زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
شقيقان في الشقاء
بيننا نحن أهل السودان وأهل اليمن قواسم مشتركة كثيرة، أهمها أن كليهما – نظريا سعيد، بينما تثبت الوقائع أنهما تعيسان بسبب جحود وعقوق من آلت إليهم مقاليد الأمور في البلدين، وها هو سودان اليوم ينافس اليمن في عدد الأسلحة التي بأيدي المواطنين، وتحضرني هنا حكاية أبو يمن الذي أهدى حكومة بلاده دبابة تي 62 سوفييتية الصنع! (وكان ذلك قبل الخريف اليمني الذي أطاح بالمخرف أركان حرب «أهلية» علي عبدالله صالح، ليضع بيضه في سلة الحوثيين وهو لا يحسب أنه بذلك سيسبب لهم ارتفاع الكوليسترول فينقرضون بعد أن يقرضوا من أطاحوا به، فيعود هو وعياله للعب بالبلاد والعباد، فإذا بالحوثيين يتغدوا به قبل أن يتعشى بهم)، ولم تكن الدبابة هدية بمعنى الكلمة، فالحكومة أعطته نحو 11 ألف دولار نظيرها، في حين أنه لو عرضها في السوق السوداء لباعها بنحو 350 ألف دولار، وكان من حقه أن يبيعها لأنها من غنائم الحرب، فقد استولى عليها الرجل بعد حرب عام 1994 بين شطري اليمن، وأبقى عليها طوال هذه المدة في حالة قتالية جيدة، وكان يغسلها بالشامبو، ويقوم بتشحيمها بكريم نيفيا، ويبدو أنها أرهقته ماديا فقرر تسليمها أو بالأحرى بيعها إلى وزارة الدفاع!!
لقد كتبت أكثر من مرة أنه لا يوجد في قانون المرور في أي دولة ما يمنع إنسانا من قيادة دبابة في الشارع طالما أنه يحمل رخصة قيادة «ثقيلة»، نعم، راجع قوانين المرور في بلدك ولن تجد فيها ما يمنع ركوب سيارة مصفحة أو مجنزرة أو أي نوع من المدرعات طالما أن قائدها لا يحمل ذخيرة حية أو ميتة (من عجائب العالم العربي أن اقتناء بندقية أوتوماتيكية واستخدامها علنا في الأفراح لا يعرض الانسان للمساءلة علما بأنه ما من دولة على وجه الأرض تعطي سلطاتها تراخيص باقتناء مثل تلك البنادق كأسلحة شخصية، بل هي ممنوعة حتى في مجال صيد الحيوانات.. ولكن في صيد البشر.. نو بروبليم).
والأمر الثاني هو أن الرجل استعجل في التخلص من الدبابة، فلو كان يجيد قراءة الواقع السياسي العربي لاحتفظ بها وحصل الى جانبها على مدفع هاون وصواريخ مضادة للطائرات، ولو عرضها في السوق لكنت أول من يشتريها، فالأوضاع في عدة جهات في السودان تنذر بتدخلات أجنبية، وجنوب البلاد انفصل وصار دولة مستقلة، لكنه مازال قابلا للانفجار في أي لحظة، وها هو جيشنا يحارب اليوم مليشيا قام هو بتدريبها وتسليحها، وأنا من شمال السودان الأقصى، حيث أصبح السكان يعانون من مركب نقص: اشمعنى كل البلد شايلة السلاح.. ونحن لا؟ ماذا يقول عنا الناس إذا صرنا نحن الوحيدين الذين لا نملك جماعة مسلحة؟ ونحن في شمال السودان نملك كل المقومات «الكردية» فلنا لغتنا وثقافتنا الخاصة. وجميعنا مسلمون. وإذا كان في العراق نحو 31 حزبا سياسيا فعندنا في السودان نحو ثلاثة وثمانين حزبا معروفا، ونحو ثلاثة وأربعين حزبا يتألف كل منها من شلة أصدقاء أو أقارب في حدود ستة إلى تسعة أشخاص، وعلى أقل تقدير فان وجود دبابة في البيت، ضمان ضد التطورات المستقبلية. وحتى لو عجزت عن تشغيل الدبابة، فإنني أستطيع ان اجعل منها خندقا تأوي إليه عائلتي كلما هجمت علينا جماعة تابعة لهذا التنظيم أو ذاك لـ«تحريرنا».
من سخريات القدر أن حكومة الأمر الواقع في سودان اليوم، وتحديدا بعد عزل الرئيس عمر البشير وبطانته من الحكم، باعت لأوكرانيا قبل نحو عامين قذائف مضادة للدروع، ولجأت أوكرانيا الى السودان لتحصل على تلك القذائف، لأن الدبابات في السودان في معظمها من أصول روسية وأوكرانية، ولما نفد مخزون أوكرانيا من تلك القذائف، بحثت عن طوفة هبيطة (هذه في عامية أهل الخليج تعني الحائط القصير)، ووجدتها في السودان، وهكذا حصلت منها على نحو 25 ألف قذيفة، على ذمة مجلة جينز العسكرية، ثم اشتعلت الحرب في السودان بين الجيش وقوات الدعم السريع، في 15 أبريل من العام الماضي، واكتشف الجيش أن رصيده من تلك القذائف قريب من الصفر، بعد استيلاء الدعم السريع على مصنع الذخائر، واستنجد السودان بأوكرانيا فجاءه الرد: منين يا حسرة. فهل يلجأ إلى الشقيق اليمني؟
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك