عالم يتغير
فوزية رشيد
العالم يتكلم والكيان يواصل الإبادة؟
{ مجزرة تلو مجزرة ولا يمرّ يوم واحد من دون قتل وإبادة! بل إن الغارات على غزة أخذت منحى جديدًا من (الصواريخ الارتجاجية الثقيلة) المحملة بأطنان من قنابل القتل التي تترك خلفها الحُفر الكبيرة كالتي أحدثتها الثلاثاء الماضي في منطقة خيام النازحين في مواصي خان يونس جنوب غربي القطاع بالقرب من المستشفى البريطاني! لتسفر المجزرة الجديدة عن عشرات القتلى وعشرات الإصابات والجرحى، ولتختفي عائلات كاملة بين الرمال بفعل الصواريخ الارتجاجية، وليسجل الدمار الشامل للخيام وحُفر بعمق (9 أمتار) في الأرض مزيدًا من البشاعة وسط انقطاع كامل للتيار الكهربائي والحرائق الناجمة عن القصف! إلى جانب قصف المنازل أو ما تبقى منها في «حي التفاح» حيث القتلى والإصابات لا تتوقف يوميًا في مثل تلك الاستهدافات لبقايا حجارة بيوت تأوي النازحين! يحدث ذلك حتى بعد مرور ما يقارب العام!
{ تلك «الصواريخ الارتجاجية» التي تحمل في داخلها شراسة تحويل الأرض إلى حفر عميقة، وتحويل الجثث إلى أشلاء مقطعة ومشوهة، وبعضها الآخر إلى عجين مختلط بتراب الأرض! هو ما تُدلل به الولايات المتحدة على أن الحرب على غزة، هي حربها في الإبادة وليست حرب الكيان الصهيوني فقط!، لتلتقي مدرسة الصهيونية الوحشية والهمجية والبربرية في ساحة غزة قتلاً وتميرًا وإبادة، وباستخفاف همجي بكل الرأي العام العالمي، الذي لم تقدم دولة حتى اللحظة أو شعوبه شيئًا غير الكلام والكلام!
وسواء بالإدانة أو الاستهجان! فإذا ما تجرأت «محكمة العدل الدولية» أو «الجنائية الدولية» على تحويل بعض الكلام إلى فعل أو محاكمة أو اتهام بجرائم حرب تستدعي تسمية المجرمين الصهاينة، جاء التهديد الأمريكي واضحًا، بأن لا شيء يعلو على أمريكا أو الكيان الصهيوني حتى القانون الدولي الذي يجب معاقبته!
{ الكل يقول ومن بين من يقول دول كبرى، مثلما صرّح وزير خارجية روسيا على (استحالة السلام في الشرق الأوسط من دون حلّ القضية الفلسطينية، وأن المجتمع الدولي فشل في وقف العدوان والقتل الجماعي في غزة، وأن العنف القائم ضد الفلسطينيين غير مسبوق ولم تشهد أي من الحروب «العربية – الإسرائيلية» مثله). جاء ذلك الثلاثاء الماضي في الاجتماع الوزاري بين دول مجلس التعاون الخليجي وروسيا، ليبقى بدوره كتصريح في ملفات الكلام والكلام! وليأتي الرد من الكيان الصهيوني بمجزرة الـ«مواصي»!
{ وبذلك فإن أمريكا التي تدعي أنها تقود مفاوضات لوقف الحرب، هي تُدلي بالكلمات الزائفة من جهة، وتزوّد الكيان بالصواريخ الثقيلة والأسلحة الفتاكة من جهة أخرى، في جسر جوي وبحري مستمر منذ ما يقارب العام بعد 7 أكتوبر! هو أيضًا كلام ولكنه كلام زائف ومخادع لإعطاء الوقت الذي يريده قادة الكيان لإنهاء الإبادة والتهجير والتدمير!
{ بينما الدول الأخرى الكبرى كالصين وروسيا ودول إسلامية كبرى وعربية، لا تملك معًا سوى الكلام والتنديد والاستهجان، والمطالبة الكلامية بحل القضية الفلسطينية، والبحث عن السلام! فيأتي الرّد الصهيوني بنشر خريطة «إسرائيل الكبرى» وهي الخريطة الملطخة بالأساطير والأوهام والتلفيق في الثورة! ليعلن الكيان أنه غير معنيّ أصلاً لا بحلّ القضية الفلسطينية ولا بالسلام في المنطقة وهو الطامع في جغرافيتها! وكل ذلك معلن ولم يعد سرّاً أو في الخفاء! ولذلك هو غير معني بالقانون الدولي ولا بالمنطق ولا الإنسانية ما دام حاميه الأمريكي يتماهى معه في كل مخططاته وأجندته وحرب إبادته!
{ هكذا الكل يواصل الكلام.. الدول والشعوب والبرلمانات والشعراء والكتاب والمثقفون والأحزاب السياسية وغير السياسية!، وهذا الكل مدرك قبل غيره أن لا قيمة لكلامه أو تحليله ما دام العالم كله واقع في وحل «الصهيونية العالمية» التي تستهزئ بكل الدول وبكل الشعوب وبكل القيم والأسس والمبادئ الدولية بعد أن هدمت كل شيء من أجل أطماعها الاستعمارية، وقاعدتها الكبرى لتحقيق ذلك هو الكيان الصهيوني! ومن أجله وأجل أطماعه هدمت «النظام الدولي» ومؤسساته وقانونه ودساتيره الحقوقية، ليتضح أنها بدورها وجميعًا مجرد كلام في كلام، وسراب في سراب!
{ هذه الظلامية التي يغرق عالم اليوم في سوادها وهو يتفرج على حرب الإبادة، سلخت الإنسان من إنسانيته، والدول من سيادتها وكرامتها، والشعوب عن قدرتها على التأثير! وكأن الكل سادر في خِدر عالمي جماعي!
يطلق فيه البعض بعض الكلام، فيما يساوى البعض الآخر بين جرائم الاحتلال وهي جرائم حرب كبرى وشعب فلسطيني يقاوم ويموت وهو يقاوم! ليأتي هذا البعض فيقول إن السبب هو المقاومة! وأن هناك طرقًا أخرى للنضال! متجاهلاً أن الكيان الصهيوني ليس فقط «محتل» وإنما مغتصب وطن استثنائي لا يشبه أي احتلال! يدعّي أنه له بالكامل، وأن هناك جغرافيا عربية أخرى هي له أيضًا! وأن هذا الكيان الهمجي لم يفهم قط لغة غير لغة المجازر والإبادة منذ 1948! وأن سبب همجيته الراهنة منذ عام في غزة ليس في أكتوبر، وإنما مخططه الاستيطاني في فلسطين والمنطقة! وأن لا سبيل للتعامل معه في النهاية إلا باللغة التي يفهمها وهي لغة القوة التي لا وجود لها بل الكلام ثم الكلام!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك