العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٤ - الخميس ٢١ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ١٩ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

هذا فندق أم فندك

لم‭ ‬أسافر‭ ‬خارج‭ ‬المنطقة‭ ‬العربية‭ ‬طوال‭ ‬السنوات‭ ‬الأخيرة،‭ ‬ويفسر‭ ‬هذا‭ ‬حالة‭ ‬الاكتئاب‭ ‬والإحباط‭ ‬التي‭ ‬ربما‭ ‬لمستموها‭ ‬في‭ ‬مقالاتي‭ ‬مؤخرا،‭ ‬وفي‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬فإنني‭ ‬على‭ ‬العهد‭ ‬بأنني‭ ‬لن‭ ‬أزور‭ ‬أي‭ ‬دولة‭ ‬عربية‭ ‬كسائح،‭ (‬يعني‭ ‬فقط‭ ‬للشديد‭ ‬القوي‭ ‬كالمهمة‭ ‬الرسمية‭ ‬التي‭ ‬يعني‭ ‬رفض‭ ‬القيام‭ ‬بها‭ ‬التفنيش‭)‬،‭ ‬وذلك‭ ‬صونا‭ ‬لنفسي‭ ‬من‭ ‬البهدلة‭ ‬والمرمطة‭ ‬في‭ ‬السفارات،‭ ‬حيث‭ ‬تتقدم‭ ‬بطلب‭ ‬تأشيرة‭ ‬سياحية‭ ‬فيتعاملون‭ ‬معك‭ ‬وكأنك‭ ‬شخص‭ ‬ملغوم‭ ‬أو‭ ‬مفخخ‭ ‬وقابل‭ ‬للانفجار،‭ (‬في‭ ‬سفارة‭ ‬دولة‭ ‬عربية‭ ‬‮«‬سياحية‮»‬‭ ‬طلبت‭ ‬استمارة‭ ‬تأشيرة‭ ‬فأعطوني‭ ‬ورقة‭ ‬نظير‭ ‬ان‭ ‬اسلمهم‭ ‬جواز‭ ‬سفري‭ ‬كتعهد‭ ‬وتأمين‭ ‬وابحث‭ ‬عن‭ ‬مكان‭ ‬لتصوير‭ ‬نسخة‭ ‬منه‭ ‬واعادة‭ ‬الاستمارة‭ ‬اليهم،‭ ‬فتعهدت‭ ‬لهم‭ ‬بعدم‭ ‬زيارة‭ ‬بلدهم‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬نقلوها‭ ‬الى‭ ‬الساحة‭ ‬التي‭ ‬أمام‭ ‬بيتي‭).‬

وبعد‭ ‬أن‭ ‬تبتلع‭ ‬كرامتك‭ ‬وتحصل‭ ‬على‭ ‬التأشيرة‭ ‬وتنزل‭ ‬في‭ ‬مطار‭ ‬البلد‭ ‬المنشود،‭ ‬يعاملونك‭ ‬وكأنك‭ ‬قادم‭ ‬من‭ ‬كولمبيا‭ ‬حاملا‭ ‬طنا‭ ‬من‭ ‬الهيرويين‭. ‬وبعض‭ ‬ضباط‭ ‬الجمارك‭ ‬العرب‭ ‬يفتح‭ ‬فمك‭ ‬ويسألك‭: ‬دي‭ ‬حشوة‭ ‬ذهب‭ ‬أم‭ ‬زئبق؟‭ ‬تود‭ ‬لو‭ ‬تصيح‭: ‬مالك‭ ‬أنت‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬حشوة‭ ‬من‭ ‬صفيح‭ ‬أو‭ ‬تبن؟‭ ‬ولكنك‭ ‬تضطر‭ ‬إلى‭ ‬إدخال‭ ‬إصبعك‭ ‬في‭ ‬فمك‭ ‬لتشد‭ ‬جانبا‭ ‬من‭ ‬فمك‭ ‬وتقترب‭ ‬من‭ ‬صاحب‭ ‬السيادة‭ ‬ليتأكد‭ ‬بأن‭ ‬الحشوة‭ ‬طبية‭ ‬ولا‭ ‬تخفي‭ ‬قنبلة‭ ‬عنقودية‭ ‬أو‭ ‬عشرة‭ ‬آيفونات‭ ‬تهربا‭ ‬من‭ ‬الجمارك‭! ‬وتفاديا‭ ‬لمثل‭ ‬هذه‭ ‬المواقف،‭ ‬فإنني‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬أكل‭ ‬البصل‭ ‬قبل‭ ‬الهبوط‭ ‬في‭ ‬المطارات‭ ‬العربية‭ ‬حتى‭ ‬يضطر‭ ‬مسؤولو‭ ‬الجوازات‭ ‬والجمرك‭ ‬إلى‭ ‬التخلص‭ ‬مني‭ ‬بسرعة،‭ ‬لأنني‭ ‬أحرص‭ ‬على‭ ‬نفث‭ ‬عطر‭ ‬البصل‭ ‬في‭ ‬وجوههم‭ ‬أثناء‭ ‬الرد‭ ‬على‭ ‬أسئلتهم‭ ‬العجيبة‭!‬

ثم‭ ‬اكتشفت‭ ‬مكانا‭ ‬رهيبا‭ ‬لقضاء‭ ‬العطلة‭ ‬الصيفية‭. ‬إنه‭ ‬فندق‭ ‬ماركيز‭ ‬لوس‭ ‬كارلوس‭ ‬في‭ ‬باخا‭ ‬كليفورنيا‭ ‬في‭ ‬المكسيك‭ ‬المطل‭ ‬على‭ ‬بحر‭ ‬كورتيز،‭ ‬ويضع‭ ‬الفندق‭ ‬تحت‭ ‬تصرفك‭ ‬يختاً‭ ‬فارهاً،‭ ‬وحوض‭ ‬استحمام‭ ‬يتسع‭ ‬لخمسة‭ ‬أشخاص‭. ‬لماذا؟‭ ‬كلك‭ ‬نظر‭! ‬ويقوم‭ ‬طباخ‭ ‬خاص‭ ‬بك‭ ‬بإعداد‭ ‬الطعام‭ ‬حسب‭ ‬مزاجك‭ (‬المكسيكيون‭ ‬مثل‭ ‬السودانيين‭ ‬يحبون‭ ‬الشطة‭ ‬وبيننا‭ ‬وبينهم‭ ‬ود،‭ ‬فقد‭ ‬حاربت‭ ‬كتيبة‭ ‬سودانية‭ ‬في‭ ‬المكسيك‭ ‬خلال‭ ‬النصف‭ ‬الأول‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭ ‬ومن‭ ‬أفرادها‭ ‬من‭ ‬بقي‭ ‬هناك‭ ‬لتحسين‭ ‬النسل‭ ‬‭ ‬نسل‭ ‬المكسيكيين‭ ‬طبعا‭ ‬‭ ‬ومنهم‭ ‬من‭ ‬عاد‭ ‬إلى‭ ‬الوطن‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬كتبت‭ ‬له‭ ‬السلامة‭.. ‬ولكن‭ ‬قولوني‭ ‬لا‭ ‬يسمح‭ ‬لي‭ ‬بتعاطي‭ ‬الشطة‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فإنني‭ ‬سأطالب‭ ‬بطباخ‭ ‬يجيد‭ ‬إعداد‭ ‬الفول‭ ‬والطعمية‭/‬الفلافل‭)‬،‭ ‬ولا‭ ‬تسأل‭ ‬عن‭ ‬نوعية‭ ‬السكن‭ ‬في‭ ‬الفندق،‭ ‬لأنه‭ ‬يقدم‭ ‬لك‭ ‬غرفا‭ ‬تسمح‭ ‬لك‭ ‬باستضافة‭ ‬عائلتك‭ ‬وأصدقائك‭ ‬وحماتك‭ (‬لو‭ ‬كنت‭ ‬ناقص‭ ‬العقل‭). ‬وكل‭ ‬هذا‭ ‬ببلاش‭ ‬تقريبا‭: ‬ثلاث‭ ‬ليال‭ ‬فقط‭ ‬بثمانية‭ ‬ملايين‭ ‬وأربعمائة‭ ‬ألف‭ ‬دولار‭! ‬ولا‭ ‬يخفى‭ ‬عليكم‭ ‬أن‭ ‬أبا‭ ‬الجعافر‭ ‬لن‭ ‬يستطيع‭ ‬تحقيق‭ ‬هذا‭ ‬الحلم‭ ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬نجح‭ ‬في‭ ‬الزواج‭ ‬بمطربة‭ ‬هيفاء‭ ‬فرعاء‭ ‬مصقول‭ ‬عوارضها،‭ ‬وجعلته‭ ‬وصيا‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬ثروتها‭ ‬التي‭ ‬ضاع‭ ‬معظمها‭ ‬في‭ ‬عمليات‭ ‬شد‭ ‬الوجه‭ ‬وتقويم‭ ‬الأنف‭ ‬والأذن‭ ‬والحنجرة‭! ‬لكن‭ ‬أملي‭ ‬عظيم‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬أجد‭ ‬‮«‬فاعل‭ ‬خير‮»‬‭ ‬يتبناني‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المشروع‭ ‬الحيوي،‭ ‬علما‭ ‬بأن‭ ‬الحجز‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يتم‭ ‬قبل‭ ‬موعد‭ ‬الوصول‭ ‬المحدد‭ ‬بستة‭ ‬أشهر،‭ ‬وها‭ ‬هو‭ ‬الصيف‭ ‬على‭ ‬وشك‭ ‬الانقضاء،‭ ‬فأرجو‭ ‬التعجيل‭ ‬بمسألة‭ ‬التبني‭ ‬والتبرع،‭ ‬أخذا‭ ‬في‭ ‬الاعتبار‭ ‬أن‭ ‬أشهر‭ ‬من‭ ‬أقام‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الفندق‭ ‬هم‭ ‬أوبرا‭ ‬وينفري‭ ‬مقدمة‭ ‬البرنامج‭ ‬الحواري‭ ‬الأمريكي‭ ‬الذي‭ ‬يحمل‭ ‬اسمها،‭ ‬وهالي‭ ‬بيري‭ ‬الممثلة‭ ‬التي‭ ‬حصلت‭ ‬على‭ ‬الأوسكار،‭ ‬وبيونسي‭ ‬ناولز‭ ‬المطربة‭ ‬التي‭ ‬حصدت‭ ‬عشرات‭ ‬الجوائز‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬تركت‭ ‬فرقة‭ ‬‮«‬ديستينيز‭ ‬تشايلد‮»‬‭. ‬والثلاث‭ ‬سوداوات،‭ ‬ولكن‭ ‬سوادهن‭ ‬مغشوش‭ ‬لأنهن‭ ‬أمريكيات‭ ‬بينما‭ ‬أبو‭ ‬الجعافر‭ ‬أسود‭ ‬‮«‬أصل‭ ‬بلاده‮»‬‭.‬

هل‭ ‬تريدون‭ ‬الصراحة‭: ‬والله‭ ‬لو‭ ‬عرض‭ ‬علي‭ ‬صاحب‭ ‬الفندق‭ ‬ذاك‭ ‬أن‭ ‬أقيم‭ ‬فيه‭ ‬مجانا‭ ‬لأي‭ ‬فترة‭ ‬أريد‭ ‬لما‭ ‬قبلت‭ ‬العرض‭ ‬لأن‭ ‬مجرد‭ ‬التفكير‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬شخصا‭ ‬ناقص‭ ‬العقل‭ ‬يقيم‭ ‬إلى‭ ‬جواري‭ ‬نظير‭ ‬قرابة‭ ‬3‭ ‬ملايين‭ ‬دولار‭ ‬سيجعلني‭ ‬أفكر‭ ‬في‭ ‬قتله‭!‬

 

-‭ ‬الفندك‭ ‬في‭ ‬السودان‭ ‬هو‭ ‬الهاون‭ ‬اليدوي‭ ‬المستخدم‭ ‬لسحق‭ ‬البهارات‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا