.. يعني أدرك القاضي ان الزوج لم يكتف فقط بالنتانة بل إنه لم يقرب زوجته سوى مرتين في سنتين، ولولا ذلك لما استحم تينكما المرتين!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك