زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
ما كل عشب نافع كدواء
للمرة المليون بعد الألف أقول إن خوضي في أمور تتعلق بالصحة العامة لا يعني انني «مثقف طبيا» بأي قدر، وفي مجال الصحة فإنني ممن يؤيدون إعطاء العيش للخباز من دون ان يأكل نصفه، وكلامي هذا مقدمة ضرورية لأنني سأتناول اليوم أمرا طبيا-صيدلانيا، كناقل للمعلومات الأساسية، مع منح نفسي حرية الاستنتاج.
وقف بول بينيت المدير المسؤول عن المعايير المهنية في مجموعة بوتس الصيدلانية العملاقة أمام لجنة برلمانية بريطانية، وقال بالحرف ما يأتي: ليس لدينا أي دليل على ان الأدوية العشبية التي نبيع منها بمئات الملايين تشفي أي مرض ومع هذا نبيعها لأن الجمهور «عايز كده».. الجمهور -حتى في الدول الغربية- يعتقد ان الأدوية العشبية لها مفعول السحر، وأنها حتى لو كانت لا تنفع فإنها لا تضر.
وقبل شهور نشرت أسبوعية صنداي تايمز تقريرا حوى خلاصة دراسات طبية وصيدلانية تقول ما يأتي: «ليس هناك ما يثبت ان العقاقير العشبية أفضل من البلاسيبو» والبلاسيبو قرص لا يحوي أي مواد ذات خصائص علاجية أو وقائية. يعني شوية سكر ودقيق وبس. ويستخدم البلاسيبو بانتظام في تجريب مفعول أي عقار جديد بتقسيم من يخوضون في التجربة إلى مجموعتين او أكثر إحداها تتناول العقار الجديد وأخرى تتناول البلاسيبو.. إلخ، وبعدها تجرى دراسة النتائج، للبت في فاعلية العقار. وأقول مجددا إنني مدرك لحقيقة أنني أخوض في مياه ساخنة لا أجيد السباحة فيها، ولكن دوري ودور كل صاحب قلم ومنبر للتواصل مع الناس هو «إلقاء الضوء» على المناطق المعتمة: بالتأكيد هناك أدوية عشبية ذات مفعول علاجي ناجع ولكن «الرك والكلام» على الجهة المنتجة.. يعني عقار عشبي أنتجته شركة صيدلانية لها معامل بحث وتخضع كل ما تنتجه للتجربة وفق ضوابط متعارف عليها، أتناوله بقلب جامد لأنه لا يدخل السوق ما لم تكن نجاعته ثابتة.
حقيقة الأمر هي أنه يزعجني أن المداواة بالأعشاب صارت تجارة رابحة يديرها في غالب الأحوال أشخاص بلا أي دراية في مجال البحوث الصيدلانية: كزبرة على شوية نعناع مخلل على شوية صمغ تداوي التهاب الكبد. وتذهب الى عشّاب آخر لتطلب دواء لالتهاب الكبد فيعطيك خلطة من مسحوق الخس والسبانخ بعسل قصب السكر. وهكذا ظهر في العالم العربي من يداوون السرطان نهائيا خلال شهر واحد بـ«تركيبة سرية» مثل تركيبة بهارات دجاج كنتاكي. (وفي واتساب يتم تداول الرسائل بشكل متكرر بأن شخصا ما توصل الى علاج حاسم للسرطان، وكأنما السرطان مرض واحد او نوع واحد من الأمراض، وسمعنا عن العشرات الذين توصلوا إلى علاج الإيدز بالأعشاب وذاع صيتهم حينا من الدهر ثم خبا.. وشخصيا أتداوى بالأعشاب في حالات معينة ولكن تلك الأعشاب مجربة ولم يتلاعب بها قرصان «بتاع كله»، وفي جميع المجتمعات والدول هناك أعشاب استوثق الناس عبر القرون من خواصها العلاجية والوقائية، ولكن فئة من العشابين التجاريين صارت تسترزق بثقة الناس بالأعشاب الطبية وتنتج خلطات لا تخضع لأي رقابة، بعد تسويق أكذوبة أنه ما من دواء عشبي ضار بالصحة حتى لو لم يعالج الحالة المعنية. أتذكرون هوجة عصارة زيت حبة البركة كدواء لكل داء؟ ماتت الهوجة بعد ان حذر أطباء مسلمون من حدوث حالات فشل كلوي بالجملة لمن أفرطوا في تناول تلك العصارة.. ما معنى هذا؟ معناه أنه حتى الأدوية العشبية ذات النجاعة المؤكدة قد تصبح قاتلة لأن من يقوم بتحضيرها لا يعرف ما هي الجرعة او تركيز الجرعة التي تعود بالفائدة وليس بالمخاطر.
أذكركم بأكذوبة شرش الزلوع الذي (ما إن ظهرت الفياغرا) حتى ظهرت منه عبوات تؤكد أنه أفضل من الفياغرا.. كيف عرفتم ذلك؟ قالوا: لاحظنا ان التيوس التي تأكل تلك العشبة في جنوب لبنان تصبح أكثر فحولة!! ولتعزيز الكذبة قالوا ان الجنود الاسرائيليين سرقوا تلك النبتة من الجنوب اللبناني! هب أن ذلك صحيح: هل نحن تيوس؟
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك