العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

شقيقان في الشقاء

بيننا‭ ‬نحن‭ ‬أهل‭ ‬السودان‭ ‬وأهل‭ ‬اليمن‭ ‬قواسم‭ ‬مشتركة‭ ‬كثيرة،‭ ‬أهمها‭ ‬أن‭ ‬كليهما‭ ‬‭ ‬نظريا‭ ‬سعيد،‭ ‬بينما‭ ‬تثبت‭ ‬الوقائع‭ ‬أنهما‭ ‬تعيسان‭ ‬بسبب‭ ‬جحود‭ ‬وعقوق‭ ‬من‭ ‬آلت‭ ‬إليهم‭ ‬مقاليد‭ ‬الأمور‭ ‬في‭ ‬البلدين،‭ ‬وها‭ ‬هو‭ ‬سودان‭ ‬اليوم‭ ‬ينافس‭ ‬اليمن‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬الأسلحة‭ ‬التي‭ ‬بأيدي‭ ‬المواطنين،‭ ‬وتحضرني‭ ‬هنا‭ ‬حكاية‭ ‬أبو‭ ‬يمن‭ ‬الذي‭ ‬أهدى‭ ‬حكومة‭ ‬بلاده‭ ‬دبابة‭ ‬تي‭ ‬62‭ ‬سوفييتية‭ ‬الصنع‭! (‬وكان‭ ‬ذلك‭ ‬قبل‭ ‬الخريف‭ ‬اليمني‭ ‬الذي‭ ‬أطاح‭ ‬بالمخرف‭ ‬أركان‭ ‬حرب‭ ‬‮«‬أهلية‮»‬‭ ‬علي‭ ‬عبدالله‭ ‬صالح،‭ ‬ليضع‭ ‬بيضه‭ ‬في‭ ‬سلة‭ ‬الحوثيين‭ ‬وهو‭ ‬لا‭ ‬يحسب‭ ‬أنه‭ ‬بذلك‭ ‬سيسبب‭ ‬لهم‭ ‬ارتفاع‭ ‬الكوليسترول‭ ‬فينقرضون‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬يقرضوا‭ ‬من‭ ‬أطاحوا‭ ‬به،‭ ‬فيعود‭ ‬هو‭ ‬وعياله‭ ‬للعب‭ ‬بالبلاد‭ ‬والعباد،‭ ‬فإذا‭ ‬بالحوثيين‭ ‬يتغدوا‭ ‬به‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يتعشى‭ ‬بهم‭)‬،‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬الدبابة‭ ‬هدية‭ ‬بمعنى‭ ‬الكلمة،‭ ‬فالحكومة‭ ‬أعطته‭ ‬نحو‭ ‬11‭ ‬ألف‭ ‬دولار‭ ‬نظيرها،‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬أنه‭ ‬لو‭ ‬عرضها‭ ‬في‭ ‬السوق‭ ‬السوداء‭ ‬لباعها‭ ‬بنحو‭ ‬350‭ ‬ألف‭ ‬دولار،‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬حقه‭ ‬أن‭ ‬يبيعها‭ ‬لأنها‭ ‬من‭ ‬غنائم‭ ‬الحرب،‭ ‬فقد‭ ‬استولى‭ ‬عليها‭ ‬الرجل‭ ‬بعد‭ ‬حرب‭ ‬عام‭ ‬1994‭ ‬بين‭ ‬شطري‭ ‬اليمن،‭ ‬وأبقى‭ ‬عليها‭ ‬طوال‭ ‬هذه‭ ‬المدة‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬قتالية‭ ‬جيدة،‭ ‬وكان‭ ‬يغسلها‭ ‬بالشامبو،‭ ‬ويقوم‭ ‬بتشحيمها‭ ‬بكريم‭ ‬نيفيا،‭ ‬ويبدو‭ ‬أنها‭ ‬أرهقته‭ ‬ماديا‭ ‬فقرر‭ ‬تسليمها‭ ‬أو‭ ‬بالأحرى‭ ‬بيعها‭ ‬إلى‭ ‬وزارة‭ ‬الدفاع‭!!‬

لقد‭ ‬كتبت‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مرة‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يوجد‭ ‬في‭ ‬قانون‭ ‬المرور‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬دولة‭ ‬ما‭ ‬يمنع‭ ‬إنسانا‭ ‬من‭ ‬قيادة‭ ‬دبابة‭ ‬في‭ ‬الشارع‭ ‬طالما‭ ‬أنه‭ ‬يحمل‭ ‬رخصة‭ ‬قيادة‭ ‬‮«‬ثقيلة‮»‬،‭ ‬نعم،‭ ‬راجع‭ ‬قوانين‭ ‬المرور‭ ‬في‭ ‬بلدك‭ ‬ولن‭ ‬تجد‭ ‬فيها‭ ‬ما‭ ‬يمنع‭ ‬ركوب‭ ‬سيارة‭ ‬مصفحة‭ ‬أو‭ ‬مجنزرة‭ ‬أو‭ ‬أي‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬المدرعات‭ ‬طالما‭ ‬أن‭ ‬قائدها‭ ‬لا‭ ‬يحمل‭ ‬ذخيرة‭ ‬حية‭ ‬أو‭ ‬ميتة‭ (‬من‭ ‬عجائب‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬أن‭ ‬اقتناء‭ ‬بندقية‭ ‬أوتوماتيكية‭ ‬واستخدامها‭ ‬علنا‭ ‬في‭ ‬الأفراح‭ ‬لا‭ ‬يعرض‭ ‬الانسان‭ ‬للمساءلة‭ ‬علما‭ ‬بأنه‭ ‬ما‭ ‬من‭ ‬دولة‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬الأرض‭ ‬تعطي‭ ‬سلطاتها‭ ‬تراخيص‭ ‬باقتناء‭ ‬مثل‭ ‬تلك‭ ‬البنادق‭ ‬كأسلحة‭ ‬شخصية،‭ ‬بل‭ ‬هي‭ ‬ممنوعة‭ ‬حتى‭ ‬في‭ ‬مجال‭ ‬صيد‭ ‬الحيوانات‭.. ‬ولكن‭ ‬في‭ ‬صيد‭ ‬البشر‭.. ‬نو‭ ‬بروبليم‭).‬

والأمر‭ ‬الثاني‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬الرجل‭ ‬استعجل‭ ‬في‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬الدبابة،‭ ‬فلو‭ ‬كان‭ ‬يجيد‭ ‬قراءة‭ ‬الواقع‭ ‬السياسي‭ ‬العربي‭ ‬لاحتفظ‭ ‬بها‭ ‬وحصل‭ ‬الى‭ ‬جانبها‭ ‬على‭ ‬مدفع‭ ‬هاون‭ ‬وصواريخ‭ ‬مضادة‭ ‬للطائرات،‭ ‬ولو‭ ‬عرضها‭ ‬في‭ ‬السوق‭ ‬لكنت‭ ‬أول‭ ‬من‭ ‬يشتريها،‭ ‬فالأوضاع‭ ‬في‭ ‬عدة‭ ‬جهات‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬تنذر‭ ‬بتدخلات‭ ‬أجنبية،‭ ‬وجنوب‭ ‬البلاد‭ ‬انفصل‭ ‬وصار‭ ‬دولة‭ ‬مستقلة،‭ ‬لكنه‭ ‬مازال‭ ‬قابلا‭ ‬للانفجار‭ ‬في‭ ‬أي‭ ‬لحظة،‭ ‬وها‭ ‬هو‭ ‬جيشنا‭ ‬يحارب‭ ‬اليوم‭ ‬مليشيا‭ ‬قام‭ ‬هو‭ ‬بتدريبها‭ ‬وتسليحها،‭ ‬وأنا‭ ‬من‭ ‬شمال‭ ‬السودان‭ ‬الأقصى،‭ ‬حيث‭ ‬أصبح‭ ‬السكان‭ ‬يعانون‭ ‬من‭ ‬مركب‭ ‬نقص‭: ‬اشمعنى‭ ‬كل‭ ‬البلد‭ ‬شايلة‭ ‬السلاح‭.. ‬ونحن‭ ‬لا؟‭ ‬ماذا‭ ‬يقول‭ ‬عنا‭ ‬الناس‭ ‬إذا‭ ‬صرنا‭ ‬نحن‭ ‬الوحيدين‭ ‬الذين‭ ‬لا‭ ‬نملك‭ ‬جماعة‭ ‬مسلحة؟‭ ‬ونحن‭ ‬في‭ ‬شمال‭ ‬السودان‭ ‬نملك‭ ‬كل‭ ‬المقومات‭ ‬‮«‬الكردية‮»‬‭ ‬فلنا‭ ‬لغتنا‭ ‬وثقافتنا‭ ‬الخاصة‭. ‬وجميعنا‭ ‬مسلمون‭. ‬وإذا‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬نحو‭ ‬31‭ ‬حزبا‭ ‬سياسيا‭ ‬فعندنا‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬نحو‭ ‬ثلاثة‭ ‬وثمانين‭ ‬حزبا‭ ‬معروفا،‭ ‬ونحو‭ ‬ثلاثة‭ ‬وأربعين‭ ‬حزبا‭ ‬يتألف‭ ‬كل‭ ‬منها‭ ‬من‭ ‬شلة‭ ‬أصدقاء‭ ‬أو‭ ‬أقارب‭ ‬في‭ ‬حدود‭ ‬ستة‭ ‬إلى‭ ‬تسعة‭ ‬أشخاص،‭ ‬وعلى‭ ‬أقل‭ ‬تقدير‭ ‬فان‭ ‬وجود‭ ‬دبابة‭ ‬في‭ ‬البيت،‭ ‬ضمان‭ ‬ضد‭ ‬التطورات‭ ‬المستقبلية‭. ‬وحتى‭ ‬لو‭ ‬عجزت‭ ‬عن‭ ‬تشغيل‭ ‬الدبابة،‭ ‬فإنني‭ ‬أستطيع‭ ‬ان‭ ‬اجعل‭ ‬منها‭ ‬خندقا‭ ‬تأوي‭ ‬إليه‭ ‬عائلتي‭ ‬كلما‭ ‬هجمت‭ ‬علينا‭ ‬جماعة‭ ‬تابعة‭ ‬لهذا‭ ‬التنظيم‭ ‬أو‭ ‬ذاك‭ ‬لـ«تحريرنا‮»‬‭.‬

من‭ ‬سخريات‭ ‬القدر‭ ‬أن‭ ‬حكومة‭ ‬الأمر‭ ‬الواقع‭ ‬في‭ ‬سودان‭ ‬اليوم،‭ ‬وتحديدا‭ ‬بعد‭ ‬عزل‭ ‬الرئيس‭ ‬عمر‭ ‬البشير‭ ‬وبطانته‭ ‬من‭ ‬الحكم،‭ ‬باعت‭ ‬لأوكرانيا‭ ‬قبل‭ ‬نحو‭ ‬عامين‭ ‬قذائف‭ ‬مضادة‭ ‬للدروع،‭ ‬ولجأت‭ ‬أوكرانيا‭ ‬الى‭ ‬السودان‭ ‬لتحصل‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬القذائف،‭ ‬لأن‭ ‬الدبابات‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬في‭ ‬معظمها‭ ‬من‭ ‬أصول‭ ‬روسية‭ ‬وأوكرانية،‭ ‬ولما‭ ‬نفد‭ ‬مخزون‭ ‬أوكرانيا‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬القذائف،‭ ‬بحثت‭ ‬عن‭ ‬طوفة‭ ‬هبيطة‭ (‬هذه‭ ‬في‭ ‬عامية‭ ‬أهل‭ ‬الخليج‭ ‬تعني‭ ‬الحائط‭ ‬القصير‭)‬،‭ ‬ووجدتها‭ ‬في‭ ‬السودان،‭ ‬وهكذا‭ ‬حصلت‭ ‬منها‭ ‬على‭ ‬نحو‭ ‬25‭ ‬ألف‭ ‬قذيفة،‭ ‬على‭ ‬ذمة‭ ‬مجلة‭ ‬جينز‭ ‬العسكرية،‭ ‬ثم‭ ‬اشتعلت‭ ‬الحرب‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬بين‭ ‬الجيش‭ ‬وقوات‭ ‬الدعم‭ ‬السريع،‭ ‬في‭ ‬15‭ ‬أبريل‭ ‬من‭ ‬العام‭ ‬الماضي،‭ ‬واكتشف‭ ‬الجيش‭ ‬أن‭ ‬رصيده‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬القذائف‭ ‬قريب‭ ‬من‭ ‬الصفر،‭ ‬بعد‭ ‬استيلاء‭ ‬الدعم‭ ‬السريع‭ ‬على‭ ‬مصنع‭ ‬الذخائر،‭ ‬واستنجد‭ ‬السودان‭ ‬بأوكرانيا‭ ‬فجاءه‭ ‬الرد‭: ‬منين‭ ‬يا‭ ‬حسرة‭. ‬فهل‭ ‬يلجأ‭ ‬إلى‭ ‬الشقيق‭ ‬اليمني؟

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا