عالم يتغير
فوزية رشيد
الغرب المريض وصراع الحضارة والهمجية!
{ وقف رئيس وزراء الكيان الصهيوني «نتنياهو» خلف منصة الكونجرس متباهيًا ومتبجحًا أن «حرب الإبادة» التي لا يريد أن يتوقف عنها في غزة والضفة معها، هي حرب الحضارة ضدّ الهمجية! وحرب الحرية ضدّ الاستبداد! وفي الواقع أسمى تلك الحرب بالصراع بين الحضارة والهمجية، وغير ذلك من الأوصاف التي قلبت كل معاني اللغة إلى نقيضها في الوصف! وليلقى على تلك التوصيفات ذلك التصفيق المسرحي المخزي من أعضاء في الكونجرس وكومبارس جيء به لملء المقاعد الفارغة من النواب «المقاطعين»!
حينها كان وبشكل دراماتيكي يصف الدرك الأسفل الذي انحدرت إليه الولايات والغرب الصهيوني! مثلما يصف حالة «الانفصال التام» نفسيًّا ولغويًّا وثقافيًا بل وحتى فكريا وفلسفيًّا، عن كل المبادئ الإنسانية، وعن كل ما وسمت به الحضارة الغربية نفسها بما يخص مبادئها وقوانينها وادعاءاتها الحقوقية! لتنقلب على نفسها انقلابًا كارثيًّا ينبئ عن نهاية قريبة أو بعيدة بعض الشيء لتلك الحضارة، التي كان يصفق أعضاء الكونجرس لمرحلة سقوطها المدوّي وانحدارها المأساوي، ودخولها مرحلة (الشيزوفرينيا الحضارية) التي تمثلها اليوم «الليبرالية الغربية» وهي تدخل بوابة «اليمين المتطرف» المغلف هذه المرة بدهاء «الصهيونية المتطرفة» التي تحكم الغرب من بؤرة أمريكا وبريطانيا!
{ اللافت أن كل شعوب العالم تقريبًا تعرف جيدًا من هم ممثلو الهمجية في العالم! بل وتدرك أن الانكشاف الكبير والانحدار الحضاري الغربي، يضع العالم أمام متغير عالمي كبير على المستوى الفكري والنفسي والقيمي والديني! بحيث أصبح البحث عن المعنى طاغيًا وعلى المستوى الوجودي والديني بما يذكرّ العالم بمفترقات الطرق قبل الحربين اللتين سُميتا بالعالميتين الأولى والثانية! وحيث المشهد العالمي بعد كل ما تسبب فيه الغرب من ويلات وانحدارات، لم يعد مشهدًا للانحدار الاقتصادي أو السياسي أو حتى الدبلوماسي الذي يمثله «بلينكن» وهو لا يكف عن الحركة ذهابًا ومجيئًا إلى المنطقة، بادعاء المفاوضات فيما «حرب الإبادة» مستمرة لما يقارب عامًا بأكمله قريبًا، إنما الانحدار الأخلاقي والإنساني هو الذي يصنع المقاربة الجديدة لمعنى (الهمجية الغربية) وبما يناقض كل الحضارات الإنسانية السابقة، ليتدحرج حجر الانحدار إلى الحضارة الغربية نفسها وبشكل طاغ وكبير!
{ من الواضح أن (لعنة غزة) والصمت الدولي على أكبر المآسي الإنسانية والفرجة اليومية المفتوحة عليها على مدار الساعة، أصابت الكيان الصهيوني وقادته، مثلما أصابت أمريكا والغرب وقادتهم بالاضطراب والجنون الفكري والمعنوي! لتهيمن ظلمات اليمين العنصري الفاشي والمتطرف على المشهد العالمي كله وليس على كوارث حرب الإبادة في «غزة» وحدها! ولتظهر الصهيونية الفاشية على حقيقتها!
وبما أن الحضارة الغربية المهترئة من داخلها اليوم، تصارع المستحيل للإبقاء على مقعد التسيّد العالمي، فإنها وقادتها لا يدركون حجم الارتداد لديهم عن كل ما عرفته الإنسانية من مبادئ وقيم، وأن الانحدار هو في الواقع ارتداد استراتيجي نحو الهمجية الفعلية، وبما ينزع عنها رداء الحضارة المدعاة، حتى لو استمر التطوّر المادي «العلمي والتكنولوجي» في أدائها!
{ إن شعوب العالم ودوله قد دخلت مع مرحلة الارتداد الحضاري هذا لدى الغرب، مرحلة (القلق الوجودي) والبحث مجدّدًا هذه المرة عن القيم والهوية في عناصرها الأخلاقية والإنسانية والدينية والوجودية!
ما يفعله الصهاينة في فلسطين المحتلة يتجاوز النازية والفاشية، وليدرك العالم كله من هم ممثلو الهمجية والاستبداد! ومن هم المنقلبون على كل المبادئ والقيم الإنسانية والأخلاقية، بل حتى على النمط «الليبرالي» الذي أراد الغرب التسيّد على أساسه في العالم بادعاءاته الديمقراطية والحقوقية!
{ إن الأبعاد الشعبوية والدينية في «المسيحية الصهيونية» الطاغية وصعود التيارات المتطرفة، والتراجع الحضاري لدى الغرب «المهيمن» باستبداده الاستعماري، يضع العالم أمام مراجعات مختلفة وجديدة، وحيث الحاجة العالمية تزداد إلى (التغيير) وإلى إعادة التوازن، بعد أن تفشى «المرض الغربي» في كل مكان! حتى أصبحت تسمية «الغرب المريض» معادلاً طبيعيًا لما تم إطلاقه على الدولة العثمانية قبل سقوطها ووصفها بالرجل المريض! إنه «الغرب المريض» الذي يقتات اليوم وبالتدريج بعد الانحدار، على إيديولوجيات مرفوضة منه سابقًا ومن العالم كالفاشية والنازية، اللتين تحولتا إلى منبع فكري يغتسل فيه الغرب! وترفض غالبية شعوبه وشعوب العالم الاغتسال معه أي مع «النظام الغربي»، في مستنقع الارتداد والانحدار الحضاري هذا.! فمن هم ممثلو الهمجية في العالم؟! الجواب نجده في غزة!
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك