زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
ببغاء إكوادور وببغاواتنا
ما إن يأتي ذكر دولة من أمريكا الجنوبية إلا واستدعت الذاكرة الكوكايين والهيروين والعصابات التي تتاجر فيهما، ثم هناك جمهورية إكوادور التي لا تستطيع أن تراها بالعين المجردة على الأطلس، فهي «سندويتش»، أي محشورة بين عدد من الدول المحشورة بدورها وسط سلسلة من الجبال، وهي دولة «خيرها كافي شرها»، أي لا تسمع عنها شيئا في نشرات الأخبار، ربما لأن وسائل الإعلام لا تعرف بوجودها أو تعتبر وجودها على كوكب الأرض «زيادة خير» أو كمالة/تمامة عدد.
وفجأة وجدت نفسي من محبي إكوادور وشعبها، فقد أثبت مواطنوها أنهم يتحلون بوعي سياسي رفيع، فقبل سنوات انتخبوا رئيسا وعدهم بتحسين مستويات المعيشة، وتقديم الحليب للأطفال في البيوت عبر خطوط أنابيب، وبأن يتم تعديل الأشجار جينيا حتى تطرح سندويتشات باللحم والكاتشاب، وجلس الرجل على كرسي الحكم ولحس كلامه ذاك، أي نسي أمر وعوده، بل نسي كل شيء يتعلق بالحكم، ولم يكن المواطنون يرونه إلا حاملا جيتارا وهو يغني بصوت كصوت شعبولا في الميادين العامة، وهو يحسب أن ذلك ما يسميه علماء السياسية «الالتحام بالجماهير»، فكان أن خرجت مظاهرات عارمة أطاحت به، فقد اكتشف شعب إكوادور أن الرجل واسمه أبو كرم مستهبل، وما لم يكونوا يعرفونه هو أنه عربي «يعني معذور»، لأن الاستهبال في جيناته ومن ثم فقد كان يقول ما لن يفعل، وكلام الليل يمحوه النهار!! ومنذ أن طار أبو كرم صرت أتابع أحوال أكوادور، ولم يدهشني أنها صارت تنعم بالاستقرار والازدهار!!
ولكن قبل حين من الزمان طفحت الجينات العربية في أحد المسؤولين الإكوادوريين (ففي تلك البلاد جالية عربية ضخمة منذ أكثر من مائتي سنة)، فقد عقد محافظ إحدى مقاطعات إكوادور مؤتمرا صحفيا، مصطحبا معه ببغاء، وكلما طرح الصحفيون سؤالا على المحافظ تولى الببغاء الرد: كل شيء يسير بحسب الخطة المرسومة. هذا السؤال تردده جهات مغرضة حاقدة تخطط للنيل من مكتسبات بلادنا... لا نعاني من مشكلات في الخدمات... لا توجد عندنا مشكلة مجاري بعد أن بدأنا في ضخ الكولونيا في شبكات الصرف الصحي... لدينا فائض من الأكسجين سنقوم بتصديره ويعود على البلاد بالشيء الفلاني!! والفرق بين ذلك المسؤول الاكوادوري والمسؤولين عندنا هو أن الأول جاء ببغاء حقيقي ليقول الكلام المكرر والمعاد والممجوج، بينما جماعتنا يأتون بببغاوات بشرية ثقيلة الدم لتقول نفس الكلام السخيف عاما بعد عام ولتؤكد لنا أننا نرى الأمور بالمقلوب، وعندما استولى عساكر الجبهة الإسلامية على الحكم في السودان في عام 1989 فرضوا حظر التجوال الليلي على الناس طوال أربع سنوات وبرر مرشدهم الدكتور حسن الترابي (قبل أن يصبح من دعاة الديمقراطية بعد أن راح لاحقا ضحية القمع الذي كان يقننه) بأن حظر التجوال والحد من حرية الحركة يساعد على الترابط الأُسري والتناسل والتكاثر.
وبوصفي إعلاميا فإنني أدرك كم يعاني العاملون في الأجهزة الإعلامية العربية، وهم يرددون كلاما لا يقنع حتى هبنقة، وتحويل ابن آدم إلى ببغاء فيه إهدار لكرامته، ومن ثم فإنني أقترح إلغاء وظائف المذيعين واستبدالهم بكائنات افتراضية (فيرشوال) أي يتم تجميعها إلكترونيا لتتولى تقديم الوعود الرسمية والضحك على العقول، فنوفر بذلك مبالغ ضخمة يمكن إنفاقها على الحفلات الرسمية التي تقام بمناسبة افتتاح المشروعات الوهمية، وأقترح إلغاء أجهزة الإذاعة والتلفزيون الرسمية والاستعاضة عنها بمكبرات صوت يتم تركيبها في كل الأحياء في المدن والقرى، تكون مرتبطة بجهاز تسجيل مركزي يردد بانتظام أشياء مثل: قررت الحكومة توزيع المايونيز مجانا على الأطفال الرضع.. سنضرب بيد من حديد على كل من يشكك في إنجازاتنا.
(قبل ستة أعوام تم إغلاق جسر على النيل الأزرق في العاصمة السودانية كان عمره وقتها تسع سنوات، بعد ظهور تشققات فيه، وقالت الحكومة ان التشققات تسبب فيها جريان مياه النيل خلال الفيضان!! طيب أصلا الكباري تقام على مجاري الأنهار وما من نهر لا يشهد فيضانا موسميا، هنا استدرك الوالي وقال إن الفئران نهشت جسم الجسر.. وهكذا أثبت أنه لا يجيد حتى الضحك على العقول).
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك