زاوية غائمة
جعفـــــــر عبــــــــاس
jafasid09@hotmail.com
التبغ والفتك بالعقل
«سبع صنائع والبخت ضائع» مثل شعبي مصري يصف حالي تماما، فقد عملت في كوكتيل من المهن، عبر عقود من الزمان، وما زلت عاجزا عن تحسين بختي، والبخت هو الحظ. جاءت واحدة من تلك المهن ذات عام عندما جلست لاختبار عقدته وزارة الخارجية السودانية لاختيار دبلوماسيين شباب، ونجحت في الامتحان التحريري والمقابلة الشفهية، وكنت ضمن من تم تعيينهم دبلوماسيين بدرجة سكرتير ثالث، ولكنني لم أستمر في تلك الوظيفة أكثر من ثلاثة أسابيع، فقد قرروا إلحاقنا بـ«معهد التنمية الإدارية» لنحو ستة أشهر وكنت «ما صدقت» إني تخرجت في الجامعة وارتحت من المحاضرات والامتحانات، وقاطعت الدورة الدراسية فتم تفنيشي، ولم أحزن لذلك فرغم أن العمل الدبلوماسي ممتع ويوسع المدارك، إلا أنه قد ينتهي بك في بلد «حفرة» تظل تناضل طوال أربع سنوات للخروج منها، وبكل صدق أقول إن أحد أقوى الأسباب لرفضي العمل في وزارة الخارجية، كان إدراكي أن الالتحاق بالسلك الدبلوماسي يعني البقاء معظم سنوات العمر خارج الوطن، وكنت وقتها أحس بأنني لو عشت خارج السودان لأكثر من شهر سأكون كالسمكة التي أُخرجت من الماء، ولم أتخيل قط أنه سيأتي علي يوم أناضل فيه كي أخرج من وطني كما حدث لاحقا.
وكنت خلال عملي بالسفارة البريطانية في الخرطوم على علاقة طيبة بمستشار السفارة الذي كان دائم الشكوى من أنه ومن فرط غبائه درس العربية وانتهى به الأمر بـ«تدبيسة» في العالم العربي، المهم أنني خرجت من امتحان وزارة الخارجية السودانية بمكسب كبير وهو لقب «ذكي جدا»، فقد تضمن الامتحان اختبارا للذكاء (آي. كيو) وأحرزت نسبة عالية جدا، ومنذ يومها عشت على وهم أنني شخص نابه ومكحل بالشطة وأفهمها وهي طائرة أو زاحفة، ولكن فريقا من أساتذة جامعتي أبردين وأدنبره في إسكتلندا ببريطانيا قال في تقرير نشرته مجلة نيو ساينتيست (العلمية) إن أبا الجعافر أغبى من العديد من نظرائه ورصفائه وزملائه، فقد جاء في بحث نشره البروفسور لورنس واللي، والدكتور جون ستار أن التدخين يضعف القدرات الذهنية ويجعل العقل متبلدا، كما أن المدخنين معرضون للخرف والتخريف أكثر من غير المدخنين! عندما قرأت ذلك في أول التقرير قلت الحمد لله فمنذ سنوات هجرت التدخين، مما يعني أنني محتفظ بكامل قواي العقلية وما زلت أبا الجعافر نفسه الذي أحرز نسبة عالية في اختبار الذكاء ذاك، ولكن التقرير يقول إن آثار التدخين الضارة بالذكاء تبقى حتى بعد الإقلاع عن التدخين بسنوات طويلة.
يقول هذان الأستاذان الحاقدان (على أبي الجعافر) إن المواد الكيميائية السامة التي في التبغ المحروق تدخل الأوعية الدموية التي تغذي المخ بالأوكسجين، وبمرور الزمن يفقد المدخن القدرة على التركيز والتفكير السليم والحسم الواضح، بينما المدخن يعزو ذلك لعدم أخذ كفايته من النيكوتين، فيشعل سيجارة جديدة لـ«يمخمخ» ويعدل مزاجه و«يروِّق» أعصابه، وتكون النتيجة أنه يزود دماغه بالمزيد من السموم التي تجعل نشاطه الذهني أقل من نظرائه غير المدخنين. ولعلك تلاحظ ذلك في لاعبي الورق، فكلما أحس الواحد منهم بالزنقة وأراد أن يحسن اللعب أشعل سيجارة، ثم يقدم على لعبة خاطئة، والأمر الذي لا يحتاج إلى بروفسورات من إسكتلندا هو أن التدخين يضعف الرئة وهذا الضعف يؤدي إلى قلة الأوكسجين الذي ينبغي أن يصل إلى الدماغ.. وهذا يعني أن الدماغ لا يعمل بالكفاءة المطلوبة.. وكما قلت قبل قليل فإن شخصا مثلي «تقاعد» عن التدخين يكون قد ألحق بذكائه تلفا بنسبة 2% إذا تعاطى التبغ في شبابه لعشر سنوات مقارنة بشخص لم يدخن قط.. يعني أبو الجعافر الذي قد يلاحظ بعضكم أنه «يخرِّف» في هذه الزاوية في كثير من الأحيان، معذور.. وسبب العلة معروف! فانج سعد فقد هلك سعيد.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك