زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
ثم واكبت عصر التكنولوجيا
يحسب كثيرون ممن يكسبون الرزق بالعمل اليدوي أنهم محرومون من استخدام الكمبيوتر، لأنهم لا يدركون ان الهواتف التي ظلوا يحملونها ويتواصلون بها مع الآخرين هي الكمبيوتر بعينه، وأذكر أن أحد أسباب طلاقي للصحافة الورقية كمهنة أكل عيش أساسية، كان الخوف من الكمبيوتر، وكنت قد سمعت عنه طراطيش كلام غير مطمئنة، منها أنه «يفهمها وهي طايرة» ولديه لكل سؤال جواب، وأنه كالبعير «لا ينسى». وبكل صدق أقول إن بعض ما سمعته عن الكمبيوتر قبل أن يتسنى لي رؤيته بالعين المجردة، جعلني أخاف منه لأنه قد يتطفل على حياتي الخاصة، بل إن زميل عمل قال لي بعد بضع سنوات من هجري الصحافة وانتقالي الى شركة الاتصالات القطرية مسؤولا عن الترجمة والعلاقات العامة: لا تخليهم يعطونك كمبيوتر، لأنه سيسجل كل تحركاتك ويكشفها للمدير العام، وأنا كعربي – إفريقي أخاف من المدير العام مثل الخوف الذي كان يلازمني من مدير المدرسة، الذي لم يكن الطالب على أيامنا على كراسي الدراسة يقف أمامه إلا لمخالفة عقوبتها فادحة.
ولكن بي حنين شديد إلى صحافة ما قبل الكمبيوتر، مثل حنيني إلى عالم الطباشير (التدريس)، لأنني من جيل مش «وِش نعمة»، يستمتع بإنجاز الأمور بالمكابدة والجهد الجهيد، وبالمصري لا نحب أن «نأكلها والعة»، بل نحب أن نولعها ونطبخها بأنفسنا على نار هادئة، ولكنني اعترف في نفس الوقت بأن لحاقي بعصر الكمبيوتر قد جدد شبابي. كنا فين وبقينا فين، فسبحانه الذي جعل جعفر الممنوع من الصرف في اي بورصة عالمية، يجلس الآن يكتب هذه الكلمات على الكمبيوتر، بل ويتلذذ عندما يكتشف أنه يفهم في بعض الامور أفضل مما يفهم الكمبيوتر، ونصيحة لكثيرين يعتقدون أنهم أخطأوا في كتابة كلمة أو جملة ما، لأن الكمبيوتر وضع تحتها خطا أحمر: الكمبيوتر ليس دائما على حق بل وفيما يتعلق بقواعد الإملاء والنحو العربية، قد «يوديك في داهية»، بل وحتى في الانجليزية فإنه وإلى يومنا هذا لا يعترف بالجملة التي فيها الفاعل مبني على المجهول passive voice.
وكتبت من قبل عن احتفائنا كصحفيين بالفاكس، بدرجة أننا في جريدة الاتحاد الإماراتية، كنا نحسد محررا مكلفا فقط بالجلوس في غرفة الفاكس ليتسلم رسائل المراسلين ويزودهم بالتوجيهات الخطية عبر الفاكس: تابعوا تطورات الحادث كذا وكذا. نريد مزيدا من التفاصيل حول الموضوع.. حاول ان تحصل على تصريح من مصدر «أقوى»، ومنشأ الحسد هو أننا كنا نعتقد انه من مقتضيات الانصاف ان يكون التعامل مع التكنولوجيا دوريا بحيث نتناوب على استخدام الفاكس، ولك ان تتخيل مقدار خجلي عندما اكتشفت ان ارسال واستقبال نصوص مكتوبة بذلك الجهاز لا يتطلب اي مهارات، بدرجة انني ومن باب رد الاعتبار لنفسي اشتريت جهاز فاكس وقمت بتركيبه في بيتي ولا أذكر أنني وعلى مدى سنوات، وحتى ألقيت به في برميل النفايات ارسلت به اكثر من نصين أو ثلاثة (وكانت جميعها بدون مناسبة أو جدوى أو داعٍ، ولكن فقط للاستمتاع بأنني عندي فاكس)
ومن حقي ان افتخر بأنني من أكثر خلق الله استخداما للإنترنت، وأعرف كل المواقع التي أجد فيها ما اشتهي من أخبار وحكايات، وصور ومقاطع فيديو، بل تعلمت قرصنة الأفلام وأشاهد الكثير منها ببلاش، ثم واكبت العصر وصارت لي 4 صفحات فيسبوك، أنشر في واحدة منها مقالاتي القديمة وفي الأخريات مواضيع قابلة للأخذ والرد، وتحت ضغوط من بعض الأصدقاء أنشأت حسابا في تويتر (الذي صار إكس). وجاءت الضغوط لأن هناك شخصا انتحل شخصيتي وسيرتي وصورتي في تويتر، وبعد فتح الحساب اكتشفت أنني مطالب بالتغريد، ولأنني من عائلة محافظة تعتبر الرجل الذي يغرد «مش راجل»، لم يحدث قط أن تعاملت بتويتر أو عبر تويتر.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك