زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
ولماذا أعيش مائتي سنة؟
هناك أطباء غربيون من فئة «الفاضي يسوِّي حاله قاضي»، أي أن من لا يجد شيئا يملأ به وقته يُفتي في أمور عجيبة، ومن هذا ما أوردته مجلة ألمانية نقلا عن الدكتور الأمريكي ادموند تشاين المختص بأمراض الشيخوخة. والذي يقول ان الشيخوخة نوع من الأمراض، ينشأ عن أن «السيستم تبعك انت يصير خراب»، ويتوقف بسبب اعتلالات كثيرة عن النمو، وتتوقف الخلايا عن التجدد (أسرد للمرة الـ....، حكاية الخادمة الآسيوية التي كانت تعمل مع قريبة لنا وأتتها رسالة من أهلها فجلست تبكي بحرقة، واتضح أن أمها على سرير الموت، وبكل شهامة عرضت عليها قريبتنا أن تسفرها الى بلدها لتكون قرب أمها في لحظاتها الأخيرة، فكفكفت الخادمة دموعها وقالت: لا أنا ما يروح بلاد.. ماما واجد قديم. تعني ان أمها عجوز طاعنة في السن).
يقول الدكتور تشاين إن العلاج بهرمونات النمو يمكن أن يمنع ظهور أعراض الشيخوخة، وبالتالي يصبح من الممكن نظريا -والكلام لا يزال لتشاين- أن يعيش الإنسان لمائتي (200) سنة، والأصل في طب الشيخوخة هو أن يخفف وطأة العلل التي يصاب بها الناس عندما يبلغون من الكبر عتيّا، مثل آلام المفاصل، وعدم القدرة على التحكم في إفرازات المثانة والجهاز الهضمي، وضعف عضلات القلب ومختلف أنواع الإعاقات العضوية والذهنية، ولكن في عصر تسليع العلم وجسم الإنسان والإنسان نفسه، يظهر أمثال الدكتور تشاين، ليبيعوا سلعة عديمة النفع -في تقديري على الأقل- هي مضاعفة عمر الإنسان قياسا بمتوسط الأعمار المعروف في كل أجناس البشر. كيف؟
من المسلم به ان الطب الحديث أسهم في زيادة المتوسط العام للأعمار، لأن من يأخذون بأسباب الصحة والعافية يعيشون أطول من أولئك المحرومين من الرعاية الصحية والطبية، وهناك مقاييس ومعايير علمية عالمية للوفيات mortality تؤكد ان متوسط أعمار البشر في الدول المتقدمة في زيادة/ارتفاع مطرد، بينما متوسط عمر الإنسان في كثير من الدول الفقيرة، حيث الغذاء قليل والخدمات الطبية «بح»، قد لا يتجاوز منتصف الأربعينات، ولكن دعني من كل هذا، فأنا وأنت وجون وديميتري وكومار وشخاروف والبيرتو، نعرف في أعماق دواخلنا ان الموت لا يستأذن أحدا، وأنه ليس هناك نظام إنذار مبكر ينبهنا الى قدوم الموت، وأن تشاين نفسه ربما قد مات وأنا أكتب عنه. (لدينا في السودان أغنية شعبية تقول كلماتها إن «المرض ما بيقتل زول»، أي ان المرض مهما كانت وطأته لا يعني بالضرورة أنه سيتسبب حتما في وفاة المريض).
ولكن هب انه من الممكن عمليا إطالة عمر الإنسان باستخدام هرمونات النمو. هل تريد فعلا ان تعيش مائتي سنة؟ ألن يكون ذلك أسخف من منطق صبغ الشعر وتركيب الأسنان الاصطناعية، وشدّ الجلد جراحيا أو بحشوات البوتوكس وشفط الدهون؟ من الطبيعي ان يتمنى الإنسان طول العمر، ولكن هب أن كلام تشاين طلع «صح»، وهذا النوع من العلاج سيكلف حتما الشيء الفلاني، وكالعادة الأغنياء يشيلون الزبدة في كل تقدم طبي وعلمي جديد، وهب أنك دفعت الآلاف المؤلفة، وتم تجديد شبابك وعشت 120 او 165 سنة (بلاش 200). سيكون فارق السن بينك وبين العجوز ابن الستين، ستين او ثمانين سنة. هل تتونس وتسولف مع شخص في نصف عمرك؟ عيب. جميع من كنت تعرفهم منذ الصغر ماتوا بل مات أولادهم الغلابة جميعا. وهب أن حفيدك الذي ولد وانت في الأربعين رزق بحفيد. هل ستتعامل معه بمنطق تعال يا ولد روح يا ولد وهو رجل شحط عمره فوق الخمسين؟
د. تشاين هذا ينتمي الى مدرسة معاصرة في الطب معنية بمظهر الإنسان: كيف تحافظ على الشكل الشبابي؟ شكرا. هب أن الهرمونات جعلتني وأنا في التسعين في نضارة هيفاء وهبي المغشوشة (النضارة وليس هي) ماذا أفعل بذاكرتي؟ هذه السيدة التي أمامي هل هي زوجتي أم خادمتي؟ ستقول لي ان الحل في زراعة رقاقة سيليكون في دماغي لإنعاش ذاكرتي. ما قيمة الذاكرة الكمبيوترية إذا كانت كل الوجوه والأسماء المخزونة فيها قد اختفت بالموت؟ وهل ستضعني على «شاحن» عندما تصاب الشريحة الالكترونية بالوهن أو التلف؟
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك