زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
حزنت لمصير السيارة
يقول مثل دراج إن الإنسان لا يختار أقاربه، ولكنه بمقدوره اختيار جيرانه، ولكن حرية اختيار الجار ليست صحيحة في معظم الأحوال، ما لم تكن أنت مالك البيوت المجاورة لبيتك، أو أحمق وتترك بيتك لأن جارك شخص لا يطاق.
ومصداقا لبعض هذا إليكم حكاية تعود وقائعها إلى بضع سنوات خلت: غريهام جونز مزارع من إقليم ويلز البريطاني، وكان يبلغ من العمر 67 سنة، وظل يعاني لسنوات طويلة من مشكلة مستعصية (في تقديره) وهي ان لجاره وينفريد جونز، البالغ من العمر 93 سنة، ساعة حائط قديمة تمنع دقاتها ورنينها السيد غريهام من النوم، فكان ان لجأ الى الشرطة والقضاء لإرغام الجار على إزالة الساعة او إيقافها، (تذكّر أن كلا منهما يعيش في بيت خاص ومنفصل، ولكن ملتصق بالآخر) فأجرت الشرطة تحرياتها اكثر من مرة واستعانت بجماعة حماية البيئة لقياس مدى التلوث الصوتي الذي تسببه الساعة، وقررت ان الإزعاج المزعوم الذي تسببه الساعة في الحدود المصرح بها، ثم ضاقت الشرطة ذرعا بشكاوى عمو غريهام ووجهت اليه تحذيرا بعدم مضايقتها او مضايقة الجار العجوز، فغضب غريهام وطنطن لأن الساعة بحسب الإحصاءات التي أجراها تدق وترن 639 مرة ما بين الحادية عشرة مساء والسابعة والنصف صباحا، ولأنه كلما دقت جلس في سريره متوترا بانتظار الدقة التالية. ولما يئس غريهام من عدالة القضاء البريطاني اتخذ إجراء حاسما لوضع حد لمعاناته من تلك الساعة. انتحر بأن جلس في سيارته وسكب البنزين على نفسه بعد ان أحكم إغلاق أبواب السيارة وأشعل النار في نفسه حتى تفحم.
وبداهة فقد انفطر قلبي حزنا على السيارة المسكينة التي احترقت مع عمو غريهام الذي قتل نفسه - في اعتقادي - لانه كان رجلا حقودا ويريد حرمان جاره جونز ذو الـ93 «ربيعا» من متعة الاحتفاظ بساعة أثرية، ولو كان غريهام هذا جارا لأسرة عربية في مدينة عربية، لانتحر وهو في عامه الثاني، فلأن الجار العربي مجبول على الكرم فإنه يفتح جهاز التلفزيون عنده بحيث يسمع الجيران كل كلمة من كل برنامج او مسلسل او فيلم، وعندما يأتي زائر لهذا الجار الساكن في الطابق العشرين من عمارة ذات ثلاثين طابقا، فإنه يقف امام مدخل العمارة ويزمّر ببوق سيارته للفت انتباه الجار الى انه وصل. وبعض الضيوف العرب يأتونك مساء، ويودعونك بعد منتصف الليل بإجراءات مصافحة أطول من إجراءات التحية عند اللقاء، ثم يمتطون سياراتهم ويزمرون بيب بيب من باب تحية الوداع. فنحن شعوب ودودة وحبوبة ولكننا نفتقر الى الذوق في تعاملنا اليومي مع بعضنا البعض، فبنا جلافة عجيبة. تمسك بالباب في مستشفى ليمر من يسير خلفك فيلج من الباب دون ان يشكرك وكأنك بواب عند الذين خلّفوه. وحتى عندما تلقي التحية على أحدهم فإنه قد يتجاهلك او يرد عليها وكأنك زوج طليقته التي هجرته بأمر قضائي بعد ان اساء معاملتها.
ولحسن حظي فقد عوّدتني الحياة على تحمل إزعاج الجيران، ففي طفولتي كنت أصحو على نهيق الحمير وثغاء الماعز وصياح الديكة في بيتنا وبيوت جيراننا، والبيت السوداني يكون عادة «حوش» أي فناء ضخم تناثر حوله الغرف على نحو عشوائي في غالب الأحوال، وكثيرا ما يتبادل الجيران الونسة والاخبار من خلف الجدران، من دون ان يكونوا قادرين على رؤية وجوه بعضهم البعض، والديك في منطقة النوبة السوداني كائن يعاني من خلل في ساعته البيولوجية فتسمعه يصيح في الحادية عشرة مساء والثانية صباحا، وبعض الديكة عندنا تشبه الساعة التي دفعت عمو غريهام الى الانتحار لأنها تصيح على رأس كل ساعة.
وبرغم جلافتنا فإنني أفضل السكن قرب زريبة بهائم في إحدى الحظائر البشرية في العالم العربي على العيش جارا لأسرة من الفرنجة، لأنهم قوم لا يقيمون وزنا للعلاقات الإنسانية ومن ثم ينكسرون ويتهاوون ازاء أي انتكاسة ويهربون من مشاكلهم بالانتحار!
إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"
aak_news

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك