العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

ببغاء إكوادور وببغاواتنا

ما‭ ‬إن‭ ‬يأتي‭ ‬ذكر‭ ‬دولة‭ ‬من‭ ‬أمريكا‭ ‬الجنوبية‭ ‬إلا‭ ‬واستدعت‭ ‬الذاكرة‭ ‬الكوكايين‭ ‬والهيروين‭ ‬والعصابات‭ ‬التي‭ ‬تتاجر‭ ‬فيهما،‭ ‬ثم‭ ‬هناك‭ ‬جمهورية‭ ‬إكوادور‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تراها‭ ‬بالعين‭ ‬المجردة‭ ‬على‭ ‬الأطلس،‭ ‬فهي‭ ‬‮«‬سندويتش‮»‬،‭ ‬أي‭ ‬محشورة‭ ‬بين‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬المحشورة‭ ‬بدورها‭ ‬وسط‭ ‬سلسلة‭ ‬من‭ ‬الجبال،‭ ‬وهي‭ ‬دولة‭ ‬‮«‬خيرها‭ ‬كافي‭ ‬شرها‮»‬،‭ ‬أي‭ ‬لا‭ ‬تسمع‭ ‬عنها‭ ‬شيئا‭ ‬في‭ ‬نشرات‭ ‬الأخبار،‭ ‬ربما‭ ‬لأن‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬بوجودها‭ ‬أو‭ ‬تعتبر‭ ‬وجودها‭ ‬على‭ ‬كوكب‭ ‬الأرض‭ ‬‮«‬زيادة‭ ‬خير‮»‬‭ ‬أو‭ ‬كمالة‭/‬تمامة‭ ‬عدد‭.‬

وفجأة‭ ‬وجدت‭ ‬نفسي‭ ‬من‭ ‬محبي‭ ‬إكوادور‭ ‬وشعبها،‭ ‬فقد‭ ‬أثبت‭ ‬مواطنوها‭ ‬أنهم‭ ‬يتحلون‭ ‬بوعي‭ ‬سياسي‭ ‬رفيع،‭ ‬فقبل‭ ‬سنوات‭ ‬انتخبوا‭ ‬رئيسا‭ ‬وعدهم‭ ‬بتحسين‭ ‬مستويات‭ ‬المعيشة،‭ ‬وتقديم‭ ‬الحليب‭ ‬للأطفال‭ ‬في‭ ‬البيوت‭ ‬عبر‭ ‬خطوط‭ ‬أنابيب،‭ ‬وبأن‭ ‬يتم‭ ‬تعديل‭ ‬الأشجار‭ ‬جينيا‭ ‬حتى‭ ‬تطرح‭ ‬سندويتشات‭ ‬باللحم‭ ‬والكاتشاب،‭ ‬وجلس‭ ‬الرجل‭ ‬على‭ ‬كرسي‭ ‬الحكم‭ ‬ولحس‭ ‬كلامه‭ ‬ذاك،‭ ‬أي‭ ‬نسي‭ ‬أمر‭ ‬وعوده،‭ ‬بل‭ ‬نسي‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬يتعلق‭ ‬بالحكم،‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬المواطنون‭ ‬يرونه‭ ‬إلا‭ ‬حاملا‭ ‬جيتارا‭ ‬وهو‭ ‬يغني‭ ‬بصوت‭ ‬كصوت‭ ‬شعبولا‭ ‬في‭ ‬الميادين‭ ‬العامة،‭ ‬وهو‭ ‬يحسب‭ ‬أن‭ ‬ذلك‭ ‬ما‭ ‬يسميه‭ ‬علماء‭ ‬السياسية‭ ‬‮«‬الالتحام‭ ‬بالجماهير‮»‬،‭ ‬فكان‭ ‬أن‭ ‬خرجت‭ ‬مظاهرات‭ ‬عارمة‭ ‬أطاحت‭ ‬به،‭ ‬فقد‭ ‬اكتشف‭ ‬شعب‭ ‬إكوادور‭ ‬أن‭ ‬الرجل‭ ‬واسمه‭ ‬أبو‭ ‬كرم‭ ‬مستهبل،‭ ‬وما‭ ‬لم‭ ‬يكونوا‭ ‬يعرفونه‭ ‬هو‭ ‬أنه‭ ‬عربي‭ ‬‮«‬يعني‭ ‬معذور‮»‬،‭ ‬لأن‭ ‬الاستهبال‭ ‬في‭ ‬جيناته‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬يقول‭ ‬ما‭ ‬لن‭ ‬يفعل،‭ ‬وكلام‭ ‬الليل‭ ‬يمحوه‭ ‬النهار‭!! ‬ومنذ‭ ‬أن‭ ‬طار‭ ‬أبو‭ ‬كرم‭ ‬صرت‭ ‬أتابع‭ ‬أحوال‭ ‬أكوادور،‭ ‬ولم‭ ‬يدهشني‭ ‬أنها‭ ‬صارت‭ ‬تنعم‭ ‬بالاستقرار‭ ‬والازدهار‭!! ‬

ولكن‭ ‬قبل‭ ‬حين‭ ‬من‭ ‬الزمان‭ ‬طفحت‭ ‬الجينات‭ ‬العربية‭ ‬في‭ ‬أحد‭ ‬المسؤولين‭ ‬الإكوادوريين‭ (‬ففي‭ ‬تلك‭ ‬البلاد‭ ‬جالية‭ ‬عربية‭ ‬ضخمة‭ ‬منذ‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مائتي‭ ‬سنة‭)‬،‭ ‬فقد‭ ‬عقد‭ ‬محافظ‭ ‬إحدى‭ ‬مقاطعات‭ ‬إكوادور‭ ‬مؤتمرا‭ ‬صحفيا،‭ ‬مصطحبا‭ ‬معه‭ ‬ببغاء،‭ ‬وكلما‭ ‬طرح‭ ‬الصحفيون‭ ‬سؤالا‭ ‬على‭ ‬المحافظ‭ ‬تولى‭ ‬الببغاء‭ ‬الرد‭: ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬يسير‭ ‬بحسب‭ ‬الخطة‭ ‬المرسومة‭. ‬هذا‭ ‬السؤال‭ ‬تردده‭ ‬جهات‭ ‬مغرضة‭ ‬حاقدة‭ ‬تخطط‭ ‬للنيل‭ ‬من‭ ‬مكتسبات‭ ‬بلادنا‭... ‬لا‭ ‬نعاني‭ ‬من‭ ‬مشكلات‭ ‬في‭ ‬الخدمات‭... ‬لا‭ ‬توجد‭ ‬عندنا‭ ‬مشكلة‭ ‬مجاري‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬بدأنا‭ ‬في‭ ‬ضخ‭ ‬الكولونيا‭ ‬في‭ ‬شبكات‭ ‬الصرف‭ ‬الصحي‭... ‬لدينا‭ ‬فائض‭ ‬من‭ ‬الأكسجين‭ ‬سنقوم‭ ‬بتصديره‭ ‬ويعود‭ ‬على‭ ‬البلاد‭ ‬بالشيء‭ ‬الفلاني‭!! ‬والفرق‭ ‬بين‭ ‬ذلك‭ ‬المسؤول‭ ‬الاكوادوري‭ ‬والمسؤولين‭ ‬عندنا‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬الأول‭ ‬جاء‭ ‬ببغاء‭ ‬حقيقي‭ ‬ليقول‭ ‬الكلام‭ ‬المكرر‭ ‬والمعاد‭ ‬والممجوج،‭ ‬بينما‭ ‬جماعتنا‭ ‬يأتون‭ ‬بببغاوات‭ ‬بشرية‭ ‬ثقيلة‭ ‬الدم‭ ‬لتقول‭ ‬نفس‭ ‬الكلام‭ ‬السخيف‭ ‬عاما‭ ‬بعد‭ ‬عام‭ ‬ولتؤكد‭ ‬لنا‭ ‬أننا‭ ‬نرى‭ ‬الأمور‭ ‬بالمقلوب،‭ ‬وعندما‭ ‬استولى‭ ‬عساكر‭ ‬الجبهة‭ ‬الإسلامية‭ ‬على‭ ‬الحكم‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬1989‭ ‬فرضوا‭ ‬حظر‭ ‬التجوال‭ ‬الليلي‭ ‬على‭ ‬الناس‭ ‬طوال‭ ‬أربع‭ ‬سنوات‭ ‬وبرر‭ ‬مرشدهم‭ ‬الدكتور‭ ‬حسن‭ ‬الترابي‭ (‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يصبح‭ ‬من‭ ‬دعاة‭ ‬الديمقراطية‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬راح‭ ‬لاحقا‭ ‬ضحية‭ ‬القمع‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يقننه‭) ‬بأن‭ ‬حظر‭ ‬التجوال‭ ‬والحد‭ ‬من‭ ‬حرية‭ ‬الحركة‭ ‬يساعد‭ ‬على‭ ‬الترابط‭ ‬الأُسري‭ ‬والتناسل‭ ‬والتكاثر‭. ‬

وبوصفي‭ ‬إعلاميا‭ ‬فإنني‭ ‬أدرك‭ ‬كم‭ ‬يعاني‭ ‬العاملون‭ ‬في‭ ‬الأجهزة‭ ‬الإعلامية‭ ‬العربية،‭ ‬وهم‭ ‬يرددون‭ ‬كلاما‭ ‬لا‭ ‬يقنع‭ ‬حتى‭ ‬هبنقة،‭ ‬وتحويل‭ ‬ابن‭ ‬آدم‭ ‬إلى‭ ‬ببغاء‭ ‬فيه‭ ‬إهدار‭ ‬لكرامته،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فإنني‭ ‬أقترح‭ ‬إلغاء‭ ‬وظائف‭ ‬المذيعين‭ ‬واستبدالهم‭ ‬بكائنات‭ ‬افتراضية‭ (‬فيرشوال‭) ‬أي‭ ‬يتم‭ ‬تجميعها‭ ‬إلكترونيا‭ ‬لتتولى‭ ‬تقديم‭ ‬الوعود‭ ‬الرسمية‭ ‬والضحك‭ ‬على‭ ‬العقول،‭ ‬فنوفر‭ ‬بذلك‭ ‬مبالغ‭ ‬ضخمة‭ ‬يمكن‭ ‬إنفاقها‭ ‬على‭ ‬الحفلات‭ ‬الرسمية‭ ‬التي‭ ‬تقام‭ ‬بمناسبة‭ ‬افتتاح‭ ‬المشروعات‭ ‬الوهمية،‭ ‬وأقترح‭ ‬إلغاء‭ ‬أجهزة‭ ‬الإذاعة‭ ‬والتلفزيون‭ ‬الرسمية‭ ‬والاستعاضة‭ ‬عنها‭ ‬بمكبرات‭ ‬صوت‭ ‬يتم‭ ‬تركيبها‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬الأحياء‭ ‬في‭ ‬المدن‭ ‬والقرى،‭ ‬تكون‭ ‬مرتبطة‭ ‬بجهاز‭ ‬تسجيل‭ ‬مركزي‭ ‬يردد‭ ‬بانتظام‭ ‬أشياء‭ ‬مثل‭: ‬قررت‭ ‬الحكومة‭ ‬توزيع‭ ‬المايونيز‭ ‬مجانا‭ ‬على‭ ‬الأطفال‭ ‬الرضع‭.. ‬سنضرب‭ ‬بيد‭ ‬من‭ ‬حديد‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يشكك‭ ‬في‭ ‬إنجازاتنا‭.‬

‭(‬قبل‭ ‬ستة‭ ‬أعوام‭ ‬تم‭ ‬إغلاق‭ ‬جسر‭ ‬على‭ ‬النيل‭ ‬الأزرق‭ ‬في‭ ‬العاصمة‭ ‬السودانية‭ ‬كان‭ ‬عمره‭ ‬وقتها‭ ‬تسع‭ ‬سنوات،‭ ‬بعد‭ ‬ظهور‭ ‬تشققات‭ ‬فيه،‭ ‬وقالت‭ ‬الحكومة‭ ‬ان‭ ‬التشققات‭ ‬تسبب‭ ‬فيها‭ ‬جريان‭ ‬مياه‭ ‬النيل‭ ‬خلال‭ ‬الفيضان‭!! ‬طيب‭ ‬أصلا‭ ‬الكباري‭ ‬تقام‭ ‬على‭ ‬مجاري‭ ‬الأنهار‭ ‬وما‭ ‬من‭ ‬نهر‭ ‬لا‭ ‬يشهد‭ ‬فيضانا‭ ‬موسميا،‭ ‬هنا‭ ‬استدرك‭ ‬الوالي‭ ‬وقال‭ ‬إن‭ ‬الفئران‭ ‬نهشت‭ ‬جسم‭ ‬الجسر‭.. ‬وهكذا‭ ‬أثبت‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬يجيد‭ ‬حتى‭ ‬الضحك‭ ‬على‭ ‬العقول‭).‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا