العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٨ - الاثنين ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٣ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

إلياس خوري وميزان الضمير!

{‭ ‬منتصف‭ ‬سبتمبر‭ ‬رحل‭ ‬عن‭ ‬عالمنا‭ ‬الروائي‭ ‬والأديب‭ ‬اللبناني‭ ‬إلياس‭ ‬خوري‭ ‬تاركا‭ ‬خلفه‭ ‬أشهر‭ ‬رواياته‭ ‬عن‭ ‬فلسطين‭ ‬وهي‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬باب‭ ‬الشمس‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬فيلم‭ ‬سينمائي‭ ‬عام‭ ‬2002‭ ‬وأيضا‭ ‬ثلاثية‭ ‬‮«‬أولاد‭ ‬الغيتو‮»‬‭ ‬وغيرهما‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الروايات‭ ‬والمقالات‭ ‬والإشراف‭ ‬على‭ ‬ملاحق‭ ‬ثقافية‭ ‬وإدارة‭ ‬التحرير‭ ‬في‭ ‬عديد‭ ‬من‭ ‬الصحف‭ ‬اللبنانية‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬النهار‮»‬‭ ‬ومجلة‭ ‬‮«‬مواقف‮»‬‭ ‬ومجلة‭ ‬‮«‬شؤون‭ ‬فلسطينية‮»‬‭ ‬ومجلة‭ ‬‮«‬الكرمل‮»‬‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬مدير‭ ‬تحريرها‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬الصحف‭ ‬ليجمع‭ ‬بين‭ ‬عمق‭ ‬التجسيد‭ ‬الروائي‭ ‬ووهج‭ ‬العقل‭ ‬المثقف‭ ‬وهموم‭ ‬الكتابة‭ ‬الصحفية‭ ‬في‭ ‬مقالات‭ ‬مشحونة‭ ‬بالوعي‭ ‬الوطني‭ ‬والإنساني‭ ‬والانتماء‭ ‬القومي‭ ‬والحس‭ ‬الأكاديمي‭ ‬كأستاذ‭ ‬في‭ ‬الجامعة‭ ‬اللبنانية‭ ‬والجامعة‭ ‬الأمريكية‭ ‬ببيروت‭.‬

{‭ ‬وفي‭ ‬زمن‭ ‬داخل‭ ‬في‭ ‬فوضى‭ ‬ضياع‭ ‬فلسطين‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬مولده‭ ‬1948‭ ‬إلى‭ ‬فوضى‭ ‬الحرب‭ ‬الأهلية‭ ‬منتصف‭ ‬السبعينيات‭ ‬وهو‭ ‬المسيحي‭ ‬الأرثوذكسي‭ ‬حاول‭ ‬بكتاباته‭ ‬ووعيه‭ ‬تجاوز‭ ‬خطاب‭ ‬الكراهية‭ ‬بين‭ ‬الطوائف‭ ‬وبعضها‭ ‬وبين‭ ‬عدد‭ ‬منها‭ ‬والفلسطينيين‭ ‬وهو‭ ‬البعض‭ ‬الذي‭ ‬قام‭ ‬بأعمال‭ ‬إجرامية‭ ‬تجاه‭ ‬الوجود‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬بيروت‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الاجتياح‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬حتى‭ ‬اضطر‭ ‬قادتها‭ ‬وعلى‭ ‬رأسهم‭ ‬ياسر‭ ‬عرفات‭ ‬إلى‭ ‬الخروج‭ ‬منها‭ ‬إلى‭ ‬تونس‭ ‬1982‭ ‬تحت‭ ‬وطأة‭ ‬الاجتياح‭ ‬لتتشظى‭ ‬رحلة‭ ‬اللجوء‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬القادة‭ ‬بين‭ ‬عواصم‭ ‬مختلفة‭! ‬ولكأنها‭ ‬الرحلة‭ ‬التي‭ ‬تدق‭ ‬ناقوس‭ ‬خطر‭ ‬قادم‭ ‬لمحاولات‭ ‬تذويب‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬وتصفية‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬قادتها‭ ‬وإدخالها‭ ‬في‭ ‬دهاليز‭ ‬الاستقطابات‭ ‬والانقسام‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬وجنون‭ ‬الاستحواذ‭ ‬الصهيوني‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬كلها‭! ‬لتصل‭ ‬إلى‭ ‬الإبادة‭ ‬وحربها‭ ‬الضارية‭ ‬اليوم‭ ‬وإلى‭ ‬صمود‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬في‭ ‬استفراده‭ ‬بمقاومة‭ ‬أشرس‭ ‬الاحتلالات‭ ‬الاستيطانية‭ ‬وأخطرها‭ ‬ولتمتد‭ ‬الأطماع‭ ‬التوسعية‭ ‬إلى‭ ‬لبنان‭ ‬مجددا‭!‬

{‭ ‬كان‭ ‬إلياس‭ ‬خوري‭ ‬أحد‭ ‬أكثر‭ ‬المرتبطين‭ ‬بقضية‭ ‬فلسطين‭ ‬وربما‭ ‬رحلته‭ ‬الخاصة‭ ‬مع‭ ‬محمود‭ ‬درويش‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬ملتحما‭ ‬به‭ ‬أشد‭ ‬التحام‭ ‬قد‭ ‬جعلت‭ ‬من‭ ‬صداقة‭ ‬الروح‭ ‬بوحا‭ ‬خاصا‭ ‬للوعي‭ ‬والحس‭ ‬القومي‭ ‬المرتبط‭ ‬بالقضية‭ ‬الفلسطينية‭! ‬وحيث‭ ‬الجدلية‭ ‬تنجدل‭ ‬بين‭ ‬أشعار‭ ‬درويش‭ ‬وشخوص‭ ‬روايات‭ ‬خوري‭ ‬وتتكاثف‭ ‬مع‭ ‬مراحل‭ ‬ومآزق‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭! ‬ليرتبط‭ ‬بها‭ ‬ارتباطا‭ ‬روحيا‭ ‬وعقليا‭ ‬خاصا‭ ‬دق‭ ‬به‭ ‬باب‭ ‬الشمس‭ ‬كرواية‭! ‬وارتحل‭ ‬مع‭ ‬محمود‭ ‬درويش‭ ‬في‭ ‬تجلياته‭ ‬الشعرية‭ ‬كأبرز‭ ‬شاعر‭ ‬للمقاومة‭ ‬وشعرائها‭!‬

{‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬هي‭ ‬منذ‭ ‬بدأت‭ ‬وإلى‭ ‬الآن‭ ‬ميزان‭ ‬الضمير‭ ‬الإنساني‭ ‬الباحث‭ ‬عن‭ ‬العدل‭ ‬والحرية‭ ‬والكرامة‭ ‬الإنسانية‭ ‬في‭ ‬رحلة‭ ‬التغريبة‭ ‬الفلسطينية‭ ‬التي‭ ‬أدخلت‭ ‬في‭ ‬وهجها‭ ‬وفي‭ ‬عتمة‭ ‬العالم‭ ‬المحيط‭ ‬بها،‭ ‬كل‭ ‬مثقف‭ ‬يبحث‭ ‬في‭ ‬روحه‭ ‬عن‭ ‬ذلك‭ ‬الشغف‭ ‬الإنساني‭ ‬الباحث‭ ‬عن‭ ‬القيم‭ ‬الإنسانية‭ ‬وعدالة‭ ‬الأرض‭ ‬في‭ ‬عالم‭ ‬مستعبد‭! ‬استمر‭ ‬في‭ ‬عبوديته‭ ‬الدولية‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬ما‭ ‬يقارب‭ ‬الثمانين‭ ‬عاما‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يستطيع‭ ‬تحرير‭ ‬نفسه‭ ‬من‭ ‬سطوة‭ ‬وتسلط‭ ‬النخبة‭ ‬الشيطانية‭ ‬التي‭ ‬ظلت‭ ‬تنسج‭ ‬خيوط‭ ‬الاستعباد‭ ‬العالمي‭ ‬لها‭! ‬لتبقى‭ ‬فلسطين‭ ‬وحدها‭ ‬تواجه‭ ‬ركام‭ ‬الخراب‭ ‬العالمي‭ ‬والمأزق‭ ‬الإنساني‭ ‬في‭ ‬العالم‭! ‬ولذلك‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬مستغربا‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬إلياس‭ ‬خوري‭ ‬مرتبطا‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬الارتباط‭ ‬بأكثر‭ ‬القضايا‭ ‬الوطنية‭ ‬والقومية‭ ‬اشتعالا‭ ‬وتجسيدا‭ ‬لرحلة‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬الحرية‭ ‬والتخلص‭ ‬من‭ ‬الاحتلال‭ ‬الصهيوني‭ ‬الذي‭ ‬فاق‭ ‬كل‭ ‬الاحتلالات‭ ‬وحشية‭! ‬ولخص‭ ‬في‭ ‬ذاته‭ ‬كاحتلال‭ ‬كل‭ ‬ظلاميات‭ ‬العصور‭ ‬القديمة‭ ‬والحديثة‭ ‬معا‭! ‬

{‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬2004‭ ‬كنت‭ ‬والشاعرة‭ ‬حمدة‭ ‬خميس‭ ‬بين‭ ‬المدعوين‭ ‬لمعرض‭ ‬الكتاب‭ ‬في‭ ‬فرانكفورت‭ ‬وهناك‭ ‬التقيت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬النخب‭ ‬الثقافية‭ ‬والأدبية‭ ‬والفكرية‭ ‬العربية‭ ‬وبين‭ ‬هؤلاء‭ ‬الذين‭ ‬جمعتني‭ ‬معهم‭ ‬لقاءات‭ ‬مشتعلة‭ ‬بالهم‭ ‬القومي‭ ‬العربي‭ ‬على‭ ‬خلفية‭ ‬الهم‭ ‬الفلسطيني‭ ‬محمود‭ ‬درويش‭ ‬وأحيانا‭ ‬برفقة‭ ‬إلياس‭ ‬خوري‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬ما‭ ‬إن‭ ‬ينشغل‭ ‬عنه‭ ‬درويش‭ ‬بعمق‭ ‬أو‭ ‬طول‭ ‬حوار‭ ‬مهم‭ ‬بعيدا‭ ‬عنه‭ ‬حتى‭ ‬يتململ‭ ‬إلياس‭ ‬خوري‭ ‬ليحاول‭ ‬شده‭ ‬إليه،‭ ‬وكأنه‭ ‬يعاني‭ ‬لحظتها‭ ‬من‭ ‬فراغ‭ ‬هائل‭ ‬في‭ ‬روحه‭ ‬ما‭ ‬إن‭ ‬ينشغل‭ ‬درويش‭ ‬عنه‭ ‬وإن‭ ‬قليلا‭! ‬لهذا‭ ‬قيل‭ ‬إنه‭ ‬توأم‭ ‬روحه؟‭! ‬ربما‭! ‬وكنت‭ ‬بدوري‭ ‬أشعر‭ ‬بالانزعاج‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬الاستحواذ‭ ‬على‭ ‬فرصة‭ ‬نادرة‭ ‬تجمعني‭ ‬بالحوار‭ ‬وتبادل‭ ‬الرأي‭ ‬مع‭ ‬محمود‭ ‬درويش‭ ‬وقد‭ ‬تآلفنا‭ ‬في‭ ‬الهم‭ ‬القومي‭ ‬الطاحن‭ ‬بعد‭ ‬اختلاف‭ ‬بيننا‭ ‬بدأ‭ ‬في‭ ‬بغداد‭ ‬في‭ ‬النصف‭ ‬الثاني‭ ‬من‭ ‬الثمانينيات‭ ‬وكتب‭ ‬عنه‭ ‬درويش‭ ‬في‭ ‬مجلة‭ ‬اليوم‭ ‬السابع‭ ‬وانتهى‭ ‬الخلاف‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬القاهرة‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬الشاعر‭ ‬العراقي‭ ‬سعدي‭ ‬يوسف‭ ‬في‭ ‬مؤتمر‭ ‬للرواية‭ ‬العربية‭! ‬ولربما‭ ‬تسنح‭ ‬الفرصة‭ ‬يوما‭ ‬لأكتب‭ ‬عن‭ ‬محطات‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬أوراق‭ ‬الذكريات‭ ‬والذاكرة‭ ‬التي‭ ‬حفلت‭ ‬أغصانها‭ ‬بالكثير‭!‬

{‭ ‬ربما‭ ‬لو‭ ‬أتاحت‭ ‬الفرص‭ ‬لقاءات‭ ‬أخرى‭ ‬مع‭ ‬إلياس‭ ‬خوري‭ ‬غير‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬عرفته‭ ‬فيها‭ ‬في‭ ‬فرانكفورت‭ ‬لكنا‭ ‬تعارفنا‭ ‬أكثر‭ ‬على‭ ‬الجامع‭ ‬المشترك‭ ‬تجاه‭ ‬القضية‭ ‬الفلسطينية‭ ‬التي‭ ‬ارتحلت‭ ‬فيها‭ ‬منذ‭ ‬عهدي‭ ‬الأول‭ ‬بالكتابة‭ ‬وحتى‭ ‬الآن‭ ‬كقمة‭ ‬للهموم‭ ‬القومية‭ ‬ولأن‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬الالتصاق‭ ‬بها‭ ‬هو‭ ‬حفاظ‭ ‬على‭ ‬الروح‭ ‬الباحثة‭ ‬والتواقة‭ ‬إلى‭ ‬الحرية‭ ‬والعدالة‭ ‬والقيم‭ ‬الإنسانية،‭ ‬ولأنها‭ ‬البوصلة‭ ‬والميزان‭ ‬الذي‭ ‬وضع‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬اليوم‭ ‬ليزن‭ ‬نفسه‭ ‬فيه‭ ‬وبه‭ ‬ذرات‭ ‬ما‭ ‬يحمله‭ ‬من‭ ‬توق‭ ‬وضمير‭ ‬إنساني‭ ‬حي‭ ‬تدرج‭ ‬بالشعوب‭ ‬حتى‭ ‬اشتعلت‭ ‬خلاصته‭ ‬فيما‭ ‬تقوم‭ ‬به‭ ‬شعوب‭ ‬غربية‭ ‬اليوم‭ ‬تريد‭ ‬أن‭ ‬تتحرر‭ ‬من‭ ‬قبضة‭ ‬الظلامية‭ ‬الدولية‭ ‬فوجدت‭ ‬في‭ ‬الشعب‭ ‬الفلسطيني‭ ‬منارتها‭ ‬للوصول‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬وهي‭ ‬تتظاهر‭ ‬نصرة‭ ‬لفلسطين‭ ‬وغزة‭!‬

إلياس‭ ‬خوري‭ ‬برحيله‭ ‬رحل‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬وبقي‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬ذاته‭ ‬بكل‭ ‬تجليات‭ ‬الوعي‭ ‬المرتبط‭ ‬رواية‭ ‬ومقالا‭ ‬بفلسطين‭ ‬وقضيتها‭ ‬وشعبها‭ ‬المتفرد‭ ‬في‭ ‬مقاومة‭ ‬أعتى‭ ‬احتلال‭ ‬وعتمة‭ ‬الظلم‭! ‬لروحه‭ ‬السلام‭ ‬والرحمة‭ ‬والنور‭.‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا