زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
خصام تَحوَّل إلى وئام
قبل أن أحكي لكم عن زوجين بريطانيين، أقول لكم ان قانون الأحوال العائلية الإسلامي في منتهى العقلانية والتوازن والحكمة: بلغ عدم التوافق بين الزوجين نقطة اللاعودة؟ فراق بمعروف وكلا الطرفين عنده حق الطلاق/ الخلع، وفق ترتيبات معينة.
ظلت أنجيلا متزوجة بـ«أولي نيوستاتر»، طوال ثلاثين عاماً، أنجبا خلالها ولدين تجاوزا كبرا وصارت لكل منهما عائلته الخاصة، وفي مقال كتبته في «صحيفة بريطانية تقول أنجيلا إنها أحست في السنوات الأخيرة أنها وزوجها غير متوافقين في أمور كثيرة، فهي (بعكس معظم النساء) لا تحب النظام، ولا يهمها كثيراً أن يكون البيت مبهدلاً وغير مرتب، ولكنها في الوقت نفسه تحب تنظيم الحفلات في بيتها، لأنها تحب الهيصة والفرفشة والنعنشة والثرثرة والنميمة، وبالمقابل فإن زوجها مرتب ومنظم في كل شيء، ودقيق في مواعيده وعمله، ولا يحب الحفلات والضجيج ويفضل تمضية وقت الفراغ أمام التلفزيون أو الكمبيوتر، وهكذا بدأت أنجيلا في النقنقة والطنطنة، التي هي موهبة نسائية محضة: أنت مش فاضي لي... وجودك في البيت مثل عدمه.. يلعن أبو الكورة على أبو اللي يتفرج عليها.. أنت لا تهش ولا تنش؛ قطيعة تقطع الكيبل والدِش، وجالس نصف وقتك مثل التنبل على الإنترنت أو التلفزيون تطالع اللي تسوى واللي ما تسوى!! ويوماً بعد يوم ظلت الولية تولول، اي تواصل ذلك الموال إلى أن التفت زوجها «أولي» نحوها ذات يوم وقال لها: أنا أيضاً لم أعد أتحمل سخافاتك وحماقاتك وثرثرتك، وشكواك من كل شيء ما عدا صديقاتك الهايفات مثلك، والإنترنت أحسن منك ومن اللي خلفوك، لأنه لا يتكلم إلا بما يُطلب منه، والتلفزيون لا يطالب المشاهد بالرد على ما يصدر منه!!
تقول أنجيلا إنها ما إن سمعت تلك الكلمات حتى دارت الأرض بها وأحست بالمهانة: أنا بنت أبوي يشتمني هذا الرجل أبو حال «مائل»؟ («أنا بنت أبوي» التي تقال للفخر، عبارة في منتهى العباطة لأن كل إنسان في الدنيا ابن أو بنت أبيه، حتى لو كان الأب «مجهولا»)؛ والله لأطربق الدنيا على دماغه؛ وكخطوة أولى في مشوار الطربقة سألته: ما هو اقتراحك لفكّ الاشتباك بيننا؟ تعترف أنجيلا بأنها ندمت على السؤال، خوفا من أن تكون الإجابة هي الطلاق، ولكن «أولي» أثبت أنه ابن أصول، وقال لها ببرود: كل حي يروح لحاله، يعني أنت تقيمين في الطابق العلوي من البيت، وأنا أقيم في الطابق الأرضي؛ وفي اليوم التالي كان قد أحضر البنائين لإقامة مدخل منفصل يؤدي إلى الطابق العلوي، واستغرق تقسيم البيت قرابة العام، وانتقلت أنجيلا بعد ذلك إلى الطابق العلوي و... كانت النتيجة أنهما صارا يقضيان أوقاتاً أطول مع بعضهما البعض، فإما تهبط هي بالسلم الداخلي إلى الطابق الأرضي لزيارته فيعدّ لها الشاي أو الفطائر، وإما يصعد هو إليها، ويجلسان يتآنسان بدون مناكفات أو عتاب، وهكذا انتهى الصدام الذي كاد أن يؤدي إلى طلاق بينهما، ومازالا يعيشان في تبات ونبات دون ان «يخلفوا صبيان وبنات».
لم أسرد هذه الحكاية لأنني معجب بالحل الذي توصل إليه الزوجان، وليس لأنني متعاطف مع هذا الطرف أو ذاك، ولكن لتأكيد حقيقة أن صمود الزواج سنوات طويلة لا يعني أنه خال من المشاكل، فالمرأة قد لا تتخلى عن النقنقة حتى لو كانت كل رغباتها وطلباتها مجابة، إذا وجدت الزوج الذي يصغي إليها، والرجل لن يكفّ عن أنانيته واعتبار أنه «حر»، حتى لو كانت تلك الحرية على حساب زوجته، وهو لا يعتبر جلوسه أمام التلفزيون والإنترنت بل وممارسة الونسة والسوالف/«التشات» مع أناس لا يعرفهم لساعات طويلة، لا يعتبر أن في ذلك ما ينبغي أن يغضب الزوجة، ونفاجأ بين الحين والآخر بأن كوثر وعنتر تطلقا على الرغم من أنهما كانا «مثالاً» للتفاهم طوال ربع قرن، فهناك حاجة إلى «توازن قُوَى» عاطفي ليستمر الزواج: المرأة «تخف شوية» عن الزوج، والزوج يكون «عنده دم» ولا يتعامل مع زوجته كأنها مجرد «أمر واقع»، و«يكفي أننا نعيش تحت سقف واحد»! أقول هذا وأنا أرجو من الله ألا يقع هذا المقال في يد زوجتي كي لا تقف في وجهي هازئة: كمان عندك وجه تنصح غيرك؟
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك