العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٥ - الجمعة ٢٢ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٠ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

عالم يتغير

فوزية رشيد

الغرب المريض وصراع الحضارة والهمجية!

{‭ ‬وقف‭ ‬رئيس‭ ‬وزراء‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬‮«‬نتنياهو‮»‬‭ ‬خلف‭ ‬منصة‭ ‬الكونجرس‭ ‬متباهيًا‭ ‬ومتبجحًا‭ ‬أن‭ ‬‮«‬حرب‭ ‬الإبادة‮»‬‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يتوقف‭ ‬عنها‭ ‬في‭ ‬غزة‭ ‬والضفة‭ ‬معها،‭ ‬هي‭ ‬حرب‭ ‬الحضارة‭ ‬ضدّ‭ ‬الهمجية‭! ‬وحرب‭ ‬الحرية‭ ‬ضدّ‭ ‬الاستبداد‭! ‬وفي‭ ‬الواقع‭ ‬أسمى‭ ‬تلك‭ ‬الحرب‭ ‬بالصراع‭ ‬بين‭ ‬الحضارة‭ ‬والهمجية،‭ ‬وغير‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬الأوصاف‭ ‬التي‭ ‬قلبت‭ ‬كل‭ ‬معاني‭ ‬اللغة‭ ‬إلى‭ ‬نقيضها‭ ‬في‭ ‬الوصف‭! ‬وليلقى‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬التوصيفات‭ ‬ذلك‭ ‬التصفيق‭ ‬المسرحي‭ ‬المخزي‭ ‬من‭ ‬أعضاء‭ ‬في‭ ‬الكونجرس‭ ‬وكومبارس‭ ‬جيء‭ ‬به‭ ‬لملء‭ ‬المقاعد‭ ‬الفارغة‭ ‬من‭ ‬النواب‭ ‬‮«‬المقاطعين‮»‬‭!‬

حينها‭ ‬كان‭ ‬وبشكل‭ ‬دراماتيكي‭ ‬يصف‭ ‬الدرك‭ ‬الأسفل‭ ‬الذي‭ ‬انحدرت‭ ‬إليه‭ ‬الولايات‭ ‬والغرب‭ ‬الصهيوني‭! ‬مثلما‭ ‬يصف‭ ‬حالة‭ ‬‮«‬الانفصال‭ ‬التام‮»‬‭ ‬نفسيًّا‭ ‬ولغويًّا‭ ‬وثقافيًا‭ ‬بل‭ ‬وحتى‭ ‬فكريا‭ ‬وفلسفيًّا،‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬المبادئ‭ ‬الإنسانية،‭ ‬وعن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬وسمت‭ ‬به‭ ‬الحضارة‭ ‬الغربية‭ ‬نفسها‭ ‬بما‭ ‬يخص‭ ‬مبادئها‭ ‬وقوانينها‭ ‬وادعاءاتها‭ ‬الحقوقية‭! ‬لتنقلب‭ ‬على‭ ‬نفسها‭ ‬انقلابًا‭ ‬كارثيًّا‭ ‬ينبئ‭ ‬عن‭ ‬نهاية‭ ‬قريبة‭ ‬أو‭ ‬بعيدة‭ ‬بعض‭ ‬الشيء‭ ‬لتلك‭ ‬الحضارة،‭ ‬التي‭ ‬كان‭ ‬يصفق‭ ‬أعضاء‭ ‬الكونجرس‭ ‬لمرحلة‭ ‬سقوطها‭ ‬المدوّي‭ ‬وانحدارها‭ ‬المأساوي،‭ ‬ودخولها‭ ‬مرحلة‭ (‬الشيزوفرينيا‭ ‬الحضارية‭) ‬التي‭ ‬تمثلها‭ ‬اليوم‭ ‬‮«‬الليبرالية‭ ‬الغربية‮»‬‭ ‬وهي‭ ‬تدخل‭ ‬بوابة‭ ‬‮«‬اليمين‭ ‬المتطرف‮»‬‭ ‬المغلف‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬بدهاء‭ ‬‮«‬الصهيونية‭ ‬المتطرفة‮»‬‭ ‬التي‭ ‬تحكم‭ ‬الغرب‭ ‬من‭ ‬بؤرة‭ ‬أمريكا‭ ‬وبريطانيا‭!‬

{‭ ‬اللافت‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬شعوب‭ ‬العالم‭ ‬تقريبًا‭ ‬تعرف‭ ‬جيدًا‭ ‬من‭ ‬هم‭ ‬ممثلو‭ ‬الهمجية‭ ‬في‭ ‬العالم‭! ‬بل‭ ‬وتدرك‭ ‬أن‭ ‬الانكشاف‭ ‬الكبير‭ ‬والانحدار‭ ‬الحضاري‭ ‬الغربي،‭ ‬يضع‭ ‬العالم‭ ‬أمام‭ ‬متغير‭ ‬عالمي‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬المستوى‭ ‬الفكري‭ ‬والنفسي‭ ‬والقيمي‭ ‬والديني‭! ‬بحيث‭ ‬أصبح‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬المعنى‭ ‬طاغيًا‭ ‬وعلى‭ ‬المستوى‭ ‬الوجودي‭ ‬والديني‭ ‬بما‭ ‬يذكرّ‭ ‬العالم‭ ‬بمفترقات‭ ‬الطرق‭ ‬قبل‭ ‬الحربين‭ ‬اللتين‭ ‬سُميتا‭ ‬بالعالميتين‭ ‬الأولى‭ ‬والثانية‭! ‬وحيث‭ ‬المشهد‭ ‬العالمي‭ ‬بعد‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬تسبب‭ ‬فيه‭ ‬الغرب‭ ‬من‭ ‬ويلات‭ ‬وانحدارات،‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬مشهدًا‭ ‬للانحدار‭ ‬الاقتصادي‭ ‬أو‭ ‬السياسي‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬الدبلوماسي‭ ‬الذي‭ ‬يمثله‭ ‬‮«‬بلينكن‮»‬‭ ‬وهو‭ ‬لا‭ ‬يكف‭ ‬عن‭ ‬الحركة‭ ‬ذهابًا‭ ‬ومجيئًا‭ ‬إلى‭ ‬المنطقة،‭ ‬بادعاء‭ ‬المفاوضات‭ ‬فيما‭ ‬‮«‬حرب‭ ‬الإبادة‮»‬‭ ‬مستمرة‭ ‬لما‭ ‬يقارب‭ ‬عامًا‭ ‬بأكمله‭ ‬قريبًا،‭ ‬إنما‭ ‬الانحدار‭ ‬الأخلاقي‭ ‬والإنساني‭ ‬هو‭ ‬الذي‭ ‬يصنع‭ ‬المقاربة‭ ‬الجديدة‭ ‬لمعنى‭ (‬الهمجية‭ ‬الغربية‭) ‬وبما‭ ‬يناقض‭ ‬كل‭ ‬الحضارات‭ ‬الإنسانية‭ ‬السابقة،‭ ‬ليتدحرج‭ ‬حجر‭ ‬الانحدار‭ ‬إلى‭ ‬الحضارة‭ ‬الغربية‭ ‬نفسها‭ ‬وبشكل‭ ‬طاغ‭ ‬وكبير‭!‬

{‭ ‬من‭ ‬الواضح‭ ‬أن‭ (‬لعنة‭ ‬غزة‭) ‬والصمت‭ ‬الدولي‭ ‬على‭ ‬أكبر‭ ‬المآسي‭ ‬الإنسانية‭ ‬والفرجة‭ ‬اليومية‭ ‬المفتوحة‭ ‬عليها‭ ‬على‭ ‬مدار‭ ‬الساعة،‭ ‬أصابت‭ ‬الكيان‭ ‬الصهيوني‭ ‬وقادته،‭ ‬مثلما‭ ‬أصابت‭ ‬أمريكا‭ ‬والغرب‭ ‬وقادتهم‭ ‬بالاضطراب‭ ‬والجنون‭ ‬الفكري‭ ‬والمعنوي‭! ‬لتهيمن‭ ‬ظلمات‭ ‬اليمين‭ ‬العنصري‭ ‬الفاشي‭ ‬والمتطرف‭ ‬على‭ ‬المشهد‭ ‬العالمي‭ ‬كله‭ ‬وليس‭ ‬على‭ ‬كوارث‭ ‬حرب‭ ‬الإبادة‭ ‬في‭ ‬‮«‬غزة‮»‬‭ ‬وحدها‭! ‬ولتظهر‭ ‬الصهيونية‭ ‬الفاشية‭ ‬على‭ ‬حقيقتها‭!‬

وبما‭ ‬أن‭ ‬الحضارة‭ ‬الغربية‭ ‬المهترئة‭ ‬من‭ ‬داخلها‭ ‬اليوم،‭ ‬تصارع‭ ‬المستحيل‭ ‬للإبقاء‭ ‬على‭ ‬مقعد‭ ‬التسيّد‭ ‬العالمي،‭ ‬فإنها‭ ‬وقادتها‭ ‬لا‭ ‬يدركون‭ ‬حجم‭ ‬الارتداد‭ ‬لديهم‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬عرفته‭ ‬الإنسانية‭ ‬من‭ ‬مبادئ‭ ‬وقيم،‭ ‬وأن‭ ‬الانحدار‭ ‬هو‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬ارتداد‭ ‬استراتيجي‭ ‬نحو‭ ‬الهمجية‭ ‬الفعلية،‭ ‬وبما‭ ‬ينزع‭ ‬عنها‭ ‬رداء‭ ‬الحضارة‭ ‬المدعاة،‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬استمر‭ ‬التطوّر‭ ‬المادي‭ ‬‮«‬العلمي‭ ‬والتكنولوجي‮»‬‭ ‬في‭ ‬أدائها‭!‬

{‭ ‬إن‭ ‬شعوب‭ ‬العالم‭ ‬ودوله‭ ‬قد‭ ‬دخلت‭ ‬مع‭ ‬مرحلة‭ ‬الارتداد‭ ‬الحضاري‭ ‬هذا‭ ‬لدى‭ ‬الغرب،‭ ‬مرحلة‭ (‬القلق‭ ‬الوجودي‭) ‬والبحث‭ ‬مجدّدًا‭ ‬هذه‭ ‬المرة‭ ‬عن‭ ‬القيم‭ ‬والهوية‭ ‬في‭ ‬عناصرها‭ ‬الأخلاقية‭ ‬والإنسانية‭ ‬والدينية‭ ‬والوجودية‭!‬

ما‭ ‬يفعله‭ ‬الصهاينة‭ ‬في‭ ‬فلسطين‭ ‬المحتلة‭ ‬يتجاوز‭ ‬النازية‭ ‬والفاشية،‭ ‬وليدرك‭ ‬العالم‭ ‬كله‭ ‬من‭ ‬هم‭ ‬ممثلو‭ ‬الهمجية‭ ‬والاستبداد‭! ‬ومن‭ ‬هم‭ ‬المنقلبون‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬المبادئ‭ ‬والقيم‭ ‬الإنسانية‭ ‬والأخلاقية،‭ ‬بل‭ ‬حتى‭ ‬على‭ ‬النمط‭ ‬‮«‬الليبرالي‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬أراد‭ ‬الغرب‭ ‬التسيّد‭ ‬على‭ ‬أساسه‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬بادعاءاته‭ ‬الديمقراطية‭ ‬والحقوقية‭!‬

{‭ ‬إن‭ ‬الأبعاد‭ ‬الشعبوية‭ ‬والدينية‭ ‬في‭ ‬‮«‬المسيحية‭ ‬الصهيونية‮»‬‭ ‬الطاغية‭ ‬وصعود‭ ‬التيارات‭ ‬المتطرفة،‭ ‬والتراجع‭ ‬الحضاري‭ ‬لدى‭ ‬الغرب‭ ‬‮«‬المهيمن‮»‬‭ ‬باستبداده‭ ‬الاستعماري،‭ ‬يضع‭ ‬العالم‭ ‬أمام‭ ‬مراجعات‭ ‬مختلفة‭ ‬وجديدة،‭ ‬وحيث‭ ‬الحاجة‭ ‬العالمية‭ ‬تزداد‭ ‬إلى‭ (‬التغيير‭) ‬وإلى‭ ‬إعادة‭ ‬التوازن،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تفشى‭ ‬‮«‬المرض‭ ‬الغربي‮»‬‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬مكان‭! ‬حتى‭ ‬أصبحت‭ ‬تسمية‭ ‬‮«‬الغرب‭ ‬المريض‮»‬‭ ‬معادلاً‭ ‬طبيعيًا‭ ‬لما‭ ‬تم‭ ‬إطلاقه‭ ‬على‭ ‬الدولة‭ ‬العثمانية‭ ‬قبل‭ ‬سقوطها‭ ‬ووصفها‭ ‬بالرجل‭ ‬المريض‭! ‬إنه‭ ‬‮«‬الغرب‭ ‬المريض‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬يقتات‭ ‬اليوم‭ ‬وبالتدريج‭ ‬بعد‭ ‬الانحدار،‭ ‬على‭ ‬إيديولوجيات‭ ‬مرفوضة‭ ‬منه‭ ‬سابقًا‭ ‬ومن‭ ‬العالم‭ ‬كالفاشية‭ ‬والنازية،‭ ‬اللتين‭ ‬تحولتا‭ ‬إلى‭ ‬منبع‭ ‬فكري‭ ‬يغتسل‭ ‬فيه‭ ‬الغرب‭! ‬وترفض‭ ‬غالبية‭ ‬شعوبه‭ ‬وشعوب‭ ‬العالم‭ ‬الاغتسال‭ ‬معه‭ ‬أي‭ ‬مع‭ ‬‮«‬النظام‭ ‬الغربي‮»‬،‭ ‬في‭ ‬مستنقع‭ ‬الارتداد‭ ‬والانحدار‭ ‬الحضاري‭ ‬هذا‭.! ‬فمن‭ ‬هم‭ ‬ممثلو‭ ‬الهمجية‭ ‬في‭ ‬العالم؟‭! ‬الجواب‭ ‬نجده‭ ‬في‭ ‬غزة‭!‬

إقرأ أيضا لـ"فوزية رشيد"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا